زين الشاميصفحات سورية

ما الذي يجعل الموقف الروسي يتغير؟

زين الشامي
قد يعتقد البعض ان المواقف الروسية المؤيدة والمدافعة عن النظام السوري هي مواقف ثابتة غير قابلة للتغيير وذلك نظرا لأهمية سورية من الناحية الجيواستراتيجية بالنسبة للمصالح الروسية في منطقة الشرق الاوسط، وتكتسي هذه النقطة اهمية خاصة فيما لو اخذنا في عين الاعتبار النزوع الروسي التاريخي «للمياه الدافئة» في البحر الابيض المتوسط، وأيضا بسبب الخسارتين الاستراتيجيتين التاريخيتين لموسكو في كل من العراق وليبيا بعد سقوط نظام صدام حسين والعقيد معمر القذافي، حيث كانت لروسيا مصالح عسكرية وتجارية في كلا البلدين.
ضمن هذا المنطق الجيوسياسي والمصلحي، فإن روسيا لا تبدو مستعدة ابدا للتنازل او لخسارة ما تبقى لها من نفوذ في الشرق الاوسط، ونقصد هنا سورية أو «قلعتها الاخيرة» المتبقية في مواجهة الهجمة الاميركية التي تجلت في أبرز نجاحاتها وطغيانها منذ بداية احداث الربيع العربي، حين استعادت «اميركا-اوباما» ما خسرته «اميركا-بوش» بعد حربي افغانستان والعراق وبعد حربها على الارهاب في اعقاب هجمات الحادي عشر من سبتمبر.
لكن ذلك، نقصد موقف موسكو المؤيد والداعم لنظام الرئيس بشار الأسد، ووفقا لمنطق التاريخ والجيوبولتيك نفسه، لا يبدو انه موقف نهائي أو ثابت، فالدول الكبرى اولا واخيرا تتعامل وفق منطق المصالح وليس وفقا للمواقف الشخصية او الاخلاقية.
وعليه، وفيما لو وجدت موسكو في القريب العاجل ان مصالحها في سورية صارت مهددة فعليا وانها على وشك خسارة «قلعتها الاخيرة»، فإنها ستعمل من دون ريب على استدراك الموقف واحداث تغيير جوهري ونهائي في موقفها من النظام السوري. لكن ذلك لن يتحقق اذا لم تتغير بعض الوقائع في الفضاءين المحلي السوري والاقليمي وفضاء العلاقات الدولية أيضا، ولعل الفضاء السوري القابل على احتمالات التغيير الدراماتيكي كل لحظة هو الاهم من كلا الفضاءين الاقليمي والدولي.
نقصد هنا ان اي وقائع ميدانية، عسكرية جديدة، على سبيل المثال، قد تجعل الموقف الروسي يأخذ في عين الاعتبار تلك التطورات ويعمل على التكيف وفقا لمقتضياتها، وللتوضيح أكثر نقول، ان زيادة كمية ونوعية في تسليح الجيش الحر ونوعية في طبيعة العمليات العسكرية التي قد ينفذها ضد النظام قد تجعل روسيا تأخذ ذلك في عين الحسبان وتبتعد عن النظام قليلا. لنتخيل ان الجيش الحر قام بعملية عسكرية كبيرة في قلب العاصمة دمشق او قرب القصر الجمهوري ادت الى تكبيد النظام خسائر كبيرة، او لنتخيل حصول الجيش الحر على اسلحة اكثر فعالية ضد الدبابات، فماذا سيكون عليه الموقف الروسي في هذه الحالة؟؟ او لنتخيل ان محاولة انقلابية، حتى لو كانت فاشلة، قد حصلت، فهل سيبقى الموقف الروسي على حاله ام انه سيعيد الاعتبار لموقفه من الرئيس الأسد ومن المعارضة على حد سواء؟
من ناحية اخرى، فإن هناك عاملا أساسيا قد يساعد في حصول تغيير في موقف روسيا، الا وهو وحدة مجموعات المعارضة ولو بالحد الادنى. ان ذلك من شأنه ان يدفع موسكو لتعيد التفكير في مصالحها في سورية من جديد بناء على هذا المعطى المهم، فموسكو الى اليوم ورغم خطورة الوضع على النظام السوري ما زالت تعتقد انه الاقوى من بين كل اللاعبين على الارض. في هذا السياق فإن تطمينات حول مستقبل العلاقات ومصالح روسيا في سورية تعطيها المعارضة لموسكو ربما تلعب دورا مهما على هذا الصعيد.
ثالثا، ان حصول انشقاقات سياسية وعسكرية من داخل النظام ذات وزن واهمية، تعطي اشارة الى موسكو الى ان الامور في سورية تمضي باتجاه مسار واحد لا رجعة عنه، الا وهو ان النظام السوري يتجه نحو مزيد من الضعف والوهن، وهذا ما سيدفعها للتفكير في المستقبل ولاتخاذ مواقف جديدة تواكب ما يجري او تحاول اللاحق بما يجري حرصا على مصالحها.
ورابعا، يجب ان نأخذ في عين الاعتبار البعد الديني الاقلوي في الموقف الروسي حتى نفهمه جيدا، ونقصد هنا، العلاقة التي تربط الكنيسة الارثوذكسية الروسية مع كنيسة انطاكية وسائر المشرق ومقرها في دمشق، وهما الكنيستان الاكثر اهمية بالنسبة للارثوذكس في العالم كله. ان موسكو، وعلى خلفية هذه العلاقة، ما زالت تجد في النظام السوري «الأقلوي» اي المستند لدعم الاقليات الطائفية والدينية والاثنية في سورية، هو النظام الاكثر ضمانة للمسيحيين الارثوذكس خصوصا والمسيحيين عموما في منطقة الشرق الاوسط بعد ما حصل من مآس للمسيحيين في العراق. لذلك فإن اعلان قيادات وكوادر ونخب ثقافية مسيحية انضمامها للثورة ومباركتها لها سيلعب دورا حاسما في هذا المجال.
وفي ما يخص الفضاء الاقليمي، لا بد من القول ان ضغطا ديبلوماسيا واقتصاديا تلعبه كل من الدول العربية وخصوصا الخليجية منها اضافة الى تركيا سيجبر موسكو على ان تفكر في تبعاته مليا في ما لو قررت الاستمرار في دعم النظام السوري.
واخيرا، فإن مفاوضات مؤثرة وذات «نفس طويل» وذات نتيجة مع كل من اسرائيل وواشنطن يطمئن موسكو، ويقنعها بحتمية زوال نظام الاسد، سيكون من شأنه ان يدفع روسيا الى احداث التغييرات المطلوبة.
نقول ذلك، ونحن نعرف تماما ان موسكو تسجل خطأ استراتيجيا كبيرا حين تسكت اخلاقيا عما يجري في سورية وحين تساهم من خلال دعمها السياسي والعسكري للنظام بقتل مزيد من السورييين، لكن كما قلنا سابقا فإن الدول الكبرى لا تتعامل او تختار سياساتها الخارجية وفقا لاعتبارات الاخلاق… مع الأسف.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى