صفحات الناس

ما خسرته سوريا؟/ سلام السعدي

 

 “في الجمهورية العربية السورية، تسبب النزاع الذي اندلع مؤخراً بإهدار عقد كامل من التقدّم”، هذه هي الخلاصة الأساسية، التي انتهى إليها “التقرير العربي للأهداف الإنمائية للألفية 2013” بما يخص سوريا والصادر قبل نحو أسبوع. وإذ لا يختلف المرء مع أن عامين ونصف العام من التدمير الممنهج، نتج منهما إهدار نوع ما من أنواع التقدم المحقق في سوريا، تمكن المحاججة كثيراً ضد افتراض التقرير أن سوريا كانت في العقد السابق على الثورة “في طليعة بلدان المنطقة التي أحرزت تقدماً نحو تحقيق الأهداف الإنمائية”.

جاء التقرير مقتضباً بما يخص سوريا، مدفوعاً بضرورة إثبات “إهدار عقد من التقدم” كنتيجة مباشرة ومباغتة لـ “النزاع” في سوريا، ما أوقعه في مطب الترويج لـ “التقدم” السوري السابق على الثورة في تحقيق الأهداف الإنمائية.

وإذ يتحدث التقرير عن الفقر في المنطقة العربية، يشير إلى انه “بحلول عام 2010 ، بلغت عتبة الفقر المدقع في المنطقة 4.1 في المائة، بعد أن كانت 5.5 في عام 1990، وهذا بفضل التقدم الذي أحرزه الأردن والجمهورية العربية السورية ومصر”. يتابع التقرير بما يخص سوريا فيقول: “انخفض الفقر المدقع في هذا البلد من 7.9 في المائة في عام 1997 إلى 0.3 في المائة في عام 2007 . ونتيجة للنزاع الجاري، تشير التقديرات إلى أن معدّل الفقر عاد وارتفع إلى  7.2 في المائة في الفترة من 2012 إلى 2013”.

لكن المعلومات والبيانات الأخيرة تخالف، وعلى نحو فاقع، التقارير الحكومية والدولية على السواء، التي وثقت توسع نطاق الفقر في سوريا في ذلك “العقد من التقدم” الذي يروج له التقرير. فوفق تقرير “الفقر وعدالة التوزيع في سورية” الذي أعدته في العام 2008 هيئة تخطيط الدولة بالتعاون مع البرنامج الإنمائي للأمم المتحدة، توسع الفقر الإجمالي في سوريا، وبات يشمل 33.6 في المئة من السكان، أما الفقر المدقع فشكل 12.3 في المئة. وكم يبدو غريباً جداً وغير أخلاقي، أن يختصر التقرير الجديد هذه النسبة الوازنة والتي تشكل نحو 2.5 مليون سوري شديدي التهميش، بنسبة مجهرية تبلغ 0.3 في المئة.

كما جزم “التقرير الوطني الثالث للأهداف التنموية للألفية في سورية 2010″، وقد أعدته الحكومة بالتعاون مع الأمم المتحدة بأن الفقر في سورية لم ينخفض، في دلاله واضحة على فشل سياسات الحكومة السورية التي ادعت معالجة الفقر. إذ يشير التقرير إلى أن مدن المنطقة الجنوبية كانت قد شهدت أكبر زيادة في معدلات الفقر منذ عام 2004، حيث “أصبحت نسبة الفقر في عام 2007 ضعف نسبة الفقر في عام 2004 تقريباً”.

ويتابع التقرير بخصوص التعليم، فقد حققت سوريا، وبحسب بيانات 2010 “تعميم التعليم الابتدائي، إذ بلغ معدل الالتحاق 99 في المائة. لكن الأحداث الجارية في هذا البلد يتوقع أن تعطّل هذا التقدّم أو تعوقه.. وقد تسبّبت بتدمير الكثير من المدارس”. كما أشار التقرير إلى أن الفتيات السوريات يشكلن “أكثر من ثلثي الأطفال الذين هم خارج المدرسة، وقد يكون هذا النوع من الإقصاء نتيجة لعوامل دينية وإثنية وجغرافية وأمنية”.

التقرير ركز، على “كارثة” التعليم بعد اندلاع الثورة، متجاهلاً انه، وقبل ذلك، لم تحصل الغالبية العظمى من الفقراء في سوريا سوى على تعليم ابتدائي على الأكثر، أو لم تحصل على أي قدر من التعليم. إذ وصلت نسبة الفقراء الذين لم يحصلوا سوى على تعليم ابتدائي أو ما هو أدنى إلى 81.3 في المئة من إجمالي الفقراء، في حين لم تصل نسبة الحاصلين على تعليم جامعي بين الفقراء إلى 1 في المئة. وهذا ما لا يتفق، على الإطلاق، مع تحقيق الأهداف الإنمائية التي يدعي التقرير بأن سوريا قد بلغت في تحقيقها قبل الثورة درجة “تفوق الغايات المحددة” .

يتحدث التقرير عن تدهور الأمن الغذائي، وانتشار سوء التغذية لدى السوريين، خصوصاً اللاجئين منهم الذين “خسروا سبل عيشهم، ويستنفدون مخزونهم من المؤن الغذائية، ويلجأون إلى وسائل شديدة القسوة للبقاء على قيد الحياة، كبيع ما في حوزتهم من الممتلكات. وتبلغ حالة سوء التغذية الحاد بين الأطفال اللاجئين المقيمين عند السكان المحليين أو في مخيمات اللجوء معدّلات مزعجة تصل إلى 5.1 و 5.8 في المائة”.

بخصوص المساواة بين الجنسين، يصنف التقرير سوريا ضمن بلدان عدة يسمح للفتيات فيها بالزواج في عمر مبكر (بين 15- 17 سنة، ما يترك تداعيات سلبية على تحقيق الأهداف الإنمائية. ويسجل التقرير انخفاض أجر المرأة السورية عن أجر الرجل بمعدل 21 في المئة. كما سجل التقرير تراجع الصادرات في بلدان المشرق العربي في عامي 2011-2012، وردّ معظم ذلك الانخفاض إلى “حالة الاضطراب في الجمهورية العربية السورية ومصر”.

يقدم التقرير إذن، معلومات عامة وضعيفة لا تتناسب مع حجم الانهيار الاقتصادي والاجتماعي في سوريا، هذا فضلاً عن التسليم بحالة النمو الاقتصادي (كرقم كمي) شهدتها سوريا بالفعل في العقد الماضي وكأنها محور أهداف التنمية. وهو ما يناقض روح التقرير وهدفه في أن لا “تقتصر السياسات والتدابير على التقدم الكمي في التنمية، بل يجب أن تركّز أيضاً على النوعية”. كما يناقض “العبرة” التي يدعي التقرير انه التقطها بعد اندلاع الثورات العربية والتي تقول: “يتعين على بلدان المنطقة العربية أن تأخذ بعين الاعتبار إصلاحات قواعد الحكم وأن تتحرك باتجاه التنمية الشاملة للجميع، التي تقوم على علاقة ترابط بين الأبعاد الاقتصادية والاجتماعية والبيئية”. هنا يستغرب المرء، كيف يطنب التقرير في مديح التنمية السورية قبل الثورة، في حين أنها لم تكن شاملة أو متوازنة، بل نتج منها مزيد من الحرمان والبؤس لملايين السوريين. ألا يتساءل معدو التقرير عن دور هذا النوع من التنمية في اندلاع الثورة ، وتالياً إهدار “عقد كامل من التقدم”؟

المدن

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى