إياد الجعفريصفحات المستقبل

ما بعد معركة حرستا/ إياد الجعفري

 

 

لن يكون ما بعد معركة “إدارة المركبات” في حرستا، مثل ما قبلها. وإن كان من المبكر الجزم بخاتمة هذه المعركة التي تستمر لليوم الثامن على التوالي، إلا أن جملة ظروف اقتصادية وسياسية، وأمنية، تضع هذه المعركة في مرتبة المعارك المصيرية بالنسبة لأقوى فصيل معارض في الغوطة الشرقية، “جيش الإسلام”، الذي يبدو أنه اليوم أمام سيناريوهين، لا ثالث لهما، إما تحقيق إنجاز ميداني نوعي على صعيد المعركة في جبهة دمشق، الشمالية – الشرقية، أو تعرّض سلطته العميقة داخل الغوطة للتهديد، ليس فقط من جانب فصائل معارضة أخرى، بل أيضاً من جانب تنظيم “الدولة الإسلامية”، ذاته، الذي لا بد أن خلاياه، “نصف النائمة”، تترقب الفرصة المناسبة “للاستيقاظ”.

لماذا تشكل معركة حرستا، وتحديداً معركة “إدارة المركبات”، بعداً مصيرياً بالنسبة لـ “جيش الإسلام”؟، الجواب ببساطة، لأن هذا الفصيل بدأ يفقد ثقة الحاضنة الشعبية له. وقد تكون المفارقة أنه بدأ يفقد هذه الثقة، بالتزامن مع تزايد أسهمه لدى الغرب، كلاعب ميداني مهم قادر على تأمين دمشق من أي غزو لـ “داعش”، في حال انهار النظام السوري بشكل مفاجئ.

ظهرت معالم فقدان الثقة بـ “جيش الإسلام”، بجلاء، يوم إطلاق معركة “إدارة المركبات”، منذ ثمانية أيام. أعلنت حينها ثُلة من الفصائل، في مقدمتها “جيش الإسلام”، أن هدف معركتها بعد حرستا، سيكون باتجاه قلب دمشق. ورغم أن فصائل عديدة تشارك في المعركة، من بينها جبهة النصرة وأجناد الشام، وأحرار الشام، وفيلق الرحمن، إلا أن التشكيك والتعليقات الناقدة، ملأت صفحات مواقع التواصل الاجتماعي حينها، وكان جُلها من نصيب “جيش الإسلام”، تحديداً، فمن المعلوم أن هذا الفصيل، هو الأقوى، والأكثر عدّة وعدداً في الغوطة الشرقية، وهو الفصيل الذي حظي بالكثير من الاحتجاجات الشعبية حيال أدائه خلال الأسابيع التي سبقت إطلاق معركة “حرستا”.

ورغم أن الغوطة الشرقية تشكل الحاضنة الشعبية الطبيعية لـ “جيش الإسلام”، بحكم انتماء معظم قادته، مناطقياً، للغوطة، إلا أن سكان هذه المنطقة الاستراتيجية من ريف دمشق، على ما يبدو، ضاقوا ذرعاً بدور “السلطة” الذي تقمصه “جيش الإسلام”، بديلاً لدور “الثائر” أو “المجاهد”.

قبل بدء معركة “تحرير إدارة المركبات في حرستا”، كانت معظم الجبهات بين “جيش الإسلام”، والنظام، هادئة أو متوترة بصورة طفيفة. في الوقت نفسه، أحكم النظام الحصار على مدن وبلدات الغوطة الشرقية، بعد إغلاق معبر مخيم الوافدين قرب دوما، قلب الغوطة الشرقية، الأمر الذي فاقم من الفاقة الاقتصادية التي يعيشها سكان المنطقة، وفي الوقت عينه، نشط التجار المحتكرون، دون أي رادع، ففاقموا من أزمة سكان المنطقة، ولم يُقدم “جيش الإسلام” على أي إجراء جدّي حيالهم. يُضاف إلى ما سبق أزمة المعتقلين في سجون “جيش الإسلام”، المُتهمين بالانتماء لـ “داعش”.

وقد راقبنا جميعاً، خلال الأسابيع الماضية، عشرات التظاهرات الحاشدة التي شهدتها مدن وبلدات الغوطة ضد “جيش الإسلام”، الذي حمّله المتظاهرون مسؤولية الحصار ومصير المعتقلين، وهدوء الجبهات مع النظام.

رافق كل ما سبق، توتر بين “جيش الإسلام”، وبين الفصائل المتحالفة معه في “القيادة الموحدة” بالغوطة، وتوتر آخر بينه، وبين جبهة النُصرة. ورغم أن هذه التوترات تمت تهدئتها، إلا أن حلولاً جذرية لأسباب هذه التوترات، لم تُنفذ، الأمر الذي يترك المستقبل مفتوحاً أمام انفجار في العلاقات بين الفصائل الفاعلة في الغوطة الشرقية.

العوامل السابقة، لم تكن الوحيدة التي تترصد بسيطرة “جيش الإسلام” على الغوطة الشرقية، فهناك خلايا “داعش”. وكان “جيش الإسلام” قد تمكن من قطع دابر التنظيم منذ سنة تقريباً، من معظم بلدات الغوطة، لكن مراقبين عديدين، وبإقرار من “جيش الإسلام” نفسه، يعتقدون أن خلايا التنظيم ما تزال متواجدة وبكثرة في المنطقة، تتحين اللحظة المناسبة للتحرك.

ومن المعلوم، أن تنظيم “الدولة” يبني تغلغله في أوساط الجمهور السوري المعارض على عاملين أساسيين: آثار الجوع والحصار التي تدفع للتطرف، والإحباط من أداء الفصائل الثورية على جبهات النظام. وهما عاملان متوافران بجلاء في حالة الغوطة الشرقية، ووضع “جيش الإسلام” فيها.

قادة الجيش يقدمون العديد من التبريرات لعدم قدرتهم على التحرك الفاعل على جبهات النظام، فهم محاصرون بشدة، وقدرتهم على الصمود حتى الآن، أمام هجمات النظام المتكررة، بحد ذاتها، حسب وصفهم، إنجاز. لكن مناوئي “جيش الإسلام” يتحدثون عن دعم هائل يحصل عليه الفصيل من دول عربية، لا توازيه أية إنجازات ميدانية على الأرض، باستثناء الصمود في مواجهة محاولات النظام لاقتحام الغوطة. فيما يذهب فريق من المراقبين إلى أن دولاً عربية وغربية تراهن على “جيش الإسلام” كي يكون السد المنيع الذي يمنع تنظيم “الدولة” من اقتحام دمشق، في حال تحققت مخاوف هذه الدول، وانهار نظام الأسد بصورة مفاجئة تحت وطأة الاستنزاف. لذلك، يبدو أن مهمة “جيش الإسلام”، حسب هذا الفريق من المراقبين، الاحتفاظ بقدراته، وعدم استنزافها، في أية مواجهات مع النظام، بغية القيام بمهمته المأمولة، وهي تأمين العاصمة.

وبغض النظر عن مدى دقة القراءات السابقة، يبدو أن المؤشرات الميدانية على الأرض، تُوحي بأن “جيش الإسلام” بدأ يخسر ركائزه في الغوطة، على مستويين، مستوى الحاضنة الشعبية التي ضاقت ذرعاً بالحصار والجوع دون أي إنجازات ميدانية تُذكر، ومستوى العلاقة مع الفصائل الأخرى، وفي مقدمتها جبهة النصرة.

وبناء على ما سبق، يبدو أن معركة “إدارة المركبات” في حرستا، والتي أُطلقت في سياق سلسلة معارك “نصرة الزبداني”، مصيرية بالنسبة لـ “جيش الإسلام”، الذي نحّى كل خلافاته مع الفصائل المتواجدة معه في الغوطة، وفي مقدمتها جبهة النصرة، ليبدأ واحدة من أكثر المعارك استراتيجية، بالنسبة لمصير دمشق ذاتها. فمن يعرف جغرافية دمشق، يعرف أن حرستا هي المدخل الشرقي – الشمالي للعاصمة، وأن “إدارة المركبات”، ومن خلفها، المخابرات الجوية على أوستراد دمشق – حمص، هي خط الدفاع الأبرز عن العاصمة في مواجهة فصائل المعارضة، مما يعني أن سيطرة “جيش الإسلام” والفصائل المتحالفة معه على “إدارة المركبات”، قد يمهد لمعركة أشرس على جبهة “المخابرات الجوية”، التي بدورها ستمهد لمعركة أخرى أشرس، لكن هذه المرة، على المدخل المباشر للعاصمة دمشق.

منذ ثمانية أيام، وحتى الآن، ما تزال معركة “إدارة المركبات” في حرستا، تسير ببطء. لكن، أياً كانت النتائج النهائية للمعركة، فما بعدها لن يكون كما قبلها. فانتصار “جيش الإسلام” وحلفائه في هذه المعركة، لو تحقق، سيمثل تحولاً نوعياً غير مسبوق على صعيد موازين القوى في محيط العاصمة منذ أكثر من 3 سنوات. الأمر الذي سيعزز من مكانة “جيش الإسلام”، في منطقته الأساسية، الغوطة، وفي أية خريطة لموازين القوى على مستوى كامل سوريا. أما لو أخفق “جيش الإسلام” وحلفاؤه في هذه المعركة، فإن “جيش الإسلام”، تحديداً، سيتحمل اللوم، ليس فقط اللوم الفصائلي، بل أيضاً، الشعبي، وبالذات، في أوساط حاضنته الشعبية في الغوطة الشرقية. وربما تكون دماء ضحايا مجازر النظام المتتالية اليوم في دوما وباقي مدن الغوطة، على وقع معارك “إدارة المركبات”، أول الغيث، في سيل غضب شعبي، سينال من موقع “جيش الإسلام”، بصورة خطيرة، قد يكون تنظيم “داعش” أبرز المستفيدين منه. الأمر الذي يجعل التنظيم على مسافة أقرب من العاصمة دمشق.

المدن

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى