صفحات العالم

ما تريده دمشق من مبادرة الجامـعة العربيّة


نقولا ناصيف

بدأت آثار الاضطرابات في سوريا. تقنين للكهرباء ساعتين يومياً بعد نقص حاد في القدرات نتيجة الاعتداء على قطارات الوقود وأعمدة التيّار. تثقل الأزمة الاقتصادية والاجتماعية، لكن النظام مطمئن إلى التطورين السياسي والعسكري، ويتمسّك بشروطه حيال الجامعة العربية. 

يعود زوّار بارزون من العاصمة السورية، على أبواب اجتماع مجلس الجامعة العربية الأحد للبحث في تقرير بعثة المراقبين العرب بعد انقضاء الشهر الأول على مهمتهم، بمعطيات حدّدت فيها دمشق علاقتها بمبادرة الجامعة وتستند إلى ملاحظات، منها:

1 ــ سعي القيادة السورية إلى تأكيد تعاونها مع المبادرة، وتسهيل عمل المراقبين، وتوقعها في حصيلة اجتماع الأحد، الذي يسبقه غداً اجتماع اللجنة الوزارية المكلفة الملف السوري، تمديد عمل المراقبين شهراً آخر على الأقل واحتمال زيادة عددهم.

تقول دمشق أيضاً إن قطر، عرّابة المبادرة العربية ما دامت على رأس الدورة الحالية للجامعة ورأس حربتها بغية ممارسة ضغوط قاسية على نظام الرئيس بشّار الأسد، لم تسدّد حتى الآن من مساهمتها في تمويل بعثة المراقبين سوى مليون دولار من أصل خمسة ملايين دولار هي مجمل حصتها، بينما لم تُسدّد الدول الأخرى المعنية بالمساهمة حصصها.

2 ــ تتمسّك دمشق ببروتوكول التعاون مع الجامعة، وترفض إدخال أي تعديلات عليه، وتقرن هذا التعاون بالأحكام الواردة في البروتوكول الذي وقّعته بعدما أدخلت بعض التعديلات عليه. يحملها هذا الجزم على رفض ما يُشاع عن إمكان السماح للمراقبين بدخول مقار ومنشآت عسكرية سورية لا يلحظه البروتوكول، ولا كذلك الخوض في مثل هذا التعديل، بل الإبقاء على حصر علاقة بعثة المراقبين بوزارة الخارجية السورية كإطار ديبلوماسي محض، لا جوانب أمنية فيه ولا اجتهاد في تفسير مهمة البعثة في هذا النطاق. لا دور تالياً للأجهزة والإدارات الأمنية والعسكرية السورية في مهمة المراقبين سوى تقديم بعض التسهيلات اللوجستية في الانتقال والتحرّك والمساعدة التقنية وتوفير المعلومات اللازمة المحدّدة.

3 ــ نظرت دمشق بريبة إلى بعض المراقبين العرب الذين حضروا إليها بأحكام مسبقة، وبعضهم بعناوين مَن يودّون للفور الاتصال بهم من المعارضين لتغليب وجهة نظرهم. وتعتقد بأن بين هؤلاء مَن هو منحاز سلفاً بعدما نقض رئيس بعثة المراقبين محمد أحمد مصطفى الدابي في 12 كانون الثاني شهادة أعلنها مراقب جزائري في حمص هو أنور مالك، ثبت بالنسبة إلى دابي عدم صحتها وكذب ادعاءاته.

4 ــ تتمسّك سوريا بأن يكون تقرير المراقبين خطياً بعدما كان هؤلاء قد رفعوا، قبل أسبوعين، تقريراً شفوياً استعاضوا به عن التقرير الخطي بناءً على طلب رئيس الوزراء القطري الشيخ حمد بن جاسم بن جبر آل ثاني والأمين العام للجامعة العربية نبيل العربي. وتصرّ دمشق على التقرير الخطي الذي يُوثق الوقائع، وعلى تسليمها نسخة منه عملاً بأحكام بروتوكول التعاون من أجل إجلاء الحقائق.

5 ــ تشعر دمشق بالارتياح إلى مهمة المراقبين العرب التي طرحت، في العلن لأول مرة منذ اندلاع الاضطرابات، وجهة نظر كانت قد أنكرتها الجامعة العربية، ولا تزال تنكرها دول غربية أخرى تلحّ على الانتقال بملف سوريا إلى مجلس الأمن، هي وجود مسلحين في المقلب الآخر من الصراع مع القوات الحكومية ونظام الأسد، وأن النزاع الداخلي لا يقتصر على تظاهرات احتجاج سلمية فحسب. في مهمتهم وثّق المراقبون كل ما شاهدوه في مناطق انتشارهم، واعترفوا بوجود مسلحين ملثمين رأوهم يقاومون النظام ويخرّبون الاقتصاد والمنشآت، ويستهدفون عناصر الجيش والشرطة، ويمثلون بالجثث.

الواقع أنه لم يعد يسع النظام نكران أن مناطق أصبحت خارج سلطته العسكرية، نجح المسلحون في الاستيلاء عليها كبعض ضواحي حمص وريفها الذي يتصل بالأراضي اللبنانية في الشمال، وكذلك بعض ريف حماه وإدلب. أما منطقة الزبداني التي يسيطر عليها المسلحون أيضاً، فإن الجيش السوري يحاصرها تماماً ويمنع المسلحين من الاقتراب من الطريق الدولية التي تربط الزبداني بلبنان. وكان هؤلاء قد شنّوا هجمات على هذه الطريق قبل أن يهاجمهم الجيش.

إلا أن السلطات السورية تعترف بأن خط مضايا الذي يربط الزبداني بالبقاع اللبناني لا يزال يمثل المصدر الرئيسي، التاريخي وحاضراً، لتهريب السلاح والمسلحين إلى الداخل السوري. في معظم المناطق التي أطبق عليها المسلحون وطردوا الجيش منها، أقاموا دشماً وانتشروا في الشوارع.

6 ــ تتحدّث دمشق بتهكّم عن اقتراح أمير قطر الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني إرسال قوات عربية إلى سوريا لإنهاء الأزمة، وتقرن رفضها القاطع للاقتراح إذ تعدّه تدخلاً في شؤونها بالتساؤل: من أين يؤتى بالقوات في مرحلة اضطراب، معظم الدول العربية فيها مشتعلة أو توشك على الاشتعال؟: لا من اليمن، ولا من تونس وليبيا، ولا من مصر والعراق، ولا من السعودية المشغولة بأمن اليمن والبحرين.

على أنها تجد في الاقتراح القطري محاولة ترمي إلى نعي مهمة بعثة المراقبين وتجميد أعمالها، بغية الانتقال بالملف السوري إلى مجلس الأمن. واستناداً إلى معطيات القيادة السورية، اقترحت قطر توجّه الشيخ حمد بن جاسم والأمين العام لجامعة الدول العربية نبيل العربي إلى مجلس الأمن لعرض الأزمة السورية، في حال استمرار تعذّر وضع المجلس يده على تلك الأزمة. إلا أن الاقتراح طُوي سريعاً عندما عرضت روسيا، في المقابل، حضور رئيس فريق المراقبين كي يدلي هو الآخر أمام مجلس الأمن بمشاهداته حيال ما يجري داخل سوريا، وإطلاعه على وجهة نظر متوازنة ومتكاملة الجوانب.

7 ــ تتوخى دمشق من استمرار موافقتها على المبادرة العربية والظهور بمظهر المتعاون وتجنب عرقلة تحرّك المراقبين، الرهان على تطوير مواقف بعض دول الجامعة التي بدأت تفصح عن اختلاف في الرأي بينها وبين قطر والسعودية، كمصر والسودان والجزائر وعُمان والعراق، تضع الأردن في الخانة نفسها في ضوء اتصالات مستمرة بين جهازي استخبارات البلدين وتدقيق المراقبة عند الحدود الأردنية ـــــ السورية.

يذهب التشكيك السوري في رغبة قطر في استمرار الإشراف على مبادرة الجامعة وممارسة مزيد من الضغوط على الأسد، إلى حدّ توقع تأجيل القمّة العربية في آذار، المقرّرة في بغداد، لتفادي تسليم رئاستها الدورية إلى العراق، ممّا يقلّل عندئذ من وطأة اندفاعها في هذا الملف. على أن الرئيس السوري أبلغ إلى رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي استعداده لحضور قمّة بغداد.

8 ــ بكثير من الاهتمام، تتواصل الاتصالات بين جهازي الاستخبارات المصرية والسورية في إشارة تعكس، إلى حد بعيد، مقاربة المجلس العسكري ما يجري في سوريا. بعض المعلومات المتداولة في دمشق في حصيلة تلك الاتصالات اعتقاد المجلس العسكري بأن النظام في سوريا يجب أن يبقى، إلا أن عليه المسارعة إلى إجراء إصلاحات دستورية وسياسية. وينظر إلى سقوط النظام السوري على أنه كارثة على المنطقة ستؤدي بدورها إلى سقوط 16 دولة عربية أخرى، تبعاً لكلام متداول في أروقة ديبلوماسية وأمنية في دمشق.

تتعامل القاهرة بحساسية مع ما تعدّه مشروعاً قطرياً ـــــ تركياً في المنطقة يدعم الإخوان المسلمين في الوصول إلى السلطة، لا يقتصر على سوريا، بل يشمل مصر نفسها بغية إضعاف المجلس العسكري ودور الجيش وتوسيع حيّز الخلاف بينه وبين الإخوان لتمكينهم من التوغّل في السلطة. تبدو القاهرة أقل اتصالاً بالدوحة، ويحرص المجلس العسكري على التوصّل إلى تسوية مع الإخوان تجنّب مصر أزمات إضافية، لكن من دون تخلّيه عن دوره رقيباً على السلطة الجديدة المنبثقة من الانتخابات النيابية الأخيرة.

تفصح المعلومات المتداولة نفسها عن اعتقاد المجلس العسكري بأنه ربما كان على الرئيس السوري أن يبكّر في الحسم حيال الأزمة الداخلية في بلاده، وبأن المجلس العسكري مارس ضغوطاً على الأمين العام للجامعة العربية لتخفيف اندفاعه إلى جانب دور قطر في الجامعة، وخصوصاً أن القاهرة تدعم ما باتت تعارضه الدوحة وأنقرة، وهو استمرار المراقبين العرب في مهمتهم في سوريا.

الأخبار

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى