حسّان القالشصفحات سورية

مارين لوبين الأزهريّة/ حسّان القالش

 

 

صورة مارين لوبين التي جمعتها مؤخراً بشيخ الأزهر تشي بأنّ الكاميرا لا تحبّها. ولئن كان بعض ذلك راجعاً لشخصيّتها، فالبعض الآخر يكمن في الصورة ذاتها، بعناصرها النافرة والمستفزّة، والدعائيّة المبتذلة التي طغت على زيارتها الفاشلة لمصر وللأزهر، فجعلتها أقرب إلى حملة علاقات عامّة لسياسيّ هاوٍ ومتقلّب أكثر منها لزعيم سياسيّ ذي مكانة.

فما تحاول لوبين أن تفعله، انطلاقاً من هذه الصورة، هو أن تضع نفسها في موقع لا يتناسب مع قدراتها السياسيّة والثقافيّة، تحاول من خلاله أن تقنع جمهورها والجمهور المضاد بحيازتها الأهليّة والجدارة اللّتين تؤهّلانها لتكون البديل عن سياسات أوروبا السّابقة في تعاملها مع مسألة الإسلام، وتُنصّب نفسها، بالتالي، في موقع يجمع بين شخصيّتين يبحث عنهُما اليمين الأوروبيّ المتطرّف، المأزوم بقضايا الهجرة والعلاقة مع المسلمين، تتمثّلان بالمُخلّص والمُحاور، على رغم التناقض بين مهمات هاتين الشّخصيّتين. ولعلّها رأت في انفتاحها على مؤسسة إسلاميّة مهترئة ومرعيّة من قبل نظام عسكري ديكتاتوري جمعاً موفّقاً وسهلاً لتلك الشخصيتين، وهو ما ينسجم مع عقليّة لوبين وأمثالها. إذ يميل هؤلاء للتعامل مع الإسلام على أنّه دين تحكمه مؤسسة واحدة يأتمر جميع المسلمين بأمرها، فيما لا تردعهم أيّ اعتبارات أخلاقيّة أو ثقافيّة من التعامل مع أنظمة عسكريّة وقمعيّة، والتحالف معها انطلاقاً من كونها القادرة على ضبط القطيع الإسلاميّ المتوحّش والمُتخيّل.

ومن هنا يمكن فهم التهوّر الأخلاقي والسياسي في تعاطفهم مع نظام الإجرام الأسدي وتحوّلهم إلى أزلام لنظام روسيا بوتين المافيوي.

وأخيراً، تأتي صورة لوبين الأزهريّة، بما فيها من عيوب، لتعكس جانباً رئيسيّاً من الحياة السياسيّة الفرنسيّة، إذ لم يعد خافياً تأثيرها على أقرانها الذين باتوا يتماهون مع سلوكها وطريقتها في التعاطي السياسي، مدفوعين بطموحهم لاجتذاب الجماهير المُحبطة، الأمر الذي يؤدي إلى تسميم السياسة وصعود نماذج من السياسيّين لعلّها أكثر إثارة للجدل من لوبين نفسها كما في حالة كريستيان أستروزي عمدة مدينة نيس الحالي، نجم اليمين الصاعد الذي يحاول الجمع ما بين نموذجيّ ساركوزيّ ولوبين.

وفضلاً عن الخطر الذي يمثّله هؤلاء على قيم الجمهوريّة الفرنسيّة على المدى البعيد، والتي لا تتوافق بأي حال مع صورة لوبين الأزهريّة، فإنّها تتوافق حتماً مع صورة سوريّة لها تتضامن فيها مع مأساة السوريين ضدّ جلادّهم. إلا أنّ هذا يدخل في باب المعجزات التي إن تحقّقت أدخلت لوبين ورفاقها التاريخ من بابه الصّحيح.

* كاتب وصحافي سوري

الحياة

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى