صفحات سورية

ما بعد مذبحه الغوطة… إسرائيل تستعد للحرب

 

 

هل ستخرج العلاقة الإيرانية الإسرائيلية خلال الأيام أو الأسابيع عن حدود الاشتباك اللفظي إلى مواجه عسكرية في سوريا؟

تقول إسرائيل إن لديها معلومات مؤكدة عن إنشاء إيران قاعدة جديدة شمالي العاصمة دمشق، وإنها نقلت أسلحة نوعية إلى حزب الله في لبنان، إضافة إلى استمرارها ببناء منشآت لتصنيع الصواريخ والذخائر في سوريا، واللافت أيضا توقيت اعتراف إسرائيل قبل أيام بتدمير ما يشتبه أنه مفاعل نووي في موقع «الكبر» في محافظة دير الزور السورية في أيلول/سبتمبر عام 2007، وإشارتها إلى أن الضربة الجوية كانت «رسالة» إلى آخرين.

فهل هذا الإعلان إضافة إلى ما تروجه إسرائيل من أخبار بشأن الأنشطة الإيرانية في سوريا يهيئ الرأي العام الإسرائيلي لمواجهة وشيكة وضربات جوية وصاروخية إسرائيلية غير مسبوقة ضد أهداف إيرانية في سوريا وربما في لبنان؟

في الصورة الخلفية للمشهد المقبل على الأراضي السورية، لابد من التوقف عند قيادة روسيا عملية اجتياح الغوطة الشرقية، التي اسُتبعدت منها إيران عن قصد، هذه العملية بدأت بعد أيام من إسقاط إسرائيل لطائرة إيرانية مسيرة عن بعد، تبعها إسقاط الطائرة الإسرائيلية خلال مشاركتها في هجمات جوية على مواقع لإيران ونظام الأسد في سوريا، حينها توترت الأوضاع بشكل خطير، وتدخلت روسيا والولايات المتحدة لدى طهران وتل أبيب لمنع التصعيد، وبدأت إسرائيل تدرك أن إيران تجاوزت الحد المسكوت عنه في سوريا.

وفي البحث عن السبل الممكنة لتحجيم النفوذ الإيراني في سوريا دون الانزلاق إلى هاوية الصراع الدولي المباشرة، برزت عملية الغوطة الشرقية التي من شأنها تعزيز الوجود الروسي على الأراضي السورية على حساب إيران، بعد النقد الأمريكي – الإسرائيلي لحقيقة النفوذ الروسي في سوريا وأن دور موسكو فيها وصل إلى حائط مسدود وباتت عاجزة أمام النفوذ الايراني المتصاعد في هذا البلد، نقد وصل إلى حد اتهام موسكو بالتواطؤ مع طهران على حساب المصالح الإسرائيلية.

استعجلت القيادة الروسية عملية السيطرة على الغوطة الشرقية، وانخرط جنرالاتها بشكل مباشر بقيادة العمليات العسكرية على الأرض لأسباب كثيرة، من بينها عامل الانتخابات الرئاسية الروسية، وحاجة بوتين للملمة جراحه في سوريا منذ بداية العام خاصة جرّاء ما تعرضت له قاعدة حميميم والضربة الأمريكية للجنود والمرتزقة الروس خلال محاولتهم العبور إلى الضفة الشرقية لنهر الفرات، لكن العامل الأهم هو القيمة الاستراتيجية لهذه المنطقة المتصلة بالعاصمة دمشق من الغرب والممتدة شرقا عبر القلمون الشرقي إلى البادية السورية وصولا إلى قاعدة «التنف» الأمريكية على الحدود السورية العراقية الأردنية، هذا الإقليم الواسع بإشرافه على طرق الإمداد البرية الإيرانية من العراق عبر البادية إلى القلمون الغربي والحدود اللبنانية، لكل هذه الأسباب مجتمعه اسُتبعدت الميليشيات الإيرانية، وانفردت روسيا بقيادة معركة السيطرة على الغوطة الشرقية لتقوي موقعها في اتفاقاتها المستقبلية مع الولايات المتحدة على تقاسم مناطق النفوذ في سوريا، على حساب إيران، ودون الصدام معها، أيضا تساعد روسيا بهذه العملية حليفها بشار الأسد للتخفف من الضغوطات الإيرانية، وهذا كله تراه إسرائيل مهما ويخدم مصالحها، خاصة وأن بشار الأسد كان قد عرض على إسرائيل في تشرين الثاني/نوفمبر 2017 إقامة منطقة منزوعة السلاح على بعد 40 كم من الحدود الإسرائيلية في مرتفعات الجولان، وذلك في إطار اتفاق شامل بين الطرفين، مقابل ضمان إسرائيل أنها لن تحاول إزالة نظام الأسد من السلطة.

هكذا تُرك المدنيون المحاصرون لسنوات في الغوطة يواجهون مصيرهم وحدهم، فلا مجلس الأمن نجح في فرض هدنه الثلاثين يوما أو أدخل مواد إغاثية،ولا فصائل حوران العسكرية الأقرب جغرافيا إلى الغوطة استطاعت فتح معارك ممكن أن تخفف من المذبحة التي تشهدها الغوطة بسبب ضغط الولايات المتحدة عليهم.

لقد تهيأت كل الظروف لتستمر روسيا وقوات الأسد وميليشياته بالتقدم في المعارك مهما كانت الخسائر البشرية والدمار الذي يتسبب به القصف الجوي والبري غير المسبوق والذي وصفته الأمم المتحدة أنه «الجحيم على الأرض «.

تمكنت القوات المهاجمة من تمزيق الغوطة الشرقية إلى قطاعات و عزلت فصائلها المسلحة عن بعضها، الأمر الذي مهد لبدء عملية التهجير القسري كما حدث لأهالي مدينة حرستا وعناصر فصيل أحرار الشام، ومازالت روسيا وقوات الأسد تسابق الزمن من أجل استكمال السيطرة على الغوطة، وتشير مصادر من مدينة دوما معقل «جيش الإسلام» إلى أن روسيا تحاول تحييد هذا الفصيل الذي سبق لقيادته أن وقعت مع روسيا اتفاق هدنة في القاهرة الصيف الماضي، وتشير بعض المصادر إلى تفاهم روسي مع قيادة جيش الإسلام على وضع خاص لمدينة دوما وإلى بقائه عناصر هذا الفصيل في مواقع وتحصينات مازال يعززها في جبال القلمون الشرقي، علما أن حزب الله يسيطر على أجزاء واسعة من هذه الجبال، أما مقاتلو فيلق الرحمن فمن الممكن الإبقاء عليهم محاصرين في منطقتهم الضيقة لوقت طويل، فروسيا ليست متعجلة باستسلامهم وترحيلهم.

رغم استبعاد روسيا لإيران من شرق العاصمة دمشق إلا أنها لن تمضي بالابتعاد عن حليفتها إيران أكثر من ذلك، ولا تريد أكثر مما تحقق، فإيران مازالت تحكم سيطرتها على أحياء عدة في دمشق ومناطق واسعة من ريفها، القلمون الغربي والأحياء الجنوبية للعاصمة بامتدادها إلى السيدة زينب، بل وتصل قطعان ميليشياتها جنوبا حتى مدينة إزرع في حوران القريبة من الحدود الأردنية وخط الهدنه مع إسرائيل، و إلى السفوح الشرقية لجبل الشيخ في الجنوب الغربي، وهذا ما يقلق الأردن وخاصه إسرائيل التي تدرس بنك الأهداف الإيرانية على الأراضي السورية بدقة، مواقع تخزين الأسلحة الإيرانية ومنشآت تصنيع الصواريخ والقذائف في سلسلة جبال لبنان الشرقية،أي في القلمون الغربي قرب الحدود اللبنانية وفي محيط دمشق أيضا، وبهذا فهي تهدف إلى ضرب ظهر القوة الإيرانية قبل ذيلها في الجنوب السوري الذي مازال هادئا وفقا للاتفاق الخاص الروسي – الأمريكي، وهذا ما يفسر الضغط الأمريكي على فصائل الجنوب من أجل الالتزام بالهدنة، رغم خروقات قوات الأسد لها عشرات المرات، ومحاولتها استدراج فصائل الجبهة الجنوبية للقتال، لكنها بقيت ملتزمة بالاتفاق الروسي – الأمريكي الذي مازال صامدا حتى الآن.

بالتزامن مع ما يجري تعزز الولايات المتحدة قواتها في قاعدة التنف وتدعم مواقع حلفائها من فصائل الجيش الحر في البادية، دون أن يوحي ذلك بضربات أمريكية وشيكه لمواقع قوات الأسد أو إيران خلافا لما تروجه قاعدة حميميم الروسية، وبعض المواقع والصحف..

في أيلول/سبتمبر من العام الماضي وفي ذكرى الهجوم على موقع «الكبر» قصفت الطائرات الإسرائيلية موقع قرب مدينة مصياف في محافظة حماة السورية، حينها علق عاموس يادلين»، الرئيس السابق لجهاز الاستخبارات العسكرية الإسرائيلي، على الهجوم الجوي قائلا: «لقد استهدفت الغارة مركزا عسكريا علميا لتطوير وتصنيع صواريخ دقيقة والتي سيكون لها دور هام في الجولة المقبلة من الصراع». إيران أيضا يبدو أنها تستعد للمواجه حسب نائب قائد «الحرس الثوري» الإيراني، الجنرال حسين سلامي حين كشف مطلع شباط/فبراير الماضي : إن «الحرس يستعد لحرب» في المنطقة.

بغض النظر عن هذه التصريحات،لاشك أن مرحلة ما بعد السيطرة على الغوطة تختلف عما قبلها، ولن تقف إسرائيل إلى النهاية عند دور اللاعب غير المباشر في الصراع الخطير للسيطرة على سوريا، مفتاح الشرق الأوسط، سوريا التي بات يصعب على أكثر السياسيين خيالا أن يتمكن من تصور شكل خريطتها أو خرائطها المعقدة والموجعة للغاية.

كاتب من سوريا

القدس العربي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى