صفحات سوريةعلي العبدالله

ماذا يريد العم سام؟/ علي العبدالله

 

في محاولة واضحة للسيطرة على تداعيات الصمود الفلسطيني في وجه العدوان الاسرائيلي على غزة والتحكم بتفاعلاته المحلية والإقليمية والدولية، أوفدت الادارة الاميركية وزير خارجيتها السيد جون كيري للعمل على ضبط هذه التفاعلات والتحكم بتداعياتها تمهيداً لوقف اطلاق النار وتكريس معادلة سياسية عسكرية تستجيب تصورات الادارة الاميركية لحل الملف الفلسطيني.

تحرك كيري تحت راية «حق اسرائيل في الدفاع عن نفسها»، و «حقها في تدمير الأنفاق والرد على صواريخ حماس»، وتعسّف في تصوير المشهد السياسي والميداني، بتجاهله اصل المشكلة ومترتباتها، حيث قال: «إسرائيل تحت حصار منظمة إرهابية تحفر الأنفاق وتحاول خطف مواطنين إسرائيليين والعودة بهم كأسرى، وليس هناك أي دولة بإمكانها أن تتغاضى عن هذا الأمر وأن تجلس مكتوفة ولا تحاول التعامل مع أناس يضربونها بآلاف الصواريخ». وأعلن تأييده للمبادرة المصرية التي تربط التعاطي مع المطالب الفلسطينية بالمفاوضات التي ستلي وقف اطلاق النار، ما يسمح بالضغط على الفصائل الفلسطينية ودفعها الى التنازل في بعض النقاط .

فقد كان إصراره على بقاء المبادرة المصرية كخيار وحيد، ورفضه تعديلها (تعديل قدمته تركيا وقطر يلحظ جذر المشكلة: رفع الحصار وفتح المعابر) بإدخال المطالب الفلسطينية عليها للقبول بها.

في حلقة ثانية من المشاورات والاتصالات لاحتواء المطالب الفلسطينية ومنع تسجيل نقاط لمصلحة حركة حماس طلب من قطر وتركيا الضغط عليها للقبول بالمبادرة المصرية، ما يعني ضمناً مطالبتهما بوقف العمل على مبادرة موازية، وركز على وقف سريع لإطلاق النار مع القبول بطلب واحد من مطالب الفصائل: رفع الحصار عن القطاع، لكن من دون إدراج ذلك في متن المبادرة وإنما بضمانة شخصية منه، وهذا اغضب الاسرائيليين والمصريين، لأنهم وجدوا فيه تعزيزاً لموقف حركة حماس.

غير ان تداعيات المواجهة والتصعيد الاسرائيلي بالبدء بهجوم بري واستهدافه المباشر المدنيين الفلسطينيين، وانتشار صور الاطفال والنساء والشيوخ الممزقة بفعل القصف الاسرائيلي، وبدء تحركات شعبية فلسطينية في الضفة الغربية والقدس المحتلة وأراضي الـ 48، ما أثار المخاوف من انطلاق انتفاضة فلسطينية ثالثة، واستجابة منظمة التحرير والسلطة الفلسطينية الضغط الشعبي وتأييدهما لموقف حركة حماس من المبادرة المصرية، ناهيك عن تظاهرات التضامن مع الفلسطينيين التي انطلقت في عدد من دول العالم، وبخاصة الاوروبية منها، تحت هول الصدمة التي احدثتها صورة اجساد الاطفال الممزقة والدمار الواسع واستهداف اللاجئين في مدارس الانروا، وضعت الادارة الاميركية ومبعوثها المبجل في حرج شديد، وهذا دفعه الى توسيع دائرة مشاوراته واتصالاته (اجتماع باريس الذي ضم الى جانب اميركا كلاً من المانيا وبريطانيا وفرنسا وتركيا وقطر) في محاولة لتأمين وقف اطلاق النار والبدء بالتفاوض على مخرج دائم للوضع في غزة، تقدم على اثرها باقتراح رفضته اسرائيل وقرنت رفضها بهجوم ديبلوماسي وإعلامي عليه، لأنه تبنى مطالب حركة حماس المتعلقة بوقف اطلاق النار وانسحاب القوات الاسرائيلية من القطاع التي نقلتها تركيا وقطر، وتجاهله قضايا تدمير الأنفاق ونزع سلاح حماس الذي تطالب به.

أثمرت الضغوط الاسرائيلية على الادارة الاميركية فتم تعديل التصور الذي سبق أن طرحه كيري في لقاء سابق مع نتانياهو بتبني مطلب اسرائيل نزع سلاح غزة ووضع قواعد اشتباك جديد تربط رفع الحصار وفتح المعابر بوضع آلية مراقبة على استخدام مواد البناء، لضمان عدم استخدامها في تدعيم الأنفاق، ومنع حصول حركة حماس على اسلحة بدل تلك التي خسرتها في عملية الجرف الصامد.

عكست مداخلات الموفد الاميركي الى المفاوضات غير المباشرة بين الفلسطينيين والإسرائيليين في القاهرة طبيعة التوجه الاميركي الراهن ازاء الملف الفلسطيني والذي يقوم على: تكريس المبادرة المصرية كآلية وحيدة لحل المشكلة والولوج الى اتفاق تهدئة نهائي، تثبيت المصالحة الفلسطينية بإشراك السلطة الفلسطينية في المفاوضات واعتبارها الجهة المخولة الحديث باسم الفلسطينيين في ضوء اتفاق المصالحة الذي قبلته حركة حماس وسلّمت بموجبه السلطة الفلسطينية ادارة قطاع غزة، ما يعني سحب الورقة من يد حركة حماس التي حاولت استرجاعها خلال التصدي للعدوان عبر رفضها موقف الرئيس الفلسطيني من المبادرة المصرية، وفرضها الإقامة الجبرية على كوادر حركة فتح في القطاع، تحت التهديد بالتصفية الجسدية لكل من يخرق القرار، في محاولة لمنع الحركة من لعب أي دور في التصدي للعدوان الاسرائيلي، كمدخل للاحتفاظ بحق التحدث باسم القطاع على خلفية من دافع عن القطاع يتحدث باسمه، وأخيراً ربط الحل في القطاع بالعودة الى المفاوضات الفلسطينية- الاسرائيلية وتنفيذ حل الدولتين.

يلاحظ المراقب الطابع التوفيقي الذي تبنته الادارة الاميركية بقبولها مطالب الاطراف المحلية من جهة والتعبير عن رفضها لبعض مواقف هذه الاطراف من جهة ثانية حيث عكست رفضها لموقف اسرائيل من المصالحة الفلسطينية، وتمسكها بوحدة الاراضي الفلسطينية عبر الدعوة الى العودة الى المفاوضات على اساس حل الدولتين الذي سعت اسرائيل للإجهاز عليه بعدوانها على غزة، ورفضها تمسك حركة حماس بحكم غزة ومطالبتها بإنشاء ميناء بحري وترميم المطار كي تتحرر من قيود العبور عبر مصر وتتخلص من الدور المصري الضاغط عبر تعزيزها دور السلطة الفلسطينية، ورفضها توجه السلطة الفلسطينية الى مجلس حقوق الانسان التابع للأمم المتحدة للتحقيق بالجرائم التي ارتكبها الجيش الاسرائيلي في عدوانه على القطاع.

فهل تتمسك بتصورها الى النهاية وتنجح في فرضه على الاطراف المحلية بعد ان تجلى حجم التباين بينهم وتمسك كل طرف منهم بأهدافه المعلنة؟

الحياة

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى