صفحات الحوار

مارسيل خليفة: الحب اختراع عربي والحرب صناعة الغرف المغلقة

 

 

زهرة مرعي

بيروت – «القدس العربي»: لا شك سيغفر محمود درويش لصديقه تمهله الشديد في إنجاز تلحين وأداء «يطير الحمام». فالوعد الهدية، الذي خرج إلى النور تزامناً مع مولده الخامس والسبعين بعنوان «أندلس الحب» يحمل بحراً من الأنغام والحب والحياة. لقد فاض مارسيل خليفة واستفاض في التعبير تركيباً موسيقياً، وتعبيراً وجدانياً. من البداية الجذلة المتراقصة كفراشة، يتسلل البيانو كأنه يراود الشعر عن نفسه، إلى متن كامل التركات التي يضمها الـ»سي دي» ثمة تنويع موسيقىي على درجة عالية من السحر. إنها الموسيقى التي سبحت بحرية ورهافة وسط شعر درويش مستفردة بالحب والنغم، ومن خلالها بشّر خليفة بربيع الحب. وأتاح للسامع أن تكون له مشهدية خاصة به يتخيلها من بين حنايا الأنغام. موسيقى تسري وتتزامن بين الأذن والعين، فنرى ونسمع الفرح، اللهو، وحبيبين يعدوان لقطف سعادة غير ملوثة بمنغصات العيش من نفاق، تحايل، انهزام، استغلال وحروب. في العديد من مقاطع «أندلس الحب» يبلغنا همس قلبين، بكلام درويش وصوره المتجددة، وبموسيقى خليفة التي تحكي الحب وتناجيه.

«يطير الحمام» تشبه واحة من الحب الراقي الذي يشبه محمود درويش في سلوكه ونصه حيال هذا العنوان الأبدي الأزلي. وفي «أندلس الحب» أمسك خليفة بأنامل هذا الحب في رحلة عبر الطبيعة العذراء، فترقرقت ساقية من الأنغام الحنونة. وتسللت في مسام الروح لتزيح عن كاهلها هماً متراكماً من الأسى والألم. «أندلس الحب» علاج موسيقي استباقي قبل أن يصيبنا القتل الذي نشهده بذرائع متنوعة، والانسحاب الفج من المسؤوليات العربية، في صميم الكرامة، فنستسلم للغلط.

«أندلس الحب» الذي وقعه مارسيل خليفة لمحبيه «وهم لا يحصون» في الفرجين في وسط بيروت في نهاية هذا الأسبوع غذاء روحي نحتاج للاختلاء به مرات ومرات، في زمن مادي بامتياز. موسيقى تميز فيها التوزيع وبرز رغم اختصار عدد الآلات التي شغلت فضاءه النغمي. تميز بغلاف يتداخل فيه الزهري الخفور مع البنفسجي الواثق ليقول نعم نحن مع ألوان الحياة ولا الموت. لكن ماذا نفعل عندما تداهمنا الحروب؟ ألم يقل محمود درويش: قاتل عدوك لا مفر؟ هو أحد أسئلة «القدس العربي» التي أجاب عنها الفنان مارسيل خليفة في الفرجين.

■ ماذا سيفعل «أندلس الحب» في هذا البحر المترامي من القتل؟

□ إنها تحية لمحمود درويش أردت تقديمها في هذا اليوم الذي يصادف تاريخ مولده. هذا أولاً، وثانياً الحب هو موضوعي الشخصي الذي رغبت في هذا الظرف الصعب ووسط كل هذه الزبالة التي نعيشها من سياسية وبيئية وغيرها، أن تكون هناك جنة أخرى تقصدها الناس وملؤها فراشات وأزهار. هذا ليس شعراً بل حقيقة، إذ يفترض أن يتذكر الناس من جديد أن الحب موجود. لا أن نفكر بمحاربة الدم بالدم. وإن حدث هذا، فالحروب ستقيم على مدى الزمان. من يشغلون الغرف المغلقة يؤسسون لمشاريع ليس فيها غير الدم. ليس لنا دخل بالقرار، فهم من يقرر عنا. عندما وضعت نقطة على سطر «أندلس الحب» تمنيت لو يعود للحياة كل من رحلوا، وكل من حفظوا أغنياتي ليموتوا من جديد، في سبيل الحب وليس الحرب.

■ كأنك تطلب الأعاجيب وزمنها قد ولّى؟

□ اليأس كبير نعم، لكنه لا يمنعنا من التسلح بحلمنا، وبغير ذلك نفقد معنى الحياة. لنؤمن بالأعجوبة. وألفتك أني وليد تراث يؤمن بالأعجوبة. وليس بالضرورة أن تشبه مسح جسد ميت بيدنا ليعود للحياة. لربما حققنا أمراً من خلال هذا الحلم. الحب هو اختراع عربي، والعرب أكثر من حكى عنه، فلماذا ينسون هذا الواقع؟

■ لدرويش قضايا تتلازم وتتداخل منها الحب والأرض. الحرب شردته من أرضه فهل للحب أن يعيد شعباً إلى حيث جذوره؟

□ انطلاقاً من ذاتي أفضل تحرير نفسي قبل تحرير الأرض. لماذا؟ حتى لو انتصرت قبل تحرير نفسي سأكون مهشماً، وبدون تحرير ذواتنا الداخلية سنكون غلط. وهذا ما أراه هزيمة وليس انتصاراً.

■ عندما يتقدم بنا العمر ويتراخى الحماس هل نعيش في الشعر أكثر من عيشنا في الواقع؟

□ لا. ربما هناك بعض من جنون يشبه الأعجوبة التي سبق الحديث عنها. فمحمود درويش في رأيي جنّ في قصيدة «يطير الحمام». بدوري جنحت نحو الجنون من خلال الموسيقى. لا زلت أشعر بأن الطفل لا يزال يحبو في داخلي. وهو طفل يتميز ببعض الحكمة.

القدس العربي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى