صفحات الناسعلا عباس

ما الذي استجد؟/ علا عباس

 

 

تمتلئ الشاشات وعناوين الصحف، هذه الأيام، بتصريحات ومواقف تطلقها حكومات من الشرق والغرب، موجزها أن الوقت قد حان لإيجاد حل في سورية، فما الذي جرى يا ترى؟ وما الجديد الذي غيّر من التلكؤ منذ خمس سنوات؟ وما الذي حرّك المياه الراكدة؟

الأشياء في سورية نفسها، الموت اليومي المستمر، الدمار الذي لم يُبق على شيء قابل للتدمير، الجوع والفقر المنتشران كسرطان، انسداد الأفق، وغياب أي أمل، المعتقلات تعج بالأبرياء، والركام يغطي جثث الأطفال، داعش تتمدد والنظام يتقلص، المهاجرون على قوارب الموت، وصوت الرصاص يعلو على كل شيء.

قد يخطر للوهلة الأولى أن الحراك السياسي الجديد انعكاس لأزمة اللاجئين التي تصدرت الاهتمام العالمي، أخيراً، وباتت تشغل الرأي العام والسياسيين، وربما تركت الصور التي تم تناقلها على نطاق واسع أثرها على المواقف السياسية، خصوصاً صور الطفل الغارق عيلان، وصور قتلى الشاحنة الهنغارية، لكن تجربتنا، نحن السوريين مع العالم، وكبشر مع الحروب والمآسي الإنسانية، تثبت أن هذا النوع من الأحداث أو الصور أو المعلومات لا يحرك المواقف السياسية.

ما يحرّك الدول، لا سيما الكبرى، مصالحُها وتفاهماتها أو خلافاتها. وبالتالي، هذا الاحتمال غير قابل للترجيح، ولا يمكن منطقياً لصور تلخص مآسي إنسانية أن تترك أثرها على القرارات السياسية الكبرى. والدخول الروسي الفج والمباشر في الأراضي السورية، هو تعبير عما يجري وليس سبباً له، والتصريحات التصعيدية المتناغمة بين الحليفين، موسكو ودمشق، تدل على أن طبخة كبيرة يجري الإعداد لها.

فأن تنشغل وسائل الإعلام بتكثيف الحضور العسكري الروسي في سورية، ثم التصريحات الأميركية “القلقة”، ثم قول الوزير السوري، وليد المعلم، إن الدخول العسكري الروسي المباشر لم يحصل بعد، لكننا قد نطلبه إذا اضطررنا، يشبه قول حسن نصر الله في عام 2012: لسنا موجودين في سورية، لكننا قد نذهب إلى هناك، إذا استدعت الحاجة ذلك. وقتها، كانت قوات حزب الله تشارك في القتال إلى جانب النظام السوري بحياء، ثم صار حضور الحزب في سورية علنياً ومباشراً ومفروغاً منه.

كان تصريح وليد المعلم مدروساً ومتفقاً عليه، لأن الرد الروسي جاء خلال ساعات، وعلى المستويين، السياسي والعسكري. فما الذي يعنيه ذلك؟ إذا عدنا إلى الوراء قليلاً، لوجدنا أن هذا التناغم الراقص في التصريحات بين الحليفين يكاد يكون تكراراً لصفقة الكيماوي، يوم تحرك العالم ومجلس الأمن وتصاعدت التصريحات الأميركية، وفجأة خرج المعلم بتصريح أعلن فيه استعداد النظام السوري، وبالتنسيق مع حليفته روسيا، لتسليم السلاح الكيماوي، ليعقّب نظيره الروسي، سيرغي لافروف، خلال ساعات، ثم تنتهي القضية في أيام.

هل الوضع مشابه هذه المرة؟ هل طبخ الروس والأميركان طبخة ما، وهذه الضجة التي نسمعها هي قرقعة الصحون قبل التهامها؟ هل نحن الوجبة التي سيتناولها الكبار، أم نحن المغفلون الذين سنأكل الطبخة الفاسدة؟

الوضع في سورية بلغ حده، هذا صحيح، لكنه لم يبلغ حده الآن، بل بلغه منذ زمن طويل، وكان على العالم أن يتحرك قبل ذلك بكثير، وهذا يعيدنا إلى السؤال الأول، ما الذي جرى، يا ترى؟

الخطوات والتحركات الأخيرة عصية على الفهم، وهي كذلك منذ خمس سنوات، فما الحدث السياسي أو الموقف الذي كان مفهوماً طوال هذه السنوات؟ وما الفعل السياسي الذي قامت به الدول الكبرى، وطابق تصوراتنا ومعرفتنا بالمنظومة الدولية؟ طبعاً من دون أن نقول ما يطابق رغباتنا، أو أهواءنا أو مفاهيمنا الأخلاقية والإنسانية.

بخلاصة تجربتنا مع العالم، يمكننا أن لا نتوقع جديداً هذه المرة أيضاً، ويمكننا أن نعود إلى الاستسلام ليأسنا وتشاؤمنا، والاكتفاء بالمراقبة، وكأن الأمر لا يعنينا ولا يعني بلدنا.

فمن موسكو إلى واشنطن إلى نيويورك إلى الخليج العربي، يقول الجميع إن الوقت قد حان، فقط في دمشق والرقة لا يبدو أن أحداً سمع هذا الكلام. الطائرات مستمرة بالتحليق وإلقاء براميلها المتفجرة، والسواطير تحز الرؤوس بهمة ونشاط.

العربي الجديد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى