براء موسىصفحات مميزة

ماذا لو استقال بشّار؟/ براء موسى

 

 

ما من حقيقة أجلى في الربيع العربي من الارتباط الوثيق بين نسبة الضحايا وبقاء الديكتاتور على رأس النظام الحاكم. فسبعة وعشرون يوماً في تونس هي الفاصل بين قيام الانتفاضة ورحيل بن علي لا تقاس أبداً في ضحاياها مع ضحايا الثورة السورية وهي على باب السنة الرابعة، وما زالت حُبلى بالمزيد. ذاك أن هروب الرئيس التونسي بن علي بمثابة إعلان لوقف إطلاق النار بين طرفين واضحين تماماً، كذلك بالنسبة الى مصر عندما تنحّى حسني مبارك عن الحكم نزولاً عند مطالب المنتفضين، وهكذا في اليمن، وإن أخذ وقتاً أطول لاستبعاد علي عبد الله صالح عن السلطة. أمّا خيار القذّافي في ليبيا بمحاربة الشعب قبل أن يُقتل فزاد من عدد الضحايا، ومن تعميق الأزمة التي ما زالت مستمرة إلى اليوم.

ومع أنّ الأزمات السياسية ما زالت قائمة في هذه البلدان، غير أنّها لا تُقارن بالمأساة السوريّة النازفة بأهوالها، وكلّ ذلك يُعزى إلى تمسّك نظام دمشق بشخص الرئيس الوارث السلطة عن أبيه.

لا يخفى أنّ التباين بين تلك الأنظمة الديكتاتوريّة الحاكمة هي بنية الجيش في هذه الدول، فما حصل في تونس ومصر من وقوف الجيش وجنرالاته على الحياد كان بعيداً من مراهنة قلّة من السوريين على واقع الجيش الأسدي السوري، والانشقاقات الكبرى التي حصلت في الصفوف العليا في ليبيا واليمن لا شبيه لها في سورية، حيث النظام قائم أصلاً على ولاء الجيش والأجهزة الأمنية منذ تأسيسها في عقود حكم الأب الراحل، وما قدّمته الانتفاضات العربيّة التي سبقت الانتفاضة السوريّة ليس سوى تنبيه لنظامها لا أكثر لضرورة التحقّق من ولاء الجيش والأجهزة الأمنيّة، ولاحقاً توريطهما في خندق جرائم النظام ذاته وتضييق الخيارات إلى خانتين لا ثالثة لهما: قاتل أو مقتول.

فكرة الاستقالة أو التنحّي عن الحكم في سورية كانت عبارة عن محرّم لا يخطر على بال نظامها، والموالين له، بالمطلق. ففي الداخل السوريّ كان هذا التساؤل المفترض قُبيل انتفاضة آذار (مارس) 2011: إمّا أنّه لم يراود الأذهان حتّى، أو نكتة تراجيديّة تثير السخرية المريرة والضحك في آن.

لا أكثر من الأسئلة التي يُثيرها هذا التساؤل الافتراضيّ: ماذا لو أنّ بشار الأسد استقال؟ حقنا لدماء السوريين في الدرجة الأولى، عدا هذا الحجم المذهل من الخراب والدمار الذي لا مثيل له؟

هل كان يمكن للطائفيّة أن تتفشّى الى هذا الحدّ؟ وهل التشدّد الديني يصل إلى حافّة اللا معقول كما هو الحال، والسوريّون إلى هذا التمزّق والتشرذم والأهوال؟

الأسئلة لا تتوقف عن النزيف الحاد في كلّ التفاصيل صغيرها و كبيرها أمام هذا التساؤل الافتراضي: ماذا لو أنّه استقال؟ وهذا على الأقل من منظار داعميه الروس والإيرانيّين الذين ما انفكّوا يتداولون حجّتهم التي هي رغبتهم في الحفاظ على «الدولة»، وليس شخص رئيسها!

* كاتب سوري

الحياة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى