صفحات الناس

“مايا” سوريّتـنا الأخيرة/ حـازم الأميـن

 

 

مايا، صديقتنا من دمشق، تنتمي إلى شريحة من اللاجئين التي قررت الحكومة اللبنانية أن لبنان لا يتّسع لأمثالها. لبنان يرحّب بالأغنياء السوريين، ويريد من اللاجئين الفقراء أن يقيموا على نحو غير شرعي على أراضيه، أما أمثالنا المتوسطو الحال من السوريين، فلا مكان لهم في ربوعنا.

لم يبقَ لنا من أشباهنا السوريين سوى مايا. عشرات آخرون ممّن شاركونا عالمنا الضيّق في بيروت في السنوات الأربع الأخيرة غادروا إلى ألمانيا، لنكتشف كم أننا ضجرون ومضجرون، وكم أن النقاء الذي أرادته لنا حكومتنا هو فقرٌ وإدقاع، وأن الإكتفاء بالعيش على قضيةٍ من نوع ما يقترحه علينا ميشال عون (حقوق المسيحيين) يستدرج نعاساً، على رغم أننا مع حقوق المسيحيين، ونعتقد أن ثمة من سلبهم إياها.

ومايا إلى كونها سوريّتنا الأخيرة، صارت امتداداً لغياب سوريينا. فهي حين نفكّر فيها كما يفعل الأصدقاء في أيامهم العادية، إنّما نستحضرها مصحوبة بمغادرة الآخرين. مايا اليوم بلا ضحى وزياد، علينا أن نعتاد على أن نشتاق إليها لوحدها من دونهما أو من دونهم، وهي بدورها عليها أن تعتاد على نفسها من دونهم. الآخرون صاروا في ألمانيا وفي فرنسا، وبعض من نسيته الأجهزة الأمنية اليقظة، انزرع في غرفته لا يخرج منها، وهو بذلك أيضاً غادرنا أيضاً.

لقد أصاب القرار العبقري هذه الشريحة من السوريين، أي أولئك الذين من الممكن أن يكونوا أصدقاءنا. الأغنياء السوريون الذين صرنا نشاهدهم بكثرة في هذه الآونة، يشبهون أغنياءنا، ولا طريق إلى صداقتهم وإلى صداقتهن. علينا إذاً أن نفكر بأن القرار العبقري استهدفنا بهم. لا مكان لسوري يشبهكم أيها الضعفاء، هذا ما كاد يقوله القرار. اللاجئون الفقراء مكانهم في المخيمات هناك، في البقاع وفي الشمال، ولن يقترب أحد من فقرهم على رغم مخالفتهم القرار.

عليكِ يا مايا أن تجددي إقامتك لدى الأمن العام اللبناني كل ستة أشهر. عليك أن تثبتي أنك لا تعملين وأن بحوزتك عقد إيجار مسجّلاً بالبلدية. كم تبدو صداقتنا ثقيلة أيتها الدمشقية غير الشقراء، فل يعقل أن تُملي بيروت على غير شقراوات دمشق كل هذه الشروط، في وقت تجوب فيه مستشقرات الشام مجمّعات الأشرفية.

لا بأس يا مايا، فقد سبق أن اقترحت عليك أن تعالجي سُمرتك، وأنتِ إنْ فعلت ذلك فلن تخسري أصلاً، لا سيما أن تجديد الإقامة وعقد الإيجار لم يعودا كافيين. معن كان يملكهما واستُدعي للتحقيق وغادر، ووسام أيضاً استدعي بدوره وهو في طريقه إلى المغادرة.

لا تتركينا لوحدنا يا مايا. لا شيء في بلدنا نفعله في غيابك. الشيعة يُمضون وقتهم في القتال مع “حزب الله” في سوريا، والسنّة منقسمون بين “داعش” و”النصرة”، والمسيحيون بصدد القيام بانتفاضة تافهة. هؤلاء جميعهم لديهم ما يفعلونه، أما نحن يا مايا فسنموت ضجراً ما إن تغادري.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى