صفحات الثقافةماهر شرف الدين

ما تعريف ‘الأجندة’ بالله عليكم!


رداً على وليد الزعبي وحسام الدين محمد ونوري الجراح:

ماهر شرف الدين

خصَّصت صحيفة ‘القدس العربي’ يوم 25 تشرين الأول 2012 صفحة كاملة تحت عنوان ‘رابطة الكتّاب السوريين في مرمى النيران: ردود وتصحيحات’.

وقد جاءت الصفحة منسَّقةً لجهة أن المقالات الثلاثة التي كتبها الملياردير وليد الزعبي والشاعر نوري الجراح والكاتب حسام الدين محمد تصبُّ في خانة واحدة هي: الدفاع عن مشروعية تمويل السيد الزعبي لنشاطات ‘الرابطة’، ومهاجمة كل من انتقد مسألة القبول بهذا التمويل، إضافة طبعاً إلى الدفاع عن ‘تاريخ’ السيد صاحب التمويل.

وفي يوم 30 تشرين الأول 2012 عادت الصحيفة ونشرت مقالين: المقال الأول للشاعر والكاتب حكم البابا يعيد طلبه بحذف اسمه من لائحة الأعضاء على موقع الرابطة الالكتروني كاشفاً عن السبب الحقيقي لانسحابه قبل أشهر ألا وهو قضية الزعبي نفسها، ورافضاً استعمال اسمه في ما هو بعيد عن أهداف ‘الرابطة’ حيث يقول: ‘من حق أصحاب رابطة الكتّاب السوريين أن يبيعوها نقداً أو بالتقسيط، أو يؤجِّروها بدون أثاث أو مفروشة، وباليوم أو بالشهر أو بالسنة، ولكن ليس من حقهم أبداً أن يعتبروني قطعة من العفش المباع أو المؤجّر’. والمقال الثاني – وهو مقال تخويني يثير العجب – للكاتب الفلسطيني باسل أبو حمدة يصف فيه طرح السؤال حول مسألة التمويل بأنه ‘محاولة بائسة لدفن هذا المولود في مهده’!! فهل يعلم السيد أبو حمدة بأن بعض من أثار السؤال هم أعضاء في ‘الرابطة’!! وعموماً المقالة تندرج في إطار ‘الفزعة’ وهي لم تطرح أي فكرة جدّية، لذلك لن أرد عليها.

وقبل تلك المقالات الخمسة كانت ‘القدس العربي’ قد نشرت مقالاً مدوّياً وشجاعاً للروائي السوري خليل النعيمي بعنوان ‘إني أسأل’ (في استلهام مقصود لعنوان المقال الشهير لإميل زولا ‘إني أتهم’)، وقد أدان فيه ‘العقول الوسخة والمأجورة، المأجورة بشكل أو بآخر لــ أحد لم نكن نتصوّر أنه سيكون سيدنا الجديد’… معلناً أن ‘الرابطة ليست ممسحة، ولا هي صكّ غفران’… وأن ‘الثورة السورية ليست للبيع. والرابطة السورية ليست ملكاً لأحد’… مطالباً المتورّطين بالانسحاب من ‘الرابطة’ في حال ‘التأكّد من سوء نيتهم المحتمل’.

الآن، بما أن الملياردير وليد الزعبي قال في ردّه ما يأتي: ‘كلَّفتُ المحامين برفع الدعاوى على المشهّرين باسمي’، وبما أني ناشر ورئيس تحرير ‘الغاوون’، المجلة التي نشرت مقال الشاعر السوري عمر سليمان الذي فتح السجال، والتي ستكون أمام القضاء في مواجهة السيد الزعبي، فأجد أن من حقي وواجبي معاً الردّ على هذا التهديد، وكذلك الرد على الأستاذ حسام الدين محمد الذي سمّاني بالاسم، والأستاذ نوري الجراح الذي فضَّل ‘تحقير’ مجلة ‘الغاوون’ وكاتب المقال عبر القول: ‘ما طُرح في الآونة الأخيرة عبر الفيسبوك’، وصولاً إلى قوله المستهجَن: ‘الغمزات واللمزات البائسة التي نشرها بعض أهل الصيد ممن لا تاريخ لهم’!!

أما الصديق حكم البابا فله كل التحية على صوته العالي دائماً. ولخليل النعيمي كل الاحترام على موقفه النزيه.

أولاً: الردّ على الملياردير الزعبي

من يقرأ ردّ السيد وليد الزعبي سيظن بأنها المرّة الأولى التي تُثار فيها الأسئلة والاستفهامات حول نشاطه وعلاقته بالنظام السوري. لكن نقرات قليلة على موقع ‘غوغل’ تُظهر لنا العجب العجاب مما يُثار حول هذا الرجل ومن قبل معارضين (لم نسمع بأنه حرّك ضدّهم فرقة المحامين التي يُهدّدنا بها).

اتهامات لا نهاية لها ولا عدّ، لا أتبنّاها ولا أنفيها، لأنها مسألة لا تعنيني كناشر لمجلة أدبية، لولا أن السيد الزعبي دخل بقوة – وفجأة – على خط النشاط الثقافي، ولولا أنه حدثَ خلطٌ كبير بين نشاط حزبه الجديد (بناة المستقبل) ونشاط ‘رابطة الكتّاب السوريين’، لأن الشاعر نوري الجراح منسّق أعمال ‘الرابطة’ هو أيضاً المنسّق لمؤتمر حزب السيد الزعبي حيث قام بدعوة مئة من المثقفين السوريين لحضور ما سُمِّيَ بـ’المؤتمر التشاوري’ لحزب ‘بناة المستقبل’، بينهم كثر من أعضاء ‘الرابطة’. وكذلك هو منسِّق إحدى جوائزه التي أُعلن عنها أخيراً.

لا شأن لي – كناشر مجلة أدبية – إطلاقاً بسيرة السيد الزعبي وعلاقاته وطموحاته السياسية، لكن الأمر سيختلف بالتأكيد حين يصبح الزعبي مموّلاً لـ’رابطة الكتّاب السوريين’، ليس لأني عضو فيها، بل لأنها ما وُجدتْ إلا لتُعبِّر ثقافياً عن روح الثورة السورية العظيمة، ولا يحقّ لأحد العبث بهذه الرمزية لقاء دعم ماليّ يريد صاحبه تبييض صفحته عبره، ويريد أن يستثمر عبره اسم ‘الرابطة’ لتعزيز موقفه التفاوضي بخصوص دخوله إلى ‘المجلس الوطني’.

وقد يقول قائل: ربما يكون السيد الزعبي بريئاً من الاتهامات التي وُجِّهت إليه.

وجوابي بسيط للغاية: ‘الرابطة’ غير مضطرة لتُدخل نفسها في مثل هذه الدوامة. ومن أجل ماذا؟ من أجل عقد مؤتمر أجزم بأن أحداً من ثوار الداخل لم يسمع به.

حقيقةً، أكاد لا أُصدّق نفسي وأنا أقرأ كلاماً من مثل: إن نقد ‘الرابطة’ يُوثِّر على الثورة السورية! فناهيك عن هذه النرجسية البائخة التي تعتبر عقد مؤتمر لها ينتهي بتبادل الأنخاب هو أكبر دعم للثورة، فإن فكرة ‘الرابطة’ هي فكرة رمزية تريد القول إن مثقفي سوريا يقفون إلى جانب ثورة شعبهم. الزملاء مستعجلون على المؤسسات والفعاليات والمنابر والكراسي. على راسي. ولكن لا تُدخلوا ‘الرابطة’ في مثل هذه الدهاليز والمتاهات.

أخيراً، وكلامي موجَّه للسيد الزعبي، أنت تتهم كاتب المقال عمر سليمان بأنه كتب مقاله لسبب يتعلّق ببرنار هنري ليفي وإسرائيل!! لذا أنا أطالبك بإثبات ذلك، فإن كنتَ على حقّ وجبَ عليَّ كناشر للمجلة أن أُعوِّضكَ عمَّا لحق بك، وإن كنت ترمي مثل هذه التهم الخطيرة جزافاً فعندئذ أنا من سيقوم بمداعاتك أمام المحاكم المختصة.

ثانياً: الردّ على الكاتب حسام الدين محمد

سأعذر للأستاذ حسام الدين محمد تشبيهي بـ’شايلوك’، كما سأعذر له لغته التخوينية المستغربة والتي صدمتْ زملاء كثيرين مثلما صدمتني، ولكن كنت أتمنى منه – كونه المسؤول المالي للرابطة – أن يكون جوابه غير هذا الجواب الانفعالي والحادـ، خصوصاً أنه أقحم التفاصيل الشخصية لعمر سليمان وزوجته الفنانة فدوى سليمان بشكل غير مهني إطلاقاً.

وبخصوص قوله إن استقالة عدد من أعضاء ‘الرابطة’ هو ‘كذب وديماغوجيا’! فأرجو منه أن يفتح صفحة جبران سعد مثلاً ليقرأ استقالته وما قاله فيها، أو صفحة عبد الواحد علواني. وعن نفسي أرسلت طلب انسحابي إلى موقع ‘الرابطة’. وإذا كانت استقالة علاء الدين عبد المولى ليست احتجاجاً على الفساد، فهل يمكنك يا أخي حسام أن تخبرنا عن السبب الحقيقي للاستقالة؟

ثم ماذا يقول في بيان حكم البابا الذي يؤكد انسحابه من ‘الرابطة’ للسبب عينه، أي مسألة التمويل؟ وماذا يقول في انسحاب الروائية سلوى النعيمي وقد أعلنتْ ذلك على صفحتها؟ وماذا يقول في انسحاب الشاعرة أميرة أبو الحسن التي أعلنتها على صفحة ‘الرابطة’ وأرسلتْ طلباً رسمياً بذلك؟ وقبل هؤلاء جميعاً ماذا يقول في استقالة عمر قدور، واستقالة حسين حبش؟

أما بخصوص قوله بأنه أحبَّ ‘شجاعتي’ حين نشرتُ ‘اعتذاراً’ من فواز حداد!! فهأنذا أورد مقطع الردّ ليحكم القارئ بنفسه إذا كان اعتذاراً فعلاً أو طريقة لبقة في الرد وإنهاء السجال، ومحاولة إظهار حسن النيّة لما فيه خير ‘الرابطة’. فلنقرأ:

‘أما بخصوص ما كتبه الزميل الروائي فواز حداد عني مستعملاً في ردّه شتائمَ مثل ‘زعرنة’ و’انحطاط’… فأقول له بأني قد رددتُ عليك قبل قليل حيث قمتُ بانتخابك، كي يُقال في ما بعد إنَّ من بين ناخبي الأستاذ فواز حداد أحدَ الزعران’.

لقد كنتُ آنذاك إيجابياً في ردّي لأني أصلاً إيجابي في نظرتي إلى الدور المحتمل للرابطة. وقد ‘ابتلعنا’ – بعض الزملاء وأنا – فضيحة الانتخابات فقط من أجل هذه الإيجابية. هل تذكر يا أخي حسام؟ هل تذكر حينما انتظرتم إلى ما قبل ساعات فقط من بدء الانتخابات لتعلنوا على الموقع لائحة يتيمة بعنوان (أ) مكوّنة من 25 اسماً – بينها اسمك – فارضين علينا انتخابها كلّها!! وكتبتم على الموقع: يُمنَع تشطيب أي اسم!!! لم يجرؤ علي عقلة عرسان على ارتكاب مثل هذا التزوير (على الأقل هو كان يزوّر بعد الانتخابات وليس قبلها!).

إن فضيحة الانتخابات هي التي أسَّست لما بعدها من فضائح. هي التي أسَّست لحالة الشك التي باتت تنتاب الأعضاء تجاه تصرُّفات الذين يتعاملون مع ‘الرابطة’ كدكان شخصي.

اليوم نحن ندفع ثمن فضيحة ‘اللائحة أ’، التي أعدَّتها يدٌ خفيَّة – باتت مكشوفة اليوم – لضمان حكم ‘الرابطة’. وعموماً ما أعلنه الدكتور عبد الرزاق عيد قبل أيام (موقع ‘الحوار المتمدِّن’) عن أنه رُشِّحَ ووُضِعَ في تلك اللائحة من دون علمه، يكشف بأن معدّي اللائحة بعدما وضعوا الأسماء التي تضمن لهم ‘الأكثرية’ حاولوا ‘رشوة’ بعض الأسماء الأخرى من خلال وضعها ضمن اللائحة الفائزة حكماً لأنها اللائحة الوحيدة (هل سمعتم في حياتكم عن انتخابات بلائحة وحيدة وممنوع التشطيب فيها؟! هذا استفتاء وليس انتخابات).

ثالثاً: الردّ على الشاعر نوري الجراح

كنتُ أنوي تجاهل الرد المتعالي والصَّلِف للأخ نوري الجراح وإهماله لولا أنه احتوى على شتائم لا تليق بأي سجال.

يُسمِّي نوري الذين فتحوا سؤال التمويل بـ’أهل الصيد ممن لا تاريخ لهم’!!

فإذا كان يقصد عمر سليمان (كاتب المقال) فعمر يستطيع الدفاع عن نفسه، وإذا كان يقصدني أنا (ناشر المقال) فلديه أرشيف جريدة ‘النهار’ منذ العام 2002 وفيها مئات المقالات لي في معارضة النظام المجرم، ولم أكتبها وأنا أعيش في الدول الإسكندنافية، بل وأنا في لبنان أعيش حياة شبه بوليسية يوم كان الجيش الأسدي يحكمه بقبضة من حديد، ويوم كان الذين يجرؤون على معارضة النظام من الداخل قلّة قليلة. وما دام نوري الجراح يتحدث عن الذين ‘لا تاريخ لهم’ فأنا أتحدّاه – وبالفم الملآن – أن يُبرز لي مقالاً واحداً كتبه ضدّ نظام الأسدَين قبل اندلاع الثورة. مقال واحد فقط. فإذا لم يجد مقالاً كاملاً، فنصف مقال. وإذا لم يجد هذا النصف، فكلمة واحدة، كلمة واحدة تكفي.

أنت يا أخي نوري – يا أبا التاريخ – تلوم خليل النعيمي كيف يكتب مقاله رغم ما بينكما من صداقة. لكن هاهنا بالضبط تكمن أهمية ما كتبه النعيمي: أنه لم يُراعِ العلاقة الشخصية حين أصبحت السمعة العامة للكتّاب السوريين في خطر.

أنت تطالبنا بالعودة إلى ما قلتَه في المؤتمر التشاوري لـ’بناة المستقبل’ (حزب السيد وليد الزعبي)، وهأنذا أورد لك المقطع الذي تعنيه وبشكل حرفي. تقول: ‘إن المؤتمر التشاوري العلمي الفكري لبناه المستقبل، والذي رعاه مال سوري أهلي مستقل، أراد أن يُظهرَ علاقةً جديدةً لا تسمح للمال بتعدّي حدوده في صناعة الثقافة، كأن يفرض أجندة غير ثقافية على الثقافة والمثقف’!!!

بالله عليكَ ما تعريف ‘الأجندة’ يا أخي نوري؟ هل من الضروري أن تهتف ‘بالروح بالدم نفديك يا زعبي’ حتى تكون أجندة؟ ألا يكفي أنك أعطيت الزعبي شرف رعاية ‘رابطة الكتّاب السوريين’، ليكون هدف الزعبي قد تحقق في تلميع صورته وتبييض صفحته؟ ألا يكفي أنك أقنعتَ مئة مثقف سوري لحضور مؤتمره الحزبي؟ أكاد لا أصدّق هذه الطريقة في الاستخفاف بعقولنا ومشاعرنا.

أنت اليوم يا أخي نوري المشرف العام على لجنة المؤتمر التحضيرية لحزب وليد الزعبي، والمنسِّق العام لجائزة جديدة أصدرها وليد الزعبي (كما أعلنت صحيفة ‘الحياة’)، وبالتأكيد ثمة مشاريع كثيرة أخرى ستجمع بينكما، كما أعلنتَ بنفسك في ‘المؤتمر التشاوري’. وطبعاً لا بأس في ذلك كلّه. لكن ما لفتني – ولفتَ كثيرين مثلي – أنك كنت حريصاً دائماً على الإعلان بأنك تقوم بذلك بصفة ‘متطوّع’!! فالحقيقة أن مليارديراً مثل السيد الزعبي لا يحتاج إلى عمل ‘تطوّعي’ ومتطوّعين، لذلك فنصيحتي لك ألا تقبل بعد اليوم العمل معه كـ’متطوّع’. فأنت تتعب في عملك هذا، ومن حقك نيل أتعابك يا أخي نوري.

وقبل أن أختم أودّ أن أُعيد طرح السؤال الذي سبق أن سأله الصديق إسلام أبو شكيّر ولم يُجبه أحد عنه في ‘الرابطة’، وهو يتعلّق بالآلية التي أعدتم بها الشاعر إبراهيم الجبين إلى أحضان ‘الرابطة’ (كمسؤول عن مجلة ‘الرابطة’!) بعدما فصلتموه منها لسبب غير معلن؟ هل السبب يتعلَّق بعمله مع السيد وليد الزعبي أيضاً؟

لقد سأل حسين الشيخ وماهر الجنيدي وعزت عمر وسواهم الكثير من أعضاء ‘الرابطة’ أسئلةً كثيرة ولم يُجابوا عن أي منها يا أخي نوري. لماذا؟

أليس هؤلاء أَوْلى بأن ‘تتطوّع’ للإجابة عن أسئلتهم الحساسة بدل ‘تطوّعك’ لمساعدة الزعبي؟!

لقد شاهدتُك يا أخي نوري على ‘يوتيوب’ وأنت تُقدِّم بحماسة السيد وليد الزعبي أثناء المؤتمر. وحزنتُ عليك يا أخي نوري… حزنتُ عليك حتى سالت دمعتي.

* رئيس تحرير مجلة ‘الغاوون’

القدس العربي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى