صفحات العالم

ما الهم غيرك يا الله

رأي القدس

تصريح المدير السابق لوكالة المخابرات المركزية الامريكية (سي اي ايه) مايكل هايدن ان انتصار قوات الرئيس بشار الاسد في سوريا قد يكون ‘الافضل بين ثلاثة سيناريوهات مرعبة جدا جدا’، يعتبر اجمل هدية يتلقاها الرئيس السوري منذ بداية الانتفاضة قبل 32 شهرا.

يعتبر هايدن ان السيناريوهين الاخيرين: تفتت البلاد بين فصائل متخاصمة مما سيؤثر على دول المنطقة، واستمرار المعارك الى ما لا نهاية بين متطرفين سنة ومتعصبين شيعة، وللأسف ما لم يقله هايدن ان سلبية حكومته بتعاملها مع الازمة يحملها مسؤولية كبيرة بوصول الوضع الى ما هو عليه.

ورغم ادراكها لهذه المخاطر، لم تجر واشنطن اي تصحيح لسياساتها في ما هي تدفع باتجاه حل سياسي من خلال جنيف 2، لكن السلبية التي تخطط وتعمل بها فضلا عن تجاوبها الدائم مع الرغبات الاسرائيلية تبدو وصفة لادامة الصراع لا لاقامة اي حل سياسي.

وسيناريو بقاء الاسد يبدو انه كان منذ البداية الحل الانسب للادارة الامريكية التي تخشى وصول قوى جديدة، لا تعلم مدى قدرتها على بسط السيطرة على الدولة، وهذا ما اعطى الوقت الكافي لوصول قوى متشددة تعمل على زعزعة القوى المعتدلة.

القوى المعتدلة، الممثلة بالائتلاف الوطني لقوى الثورة والجيش السوري الحر، والذي من المفترض نظريا ان يتلقى الدعم، (خاصة وانه اينما ذكر اسمه يرفق بعبارة المدعوم من الغرب)، يتلقى عمليا الضربات، فمن جهة يواجه القوى المتطرفة على اطراف البلاد، ومن جهة ثانية يواجه الآلة العسكرية للنظام والقوى العسكرية الاخرى التي تسانده، سواء حزب الله او ابو الفضل العباس. وقد تلقى الجيش الحر ضربة قوية اثر تصاعد التوتر بينه وبين الجبهة الاسلامية التي استولت على مبان ومخازن لقواته في اضنة بالقرب من الحدود التركية، لكن الضربة الاهم جاءت باعلان الولايات المتحدة وبعدها بريطانيا وقف المساعدات، ورغم ان هذه المساعدات تقتصر على اللباس العسكري والمناظير الليلية والمواد الغذائية واجهزة الاتصالات، الا أن مجرد اعلان الولايات المتحدة عن ذلك، سيؤثر سلبا على نفوذ الجيش السوري الحر وسيزيد من تفككه. فبدلا من تعويضه عن الخسائر، تزيد الادارة الامريكية الضغط عليه، وكأن المطلوب الوصول لسيناريو هايدن المفضل، وهو ما لوح به وزير الدفاع الامريكي تشاك هاغل بتصريحه أمس ‘عندما تتم تنحية المعارضة المعتدلة فان هذا ليس بالامر الجيد، ولكن هذا ما نتعامل معه’. ويبدو ان هذا سينعكس في مؤتمر جنيف 2 المقرر عقده في 22 كانون الثاني/يناير المقبل في مونتري على بحيرة ليمان، حيث سيصل الائتلاف ضعيفا ومفككا، بينما يصل ممثلو الاسد معززين بانتصارات عسكرية.

تتزامن هذه التطورات، مع مواصلة النظام منع وصول المساعدات الانسانية للمدنيين في ظل هذا الشتاء القاسي، وهذا بحد ذاته يعتبر جريمة، فكيف اذا ترافق ذلك بقرائن تشير الى قصف المدنيين وذبح المئات واستخدام الاسلحة الكيميائية.

الرد الامريكي على هذا كان الادانة والدعوة لمحاسبة المسؤولين عن الاعمال الوحشية، دون تسميتهم، والاشارة الى استمرار عمل وزارة الخارجية الامريكية مع الناشطين السوريين والمجتمع المدني لتطوير تفهم سليم ومناقشة العدالة الانتقالية المستقبلية، مثل هذه التصريحات لم نعتد عليها الا من لجان حقوقية ومؤسسات مدنية، وليس من قوة عظمى.

وعندما تكتفي الولايات المتحدة بالدعوة لادانة المجازر، يكون المواطنون البسطاء في سوريا، فهموها مبكرا حين رددوا ‘ما النا غيرك يا الله’.

القدس العربي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى