صفحات سوريةعلي العائد

ماذا سوريا أصغر من أن تُقسَّم؟/ علي العائد

 

 

لا يمر أسبوع إلا ونشاهد خريطة لتقسيم سوريا منبعها مصدر إقليمي، أو دولي، مركز دراسات، أو صحافي مشهور، أو صحافي صغير ولدت بنت أذنه فكرة ما فصاغها خريطة على طريقة ألعاب البازل (PUZZLE)

يذكر المتابع للحرب الأهلية اللبنانية سيئة الذكر مقولات تقسيم لبنان بين الأطراف اللبنانية المتحاربة التي لا علاقة لأهل لبنان بها لولا التقسيم الطائفي الذي ازداد استقراراً في الوعي اللبناني. ويذكر اللبنانيون كيف تم تجميد الوضع الطائفي عندما فقد محركو السلاح بيد اللبنانيين الأمل في انتصار طرف على طرف، خاصة أن الأطراف تشعبت، ولم تعد الحرب طائفية، بل تجاوزتها إلى المذهبية، وإن كانت الواجهات حزبية.

في لبنان، انتصر زعماء الطوائف، وثبتوا زعاماتهم، وهزم “دهماء اللبنانيين”، ولبنانهم الذي كان، وليس بالإمكان أفضل من لبنان ما قبل صعود العروبة والناصرية التي اجتاحته من مصر وسوريا، قبل أن يكمل جنين الممانعة الأسدي مهمة ذوي القربى الذين أرادوا بلبنان خيراً، والنتيجة ما نراه ونتابعه منذ 1975.

مع ذلك، لبنان لم يُقسم، وسادت العبارة المأثورة “لبنان أصغر من يُقسم”.

لبنان، على الأقل، لم يقسم جغرافياً، لكن القسمات الأخرى ثابتة، ويجري توريثها باسم حماية الطائفة الخائفة من جارتها الطائفة الأخرى. كل هذا جرى وترافق مع ظهور حركة أمل، ومن ثم حزب الله، اللذين أبَّدا القسمة الطائفية وأخذا حصتهما في ظلم لبنان اللبنانيين.

سوريا أكبر من لبنان مساحة بما يقارب 18 ضعفاَ، وبما يقارب ستة أضعاف في عدد السكان. وتشبه سوريا لبنان، بل تزيد، في مسألة التعدد الطائفي والعرقي، ولها من الحدود من الجوار ما يجعلها قارة بالمقارنة مع لبنان.

مع ذلك، هي أصغر من أن تُقسم.

الجواب القريب، وببساطة، لأن كل هذه التعقيدات الطائفية الكبيرة، وبعد أن أزيح عنها الغطاء البعثي الذي ظل يطبخها طوال خمسة عقود، أكثر خدمة لدعاة التقسيم من التقسيم ذاته. وأي خدمة أكبر من صراعات تتجدد في سوريا كل بضع سنوات، أو بضعة عقود، لمن يريد تقسيم الكيان الكبير إلى كيانات أصغر لا تقوى على إطعام “شعوبها”.

الأَولى، إذاً، المساعدة في حفظ الكيان الكبير الذي يحمل بذور صراعات بدائية موضوعها الدائم الماء والكلأ والهواء.

ذلك، لأن ما فعله السيدان سايكس – بيكو هو المثالي لمصالح مستعمري الأمس، وديكتاتوريات العفن التي تنشر أبواغها في المحيط القريب والبعيد. ولا شيء يستدعي تغييراً مادامت الشعوب، داخل كل بلد، وفي ما بين الشعوب المتجاورة، متفقة على التناحر خدمة لمصالح الدكتاتور ومستعمر الأمس اللذين يتبادلان الأدوار كلما تطلب تناغمهما ذلك.

أما الجواب البعيد الذي لابد أن يستجيب له القدر، فهو أن سوريا كانت قلب العالم القديم، وهذا شيء مؤكد كونه من الماضي. وتلعب سوريا الآن دور المطهر لـ” الآثام السياسية” لشعوب المنطقة كلها، وتدفع كل هذا الثمن الباهظ عوضاً عن المنطقة كلها. ونقول ربما تلعب سوريا في مستقبل غير منظور، لكنه غير بعيد، الدور الذي لعبته الثورة الفرنسية التي لم يستقر لها حال لتستحق لقب “الثورة الفرنسية إلا في عام 1858، بالرغم من أن التاريخ يعيد نقطة انطلاقها إلى العام 1789.

في المدى المنظور، والآن، تبدو تصرفات إثنيات سوريا وطوائفها شبيهة بتصرفات إثنيات لبنان وطوائفه أواسط الثمانينيات، حين تدخلت حكومات معظم العالم الغربي، وجزء من العالم العربي، لدعم هذا الطرف، أو ذاك، لكن ليس للاستقلال بكيان، بل للمقاومة ما أمكن في انتظار حل سياسي يقدمه أصحاب المال والسلاح أنفسهم.

في لبنان، وقتها، كان قادة الطوائف يدركون أن لا حل إلا بالسياسة. وعندما جاء مؤتمر الطائف، خبأوا أسلحتهم، ظاهرياً على الأقل.

في سوريا، اليوم، تُدرك الطوائف (النظام وداعموه، والمعارضات وداعموهم) أن لا حل إلا بالسياسة. لكن، أية سياسة؟

النظام وداعموه يريد استسلام المعارضات وداعميها، واستئناف صيغة حكم آل الأسد لسوريا.

المعارضات وداعموهم، وبغض النظر عن ضرورة التذكير والتأنيث، يريدون حلاً سياسياً بعد إسقاط النظام، أو على الأقل حلاً سياسياً يستبعد النظام من أي صيغة مستقبلية في سوريا.

يبدو الحلان مستحيلان وفق قراءة متعجلة للواقع العسكري، إلا إذا صحت الأنباء عن نية فعلية لتدخل أمريكي لتعجيل سقوط الأسد وداعش معاً.

موقع 24

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى