صفحات العالم

ما خفايا مخطط التدخل الروسي في سوريا؟

 

 

بعد مرور عام ونصف على دخول الجيش الروسي إلى الأراضي السورية، تمكنّت موسكو من ضمان مكانها كلاعب رئيسي في منطقة الشرق الأوسط، فيما يقف الكرملين اليوم عاجزاً عن تحويل نصره العسكري على الأرض إلى نجاح سياسي.

وفي هذا الصدد، أجاب عدّة خبراء، على غرار توماس غومار، المؤرخ الفرنسي في العلاقات الدولية ومدير المعهد الفرنسي للعلاقات الدولية، عن تساؤلات صحيفة “لوفيغارو” الفرنسية بشأن التدخّل الروسي في سوريا، ومدى نجاعته في تحقيق مخططات روسيا، وذلك خلال فعاليات مؤتمر نظمته جامعة السوربون.

هل نجحت روسيا في العودة إلى صفوف القوى العظمى؟

الإجابة هي نعم، نظراً لأن هذه الخطوة كانت تمثل أبرز أهداف روسيا لحظة دخولها العسكري لسوريا، الذي انطلق في شهر أيلول/سبتمبر سنة 2015. وبعد مرور عام ونصف، تمكن الكرملين من جني ثمار جهوده الحثيثة، حيث استعادت روسيا دورها كطرف فاعل على الساحة العالمية، كما أصبحت المتحدث الرئيسي باسم الولايات المتحدة، تماماً مثل ما حدث خلال الحرب الباردة.

وفي هذا السياق، صرح رئيس المعهد الدولي للدراسات الإستراتيجية، فرانسوا هيزبورك، أن “روسيا قد تحولت إلى قوة ذكية، قادرة على اتخاذ قرارات عسكرية وسياسية بسرعة فائقة، كما هو الشأن بالنسبة لكل من الولايات المتحدة، وفرنسا، وبريطانيا. أعتقد أن هذا التغيير سيدوم طويلاً”.

في واقع الأمر، استغلت روسيا الانسحاب الأميركي من المنطقة، والتراجع الاستراتيجي الذي رافق سنوات حكم أوباما، للبروز بدلاً عنها والأخذ بزمام الأمور وذلك عن طريق دفع قواتها لتغلغل في قلب منطقة الشرق الأوسط.

قلب موازين القوى

وقد كان ذلك بمثابة تحدّ واضح لسياسة القطب الواحد التي فرضتها الولايات المتحدة في أعقاب سقوط جدار برلين.

وفي الأثناء، أدّى التدخل الروسي في سوريا إلى قلب موازين القوى على أرض الواقع، حيث تمكنت من ضمان بقاء النظام السوري، وحشر المعارضة في الزاوية. في الحقيقة، وجدت المعارضة “المُعتدلة” ضمن المهمشين في قلب القضية السورية نظرا للمنافسة الشديدة التي تتعرض لها من قبل المتطرفين، في ظل غياب الدعم التركي، إثر التقارب بين أنقرة وموسكو.

من جهة أخرى، وصف أحد الدبلوماسيين الفرنسيين، الرئيس الروسي “بالمُخطِّط الانتهازي، حيث وجه رسالة واضحة إلى الغرب، بعد فشلهم في كل من ليبيا والعراق، مفادها أن روسيا هي الطرف الوحيد القادرعلى التعامل مع المسألة السورية”.

على المستوى العسكري، حققت العملية التي قادتها روسيا في سوريا نجاحاً باهراً، خاصة وأن صفوف القوات الروسية المُشتّتة إثر سقوط الشيوعية، قد استعادت قوتها وقدرتها الإستراتيجية. ولعل خير دليل على ذلك تدخّلها في كل من شبه جزيرة القرم وسوريا. وفي محاولة منه لتفسير هذه التطورات، قال الجنرال ميشال ياكوفليف، النائب الأسبق للقائد الأعلى لقوات الحلف الأطلسي، خلال مؤتمر نظمته جامعة السوربون، إن “الجيش الروسي أخذ يتحرر من قيوده، باعتبار أن الروس انضموا إلى اللعبة التي يقودها كبار العالم”.

من انتصار عسكري إلى مكسب سياسي

وبالعودة إلى ساحة الحرب في سوريا، نجحت القوات الروسية في إهداء فلاديمير بوتين انتصاراً ساحقاً وزهيداً في الآن ذاته، مقارنة بالتمارين العسكرية المكلفة التي ينظمّها الكرملين. وفي الأثناء، ساهم ذلك في أن يمكن موسكو من التمتع بمركز نفوذ هام في المنطقة. فضلاً عن ذلك، تسعى روسيا منذ سقوط معقل المعارضة، حلب، إلى تحويل انتصارها العسكري إلى مكسب سياسي، وذلك عبر تنظيم مفاوضات بين مختلف الأطراف المتنازعة في عاصمة كازاخستان، أستانا، علماً وأن الأمم المتحدة، والولايات المتحدة، والأوروبيين لطالما كانوا سباقين لمثل هذه المبادرات.

في الواقع، لم يتطلب الأمر أكثر من عامين، لتصبح روسيا منافساً استراتيجياً للغرب في الشرق الأوسط. وبغض النظر عن الحضور العسكري البارز لروسيا في سوريا، تعتبر الديبلوماسية الروسية الوحيدة القادرة على التحاور مع جميع الأطراف في المنطقة على غرار النظام السوري، وتركيا، وإيران، وإسرائيل، والأكراد، والسعودية وغيرهم، الأمر الذي دفع الكرملين للتباهي بسطوته ونفوذه في المنطقة.

هل يمتلك الكرملين استراتيجية للخروج من سوريا؟

في الحقيقة، تعد هذه المسألة نقطة الضعف الرئيسية في مخطط التدخل الروسي في بلاد الشام. ففي حين سارع الكرملين لمساندة القوات النظامية السورية لتفادي الفوضى، إلا أن التدخل الروسي فشل في تحقيق الأمن والاستقرار في المنطقة، نظراً لأن موسكو عجزت عن إعادة إرساء النظام فضلاً عن طرد تنظيم الدولة. في المقابل، نجح المسؤولون الروس في سوريا في تفادي تكرار السيناريو الأفغاني أو الشيشاني، إذ أنهم من الواضح قد استفادوا من دروس الماضي.

من جانب آخر، يهدف الكرملين، من خلال المثلث الروسي-الإيراني-التركي، إلى فرض تسوية سياسية ورسم مستقبل النظام في سوريا.

في المقابل، تصطدم المطامع الروسية في إرساء السلام في المنطقة بمقاومة إيرانية حادة، علماً وأن إيران تعد الطرف المسيطر على الحرب السورية في الميدان، فضلاً عن تعثرها بالشكوك التركية.

علاوة على ذلك، يواجه الروس جلادة منقطعة النظير من قبل الثوار. فعلى الرغم من أنهم أصبحوا يمثلون أقلية، إلا أنهم أعلنوا مقاطعتهم لمحادثات أستانا، بالإضافة إلى رفضهم المستمر لمستقبل يضم بشار الأسد. وفي هذا الصدد، صرّح توماس غومار، مدير المعهد الفرنسي للعلاقات الدولية، أن “موسكو تعد طرفاً إقليمياً محدود القوى، مثل فرنسا، ولكنها لا تزال تتعامل كما لو كانت قوة عظمى مثل الولايات المتحدة والصين”.

تعقيدات سياسية

في المقابل، يبدو أن العديد من التعقيدات قد بدأت تلوح في أفق السياسة الروسية في المنطقة، وفق ما أكده رئيس مجلس العلاقات الخارجية الروسي، أندريه كورتينوف، الذي حذّر من أن “تفوق روسيا في سوريا، لا يعني فوزها بمعركة إحلال السلام. فحتّى وإن نجح الكرملين في الحصول على موافقة جميع الأطراف، لا تمتلك روسيا وسائل التمويل الكافية لإعادة إعمار البلاد، مع العلم أن أوروبا وحدها القادرة على تحقيق ذلك، نظراً لخبرتها في إدارة مرحلة ما بعد الحروب”.

في الحقيقة، لا ترتبط هذه المسألة بالجانب المادي فحسب، فعلى الرغم من أن الكرملين قد أحسن إدارة الأزمة الشيشانية من خلال التعاون مع الرئيس الشيشاني، رمضان قديروف، الذي نجح في كبح جماح المتمردين، إلا أن مسرح الصراع السوري تشوبه العديد من التعقيدات على عكس القوقاز، خاصة وأن الروس ليسوا على دراية تامة بالأطراف المتصادمة.

هل بإمكان سوريا أن تقرّب بين الولايات المتحدة وروسيا؟

لطالما كانت الصلة بين القوتين هشّة ومُبهمة. وقد ذهبت مساعي كل من باراك أوباما وفلاديمير بوتين لتحسين العلاقات بين الدولتين أدراج الرياح على خلفية التدخل الروسي في أوكرانيا.

ويبقى السؤال المطروح، “هل ستتحقق وعود دونالد ترامب بإعادة المياه إلى مجاريها بين الطرفين؟”. وفي الأثناء، يبقى احتمال حدوث ذلك مستبعداً للغاية، حيث أكد نائب المدير التنفيذي لمؤسسة الأبحاث الاستراتيجية، برونو ترتراس، أن “مثل هذه الصفقات الكبرى لا يحدث أبداً، إذ أنها موجودة فقط في الخيال السياسي”.

وتجدر الإشارة إلى أن مطالب روسيا عديدة وكثيرة في إطار عودة العلاقات الروسية الأميركية، على غرار الاعتراف بعملية ضم شبه جزيرة القرم، ورفع العقوبات المفروضة عليها، فضلاً عن تسهيل تطبيق “اتفاقية مينسك”. أما على صعيد الملف السوري، من المتوقع أن تقترح روسيا على دونالد ترامب تعاوناً يقضي بمحاربة الإرهاب، وذلك مقابل حصولها على الحرية المطلقة من أجل فرض السلام خاصة فيما يتعلق بنظام الأسد. ولكن هذه الخطوة قد تفشل في حال تدخل الطرف الإيراني، مع العلم أن التطوّر في العلاقات الاستراتيجية بين طهران وموسكو كان نتيجة للحرب في سوريا لا غير.

كم سيتنازل بوتين لترامب؟

في المقابل، ترى الولايات المتحدة في إيران أبرز داعم للإرهاب العالمي وقوة إقليمية تعمل على زعزعة استقرار المنطقة. ومن هذا المنطلق، لسائل أن يسأل، إلى أي مدى سيتنازل بوتين عن التقرّب من طهران في سبيل كسب ودّ دونالد ترمب؟ وقد بادر، أندريه كورتينوف بالإجابة على هذا السؤال، حيث أفاد أن “روسيا في حاجة إلى الولايات المتحدة لتعزيز صورتها كقلعة محاصرة، لذلك، كيف سينجح الكرملين في الحفاظ على الحشود المحيطة بفلاديمير بوتين في ظل غياب الأعداء؟”.

في الحقيقة، خبا نجم دونالد ترامب شيئاً فشيئاً في وسائل الإعلام الروسية الموالية للحكومة، بعد أن كان حاضراً بقوة على كل منصات وسائل الإعلام منذ انتخابه. وفي هذا الصدد، صرح قسطنطين فون أكيرت أن “الجهود المبذولة في سبيل إعادة العلاقات باءت بالفشل قبل انطلاقها”.

عموماً، ترتبط إمكانية التعاون بين روسيا والولايات المتحدة في منطقة الشرق الأوسط بسياسة دونالد ترامب في المنطقة، إلا أن هذه الأخيرة لاتزال غير واضحة إلى الآن.

ما هي العلاقة التي تربط بين سوريا وروسيا وحلف شمال الأطلسي؟

في هذا الصدد، أورد مدير المعهد الفرنسي للعلاقات الدولية، توماس غومار، أن “روسيا تستخدم سوريا لتظهر لحلف شمال الأطلسي إلى أي مدى تمكنت من تطوير قواتها العسكرية”. وهو ما ترجمته روسيا على أرض الواقع في كل من كالينينغراد وسوريا من خلال استخدام أسلحة متطورة بهدف منع أي قوات غربية، وعلى وجه الخصوص الأميركية، من الدخول للمنطقة.

وأضاف غومار، أن “هدف الكرملين الرئيسي يتمثل في خلق توازن شامل بين جميع القوى ومصادر النفوذ، ذلك أن روسيا لا تسعى إلى تهدئة الوضع أو إيجاد حل للأزمة السورية، بل تطمح لاستغلالها لخدمة مصالحها”. والجدير بالذكر أن العلاقات بين روسيا وحلف شمال الأطلسي تشهد في الآونة الأخيرة توتراً بلغ أقصاه منذ الحرب الباردة.

ومن جهتها، تعتقد موسكو أن حلف شمال الأطلسي متورط في خلق العديد من النزاعات، على غرار شن الحلف لغارات واسعة النطاق قصفت من خلالها كوسوفو سنة 1999، إضافة إلى توسعه نحو أوروبا الشرقية.

من ناحية أخرى، يمكن اعتبار عملية ضم شبه جزيرة القرم والتدخل العسكري في سوريا من الخطوات التي رافقت سياسة التصلب التي أصبحت تنتهجها العقيدة العسكرية الروسية منذ سنة 2014، خاصة وأن روسيا أصبحت تعتبر أن الحلف الأطلسي بمثابة تهديد واضح لها.

وفي هذا السياق، أفاد الجنرال ميشال ياكوفليف، النائب السابق لرئيس أركان التحالف، الذي أصبح يشغل منصب مستشار في مجال الاستراتيجيات العسكرية، أن “التواصل بين الجيوش قد ضاع منذ الثورات الملونة”. كما أشار إلى أن “حلف شمال الأطلسي قد بذل قصارى جهده من أجل تهدئة العلاقات الثنائية مع روسيا، إلا أن هذه الخطوة لم تنجح. في المقابل، اختلق بوتين خرافة مفادها أن روسيا ضحية للظلم بقيادة الغرب”.

وفي حين عجزت روسيا عن التخلص من العقوبات المفروضة عليها بشأن أوكرانيا، لم يساعد التدخل في سوريا الكرملين على الحد من نفوذ وتأثير حلف شمال الأطلسي في أوروبا الشرقية والاتحاد السوفياتي السابق، كما كانت تأمل، بل حصل العكس تماماً.

خلافاً لذلك، رفضت كل من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي التدخل الروسي في سوريا، في حين قام حلف الناتو بدعوة مونتينيغرو للانضمام إليه بهدف تعزيز تواجد قواته على الحدود الروسية. وفي هذا الإطار، صرح جان باتيست فيلمر، أنه “في النهاية، ساهم بوتين في خلق ما كان يخشاه طيلة الوقت، وهو عودة حلف الناتو إلى سباق التسلح الذي يسترعي اهتمام بقية البلدان أكثر فأكثر”.

لوفيغارو

ترجمة هافينغتون بوست عربي

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى