صفحات سورية

ما قبل جنيف 4/ د. رياض نعسان أغا

 

 

يريد النظام وحلفاؤه الروس والإيرانيون وميليشياتهم تحقيق نصر عسكري كاسح وسريع قبل متابعة الجولة القادمة من المفاوضات كي يجعل المعارضة في موقف ضعيف تضطر فيه إلى قبول الفتات الذي يعرضه النظام وهو مجرد مشاركة شكلية في حكومة جديدة يشرك فيها بعض من يختارهم من المعارضة التي صنعها تعمية على المعارضة الوطنية، ويكسب من خلالها استعادة سيطرته على سوريا ليبدأ مرحلة جديدة هي الانتقام من الشعب الذي ثار عليه ويكفي أن يتركه لعقود طويلة قادمة نازحاً ومشرداً وملاحقاً، وتبقى مدنه وقراه مهدمة لسنين في مناطق سوريا غير المفيدة، وستكون سوريا المفيدة إذا حدث ذلك محمية إيرانية روسية لأن توقف إيران وروسيا عن دعم النظام ولو يوماً واحداً سيجعله في مهب رياح التغيير التي ستبقى هائجة مهما طال الأمد.

وكل المراقبين يعلمون أن الأسد لا يريد حلاً سياسياً، وهو من أوقف توجه كثير من أنصاره عن المسير نحو حل سياسي بدأت ملامحه في مؤتمر صحارى الذي ترأسه نائب الرئيس يومذاك.

ولم يكن مفاجئاً لأحد أن يقوم النظام بتصعيد هجماته على حلب وسواها من المناطق المنكوبة قبل كل جولة من المفاوضات، وكنا في المعارضة قد قررنا التأجيل في الجولة الثالثة (على رغم كون المفاوضات لم تبدأ بشكل عملي بعد)، فالجولة الأولى رفض النظام فيها مبدأ التفاوض أصلاً وصعد هجومه على حلب، وفي الثانية تحولت المفاوضات إلى أسئلة مدرسية يوجهها «ديمستورا» بعيداً عن السؤال الرئيس (مصير الأسد)، وفي الثالثة رأينا أن المفاوضات أصبحت كما وصفها المبعوث الدولي (حفلة فلكلورية) ولم ينجز النظام شيئاً مما يلزمه به القرار الدولي 2254 ولاسيما ما يتعلق بالموضوعات الإنسانية التي حدد القرار كونها فوق التفاوض مثل إدخال المساعدات إلى المناطق المحتاجة وفك الحصار والتوقف عن قصف المدنيين، كما أنه أمعن في خرق الهدنة التي فرضتها روسيا والولايات المتحدة، وسرعان ما اخترقها النظام وروسيا معاً، بذريعة أنهما يحاربان الإرهاب، مع أن الضحايا جميعاً كانوا من المدنيين أطفالاً ونساء وشيوخاً. وربما كان قصف المشافي مؤخراً وما أحدث من ضجيج عالمي هو الذي اضطر روسيا إلى استعادة هدنة تعد بالساعات وقد تم اختراقها أيضاً. ثم إلى إصدار بيان ضعيف شاركتها فيه الولايات المتحدة قبل مؤتمر باريس، وفيه وعد بأن ترجو روسيا النظام أن يخفف من عدد طلعاته الجوية وأن يقلل من عدد القتلى المدنيين، ولم يحدد البيان العدد الذي تسمح فيه روسيا والولايات المتحدة للنظام بالقتل اليومي.

وما يتردد اليوم عن حشود للنظام وللجيوش الإيرانية والروسية والشيعية المتجهة إلى حلب وإلى الغوطة وإلى درعا يجعل مفاوضات جنيف مؤجلة من قبل النظام إلى ما بعد الانتصار كي تأتي المعارضة مهزومة مسحوقة، ولن تكون هزيمتها (لا سمح الله) انهياراً لثورة الشعب السوري وحكماً عليه بالرضوخ الأبدي، وإنما ستكون انهياراً للأمة العربية كلها بما فيها الدول المؤيدة للنظام حيث ستجد إيران فرصة واسعة لمزيد من التوغل في العمق العربي كله، كما فعلت في لبنان والعراق وكما تفعل اليوم في سوريا، مما يعيد إلى الأذهان المرحلة الصفوية في التاريخ الإسلامي.

ولم تنفع مع إيران كل النداءات العربية العقلانية التي دعتها إلى حسن الجوار، وإلى التعاون والتفاعل الإسلامي أو الإنساني، ولا الدعوات الحكيمة إلى التحكيم (كما في موضوع الجزر الإماراتية) ولم يتوقف طموحها في التسلط على الدول العربية وبخاصة في اليمن والخليج العربي، وقد بدا للسوريين أن ما تفعله إيران هو جردة حساب تاريخية تستعيد الماضي البعيد من ذي قار إلى حرب العراق الأخيرة.

ربما تنتظر قيادات المعارضة اليوم ما سينجم عن لقاء فينا القادم في17 مايو، وهي لم تجد في لقاء باريس الأسبوع الماضي ما يدفع إلى التفاؤل، لكننا نشعر أن الرغبة الروسية في إقصاء أصدقاء سوريا وبخاصة فرنسا وبريطانيا وألمانيا والاتحاد الأوروبي كله عن الملف السوري ومباركة الولايات المتحدة لهذا التفرد الروسي سيهدد الحضور الأوروبي الدولي لاحقاً، وهذا ما لا يغيب عن الذهن الأوروبي، ونرجو أن يستعيد أصدقاء سوريا الأوربيون حضورهم في مؤتمر فيينا القادم، وهم الذين استضافوا مئات الآلاف من السوريين المهاجرين، وكان موقفهم الإنساني حضارياً وأخلاقياً.

الاتحاد

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى