صفحات الرأي

ما لنا ولابن خلدون/ حسن الصفدي

 

 

ما أكثر الذين يرددون مقولة ابن خلدون في نشوء الدول وانهيارها، وقيام أخرى على أنقاضها، وتراهم – يا للمفارقة – يشيرون إلى أنظمة سالفة بالتميز والتساوق ولزوم العودة إليها! فوفق أي منهج تراهم قرأوا ابن خلدون.

أترانا نلاحظ أن ابن خلدون – بما يخص الفكر العربي – نسيج وحده، واحد متفرد في مجاله. لم يخلّف، في البلاد التي حلّ فيها، تلامذة أو مريدين يتابعون نهجه، أو حتى يؤسسون لطرف منه. أيعقل هذا في ظل ثقافة حضارة امبراطورية؟ في حين نجد مثلاً في عصر النهضة الأوروبي اختراعات متماثلة في أمكنة متباعدة، كما نجد فلسفات متساوقة في بلدان عدّة أنتجت فلسفات تالية.

ما السائد في أذهاننا عن الفترة التي نبغ فيها ابن خلدون؟ آخر ما يرد عنه بعد ذكر واقعته مع تيمورلنك أنه أمضى باقي حياته صوفياً.

الطريف أن أحداً لا يتساءل كيف جرى تعرّفنا إلى ابن خلدون. والواقعة شديدة البساطة. فخلال ما يُدعى عُنوة عصر النهضة عندنا، غير أنه لم يُخلّف نهضة، بل شذرات فكريّة فردية متناثرة، لم ترق إلى تأسيس مدرسة أو تيار أو نهج، نسلسلها مسرودة من دون رابط منهجي يجمعها ونضم بعضها إلى بعضٍ كي تبدو جمعاً، كتب باحث تركي تعريفاً بابن خلدون وكتابه ومقدمته، فعرفناه واحتفينا به وتباهينا بما فيه الكفاية، على أنه ما زال الخلاف قائماً حول: هل كتب ابن خلدون مقدمته أولاً، أم أنه استنتج عناصرها بعد أن أنتهى من تأليف كتابه؟!

لا عجب في ذلك فنحن عرفنا أيضاً ابن رشد من طريق أوروبا التي حضن الفرنسيسكان في جامعتهم في فرنسا، فكره الذي نقله تلامذته شمالاً، وحافظوا عليه، (ولسان حالهم يقول: على رغم أنه ليس بمسيحي إنما كلامه صحيح وسليم) في حين أننا «أهله وعشيرته» في سالف الزمان أحرقنا كتبه وانتهينا منها، وسادت بيننا الكتب التي تفند أفكاره، من دون أن نعرف على من ترد. وعندما جددنا التعرف الى ابن رشد راج الاحتفاء والتباهي على عادتنا.

أما مسألة الشيخ ابن سينا فتبقى نصف تعريف، إذ إننا عرفناه كطبيب، وأوروبا عرّفتنا الى ابن سينا الفيلسوف، لأننا نبذنا الفلسفة، وضيّقنا على الباحثين فيها، فسمّيناه الشيخ وأضفنا الرئيس، لترئيسه في مجال الطب.

لا أحد يجيب عن سؤال: أين متابعو تراث هؤلاء وآخرون لاحقون ومتجاوزوهم فكراً؟! هل دوّنوا لنا ما ورد عنهم في متون كتبنا التاريخية وموسوعاتنا العديدة، وتابعوا السيرورة الفكرية لعلمائنا، وصيرورة مجتمعاتنا البنيوية، بعد انقضاء عصر المماليك الذي أنجز خلاله علماؤنا وفلاسفتنا علمهم الموسوعي في مختلف المجالات. ثم تلاه صمت استمر حتى منتصف القرن التاسع عشر، إذ خامرنا أن الضجيج بمفردة نهضة يغني عن إعادة القراءة وفق المناهج الحديثة ومن ثم نقد المدونات والتأسيس لأخرى مستقبلية! لكن هيهات، فما زال الحديث يتأرجح بين إحياء أم تجديد، ناهيك عن التحديث المرفوض قولاً واحداً.

الحياة

الأربعاء، ٩ سبتمبر/ أيلول ٢٠١٥

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى