صفحات الثقافة

ما السبب في مزاولة الأدباء لكتابة النقد

 

 

“جيل بلا نقاد” عبارة كثر تداولها على الصفحات الثقافية والبرامج الفضائية وحوارات الأدباء والشعراء والكتاب.. فقد كان الجيل السابق من الكتاب محاطا بمجموعة من النقاد الذين يتابعون الإبداع ويوجهون الفكر ويناقشون الآراء العلمية والفنية. لكن اليوم باتت علاقة النقد بالإبداع علاقة متضاربة تصل إلى حد القطيعة أحيانا.

الصحافة الثقافية غيبت النقاد

لا أحد ينكر وجود أزمة اليوم بين المبدع والناقد، ربما يعود ذلك إلى تبني النقاد المعاصرين لآراء واتجاهات فنية لم تعجب البعض، بل حاولوا فرض هذه الاتجاهات على الساحة الأدبية.

وحسب آراء بعض الكتاب المبدعين، فإنه عندما تقاعس النقد الحقيقي عن متابعة الأعمال الإبداعية، تحول المبدع نفسه إلى ناقد لما يكتبه غيره.

كتاب ونقاد

الشاعر محمد إبراهيم أبوسنة يؤكد أن الحركة النقدية ازدهرت عقب الحرب العالمية الثانية بشكل لافت، وكان النقد متأثرًا بالتيارات الأيديولوجية التي سادت المجتمع في ذلك الوقت، بينما كان هناك نقاد مثل محمد مندور ولويس عوض وعبدالقادر القط لا ينحازون إلا إلى الجانب الإبداعي.

وهؤلاء النقاد كانوا في مرحلة الستينات من القرن الماضي على رأس معركة الفن للفن، والفن للمجتمع. ولا شك أنهم هم الذين دعموا حركة الشعر الحديث في العالم العربي، كل هؤلاء وغيرهم من النقاد لعبوا دورًا مهمًا في تأسيس مناهج جديدة مازلنا نتابعها ونقرأها.

واليوم بات الكثير من المبدعين يزاولون النقد، نظرا إلى عدم اضطلاع العديد من النقاد بدورهم في الكشف عن جواهر خبيئة في الإبداع. ولكن ما زالت هناك الكثير من الأعمال الأدبية، التي لم تسطع عليها شمس النقد الهاربة.

وفي رأي الروائي التونسي حسن بن عثمان فإن تاريخ النقد يدين للمبدعين بالأساس، وما زلنا نذكر كيف كان النابغة الذبياني يحكم في سوق عكاظ بين شعراء القبائل، ولا شك أن المبدع الهائل الجاحظ كان من الذين أثّروا في النظر النقدي العربي. إن تتبع ذلك يطول ولكن الأمر البديهي تمامًا هو سبق الإبداع للتنظير من جهة وتصدي المبدعين للنقد بل وتأسيسه من جهة أخرى.

صحيح أن النقد يحاول أن يكون علمًا ولكنه لم يصل حتى إلى مصداقية علم آخر بدأ معه تقريبًا هو علم النفس، كما أن أحد الأسباب التي تجعل النقد لا يملك هذه العلمية الصارمة، التي تميز العلوم الأخرى، هو أن الموضوع الذي يتعامل معه نسبي بالأساس، والعلم يحتاج إلى التراكم.

وعن المبدع الناقد يقول الشاعر جمال القصاص إن معظم الأدباء المتجهين إلى النقد يمتلكون أدوات جيدة أو على الأقل رؤية جيدة، وأن النقاد روجوا لعدم صلاحية الأديب للنقد لتغطية عجزهم عن مواكبة الإبداع.

ويؤكد القصاص أن النقاد المتخصصين يمتلكون أدوات مهترئة وأساليب صدئة وسطحية في تناول العمل الأدبي، ولا تدخل في صميمه كلغة أخرى.

ومن وجهة نظر القاصّ سعيد الكفراوي فإن سبب ممارسة الأدباء لفعل النقد هو الانتشار السريع للصحافة الأدبية التي تقوم على الملاحقة وتحاول تغطية ما يصدر من فنون مختلفة.

وفي الوقت الذي كانت فيه هذه الصحف قديمًا تؤدي دورًا مهمًا في تطوير الحركة النقدية عمومًا وخلق مناخ وإيجاد صيغ جديدة تواكب العملية الإبداعية، ويكتب فيها أمثال عباس محمود العقاد ومحمد حسنين هيكل والمازني ومحمد مندور ولويس عوض، كانت مجالات لطرح ما يمكن من خلاله تطوير العملية الإبداعية.

أما الآن فقد اختلفت الأمور وتحت ضغط الحاجة وتسيير شؤون الحياة ماديًا مارس الأدباء فعل النقد، وبالطبع هناك من الأدباء من يمتلكون أدوات النقد، وبسبب الحاجة والظروف الحياتية اقتحم بعض الأدباء غير المؤهلين للنقد ساحته بهدف ملء الصفحات الثقافية الكثيرة، كل هذا الركام من النقد اختلطت من خلاله المعايير، وطفت المحسوبية على السطح، وغاب إمعان النظر في كيفية التناول النقدي والبحث عن قيم إبداعية جمالية جديدة.

التنظير والتطبيق

يعارض الناقد المغربي فريد الزاهي الآراء التي تتهم النقاد بتراجع الجانب التطبيقي لصالح الجانب التنظيري بقوله “النقد الحديث في العالم العربي لم يهمل الجانب التطبيقي بل عزز تنظيره بالتطبيق، واذكر من شئت من أعلام النقد في العالم العربي، فسوف تجد لهم دراسات نظرية أو تطبيقية، وعلى سبيل المثال هناك العديد من النقاد الكبار، الذين زاوجوا بين الجانبين مثل كمال أبوديب وعبدالله الغذامي وعبدالسلام المسدي، فلن نجد واحدًا منهم أهمل الجانب التطبيقي لما يطرحه من تنظير، ومن ثم فهناك فجوة بين الناقد والفنان، تكمن في انفصال الناقد الذي يضطلع بمهمة نقد العمل الفني عن محتوى النص، وقد بينته العلاقات القائمة بين عناصره”.

في رأي الناقد المغربي محمد سليم “ما يوجد على الساحة ومنذ فترة هو شرح أو نقاش حول تنظيرات نقدية نشأت ونمت في الغرب، وهذا ينطبق على اتجاهات نقدية مختلفة سواء منها ما كان في جيل سابق للجيل الحالي، حيث كان النقاش يدور حول الرومانسية، وتجديداتها في الشعر مثلًا، ومحاولة إسباغ هذه السمة على الشعر العربي الحديث آنذاك باعتبارها هي سمة الشعر الأصيل، مثلما هو موجود في نقد العقاد، والمازني مثلًا، أو ما تلا ذلك مثل الحديث عن الاشتراكية الواقعية في النقد مثل ما بدا في نقد محمد مندور، أو تبني نظرية ‘مدرسة النقد الجديدة’ في بعض الاتجاهات أو ما هو موجود في وقتنا الحالي من الحديث عن ‘ما بعد البنيوية’ من نظريات مختلفة مثل التفكيكية أو التشريحية”.

ويرى الناقد إبراهيم فتحي أن ثمة أوعية محدودة للنقد، فالتعليق الصحافي شبه النقدي منتشر جدًّا في الصفحات الأدبية، ووعاء النقد محدود لتواجد تعليقات انطباعية سريعة. أما عن الغياب فهو غياب دراسات نقدية لمحدودية المجلات الثقافية المعنية بهذا الشأن، وحتى الوسائل والمجلات الثقافية المعنية بالنقد نجد مساحة النقد فيها محدودة ومعظم الدراسات نظرية، والمشكلة هي غياب الأوعية والوسائل التي تقوم بتغطية الحركة النقدية ونشر الدراسات كنشاط نقدي ثابت. والأدباء لا يكتبون عن أنفسهم عن عمد مع العلم أن الوعي الذاتي للجيل الجديد مفقود.

ويعتقد فتحي أن حديث المبدعين عن إبداعهم أو إبداع غيرهم مهم أيضًا وإن لم يكن نقدًا متخصصًا، وهناك حالات نادرة يكون فيها المبدع متخصصًا، والأدباء يمتلكون أدوات النقد وهذه الأدوات ليست لوغاريتمات، ولا يوجد حائل بين المبدع والنقد. مع العلم أنه لا توجد جامعات أو مؤسسات حكومية قادرة على إخراج ناقد، فالناقد هو نتاج جهد شخصي وثقافة ذاتية، والمشكلة أن النقاد يجيئون بقوالب نقدية لا تصلح لأيِّ تطبيق عملي؛ وهذا راجع إلى خواء وفراغ التنظير ومن ثم لا يوجد له تطبيق.

العرب

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى