صفحات المستقبل

ما بعد تفجير الراشدين/ إياد الجعفري

 

 

يمكن إجمال محصلة التطورات الدراماتيكية التي شهدها الملف السوري في الأسابيع القليلة الأخيرة، بالعودة إلى المربع السياسي ذاته الذي كان ذلك الملف يقف عنده، قبيل التدخل العسكري الروسي المباشر في سوريا، في خريف العام 2015.

وبدءاً من معركة شرق دمشق الموجزة، والتي زامنتها، وتلتها معركة ريف حماه الشمالي، التي ما تزال تفاعلاتها مستمرة إلى حد الآن، مروراً بضرب الكيماوي في خان شيخون، ومن ثم تغيّر الموقف الأمريكي حيال الأسد، وتجسيد ذلك بضربة صاروخية موجزة لإحدى قواعده الجوية، انتهاءاً بتفجير الراشدين الذي استهدف الخارجين من الفوعة وكفريا الشيعيتين، اليوم السبت. كل ذلك يمثل خلاصة وحيدة مفادها، انسحاب الملف من أيدي الأطراف الإقليمية الفاعلة لصالح الأطراف الدولية الفاعلة، ممثلةً بصورة رئيسية بالولايات المتحدة الأمريكية، وإلى جانبها، فرنسا وبريطانيا وألمانيا.

وهكذا، بتنا نسمع من جديد مفردات الخطاب الغربي حيال نظام الأسد وداعميه. فالغرب، بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية، لم يعد يريد الأسد في قمة السلطة بدمشق، مرةً أخرى. بعد أن كان قد تراجع عن ذلك المبدأ تدريجياً منذ بدء التدخل العسكري الروسي المباشر في خريف 2015، وربما قبل ذلك أيضاً.

كذلك، عاد الغرب إلى نغمة دعوة روسيا للتخلي عن الأسد، وفصم عرى تحالفها الوثيق مع إيران، بنبرة تخييرية، بين الوقوف إلى جانب الغرب، وبين الوقوف إلى جانب أعدائه، ممثلين في إيران، بصورة رئيسية.

وبقدر ما كشفت ضربة خان شيخون الكيماوية عن اهتزاز هيبة الأمريكيين في سوريا، بحيث أكدت أن الروس تلاعبوا بهم بخصوص اتفاق الكيماوي الشهير عام 2013، بقدر ما أكد دونالد ترامب عبر قراره ضرب مطار الشعيرات، على قدرة الأمريكيين على استعادة تلك الهيبة بسرعة، مما يؤكد بأن معادلات القوى الدولية محسومة، ولا جدل فيها.

وهكذا، يبدو مع ضرب مطار الشعيرات، وتغيّر الموقف الأمريكي تماماً حيال الأسد، وكأن روسيا خسرت كل المكاسب السياسية التي كانت قد حققتها بجهد جهيد، خلال أكثر من سنة ونصف من التدخل العسكري المباشر في سوريا، الذي تذهب تقديرات أنه كلّف الروس أكثر من 20 مليار دولار، كحدود دنيا.

انسحاب الملف السوري من قبضة الروس، بصورة نسبية، سينعكس سلباً، بصورة ضررٍ سيمس نفوذ إيران وأطراف إقليمية أخرى، في الملف السوري. وهذا ما يتضح جلياً في تفجير الراشدين الذي استهدف الخارجين من كفريا والفوعة الشيعيتين. إذ، أياً كانت الجهة التي تقف خلفه، فهي استهدفت بصورة رئيسية الاتفاق بين إيران وقطر، وقدرة هذين الطرفين على تفعيل نفوذهما في الملف السوري، وترجمته سياسياً.

وسواء كان النظام وراء التفجير بغية القول للإيرانيين أنه ما يزال موجوداً على الأرض، أو كانت جهات محلية مرتبطة بقوى إقليمية أخرى غير راضية عن الاتفاق، فإن التفجير طال قدرة الإيرانيين والقطريين، وربما أيضاً الأتراك، على ترتيب تسويات محلية سورية، تعبر عن مصالحهم وهوامش نفوذهم في الساحة السورية. وهو ما يثبت أن الأطراف الإقليمية الداعمة للمعارضة تحديداً لن تكون فاعلة وهي فرادى، بل هي بحاجة لتشكيل جبهة مشتركة لتفعيل نفوذها، بالتعاون مع الأمريكيين، والغرب.

وهكذا، أعاد دونالد ترامب خلط الأوراق في الساحة السورية مجدداً. وبقدر ما يجهل هذا الرجل في الشأن السوري، بقدر ما تدير نخبته المطلعة دفة اللعبة باقتدار، باتجاه إرجاع عقارب الساعة إلى الوراء، وكأن روسيا لم تخسر مليارات الدولارات في سوريا، بل وكأنها لم تنجح في انتزاع شرق حلب من المعارضة، أو في إجبار معظم فصائلها على الجلوس حول طاولة مفاوضات تديرها هي بنفسها، لتكون الجلاد والحكم، في آن.

بكلمات موجزة، سوريا عادت إلى ما قبل أيلول 2015. لكن مع إضافة جهد عسكري روسي مُستنزف في سوريا. ويعتقد متخصصون أن الروس، بخلاف الإيرانيين، لن يصبروا كثيراً إن طال بهم الأمد في حال استنزاف عسكري في سوريا، من دون أفق سياسي يؤشر إلى القدرة على ترجمة استنزافهم إلى مكاسب، في سوريا، أو في ملفات إقليمية أخرى.

وبالتالي، سيكون السؤال اللافت في المستقبل القريب، هل تُبقي روسيا على تحالفها المتين مع الإيرانيين، أم تستشعر حاجة ملحة لإعادة خلط الأوراق، هي الأخرى، قبل فوات الأوان؟.. علينا أن نقرّ بأن التحالف الروسي – الإيراني، رغم كل إشكالياته البنيوية، أظهر مرونة عالية وقدرة فائقة على تجاوز كل التحديات. لكن تحدي الأيام القادمة، قد يكون ذروة غير مسبوقة من التحديات لذلك التحالف.

وبالعودة إلى المربع المحلي السوري، في أعقاب تفجير الراشدين، يبدو أن ذلك التفجير ينال أيضاً من المتعهد المحلي لهذا الاتفاق، وهي “جبهة فتح الشام”، التي حاولت جاهدةً عبر ذلك الاتفاق أن تثبت أنها لاعب سياسي فاعل، كما حاولت في معارك شرق دمشق وشمال حماه، أن تثبت أنها لاعب ميداني فاعل. لكن التفجير يؤكد أن الحملة الإعلامية والسياسية الموجهة حيالها في الكثير من الأوساط السورية، لها تعبير ميداني واضح، هذا إن حيّدنا سيناريو تورط النظام في هذا التفجير.

وذلك يعني، أن على “فتح الشام” أن تفهم أن قدرتها على اللعب سياسياً وميدانياً، في سوريا، بشكل فاعل، لا تكتمل، إلا إن كانت تحظى بغطاء محلي واسع، عبر التحالف مع كبريات الفصائل في المعارضة، كما كان الحال إبان تأسيس جيش الفتح وتحرير إدلب في ربيع عام 2015. وكذلك، لن تكتمل تلك القدرة إلا بغطاء إقليمي واسع للجبهة.

المدن

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى