صفحات العالم

ما الذي ينتظر الأكراد؟/ جوناثان ماركوس

 

 

 

مع الذكرى المئوية للحرب العالمية الأولى، التي مازلنا نتذكرها بصورة كبيرة، ربما يكون من المناسب أن نقترب من الذكرى السنوية لنزول الحلفاء في مضيق الدردنيل.

فالجهد الذي بذلته القوات البريطانية والنيوزلندية وكذلك الاسترالية لتأمين المضايق الحيوية انتهت في نهاية المطاف بفشل ذريع.

لكن بحلول نهاية الحرب العالمية الأولى، كانت تركيا قد انهزمت وتقاسم المنتصرون الكثير من أراضي الإمبراطورية العثمانية.

وشكلت حملة الحرب العالمية الأولى هذه ملامح تفتت الشرق الأوسط الجديد، أكثر من أي شيء آخر.

عمل محفوف بالمخاطر

ويهدد تنظيم “الدولة الإسلامية” الحدود العراقية السورية، التي وضعتها القوى الاستعمارية مثل بريطانيا وفرنسا، اللتين ورثتا جزءا كبيرا من الإمبراطورية العثمانية.

وبالنسبة للأكراد، وغالبيتهم من المسلمين السنة الذين يعيشون عبر الكثير من تلك الحدود في مجتمعات بسوريا وتركيا والعراق وإيران، فإن هذا وقت المخاطرة الكبيرة، لكنه قد يكون وقت الفرصة الكبيرة أيضا.

فالأكراد هم من يحظون بدعم الولايات المتحدة والدعم الجوي للحلفاء، واستعادوا السيطرة على مدينة كوباني (عين العرب) ذات الرمزية الهامة، من مقاتلي تنظيم “الدولة الإسلامية”.

كما أن المقاتلين الأكراد في شمال العراق هم من تصدوا لانتهاكات التنظيم.

ربما تكون ملاحظة صغيرة من تاريخ الحرب العالمية الأولى، أن معاهدة سيفر التي حاولت إضفاء طابعا رسميا على تقسيم الأراضي العثمانية تصورت على الأقل احتمالية إقامة دولة كردية مستقلة.

لكن خلال تاريخهم اللاحق، والذي غلبت عليه الاضطرابات، واجهت فكرة إقامة دولة للأكراد رفضا مستمرا.

وربما يكون حصولهم على حكم شبه ذاتي لمنطقة في العراق، منذ الإطاحة بنظام الرئيس الراحل صدام حسين، أقرب شيء حصلوا عليه لتحقيق هذا الهدف.

الحرب العالمية الأولى لعبت الدور الأكبر في تفتيت الشرق الأوسط وتوزيع الأكراد بين عدة دول

ويعيش ما بين 25 و35 مليون مواطن كردي في المنطقة الجبلية الواقعة على الحدود بين تركيا والعراق وسوريا وإيران وأرمينيا، ويمثل الأكراد رابع أكبر مجموعة عرقية في الشرق الأوسط، لكنهم لم يحصلو أبدا على دولة خاصة بهم.

ماذا يعني إذا صعود تنظيم “الدولة الإسلامية” وضعف الحكومة المهيمن عليها الشيعة في بغداد بالنسبة للأكراد؟

طرحت هذا السؤال على جوست هلترمان، مدير برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بمجموعة الأزمات الدولية.

وأخبرني أنه قبل ظهور التنظيم “كان الأكراد يسيطرون على منطقتهم الخاصة، بالإضافة إلى منطقة واسعة يدعون أنها أراض متنازع عليها.”

وقال: “حتى الآن تحداهم تنظيم (الدولة الاسلامية) في الأراضي المتنازع عليها فقط، وهي المناطق التي نشب فيها كل القتال.”

وبصفة عامة كانت الظروف مواتية للأكراد، فقد “كسبوا أرضا.. خاصة مدينة كركوك وحقول النفط، لكنهم لم يحصلوا على السلام.”

واستطرد قائلا “القتال في هذه المناطق قد يتحول إلى مرض مزمن، إذ أن المواطنين غير الأكراد لا يقبلوا بالضرورة بالهيمنة الكردية.”

ويتفق هنري باركي، أستاذ العلاقات الدولية بجامعة ليهاي بالولايات المتحدة والزائر الدائم للمنطقة، مع هذا الطرح وأنه على المدى القصير “سمح ظهور تنظيم (الدولة الإسلامية) للأكراد بتقوية تواجدهم على الأراضي المتنازع عليها.”

وقال أدى هذا إلى تقوية موقفهم في مواجهة بغداد، لكن إضعاف العراق ليس بالضرورة مفيدا للأكراد، لأن هذا سيكشف ضعفهم – خاصة من الناحية الاقتصادية – أمام عدم الاستقرار السياسي وعدم اليقين.”

فالأكراد في أرض مغلقة، بدون منافذ بحرية، وعدم استقرار المنطقة يؤثر عليهم في الاستثمار والعلاقات التجارية وخطوط تصدير النفط والغاز.

الأكراد لن يستطيعوا إعلان دولتهم قريبا لكنهم يتوسعون ويسيطرون على مزيد من الأراضي

ويرى البروفيسور باركي أن “الأزمة أضعفت اقتصاد الأكراد بصورة أكبر، كما أن تدخل إيران المتزايد إلى جانب حكومة بغداد يزيد من مشكلاتهم.”

وأوضح أن هذا الأمر “يهدد، ليس فقط بإطلاق حرب طائفية ستلحق ضررا إضافيا بالاستقرار وفرصة تحقيق الرخاء، وإنما ستجر كذلك الأكراد بلا شك إلى الصراع.”

واستطرد بالقول: “لا يمكن أن تهرب من جغرافيتك.”

وأعرب عن اعتقاده بأن من الواضح أن إيران تعتزم تحويل دورها المباشر المتنامي في القتال إلى مكسب سياسي دائم.

وبالإضافة إلى ذلك، وكما قال لي هلترمان، فإن زيادة التورط الإيراني يؤدي إلى تفاقم الانقسامات داخل الأكراد، وبالتالي يؤجل إمكانية الاستقلال الكردي، وهو ما يتفق مع الأهداف الاستراتيجية الإيرانية.

انقسامات عميقة

ولكن ماذا عن هذا التطلع للاستقلال؟

يقول باركي “فكرة الاستقلال تحت السطح مباشرة. الجميع يعلم أنه خيار، لكن أحدا لن يذكره، والسبب بسيط.”

ويوضح بالقول “الأكراد لا يسعهم تحمل أن يُنظر إليهم باعتبارهم سبب انقسام العراق. فهم سيستقلون عندما تتخلى الأطراف الأخرى عن كونها عراقية.”

ويضيف “حتى ذلك الوقت، أفضل ما يمكنهم عمله هو التماسك، خاصة في الأراضي المتنازع عليها، واستغلال الفوضى الحالية لعقد صفقات جيدة خاصة في ما يتعلق بالنفط.”

ويقول هيلترمان “ستظل هذه الرغبة موجودة وسيعبر عنها الكثيرون علنا، لكن حالة الأكراد ستظل بدون تغيير لبعض الوقت، وليس لديهم فرصة واقعية للاستقلال.”

ومع الانقسام بينهم والانقسام بسبب الحدود الوطنية، ستتلاعب قوى إقليمية أخرى بمصير الأكراد.

الولايات المتحدة وإيران وتركيا لديها جميعا بأربيل، فيما تعمل بغداد معها عن قرب الآن أكثر من أي وقت مضى.

فوحدة أراضي العراق لن تخضع للمساومة بسبب مخاوف من حدوث حالة أشد من عدم الاستقرار.

وبعد مئة عام من الحرب العظمى التي ربما تكون قد مهدت السبيل لدرجة معينة من استقلال الأكراد، فإن الاستقلال الكامل لكردستان ما زال أمرا بعيد الاحتمال. فالكثير من القوى الفاعلة تعارض هذا.

مراسل دبلوماسي

بي بي سي

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى