صفحات سورية

ماذا يريد الغرب من الثورة السورية؟

 

عبد عرابي

قد يكون الموقف الروسي والإيراني من الثورة السورية مفهوماً للسوريين، بل ربّما يكون مريحاً لهم لوضوحه، فهاتان الدولتان اختارتا طرفاً في الحالة السورية وانحازتا له، وهما تتحملان تبعات هذا الاختيار فيما بعد، سواء انتصرت الثورة السورية وسقط النظام – وهذا هو المرجّح أو أخفقت الثورة السورية وبقي النظام، فهما جازفتا بعلاقتهما المستقبلية مع السوريين، بغض النظر عن نوع النظام الذي سيحكمهم، وراهنتا على طرف النظام وبقائه، وحاولت كلّ واحدة منهما تبرير اختيارها، وتقديمه للسوريين والعرب والعالم على أنّه الخيار الأنسب والأصوب لمصلحة السوريين، من حيث المحافظة على سيادة الدولة وعدم التدخل في خيارات شعبها – كما يدّعون- وبذلتا الكثير في سبيل ترجيح خيارهما سياسياً وعسكرياً واقتصادياً، مع اختلاف المنطلق الذي تنطلق منه كلّ من الدولتين في خيارها.

المسألة التي تحيّر السوريين هي موقف الغرب من ثورتهم، فمنذ بداية الثورة تأخرت بعض الدول في إعلان موقف واضح وصريح منها، ولكن بعد صمود الثورة واستمرارها في الأشهر الأولى – رغم القمع الشديد – بدأت هذه الدول في إعلان مواقفها الصريحة في تأييد الثورة السورية، وحقّ السوريين في الحرية والعدالة في ظلّ نظام مدني تعددي، بل ولمحّت بعض هذه الدول إلى استعدادها لدعم هذه الثورة كما فعلت في حالات مشابهة في دول الربيع العربي، ممّا جعل كثيراً من السوريين يعيشون أحلاماً وردية في سقوط سريع للنظام، خصوصاً بعد التصريحات المتكررة من كثير من هذا الدول أنّ أيام نظام الأسد باتت معدودة، وحتى تتجنب هذه الدول الحرج الأخلاقي أمام شعوبها، مقارنة بموقف روسيا وإيران في دعم النظام، قررت أن ترمي الكرة في ملعب المعارضة السورية الناشئة.

بدأ الحديث عن تشتت المعارضة السورية، وعدم انتظامها في إطار واحد يجمع أطياف الشعب السوري، وبدأ ضغط الحراك الشعبي على قوى المعارضة، من حيث أنّها تعطي الذريعة لأمريكا ودول الاتحاد الأوربي في عدم القيام بأيّ خطوات عملية لنصرة الثورة السورية، فتشكل المجلس الوطني بعد مخاض عسير ليكون كياناً جامعاً لأكثر قوى المعارضة، واعترفت به كثير من الدول كممثل للمعارضة، وانتظر المجلس الوطني ومعه الشعب السوري الذي ازداد قمع النظام وتنكيله به بَدْءَ الخطوات العملية للضغط على النظام السوري، وبعد إخفاق مجلس الأمن في اتخاذ أيّ قرار يدين النظام في قسوته ووحشيته في قمعه للحراك الشعبي، بدأت أمريكا والاتحاد الأوربي مسلسل العقوبات الاقتصادية بحقّ أفراد ومؤسسات النظام، وتتالت حزم العقوبات على مراحل زمنية متباعدة بحيث تعتبر كلّ واحدة في حينها إنجازاً كبيراً في اتجاه دعم الثورة السورية، مع أنّ هذه الدول تعلم يقيناً أنّ أقوى وأشدّ من هذه العقوبات بكثير لم تسقط نظاماً في يوم من الأيام، فكيف إذا كانت الدول المؤيدة لهذا النظام تسانده و تدعمه بكلّ طاقاتها الاقتصادية والسياسية والعسكرية.

استقر قرار الحراك الشعبي وغالبية قوى المعارضة على رفض أيّ تدخل عسكري خارجي مباشر في سوريا، وهو أمر أعلنت دول الغرب في كلّ المناسبات أنّه ليس خياراً لها، ولكنّ السوريين أملوا ومعهم المعارضة أنّه لا أقلّ من العمل على إيجاد مناطق آمنّة تكون ملجأ للسوريين الهاربين من القتل الذي تزداد وتيرته يوماً بعد يوم، وتجاهل الغرب هذا المطلب، ثمّ نزل أمل السوريين إلى مطلب الحظر الجوي بعد استخدام النظام للطائرات، ولكنّ الغرب استبعد الفكرة بعد أخذ ورد، ثمّ توقّف أمل الحراك الشعبي وغالبية قوى المعارضة عند مطلب تسليح الجيش الحرّ بأسلحة نوعية كمضادات الدروع والطائرات، وهو أمر لوّحت به بعض دول الغرب أول الأمر إذا تجاوز النظام الخطوط الحمراء- وما أكثرها- وتجاوز النظام كلّ الخطوط الحمراء التي كان يظنّ الحراك الشعبي وغالبية المعارضة أن الغرب سيستنفر قواه وجهوده لمنع تجاوزها، وخصوصاً وقد انتهت الانتخابات الأمريكية التي كانت ذريعة إضافية لتبرير العجز والصمت.

بعد تدفق اللاجئين السوريين إلى دول الجوار بعشرات الألوف، اختبأ الغرب خلف المبادرات الدولية لإيجاد حلّ سياسي وقبلها المبادرة العربية – التي أيّدها مجلس الأمن، بدأً من مبادرة كوفي عنان التي لم يكن لها أظافر أو اسنان، بحيث لم يطبّق منها بند واحد، وتمضي الأيام وتفشل المبادرة ويستقيل الرجل ثمّ يكلّف الأخضر الإبراهيمي بأحياء المبادرة، وينشط الرجل مرتحلاً من بلد إلى بلد – ومازال- ومن إخفاق إلى إخفاق، والغرب لا يقدّم شيئاً عملياً لإيقاف أنهار الدماء التي تسيل يومياً ويتجاوز عدد الشهداء السبعين ألفاً وعدد المشردين والمهجرين الملايين، وليعود الغرب إلى إلقاء الكرة في ملعب المعارضة كذريعة قديمة جديدة يخفي الغرب من خلالها تقصيره وتخاذله عن القيام بواجبه كعالم متحضّر ومناصر لحقوق الإنسان – كما يدّعي- فالمجلس الوطني لا يمثل الشريحة الأكبر من قوى المعارضة لذا ينبغي إيجاد إطار أكبر وأشمل، وبعد وعود جازمة بالدعم من جميع الجوانب المالية والسياسية والعسكرية كانت ولادة الائتلاف الوطني لقوى الثورة و المعارضة.

استبشر السوريون خيراً بهذا الائتلاف الذي اعترفت به أكثر دول العالم كممثل للحراك الشعبي والمعارضة السورية، ولكن عكّر استبشارهم إدراج الولايات المتحدة الأمريكية لجبهة النصر كتنظيم إرهابي، مع محدودية تأثير جبهة النصرة كفصيل صغير لا يتجاوز تعدّاد أفراده ألفي عنصر- أغلبهم من السوريين مع وجود بضع مئات من العرب والمسلمين- من عداد الجيش الحر الذي يزيد عن مئة وخمسين ألفاً، وهذا التصنيف هو جزء من سياسة اختلاق الذرائع لتبرير عدم مدّ يد العون للثورة في سورية.

وتمضي الأيام و تذهب الوعود أدراج الرياح، وعدّادُ الموت يرتفع باضطراد، والنزوح يزداد، والمأساة تتسع دائرتها، ومن جانب آخر بدأ الثوار يحققون مكاسب كبيرة على الأرض، ويدحرون قوات النظام، ويفرضون مناطق عازلة في الشمال، ثمّ يتفاجأ السوريون بالضغط الغربي على حكومات بعض الدول العربية التي تغض الطرف عن المساعدات غير الرسمية للجيش الحر، وتزداد حيرة السوريين في محاولة فهم هذه السياسة التي ملأت وسائل الإعلام بعبارات التأييد بثورة السوريين والتنديد بوحشية النظام وجرائمه، ومن جانب آخر تختلق الذرائع لعدم القيام بأي خطوة في سبيل نصرة هذه الثورة بل والقيام بالخطوات التي تضعف من تأججها وتفوقها.

قالوا إنّهم يخافون من وقوع هذه الأسلحة في أيد ربما تستخدمها فيما بعد في غير ما أرسلت له، فأتتهم التطمينات بإجراءات منظمة للتعامل مع هذه الأسلحة بحيث تسلّم إلى مجموعات من الضباط المنشقين، وأعدت فعلاً لوائح اسمية لهذا الغرض، بحيث تكون هناك جهات مسؤولة عن كيفية التعامل مع هذه الأسلحة، ومع ذلك لم تأتِ هذه الأسلحة بل وتم نفي إمكانية إمداد الجيش الحر بها في المدى المنظور وآخر تصريح بهذا الشأن كان تصريح الرئيس الفرنسي يوم 9/2 .

لم يتركوا أمراً يمكن أن يجدوا فيه مبرراً لتقاعسهم وتقصيرهم عن نصرة الشعب السوري إلا واستنفذوه، تحدّثوا عن حقوق الأقليات وجاءتهم التطمينات أنّ سورية القادمة بلد لكلّ السوريين، وأنّ حقوق الأقليات ستكفل وتحفظ في كلّ التشريعات القادمة، تحدثوا عن مخزون السلاح الكيمائي الذي يمتلكه النظام، والذي جعلوا استخدامه خطاً أحمر، وقد استخدمه النظام على مستوى ضيّق جداً في حمص، وكذلك جاءت التطمينات باتخاذ كافة الإجراءات الضرورية اللازمة لحفظ هذا المخزون…

أدرك رئيس الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة معاذ الخطيب هذا التردد والتقاعس والنكث بالوعود من الغرب خاصة ومن المجتمع الدولي عامة، وكان من الشجاعة بمكان عندما قدّم مبادرته وقبل أن يتحاور مع بعض أركان النظام الذين لم تتلطخ أيديهم بدماء السوريين للعمل على رحيل النظام سلميّاً- مضحّياً بشعبيّته ومستقبله السياسي- وجاءت ردود الفعل من الغرب على المبادرة بالتأييد البارد على استحياء، بينما وجدنا الحماس القوي لها من قبل حلفاء النظام من الروس والإيرانيين، وتجاهل النظام المبادرة.

سيبقى الغرب يبحث عن ذرائع جديدة لتبرير تخاذله وتقاعسه عن نصرة الثورة السورية، وهذا ربّما سيزيد من الثمن الباهظ الذي يقدمه السوريون في طريق حريتهم، ولكن في الوقت نفسه سيزيدهم اعتماداً على أنفسهم وعلى إمكانياتهم، وسيجدون بدائل ووسائل يستطيعون من خلالها الثبات والصمود في سعيهم نحو تحقيق هدفهم المنشود في الحرية والكرامة، لأنّهم حينما قاموا بثورتهم لم يستشيروا الغرب أو الشرق، لم يأخذوا إذن أحد، ولم يكونوا ينتظرون من الغرب أكثر ممّا قدّم، ولكنّهم حينما يتحدثون عن تخاذله وتقاعسه إنّما يدينونه في ادّعائه نصرتهم، وقد دأب النظام من أول أيام الثورة بوصفها مؤامرة كونية على نظامه المقاوم والممانع.

ربّما يكون جواب السؤال الذي حيّر السوريين: ماذا ينتظر الغرب من الثورة السورية؟ هو أحد أمرين أو كليهما معاً:

الأول: التريث قليلاً ليُعلم على أي صورة سيستقر الحال في باقي ثورات الربيع العربي التي نجحت في إسقاط أنظمة الطغيان، من حيث معرفة كيف سيتصرّف الحكّام الجدد، وجلّهم من الإسلاميين في علاقتهم مع الغرب ومع حبيبتهم دولة الصهاينة، ومن ثمّ اتخاذ القرار بشأن سوريّة الجارة الشمالية التي لا تربطها بها اتفاقية سلام.

الثاني: ابحث عن دولة الصهاينة في تردد الغرب عن اتخاذ أي قرار فعّال في شأن الثورة السورية، لأنّ دولة الصهاينة لا تريد سقوط نظام الأسد على الحقيقة فهي تعتبره العدو الودود الرشيد، صاحب الجبهة الهادئة لأربعين عاماً من غير اتفاقية سلام ولا التزامات، فإن كان لابدّ من سقوطه فلتسقط سوريّة معه كدولة وكمؤسسات وبنية تحتية و…لتنتظر عشرات السنين في إعادة البناء.

قد يتساءل المرء وأين ذهبت تركيا ومعها العرب من كلّ هذا السرد الطويل للأحداث؟

الجواب ببساطة: مازالت هذه الدول تدور في فلك الغرب وتأتمر بأمره ظاهراً أو باطناً بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، ولو غيّر الغرب موقفه من الثورة واتخذ موقفا مؤثراً وفعّالاً في دعم الثوار لتغيّر موقف هذه الدول في اليوم الثاني، والتجارب التاريخية القريبة أكبر مثال على ذلك من افغانستان إلى العراق إلى ليبيا… فلا حاجة لذكر مواقف هذه الدول فهي تبع للغرب وإن اختلفت درجات هذه التبعية.

‘ كاتب سوري

القدس العربي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى