صفحات سوريةميشيل كيلو

ماذا يحدث في سوريا؟


ميشيل كيلو

ثمة واقعتان مهمتان لا بد من التوقف عندهما، إن أردنا تكوين رؤية جدية حول تغير موقف الحكومة السورية من مشروع الجامعة العربية للتهدئة في سوريا. هاتان الواقعتان هما: حديث الرئيس بشار الأسد أمام وفد الجامعة العربية عن إحراق المنطقة والزلزال الذي سيصيبها إن تم أي اعتداء خارجي على النظام. والثاني هو ملابسات قبول اقتراح الجامعة، وما بين الحدثين من علاقة وثيقة لم تحظ بانتباه كاف في تعليقات وملاحظات المعلقين والمتابعين، الذين تحدثوا عن الحدث السوري أو علقوا عليه.

وكان الرئيس الأسد قد أطلق – بعد يوم من لقائه أعضاء اللجنة الوزارية العربية – تهديدا غير مسوق بإشعال المنطقة، في حال تعرضت سوريا لأي عمل عسكري خارجي. ومع أن معلقين كثيرين قد أكدوا أن الفرصة العربية هي الأخيرة أمام النظام السوري، فإنه بدا من المستغرب جدا أن يتحدث الرئيس بمثل هذه اللهجة التهديدية الصارمة، عقب لقائه وفدا عربيا صرفا، لا يضم أي أجنبي. ماذا قال العرب للرئيس؟ هل هددوه بعمل عسكري أو أعمال عسكرية إن هو رفض اقتراحهم، أو حاول الالتفاف عليه والتنصل منه؟ ربما حدث شيء من هذا، خاصة أن إعلان رئيس الوزراء القطري للاتفاق اقترن بحديث صريح حول الرغبة في قطع الطريق على تدخلات خارجية، وأن رد الأسد جاء متوافقا مع سياسات النظام منذ بدء الأزمة، وقد قامت على ركيزتين هما: رفض الاستجابة لأي مطلب خارجي من شأنه وقف الحل الأمني، أو ما سماه الأسد «استعادة الأمن»، ورأى فيه «واجب أي دولة تجاه مواطنيها»، واستعادة الوضع السابق ليوم 17 مارس (آذار)، يوم بدء التمرد الشعبي، لأن استعادته هي سبيل النظام إلى استعادة علاقاته مع العالم، التي دمرها خيار الحل الأمني وتعاطف العالم مع التمرد وضد القمع الأعمى لشعب سوريا المسالم.

هنا، في الموقف مما يبدو أن الجامعة قالته في حضرة رأس النظام السوري، يبدو أنه قال ما قاله من تهديد التزاما منه بهاتين الركيزتين، وأطلق، انطلاقا من موقف يرفض اقتراحاتها، تهديده ضد العرب، الذين سيشعل منطقتهم. فما الذي جرى في اليومين التاليين، وجعل الرئيس يغير موقفه من النقيض إلى النقيض ويقبل اقتراحات الجامعة، التي سبق له أن رفض ما يماثلها بقوة قبل نيف وشهر؟ هذا هو السؤال المهم الأول؟ هل يرجع السبب إلى تصريحات أردوغان، أم إلى عمليات الجيش السوري الحر وما أعلن عن عزم تركيا فرض منطقة آمنة على حدودها مع سوريا، أم هو عجز النظام عن إخراج الشعب من الشارع، وإدراكه، أو إدراك أطراف وازنة فيه من عسكر وغير عسكر أن المعركة لا يجوز أن تستمر على الطريقة المعتمدة أمنيا، خاصة بعد أن تكاثر حوادث الانشقاق وما قيل حول شعور الجيش بالإرهاق الشديد، وبأن موقفه من الأحداث ربما يتغير، لأنه يمارس مهمته دون غطاء سياسي مقبول مهنيا ووطنيا؟

الملاحظة الثانية هي أن المقترحات التي قبلها النظام لم تكن من وضع الجامعة العربية، بل من وضع المعارضة السورية، التي سبق لها أن بلورتها وقدمتها قبل ستة أشهر للنظام – الذي دأب على رفضها – وسمتها في حينه «بيئة حوار» لا بد من تحقيقها لضمان نجاحه. هذه ملاحظة فائقة الأهمية، ذلك أن مقترحات الجامعة لم تأت بكلمة واحدة مغايرة لما سبق للمعارضة أن اقترحته وقاتلت من أجله خلال نصف العام المنصرم، فما الذي تغير بين يوم وليلة وجعل النظام يقبلها، مع أنه كان يعتبرها شروطا مسبقة ومحاولة للي ذراعه وفرض نتائج الحوار بصورة مسبقة عليه، علما بأنه مارس الحل الأمني كي يتفادى، بين أهداف أخرى، قبول هذه البيئة، وفعل المستحيل كي يقلب الطاولة على رأس الشعب والمعارضة ويفرض شروط المنتصر عليهما، بما أن وقف الحل الأمني وسحب الجيش والأمن من المدن وإطلاق سراح المعتقلين على خلفية الأحداث والسماح بالتظاهر السلمي وإدخال الإعلام العالمي إلى البلد وقبول وجود مراقبين عرب في الداخل السوري يمثل هزيمة صريحة وواضحة له؟

ما الذي جعل النظام يغير موقفه المتشدد حيال الداخل ويقبل رؤية المعارضة الداخلية لبيئة الحل المطلوب؟ هذان السؤالان على قدر كبير من الأهمية بالنسبة إلى ما ستعيشه سوريا من تطور قريب. وهما يؤكدان أن النظام تراجع عن موقفه «الاستراتيجي» السابق، الذي قام على رفض أي تدخل خارجي قبل حسم الوضع الداخلي لصالحه، ورفض أي مبادرة داخلية تأتي من المعارضة وفرض ما يراه هو كحل وبشروطه. هذان السؤالان يحتاجان إلى جواب، إلى معرفة ما حدث بين لقاء الرئيس مع وفد الجامعة وإعلان النظام قبول ما كان يرفضه بشدة؟

ثمة ملاحظتان أخيرتان لا بد من إبراز ما لهما من أهمية، بالنسبة إلى قراءة ما سيأتي من تطور، هما: إعلان واشنطن ضرورة تنحي بشار الأسد عن السلطة، وإعلان رسمي بأن الأسد سيصدر مرسوما بتشكيل هيئة الحوار الوطني، التي يفترض أن قبول المبادرة العربية قد تجاوزها وجعلها بلا مبرر، بعد أن أعلن النظام استعداده للتفاوض مع المعارضة، التي لن تذهب إلى الحوار الوطني، وإنما قد تفاوضه، إن خلصت نواياه والتزم بما قبله، خلال أسبوعين.. في القاهرة وليس في دمشق!

الشرق الاوسط

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى