صفحات العالم

ما وراء الموقف الصيني تجاه سوريا


د. عبدالله المدني

على ضوء الموقف الذي وقفته بكين في مجلس الأمن الدولي مع النظام السوري، وضد قرار الأغلبية بإدانة هذا النظام ومعاقبته على أعماله المتوحشة ضد شعبه الأعزل التواق للحرية، تعالت تساؤلات عن سر الموقف الصيني ودواعيه، خصوصاً وأن سوريا لا تمثل للصين أهمية اقتصادية، أو تجارية، أو نفطية، أو استراتيجية كبرى كما هو الحال بالنسبة لروسيا الاتحادية التي اتخذت موقفاً مشابهاً. فمصالح الصين النفطية والتجارية هي مع دول الخليج العربية (فاقت قيمة مبادلاتها التجارية في عام 2009 المائة مليار دولار)، ومصالحها الاقتصادية والتجارية والاستثمارية هي بالدرجة الأولى مع الغرب والولايات المتحدة (جل الاستثمارات الأجنبية القادمة إلى الصين مصدرها الولايات المتحدة، كما وأن الأخيرة هي الشريك التجاري الأهم للصين). وكل هذه الدول تقف ضد النظام السوري وسياساته القمعية.

الصين، رغم كل التحولات الاقتصادية والتنموية الكبيرة التي حدثت فيها ونقلتها من دولة زراعية فقيرة، إلى قوة عظمى ذات مكانة مرموقة في النظام الدولي، فإنها لم تدشن إصلاحات سياسية كبيرة.

وما واقعة ساحة “تيانان مين” في يونيو من عام 1989، حينما دهست دبابات الجيش الأحمر أمام مرأى ومسمع وسائل الإعلام العالمية أجساد المحتجين من الشبيبة الصينية سوى دليل على صحة ما نقول، دعك من ملاحقة النظام لجماعة “الفاولون جونج” الروحية المعارضة، ومتمردي إقليمي التبت وتشينجيانج (تركستان الشرقية).

صحيح أن جمهورية الصين الشعبية التي أقامها “المعلم” ماو عام 1949 على أنقاض جمهورية الصين الوطنية بقيادة الماريشال الملهم “تشيان كاي شيك” تحمس لها الكثيرون في العالم العربي على اعتبار أنه إنجاز وانتصار ونموذج للمقاومة ضد القوى الاستعمارية والامبريالية، لكن الصحيح أيضاً أن ولادة ذلك النظام كانت ذات كلف بشرية عالية، وذلك حينما أطلق ثورته الثقافية في منتصف الستينيات. وهذا يشبه إلى حد ما ما فعله حزب “البعث” بعد وصوله إلى السلطة في دمشق في 8 مارس 1963، وما فعلته الأحزاب الانقلابية العربية المشابهة الأخرى حينما جاءت إلى الحكم على ظهر الدبابات تحت شعارات الوحدة والحرية والتحرير والتخلص من الاستعمار والرجعية، فقضت براديكاليتها على خيرة رجالات الأمة، وبددت ثرواتها في المغامرات الطائشة، ونشرت الفساد والرعب والخوف، وأوقفت عجلة الحياة النيابية الوليدة. بل إن هذه الأنظمة ارتكبت مجازر مشابهة لتلك التي وقعت في “الثورة الثقافية”. ولعل تدمير الرئيس السوري البعثي الأسبق “أمين الحافظ” لمنازل وجوامع مدينة حماة فوق رؤوس أبنائها في عام 1964، وتدمير الأسد الأب للمدينة ذاتها بالطائرات الحربية وقتل ما لا يقل عن 40 ألفاً من أبنائها في عام 1982، وما يرتكبه الأسد الابن من مجازر يومية في مختلف أرجاء القطر السوري خير شاهد.

البعض، بطبيعة الحال، يضع الموقف الصيني في إطار ما عــُرف عن الإنسان الصيني من حذر وترو في اتخاذ القرار خوفاً من احتمالات الخسارة، وفي سياق التروي الصيني لعلنا نتذكر ما كتبه رئيس الحكومة الصينية في مارس 2007 في مقال منشور حينما قال “بالنسبة لبلد كبير ومعقد التركيب كالصين، فمن الأفضل أن تأتي الديمقراطية في صورة خطوات متدرجة، ومتوازية مع تحقيق العدالة الاجتماعية والاقتصادية لجماهير الشعب”.

لكننا هنا لا نتحدث عن الإصلاح السياسي وإنما عن الموقف من حدث مأساوي يندى له الجبين. ثم هل التروي والتردد في اتخاذ موقف سريع وحاسم إلى جانب الشعب الليبي في ثورته ضد نظام القذافي حفظ لبكين مصالحها في هذا البلد النفطي الكبير وجنبها الخسائر؟ الجواب طبعاً لا! فموقفها ذلك كانت له تداعيات على شركاتها الكبرى التي خرجت اليوم نهائياً من دائرة التفضيل فيما يتعلق بمشاريع إعادة بناء ليبيا.

البعض الآخر يفسر أسباب الموقف الصيني في مجلس الأمن تجاه الأوضاع في سوريا، بأن بكين لم ترد أن تؤسس لسابقة تتيح لخصومها الغربيين التدخل في شؤونها الداخلية بحجة حماية الحريات وحقوق الإنسان وحياة المدنيين فيما لو انتفض الصينيون ضد نظامهم يوماً ما، فهي جد حساسة من هذا الموضوع لاسيما وأن هناك شواهد كثيرة على خروقاتها لحقوق الإنسان داخل البر الصيني وفي هونج كونج والتيبت وتركستان الشرقية، مما يستخدمه الإعلام الغربي ضدها.

ويجب ألا ننسى في هذا السياق أن بكين كثيراً ما ردت على التقارير الغربية الخاصة بانتهاكات الحقوق والحريات في أراضيها بإيراد شواهد مماثلة من الغرب، لعل آخره ما حدث في الشهر الفائت حينما جندت القيادة الصينية وسائلها الإعلامية للحديث المكثف عن الاعتقالات التي جرت في بريطانيا والولايات المتحدة بحق المتظاهرين ضد جشع الأغنياء والرأسماليين. وهذا نفس ما فعلته أجهزة الإعلام الرسمية السورية حينما علقت على تلك الأحداث قائلة “أين ضمائركم يا من تتهمون سوريا الحرة والبطلة بالكذب والبهتان”. لكن يبقى السؤال القائم هو أن كل هذا لا يمكن أن يوجد تبريراً للموقف الصيني حيال الأوضاع في سوريا. ففي الأخيرة شعب يـُقتل بدم بارد، ومذابح تجري أمام كاميرات الإعلام، وأحياء تقصف بالطيران الحربي والمدفعية الثقيلة، وليس مجرد اصطدامات بين قوات الأمن وحفنة من المشاغبين فرقتها الشرطة بالهروات كما في أوروبا وأميركا.

د. عبدالله المدني

باحث ومحاضر أكاديمي في الشأن الآسيوي من البحرين

البريد الإلكتروني: elmadani@batelco.com.bh

الاتحاد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى