صفحات سوريةعمر كوش

ما الذي سيقدمه “جنيف ـ2” للسوريين؟

عمر كوش

كثر الحديث، في أيامنا هذه، حول البحث عن مخرج أو “حل سياسي للأزمة السورية”، خصوصاً بعد لقاء وزير الخارجية الأميركي جون كيري، مع وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، في الثامن من أيار / مايو، تحضيراً للقاء مرتقب بين باراك أوباما مع فلاديمير بوتين في شهر حزيران /يونيو المقبل.

ويبدو أن اللقاء تمخض عن تأكيد موقف مشترك، بين ساسة الولايات المتحدة الأميركية وروسيا، حول تركيز الجهود للبحث عن حلّ سياسي للأزمة السورية، ينهض على أسس اتفاق جنيف الأول، ويدعو إلى عقد مؤتمر دولي حول سوريا. وراحوا يحضّرون ويحشدون لجنيف -2، ويعطون تفسيرات حوله، كل حسب وجهة نظره وفهمه، بما يتسق مع نفوذ ومصالح بلاده وأمنها القومي، حيث لا يكف الروس عن الدفاع عن الأسد ونظامه، ويتحدثون عن ضرورة تخلي المعارضة عن شرط تنحي الأسد، ويحاولون السعي لإشراك إيران في المؤتمر، فيما وافق ساسة الولايات المتحدة على بدء التفاوض مع وجود الأسد، واكتفوا بالقول بأنه لن يكون له دور في العملية الانتقالية، مع شبه غض النظر عن إمكانية مشاركة إيران، التي تولى الفرنسيون ودول الخليج مهمة الوقوف في وجه إشراكها بالمؤتمر الدولي، بوصفها شريكاً كاملاً في قتل السوريين.

والناظر في تطورات الأزمة، يجد أن الجميع في حراك، والسياسيون الذي اعتادوا التنقل بالطائرات الخاصة، يكثرون من اجتماعاتهم ولقاءاتهم والظهور أمام كاميرات التلفزة، فضلاً عن تصريحاتهم وأحاديثهم الجانبية، لكن الحصيلة رغم كل هذه الجعجعات صفرية، حيث لا تمتلك المعارضة السورية تصوراً واضحاً حول المشاركة في جنيف -2، وحول من يمثل المعارضة، ومن يمثل النظام من رموزه الذين لم تتلوث أياديهم بدماء السوريين، الأمر الذي يطرح التساؤل عمن في النظام الأسدي من يمتلك تفويضاً ولم تلوث يديه بالدماء. بالمقابل، فإن النظام الأسدي، الذي يشن، منذ اندلاع الشرارة الأولى للثورة السورية، حرباً على الثورة وناسها، استنفر كل عدته وعتاده من أجل تدمير بلدة القصير وقتل ناسها، ومحاولة إحراز نصر على شعبه في مختلف المناطق، فاستعان بحزب الله اللبناني، المكلف من طرف الولي الفقيه الإيراني وملاليه بخوض معركة الدفاع عن الظام السوري، والاستعداد والتحضير لتنفيذ مخطط دويلة أقلوية على الساحل السوري. وراح يحوّل شباب قرى وبلدات الجنوب اللبناني إلى وقود، كرمى لنظام الأسد، ونزولاً عند ما يرمي إليه ملالي إيران من مخططات توسعية، فارسية الطابع والهوى، ومغلفة بهلوسات مذهبية، تعيد إنتاج كربلاء القديمة في صورة مجازر جديدة لشعب شقيق وبريء، ذنبه الوحيد أنه خرج يطلب الحرية والخلاص من حكم آل الأسد واستبدادهم، الذي جثم على صدورهم طوال أربعة عقود مظلمة. ولعل تحويل حزب الله وجهة مقاتليه، من الليطاني إلى القصير والست زينب والفوعة نبل وسواها، كشف زيف تذرعه، وتذرع من يأتمر بأمرهم، بمواجهة إسرائيل وتحرير مزارع شبعا، حيث باتت بساتين القصير أهم من مزارع شبعا، التي لم تك بالنسبة إليه سوى يافطة فارغة، مثل يافطة الممانعة والمقاومة وسواها.

لا يختلف اثنان في سوريا على تفضيل الحل السياسي، يخلّص السوريين من المجازر، ومن الدمار، والكارثة، التي سببها النظام وحلفاؤه. فالناس في الداخل السوري أرهقتها المجازر والجرائم المتنقلة، تنام وتصحو على وقع قصف الطائرات والصواريخ ومختلف أنواع المدافع والراجمات. ومع ذلك، فإن غالبية السوريين يختلفون كثيراً حول أي حلّ سياسي يعيدهم إلى الوراء، أي إلى استبداد حكم آل الأسد، بأبده وإنجازاته وممانعته. وهناك تخوف من أن يلجأ النظام الأسدي إلى التفاوض، بوصفه لعبة لشراء الوقت. وهي لعبة يجيدها، مثله مثل رديفه الإسرائيلي، الذي مارس هذه اللعبة عقوداً طويلة مع الفلسطينيين، وتفاوض معهم مع أجل التفاوض فقط، أي من أجل إطالة أمد احتلاله للأرض الفلسطينيية. والخوف من أن تتكرر اللعبة نفسها من أجل إطالة أمد احتلال آل الأسد لسوريا.

ومثلما دعمت الدول الغربية إسرائيل، ومعها روسيا والصين، في لعبتها التفاوضية مع الفلسطينيين، وأسهمت جميعها في بناء أسطورة الأمن الإسرائيلي، فإنها تمارس إلى حد كبير، ولو بدرجات متفاوتة، اللعبة نفسها، حيث لم تحرك ساكناً، منذ أكثر من اثنين وعشرين شهراً، إزاء استمرار النظام السوري وإمعانه في قتل السوريين. بل إن العالم أجمع يعلم تماماً أن الحرب الشاملة التي يشنها النظام السوري، والتي ولّدت ما بات يعرف بـ”الأزمة السورية” و”القضية السورية”، هي حرب يخوضها محور دولي، هو محور أصدقاء بشار الأسد ضد الشعب السوري، الذي خرج مطالباً باستعادة كرامته وحريته. فملالي إيران، لم يتوقفوا يوماً عن دعم النظام ومدّه بالرجال وبالمال والسلاح، بل وراحوا يخوضون معركة الدفاع عن النظام، ويدفعون مليارات الدولارات على حساب لقمة عيش شعوبهم. لم يخف ساسة إيران انحيازهم الكامل للنظام السوري، منذ اندلاع شرارة الحراك الاحتجاجي الشعبي، وتبنوا خطاباً داعماً للنظام في نهجه وسياساته الداخلية والخارجية، ونظروا إلى الثورة بوصفها نتاج “مؤامرة خارجية”، “صهيونية وأطلسية”، ثم زادوا عليها صفة “العثمانية”. وراحوا يتحدثون عن كربلاء جديدة، بالتناغم مع ما يردده أزلام النظام السوري، الذين تفتقت أذهانهم عن “كربلاء العصر”، بلغة مخاتلة ومخادعة، توظف كربلاء القديمة، لصالح من يتاجر بدم “الحسين”، وبتجيير أكثر الناس بعداً عن روح كربلاء، وروح الدين.

أما ساسة روسيا المتخشبون، والكارهون لحراك غالبية السوريين، فراحوا يتعاملون مع المسألة السورية، وكأنها القضية الأهم والأكثر حساسية بالنسبة إليهم في منطقة الشرق الأوسط، ويؤثرون سلباً على مسار تطور الأحداث، فأعلنوا منذ اليوم الأول لاندلاع الانتفاضة السورية، في الخامس عشر من آذار / مارس 2011، وقوفهم القوي إلى جانب النظام السوري بكل إمكاناتهم الدبلوماسية والسياسية واللوجستية، وتبنوا وجهة نظره وطريقة تعامله مع الأوضاع الدامية والمتفاقمة. وحشد الساسة الروس كل طاقاتهم الدبلوماسية والسياسية في الصراع على سوريا، فاستخدموا الفيتو، مع الصينيين، في مجلس الأمن الدولي ثلاث مرات متتالية، بغية منع صدور أي قرار دولي يدعم التغيير في سوريا، واستمروا في تقديم صفقات السلاح للنظام، وتوفير الدعم اللوجستي والخبرات والخبراء الأمنيين والعسكريين.

ولعل ما يثير التوجس هو أن الولايات المتحدة الأميركية، الشريك الرئيس لجنيف -2، لم تقف بالفعل مع الشعب السوري في محنته، بل ووضعت مع حلفائها الأوروبيين حظراً على توريد الأسلحة إلى الثوار والمقاتلين ضد النظام السوري، ومنعت محاولات بعض الدول تأمين أسلحة نوعية لهم، والأهم هو أنها حولت مع حلفائها مؤتمرات “أصدقاء الشعب السوري” إلى ما يشبه تظاهرة، رسمية موسمية، تعقد مؤتمراتها، كل شهرين تقريباً، يشغلون بها الأوساط المناصرة للشعب السوري، من دون تحقيق نتيجة ترتقي إلى حجم تضحيات الثوار السوريين وحاضنتهم الاجتماعية. وكل مؤتمر يلاقي مصير سابقه، ولم يشكل مؤتمر عمان الاخير خروجاً عن هذا المسار.

ولعل السؤال الذي يطرح نفسه هو: ما الذي سيحمله مؤتمر جنيف -2 للسوريين؟ خصوصاً وأنه في ظل تجربة الاثنين وعشرين شهراً التي خلت من عمر الثورة، لم يقدم خلالها المجتمع الدولي أي حلّ يوقف نزيف الدم، ولم يتلق خلالها الشعب السوري دعماً يرتقي إلى مستوى الدعم الذي تلقاه النظام السوري في المال والسلاح والرجال، وهو وصل إلى درجة أن الحرب التي يخوضها ضد الثورة السورية وحاضنتها الاجتماعية، تدار من طرف ساسة روسيا وإيران ودعمهم اللا محدود، وبإسناد من مقاتلي حزب الله وبعض القوى السياسية في العراق، في حين أن الشعب السوري تٌرك وحيداً، يقتل منه النظام ما يشاء، ويجتاز كل الخطوط الحمراء التي وضعها حكام الولايات المتحدة وتركيا وسواهما.

المستقبل

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى