صفحات العالم

ما بعدَ الخطاب… وصاحبه


نصير الأسعد

ستٌّ وثلاثون ساعة تقريباً فصلت بين اجتماع اللجنة الوزاريّة العربيّة في القاهرة وبين خطاب رئيس النظام السوريّ بشار الأسد، كانت كفيلة بتوضيح سرّ «ميوعة» الموقف العربيّ من جهة ومآل الأمور في سوريا في المدى المنظور من جهة أخرى.

فالتقدير لا يخطئ في أنّ اللجنة العربيّة كانت على علم بأنّ بشار الأسد سيطيح بالمبادرة العربيّة وهي تريد أن تأتي مبادرةُ التعطيل والإطاحة منه كي يتحمّل المسؤوليّة عن إفشال الحلّ العربيّ للأزمة السوريّة، وكيّ يترتّب عن ذلك مسارٌ مختلف في التعاطي العربيّ مع «الملفّ السوريّ».

ووفقاً لهذا المعنى، فإنّ الموقف «الضعيف» بإزاء تقرير بعثة المراقبين إلى سوريا، إنّما كان تعبيراً عن رغبة عربيّة في القول «اللهم لقد بذلنا جهدنا لكنّ نظام الأسد عطّل»!

كانت اللجنة العربيّة – وفقاً لمعلومات موثوقة – على معرفة بأنّ نظام الأسد وعد (!) روسيّا بأن يسيرَ في «عمليّة سياسيّة» تستلهم المبادرة العربيّة من ناحية وتراعي الحسابات الروسيّة من ناحية ثانية، وذلك على أساس أنّ المبادرة العربيّة تعني ثلاث مراحل: مرحلة وقف العنف وإلغاء المظاهره المسلّحة أوّلاً، ثم مرحلة انتقاليّة سياسيّة ثانياً نحو مرحلة التغيير الديموقراطي ثالثاً. وعلى هذا الأساس، أرادت الجامعة العربيّة – ولجنتها الوزاريّة – اختبار إمكان وفاء نظام الأسد لتعهّداته مع موسكو، وفي «أسوأ الأحوال» وضعَ هذا النظام وجهاً لوجه أمام الإدارة الروسيّة التي راوغت كثيراً ولفترة طويلة مع المجتمع الدوليّ، بل استخدمت المبادرة العربيّة في هذه المراوغة.

… وبالفعل «لم يكذّب نظام الأسد خبراً». فخطاب بشّار أوّل من أمس في جامعة دمشق كانَ حرباً «موصوفة» على المبادرة العربيّة أي على مراحلها الثلاث المنوّه عنها آنفاً، وكان حرباً على «المحاولة» الروسيّة أيضاً، لا سيّما على «فكرة» المبادرة العربيّة والمحاولة الروسيّة معاً، أي فكرة المرحلة الانتقاليّة. ذلك أنّ بشّار الأسد أعلن أوّل من أمس الثلثاء وبالفم الملآن أنّه لن يتزحزح عن السلطة ولن يوقف القتل والدم وأنّه سيختار من يمكنه أن يمنحهم حضوراً – لا مشاركة – في نظامه بما أنّ الثورة الجارية في سوريا «إرهابٌ» من وجهة نظره!

إذاً، بعدَ خطاب الأسد – الذي لا تخفى فيه علائم الضعف والارتباك – ثمّة مرحلة سوريّة وإقليميّة أخرى.

فإذ لا يخفى أنّ بشّار يُعلن «القتال الأخير» وحتىّ «الرمق الأخير» من أجل البقاء في السلطة، لا يخفى ايضاً أنّه ينفّذ ما سبقَ أن نُقل عنه من بعض أصدقائه اللبنانيّين المخلصين: إمّا أنا وإمّا سوريا! ولكَم كان شبيهاً أوّل من أمس بديكتاتور ليبيا السابق معمّر القذافي الذي خاطب الليبيّين يوماً بقوله «أنا معي الملايين وسنطارد المحتجّين (الجرذان!) زنقة زنقة ودار دار».

بعدَ الخطاب، ثمّة دماءٌ كثيرة سيُسيلها الأسد في شوارع المدن السوريّة. وبعدَ الخطاب سوف يحاول الأسد فرض خيار الحرب الأهليّة والتقسيم.

وإذا كان لا مفرّ من تذكير الأسد بأنّه آخر من يحقّ له الحديث في العروبة التي حوّلها نظامُه من هويّة إلى ورقة، وآخر من يحقّ له الحديث عن «مستعربين كونه «المستفرس» الأوّل (مِن فُرس)، فإنّ ما لا مفرّ من تذكّره اليوم قبل الغد، هو أنّ ضرب الأسد للحلّ العربيّ يفرض على العرب الإسراع إلى عقد اجتماع عاجل يُستحسن ان يكون على مستوى القمّة، إجتماع قبل 19 الجاري لاتّخاذ موقف حازم، والانتقال إلى شراكة عربيّة – دوليّة في التصدّي لهذا «الورم الخطير».

رُبَّ قائل عن حقّ وعن حسن مراقبة ومشاهدة إنّ الأسابيع الأخيرة شهدت في موازاة الموضوع السوريّ، تقدّم الصراع الإيرانيّ – الأميركيّ – الدوليّ على ما عداه، ممّا فرضَ في الآونة الأخيرة إيقاعاً بطيئاً للتعامل العربيّ – الدوليّ مع الملّف السوريّ. بيدَ أنّ العكس هو ما يجب أن يحصل، وذلك على قاعدة أنّ المسألتين السوريّة والإيرانيّة مترابطتان.

وفي هذا الإطار، فإنّ الموقف السعوديّ معبّر. وإذا كان صحيحاً أنّ للمملكة العربيّة السعوديّة أداءً متمهّلاً في العادة، فإنّ الصحيح أيضاً أنّ الرياض بدأت تحثّ الخطى. وها هي تزامُناً مع الاجتماع الأخير للّجنة الوزاريّة العربيّة الذي تلاه خطاب الأسد، تبادر إلى تفعيل العقوبات على النظام السوريّ.

لكن يبقى ما هو داهم أكثر بالنسبة إلى لبنان واللبنانيّين.

ففي غمرة ما يعلنُه هذا النظام بسياسته المجنونة، وفي غمرة ما يُقدم عليه، لا جدالَ في أنّ لبنان في دائرة خطر من الدرجة الأولى.

فقد أعطى نظام الأسد خلال الشهور العشرة الماضية منذ اندلاع الثورة السوريّة، كلّ الإشارات إلى استهدافه لبنان، من خروق للحدود، وإطلاق النار داخل الأراضي اللبنانيّة، والمطاردات المخابراتيّة داخل لبنان، وإطلاق الصواريخ من الجنوب، واستهداف «اليونيفيل». وفعل ذلك كلّه ليقول إنّ أمن لبنان في يده… وصولاً إلى استنفار حلفائه والطلب منهم إثارة وجود «قاعدة» في البلد.

وفي ضوء لعب هذا النظام على خيار الحرب الأهليّة في سوريا، تزداد الخطورة على لبنان.

وبعد خطاب الأسد سيكون النظام السوريّ عاملاً على توريط لبنان، بل إنّ المعلومات عن طلبه التزام الحكومة اللبنانيّة بدعمه في المجالات كافّة صحيحة. هذا الأمر يجب أن يكون محور اجتماع عربيّ.. ربّما الاجتماع نفسه بخصوص الملفّ السوريّ. فالعرب يدركون أنّه في «الأيّام العاديّة» يكون الحديث عن سوريا حديثاً عن لبنان، والعكس بالعكس، فكيف في هذه الأيّام الحاليّة؟. إجتماع عربيّ يعطي أولويّة لحماية عربيّة للبنان.

غير أنّ ثمّة حدثاً أسرع هو زيارة الأمين العام للأمم المتّحدة بان كي مون غداً. ولا بدّ أن يطلب اللبنانيّون تعزيز الحماية الدوليّة على أساس القرارات الدوليّة. وهذا موجّه إلى سياسيّي 14 آذار إذا ما التقوا بان، أن يطلبوا منه تقريراً استثنائياً عن وضع لبنان إلى مجلس الأمن.

غير أنّ ثمّة كلمة أخيرة موجّهة إلى الأمين العام لحزب الله السيّد حسن نصرالله إذا ما كان على موعد مع خطاب جديد: مصلحة لبنان فوق كلّ اعتبار، بل مصلحة الحزب نفسه ليسَ فيها ما يبرّر إدخال البلد في حرائق كرمى لنظام يحترق ويسقط.

إنّ الأيّام المقبلة ستثبت لبشّار الأسد أنّ شيئاً لم يعد ينقذه، وأنّ أحداً لم يعد قادراً على إنقاذه. لكنّ الأيّام المقبلة يجب أن تكون فرصةً لإنقاذ لبنان مرّة «أخيرة”.

الجمهورية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى