صفحات سوريةميشيل كيلو

ما هذه الشرعية الدولية؟/ ميشيل كيلو

 

 

استعادت روسيا كامل قوتها الجوية في حميميم (في سورية)، وعزّزتها بطائرتين من الجيل الخامس، ما زالتا قيد التجربة، أعلن رسمياً أنهما أرسلتا إلى “حقل الرماية السوري” كي تختبرا، مثلما اختبرت قبلهما مئات الأسلحة والذخائر الجديدة على أجساد السوريين.

وكان الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، قد أعلن من حميميم أن بلاده هزمت “داعش”. ثم، وفي آخر استدعاء لبشار الأسد إلى موسكو، قدم للأخير رهطاً من جنرالاته، وهو يقول: تعال أعرّفك على الذين هزموا “داعش”، فكان إعلانه هذا أول رد على إيران التي نسبت الانتصار على الإرهاب إلى قاسم سليماني، بشهادة حسن نصر الله الذي زعم أنه دخل سورية لمقاتلة التكفيريين، ومنعهم من الدخول إلى لبنان، لكنه أخرج فصيليهم الداعشي والقاعدي من عرسال بباصات مكيفة إلى حيث أرادا في سورية، وعندما أوقف الأميركيون قافلة دير الزور التي رفرفت أعلام حزب الله على باصاتها، أرسلت إيران مذكرة إلى الأمم المتحدة تستنكر الاعتداء على حقوق الدواعش المساكين.

أعلن بوتين الانتصار، لاعتقاده أن ما قاله وزير خارجيته، سيرغي لافروف، عن انفتاح باب الحل السياسي، صحيح، وأن الأوراق السورية والإقليمية صارت في يده، لكن لقاء سوتشي أيقظه من أوهامه، فقرّر التستر، بالتعاون مع الأمم المتحدة واستكمال الحسم العسكري، الذي اعتمده لإنقاذ الأسد. عندئذ، أعلنت خارجيته استئناف الحرب ضد الإرهاب في مناطق خفض التوتر، وخصوصاً منها غوطة دمشق: معقل الثورة الذي بسقوطه سينهار كل شيء، كما يعتقد جنرالات حميميم الذين شنوا حملات قصفٍ مرعبة، استهدفت سكانها، أعقبوها بهجماتٍ برية ضارية من جميع الجهات، قُتل وجُرح خلالها ثلاثة آلاف إنسان في ستة أيام.

… بعد جهود دولية استمرت أسبوعاً، تخلت روسيا عن التهديد باستخدام حق النقض، إذا قرّر مجلس الأمن وقف القتال، وبعد مداولاتٍ مضنيةٍ طوال ثلاثة أيام، اتخذ قرار وقف إطلاق النار، لكنه تحول من وقف فوري إلى وقف في أقرب وقت، وخلا من أية آليات وضمانات. عندئذٍ، وافق مندوبها على القرار الناقص، ثم أعلن، بعد التصويت عليه، إن التطبيق المباشر للقرار مستحيل، من دون اتفاق الطرفين المتحاربين على تنفيذه. بذلك، أعطت روسيا حق النقض (الفيتو) الذي تخلت عن استخدامه تحت الضغط الدولي إلى بشار، لتلغي بذلك القرار الذي كان مندوب الأسد في الأمم المتحدة، بشار الجعفري، يعلن رفضه، بعد إقراره بدقائق (!).

هذا النمط من الاحتيال الذي لا يليق بدولة تحترم نفسها. وهذا الخروج الفظ على الشرعية الدولية الذي يخضع تطبيق قرارٍ أصدرته لموافقة الجهة التي صدر ضدها، بشار الأسد، ما لبث أن أضيف اليه قرار اتخذه بوتين، بعد توسل فرنسي/ ألماني مذل استمر ثلاثة أيام، قلص هدنة الشهر التي يحظر القرار الدولي انتهاكها حظرا مطلقا، إلى هدنةٍ يوميةٍ مدتها خمس ساعات، جعل هدفها ليس إغاثة السكان وإنقاذهم، بل تهجيرهم من قراهم ومدنهم، فإن رفضوا الخروج، تم استئناف القصف والقتل، كأن مجلس الأمن لم يقرّر، بموافقة روسيا قبل ثلاثة أيام، هدنه تستمر شهرا، أو كأن روسيا ألغت موافقتها عليه بمفعول رجعي.

بعد تعطيلها الشرعية الدولية بالفيتو، تقوّضها روسيا اليوم وتعطل مؤسساتها عبر إعطاء حق الفيتو لمجرم، في رسالة إلى المجتمع الدولي: انس أنك تستطيع بعد اليوم إلزام أحد بقراراتك، لأننا نستطيع إلغاءها بعد اتخاذها، بموافقتنا، بمنع تنفيذها وربطها بموافقة ذلك المجرم الذي قتل وشرد ثلثي شعبه.

العربي الجديد

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى