صفحات مميزة

ما يحدث في حلب والشمال السوري –تحليلات ومقالات-

بوادر «حرب عالمية مصغرة» في حلب… وروسيا تدعم «كردستان سورية”/  إبراهيم حميدي

تكثف الصراع الدولي – الإقليمي على سورية في بلدة صغيرة. بعدما كان يتجول في مجمل الجغرافيا ويقترب من العاصمة السياسية لسورية، اتجهت بوصلة الصراع قبل أسابيع الى حلب العاصمة الاقتصادية للبلاد. أما، الآن، فإن اتجاهات رياح الحرب المستمرة منذ خمس سنوات، ستهب من بلدة اعزاز التي تشكل نقطة التقاء طرفي المناطق الكردية وخط إمداد للمعارضة.

ويبدو من استنفار اللاعبين الدوليين والإقليميين، أن مصير اعزاز يشكل محطة رئيسية في مصير حلب ومن ثم رسم مستقبل الشرق الأوسط. ومن يفوز بهذه البلدة الصغيرة، سيعزز موقعه في رسم النظام الإقليمي الجديد. الخريطة التي رسمها البريطانيون والفرنسيون في اتفاق سايكس – بيكو، يختبر الأميركيون والروس بعد مئة سنة جدواها وحدود دولها.

في حلب وجوارها، تدور «حرب عالمية مصغرة» وفق صحيفة «واشنطن بوست» الاميركية. اللافت، ان الحرب تصاعدت بعد إعلان «المجموعة الدولية لدعم سورية» في ميونيخ الخميس الماضي، اتفاقها على «وقف العمليات العدائية» خلال أسبوع تمهيداً لـ «وقف النار». مذّاك، القاذفات الروسية تقصف من السماء وسيتعزز تأثيرها بقدوم قطع بحرية إضافية. ميليشيات ايرانية باتت لها اليد الطولى الى جانب القوات النظامية في القتال على الأرض.

فصائل في «الجيش الحر» مدعومة من «غرفة العمليات العسكرية» التي تضم ممثلين لأجهزة استخبارات عربية وغربية بقيادة اميركا، تخوض حرب بقاء في ريف حلب الشمالي وتسلم صواريخ أرض – أرض جديدة. قاعدة انجرليك جنوب تركيا، تستضيف طائرات من دول اقليمية حليفة لتركيا والمعارضة السورية. وأبدت انقرة استعدادها لـ «قوات برية» ضد «داعش» بتنسيق مع الحلفاء بقيادة أميركا. المدفعية التركية تقصف مناطق سيطرة الأكراد في ريف حلب. «داعش» الذي يضم رؤوساً متعددة، يهيمن على الريف الشرقي للمدينة وصولاً الى الرقة معقله قرب العراق. فصائل المعارضة في ريف حلب، باتت محصورة بين ثلاث جبهات: «داعش» شرقاً، قوات النظام وحلفاؤها جنوباً، «قوات سورية الديموقراطية» التي تضم مقاتلين عرباً وأكراداً غرباً. السماء، ملك للطيران السوري والروسي.

أما مدينة حلب، فإنها منقسمة منذ العام ٢٠١٢ الى قسم شرقي تحت سيطرة فصائل معارضة بما فيها «جبهة النصرة» التي تسيطر على محطتي المياه والكهرباء. وهناك اتفاق أجري برعاية «الهلال الأحمر السوري» لتبادل الخدمات مع مناطق تسيطر عليها القوات النظامية غرب مدينة حلب. ومنذ بداية الشهر الجاري، جددت القوات النظامية وحلفاؤها بدعم روسي، بعد فشل محاولة سابقة قبل أكثر من سنة، الهجوم واستعادت قرى وبلدات عدة من الفصائل الاسلامية والمقاتلة في الريف الشمالي وفي الريف الجنوبي للمدينة، وقطعت طريق إمداد رئيسياً يربط مدينة حلب بريفها الشمالي باتجاه تركيا وبالتالي ضيقت الخناق على مقاتلي المعارضة في المدينة.

مقاتلو «وحدات حماية الشعب الكردي» التابعون لـ «حزب الاتحاد الديموقراطي» بزعامة صالح مسلم، الذي تعتبره انقرة حليفاً لـ «العمال الكردستاني»، شكلوا حلفاً مع «جيش الثوار» من «الجيش الحر» في تشرين الاول (اكتوبر) في «قوات سورية الديموقراطية». وورثت هذه القوات الموازنة التي وضعها الكونغرس الاميركي لـ «برنامج تدريب وتسليح» المعارضة السورية في الحرب ضد «داعش»، بعدما أوقف البيت الأبيض هذا البرنامج في خريف العام الماضي. وباتت هي الشريك الرئيسي لمقاتلات التحالف الدولي بقيادة أميركا في الحرب ضد «داعش» شرق نهر الفرات، بل ان المبعوث الأميركي للتحالف بريت ماغورك زار المناطق الكردية.

أما غرب نهر الفرات، فإن «قوات سورية» تتحالف مع روسيا ووفرت قاذفاتها غطاء لتقدمها وزادت طموحاتها مع زيادة الدعم الروسي – الأميركي. وبعد تقدم قوات النظام في ريف حلب، عززت موقفها لقطع خطوط الإمداد مع تركيا و «خنق» حلب، أخذت «قوات سورية» المبادرة وتقدمت في مناطق كانت حكراً على المعارضة وسيطرت على مطار منغ العسكري الذي كان في قبضة المعارضة منذ آب (اغسطس) 2012، وقرى أخرى إضافة الى السيطرة على كامل مدينة تل رفعت التي كانت تحت سيطرة المعارضة منذ 2012 وتبعد 20 كيلومتراً عن تركيا. كما سيطرت أمس على قرية الشيخ عيسى الواقعة غرب مدينة مارع معقل «الجبهة الشامية» وريثة «لواء التوحيد» واقتربت من المواجهة مع «داعش»، حيث جرت مفاوضات لـ «تسليم» المدينة من دون قتال، بعد وصول «قوات سورية» الى أبواب اعزاز تحت غطاء الطيران الروسي وسط اتهامات موسكو انقرة بأنها «تدعم الارهابيين من بوابة اعزاز».

وتأتي أهمية اعزاز من أمرين: أولاً، انها خط الإمداد الرئيسي من تركيا الى فصائل المعارضة ومناطقها في ريف حلب والمدينة، بما في ذلك من معبر باب السلامة الذي تسيطر عليه «حركة أحرار الشام الاسلامية» والسيطرة عليها تعني المرحلة الأخيرة في حصار حلب. ثانياً، ان اعزاز نقطة التقاطع بين ضفتي نهر الفرات الشرقية والغربية، بل الأهم ان نقطة الجمع بين اقليمي الإدارة الذاتية الكردية في الجزيرة وعين العرب (كوباني) شرقاً وإقليم عفرين في ريف حلب غرباً.

السيطرة الكردية على اعزاز (لتي اطلق عليها نشطاء اكراد امس اسم «ارفاد»)، تضع حجر الأساس الرئيسي في قيام كردستان سورية التي تمتد على طول الحدود التركية. عدم السيطرة عليها، يترك المشروع الكردي في إطار كونه إدارات ذاتية ضمن «سورية الجديدة» القائمة على اللامركزية والإدارات المحلية.

الحكومة التركية، التي سبق ان أعلنت سقوط حمص أو حمص «خطاً أحمر»، وضعت سيطرة المقاتلين الأكراد على اعزاز في سياق «الأمن القومي» واعتبرته «خطاً أحمر»، لن تسمح بعبوره. السبب، ان حكومة «حزب العدالة والتنمية» تعتقد بأن سقوط هذه البلدة يعني قيام «كردستان سورية» الى جانب «كردستان العراق»، ما يفتح الباب أمام قيام «كردستان تركيا» جنوب البلاد وإلهام طموحات «حزب العمال الكردستاني» الذي تعتبره «تنظيماً إرهابياً».

وكانت الحكومة التركية، سعت لدى واشنطن لإقامة منطقة آمنة بين جرابلس وأعزاز تمتد على الحدود السورية – التركية بطول حوالى مئة كيلومتر وفي عمق 45 كيلومتراً، لتوفير ملاذات آمنة للاجئين وطرد «داعش» من هذه المنطقة. لكن إدارة الرئيس باراك اوباما رفضت ذلك. وبعد التدخل الروسي في ايلول (سبتمبر) ونشر روسيا منظومة الصواريخ «اس – 400» بعد إسقاط تركيا قاذفة روسية في تشرين الثاني (نوفمبر)، ازدادت صعوبة إقامة منطقة حظر طيران او منطقة آمنة. لذلك، لجأ الجيش التركي الى المدفعية التي يبلغ مدى قذائفها حوالى 60 كيلومتراً وشن قصفاً مكثفاً على مواقع الأكراد. وطالبت انقرة «وحدات الحماية» بالانسحاب من مطار منغ، الأمر الذي رفضه رئيس «الاتحاد الديموقراطي». وقال ان قواته «حررت المطار من جبهة النصرة التابعة لتنظيم القاعدة».

أما بالنسبة الى حصار حلب، التي اندلعت امس مواجهات بين فصائل معارضة ومقاتلين اكراد في احيائها، حذر خبراء في «معهد دراسات الحرب» و»معهد ستراتفور» المختص بدراسات الأمن، من ان تخلي اميركا عن فصائل «الجيش الحر» سيشكل نقطة تحول في الصراع على سورية، اذ انه سيؤدي الى ثلاثة منعكسات: الأول، وقوع حوالى 300 الف تحت الحصار في مناطق المعارضة وتكرار النظام وحلفائه سياسة «الجوع أو الركوع» التي تؤدي الى فرض تسويات محلية بعد حصار مطبق يشمل حالياً اكثر من 18 منطقة يعيش فيها حوالى مليون شخص، وفق تقديرات منظمات دولية، علماً ان القوات النظامية وحلفاءها نجحوا في فك الحصار عن بلدتي نبل والزهراء في ريف حلب الشمالي. وهناك تخوف لدى المعارضة وحلفائها من تكرار سياسة «الجوع أو الركوع» في حلب التي طبقت في حمص و «نجحت» بإخراج مقاتلي المعارضة في ايار (مايو) 2014.

الثاني، هروب أهالي حلب الى الحدود التركية وسط تقديرات بنزوح 150 ألفاً يضافون الى اكثر من 70 ألفاً نزحوا من الريف، ما سيشكل ضغطاً إضافياً على تركيا التي تستضيف اكثر من مليوني سوري. وقال «معهد دراسات الحرب» ان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يستخدم ملف اللاجئين للضغط على اوروبا وتحديداً على ألمانيا، الأمر الذي فسر دعم المستشارة الألمانية انغيلا مركل الموقف التركي وإقامة نوع من المناطق الآمنة لتخفيف عبء اللاجئين الى ألمانيا. وأفاد «معهد ستراتفور» بأن بوتين يستخدم هذا «ورقة تفاوضية» مع الاميركيين والدول الاوروبية وسط دعوة بولونيا ودول من اوروبا الشرقية السابقة، الى تعزيز وجود «حلف شمال الاطلسي» (ناتو) في أراضيها لمواجهة الأخطار الروسية. وحذر معهد «بروكينغ» الاميركي أمس من «عجز» واشنطن، لكنه دعا الى استخدام ملف العقوبات على روسيا بالملف السوري وإنقاذ حلب من مصير سربنيشتا (التي دمرت في منتصف التسعينات) وليس بملف اوكرانيا. ودعت موسكو واشنطن الى ضرورة «التنسيق بين جيشيهما» في سورية، كي يتجاوز الامر موضوع مجموعة العمل لـ «وقف العمليات العدائية».

الثالث، قال «معهد دراسات الحرب» ان تخلي واشنطن عن الفصائل المعتدلة، سيؤدي الى تقوية التطرف ودور «جبهة النصرة» وفصائل أخرى مثل «أحرار الشام» لأن الكثير من مقاتلي «الجيش الحر» سيلتحقون بالفصائل الاسلامية لـ «صد روسيا بعد الخيبة من اميركا»، ما يعزز المعادلة التي يسعى اليها بوتين بوصول الصراع الى الخيار بين النظام السوري والمتطرفين. وكان الوزير سيرغي لافروف تعهد بعد التوصل الى بيان ميونيخ حول «وقف العمليات العدائية» باستمرار الغارات على حلب وريفها لأنها تستهدف «جبهة النصرة وأحرار الشام وجيش الاسلام وترمي الى استعادة هذه المناطق من إرهابيين ومقاتلين غير شرعيين».

الحياة

 

 

يحدث في حلب/ فاطمة ياسين

تحولت حلب ومحيطُها إلى مركز جذب عسكري وإعلامي، فعلى أرض هذه العاصمة الصناعية تتصارع جميع القوى المشاركة في الحرب السورية.. بعد التطورات العسكرية التي أنبتت، أخيراً، أسناناً جديدة لجيش النظام، ومهدت لقوات صالح مسلم الكردية اتخاذ هوية قومية، تخوض الحرب على أساسها، على الرغم من أنها منضوية تحت عنوان عاطفي هو “قوات سورية الديمقراطية”، تحسّست تركيا حدودها الجنوبية، وقد كادت تقع بالكامل بيد القوات الكردية وجيش النظام، وتحسّست السعودية تراخي قبضة حلفائها في الشمال. وكعادتها، “انفعلت” أميركا، وهي ترى اختلال الميزان، في غير صالح الجانب الذي تصرح، مراراً، بأنها تقف معه. ذلك كله أدى إلى حراك إعلامي نشط، انتهى إلى إعلان السعودية إرسالها طائرات إلى قاعدة في جنوب تركيا، وتعالي نبرتها في ما يخص إرسال قوات برية، تزامناً مع الإعلان التركي عن قصف مدفعيته قوات كردية، تحاول التقدم إلى منطقة أعزاز الحدودية.

يبدو التنسيق أكثر وضوحاً من التنافس بين قوات النظام ومَنْ معه من مليشيات، وبين قوات سورية الديمقراطية، فالقوتان تعملان على جبهات منفصلةٍ، لكنهما تخدمان خططاً عسكرية مترابطة، فقوات سورية الديمقراطية تقدمت، حتى وصلت إلى مشارف نبل والزهراء. وبالضبط، إلى قريتي الزيارة والخربة، وتركت مهمة الدخول إلى نبل والزهراء لجيش النظام. وفي المقابل، استفادت قوات سورية الديمقراطية من القصف الروسي الذي مهد لها السيطرة على طريق أعزاز، وتركت مهمة قطع الطريق، الواصل بين حلب وتركيا (طريق الكاستيلو)، للنظام.. أصبح التكتيك مقروءاً حيث تعمل القوات الحكومية وقوات سورية الديمقراطية بتناغم مضبوط روسياً، والتمادي في سياسة الخنق، وصولاً إلى استسلام القسم المحاصر كلياً، وتكبيله باتفاقية ما، أو ترحيله الكامل، يعني أن جانب النظام، ومَن في صفه، قد اختارت الحرب في مناطق مكشوفة ومفتوحة، تفضي إلى، أو تحيط بـ، الطرق الخارجية، حيث كان خيار إرسال صواريخ غراد إلى قوات المعارضة مناسباً لمثل هذا النوع من الحروب.

منذ بدء الحرب، حاولت تركيا، وبكل الجهد الدبلوماسي والسياسي المتاح، اقتطاع منطقة من الأراضي السورية تحظر فيها الطيران، وكانت تعوّل عليها لإيواء المهجرين، ومنع قيام أي سلطة أو قوة كردية مؤثرة، تهدد حدودها، لكن جهودها فشلت نتيجة الموقف الأميركي الرافض الذي لخصه الجنرال بول سيلفا، رئيس هيئة الأركان المشتركة، في شهادته أمام مجلس الشيوخ، إذ قال “لدينا القدرة العسكرية لفرض منطقة حظر جوي. ولكن، هل لدينا سياسات للقيام بذلك؟”، فكانت النتيجة هي المشهد الحالي بالغ التعقيد. ويبدو أن أميركا ستكون مضطرة إلى الموافقة على اقتراحاتٍ، يكون أحدها دخول قوات برية تركية وسعودية، وهو القرار المؤجل، في الوقت الحالي، لكن التلويح به يجبر الطرف الآخر على تغيير تكتيكاته، ففي يد السعودية وتركيا خياراتٌ قد تغنيها عن إدخال قوات برية، منها إيجاد منظومات دفاع جوي فعالة، تخفض من تفوق الطيران الروسي، أو القصف من داخل الأراضي التركية، وهو ما قامت به تركيا بالفعل، طالما أن الهدف هو إبعاد القوات الكردية وقوات النظام عن الحدود، وإبقاء طريق حلب مفتوحاً، وهو أمر يمكن التحكم فيه بدون إرسال القوات البرية.

التنسيق الروسي بين قوات النظام وقوات سورية الديمقراطية يخلق جبهةً عسكريةً قوية تتطلب لمواجهتها جهوداً تفوق بكثير الإمكانات التي أوجدت جيش الفتح الذي توقفت عملياته على مشارف اللاذقية، وبدأ بالتفتت، حيث ظهر صراع بين جبهة النصرة وأحرار الشام بعد مؤتمر الرياض، وهي المكونات الأساسية لجيش الفتح، وهذا الصراع مؤهل ليزداد حدة.

بحسب الإعلام السعودي المتصاعد، فإن التدخل المباشر هو الحل الآن، وهي خطوة قد لا تجد طريقاً إلى النور، لأسباب كثيرة. لكن، يبقى خيار الاعتماد على القصف الجوي ضعيفاً، يحتاج، حتى يعطي نتائج فاصلة، إلى زخم ناري يفوق القصف الروسي… بكثير.

العربي الجديد

 

 

 

أوهام كردية وعربية/ عمر قدور

بالتأكيد لا يجوز اختزال أكراد سوريا بميليشيات صالح مسلم، مثلما لا يجوز اختزال المعارضة السورية العربية بأيّ من تنظيمات الأمر الواقع التي أفرزها الصراع القاسي الحالي، ففي الحرب تبدو الكلمة العليا لحاملي السلاح على اختلاف مشاربهم. عطفاً على ذلك، أي تحليل معمم يستند بطبيعته إلى مجموع القوى الفاعلة و”الناطقة”، بما أن موقف الفئة الصامتة يصعب التكهن به بدقة. ضمن هذا المعيار، لا يصعب استنتاج واقع الافتراق بين أكراد سوريا وعربها، ولا تصعب رؤية خطابي كراهية من الطرفين، ومع الأسف لا يستطيع أيّ منهما أن ينسب لنفسه شرف ابتداع هذا الخطاب.

بسهولة شديدة يستطيع المتابع ملاحظة أن خطاب الكراهية الكردي، الموجه للمعارضة السورية وفصائلها المسلحة، يقتفي أثر خطاب النظام وحلفائه حرفاً حرفاً. بحسب هذا الخطاب، المعارضة تابعة لتركيا، مع التشديد على ذلك، وتابعة أيضاً للسعودية وقطر، مع هجاء معلن لدول الخليج باعتبارها تمثل العروبة، ومع بهارات عنصرية من نوع وصف العرب بسارقي الدجاج، وهي شتيمة محلية مكافئة للشتيمة الإيرانية التي تصف العرب بشاربي بول البعير بينما كلاب أصفهان تشرب المياه المثلجة. في التفاصيل أيضاً، لا يمكن نسيان أن الزعيم الكردي صالح مسلم نفى قيام النظام باستخدام الأسلحة الكيماوية، أسوة بما فعلته مستشارة بشار الأسد التي اتهمت المعارضة بالجريمة التي أقر بها النظام ضمناً عندما قبل بتسليم السلاح المستخدم فيها. باختصار، يمكن لمن يشاء متابعة ما يكتبه مسؤولو حزب PYD الكردي على صفحاتهم الشخصية أو تصريحاتهم الإعلامية، وسيحظى بنسخة مطابقة لخطاب قناة الدنيا التلفزيونية الموالية للنظام، والتي توزع الشتائم الرخيصة على جميع أعدائه، الشتائم التي يتحرج النظام من إطلاقها على قنواته التلفزيونية الرسمية، مع إنكار تام لمشروعية الثورة ضده.

في المقابل، خطاب الكراهية الذي يستخدمه بعض مناصري المعارضة هو إعادة إحياء للخطاب القومي البعثي. فهو يبدأ بشيطنة الأكراد وفق مفهوم البعث واتهامهم بالنزوع الانفصالي، ويستمر في الخطاب نفسه الذي ينص على أن الأكراد أتوا إلى سوريا مهاجرين، الأمر الذي يحرمهم من أية حقوق جمعية. الخطاب ذاته لا يتورع عن الإشادة بصلاح الدين الأيوبي ومقارنته بأكراد اليوم، ولا يتوقف عند التناقض الصارخ بين اعتبار جميع الأكراد قدموا مهاجرين من تركيا في بداية القرن الماضي والواقع التاريخي الذي يمثّله وجودهم أيام الدولة الأيوبية. بالطبع يتغافل هذا الخطاب عن رسم حدود الدولة السورية بين عامي 1923 و1939، حيث لم تحدث عمليات هجرة واسعة بعد ذلك التاريخ، أي أن الأكراد بغالبيتهم الساحقة موجودون قبل الدولة الحالية، ولم يكن لهم دور في رسم خريطتها أسوة بعرب سوريا الذين فرضت عليهم آنذاك أيضاً. يمكن اختزال خطاب الكراهية هذا بأنه خطاب إنكار، فهو أسوة بما كان يفعله النظام إلى وقت قريب ينكر وجود قضية كردية سورية، وكما هو معلوم ظل النظام يراوغ في الموضوع الكردي منذ انطلاق الثورة، وحوّل خطاب الإنكار المطلق في اتجاه الشق العربي من المعارضة الذي لا يعترف به ويصفه بالإرهاب مع حاضنته الشعبية كلها.

التذكير ببدايات الثورة، عندما كان شباب المدن والبلدات الكردية يتظاهرون ضد النظام، وعندما كانت بلدات ومدن عربية تتغنى بالوحدة العربية الكردية، تذكير لا نفع له بعد سنوات من تكريس القطيعة بين الجانبين. ومن دون إعفاء المعارضة العربية من مسؤولياتها، يجوز القول بأن حزب PYD قد أساء إساءة كبيرة للقضية الكردية في سوريا من خلال اصطفافه العلني والموضوعي مع النظام وحلفائه، ومعلوم أنه فعل ذلك أسوة بالحزب الأم PKK في تركيا. الوقوف في صف النظام، عدا عن كونه وقوفا ضد غالبية السوريين، جرّد القضية الكردية من السمة الأخلاقية التي تميزت بها “بفضل” حكم البعث، وهي قضية النضال ضد التمييز الشوفيني، فضلاً عن النضال الديمقراطي المشترك مع بقية السوريين. حتى إذا افترضنا وجود نية انفصالية تُترجم بحق تقرير المصير، فإن التحاق ميليشيات صالح مسلم بنظام مستبد وحشي يقف ضد حق تقرير مصير السوريين يجرد القضية الكردية من أخلاقيتها في نظر الكثيرين، إذ لا تعود قضية حرية من حيث المبدأ، وإذ يقبل أصحابها بأن ينالوا جزءاً من الحقوق التي ستصبح واقعياً امتيازات على حساب تجريد المكون العربي من حقوقه.

بالمثل، لا يصح أن يطالب الشق العربي بحق تقرير المصير لعموم السوريين باستثناء الأكراد، ضمن عملية تحول ديمقراطي سلمي، لأن الديمقراطية المنشودة تكون حينئذ ديمقراطية عنصرية، ديمقراطية تذكر بحكم الفصل العنصري في جنوب أفريقيا أو بالديمقراطية الإسرائيلية. ولا يجوز لثورة ديمقراطية تدعو لإسقاط النظام تصوير التغيير المنشود كأنه إبقاء على النظام الحالي مع تغيير رموزه، أو حتى مع هيكلة أجهزة الأمن وإلغاء دورها القمعي. من الضروري أن تتسم تصورات المعارضة عن المستقبل بالواقعية، والواقعية تقتضي أن سوريا لن تعود دولة شديدة المركزية على نحو ما ساد خلال حكم البعث، ومن الضروري فهم حقيقة أن الدولة المركزية بطبيعتها قابلة للتحول إلى دولة استبدادية، وأن جزءاً من المفهوم الديمقراطي العتيد لا يتعين في صناديق اقتراع تنتخب رأس الهرم، وإنما في توزيع مهام الدولة على الهرم نزولاً بما يضمن أوسع مشاركة مجتمعية.

الواقع يقول أنه مهما بلغت إساءات ميليشيات صالح مسلم للقضية الكردية فذلك لن يلغي وجود القضية، مثلما لن يلغي وجودها إنكارها من قبل النظام السوري أو من قبل معارضين له. الحل الواقعي لهذه القضية لن يكون على الأرجح كما يشتهي متعصبون قوميون، عرب أو أكراد، ولن يكون حلاً مستداماً ما لم يتحلَّ بالإنصاف اللازم. ربما يكون حلاً سورياً جامعاً إذا اقتنع الطرفان بدفن نظام الحكم الحالي كاملاً، أما أن يتمسك حزب PYD ببقاء رموز النظام، وأن يتمسك عروبيون ببقاء شيء من جوهره فهو أمر لا يبشر إلا باحتراب طويل.

المدن

 

 

 

 

تركيا والكرد: ليس جنس الملائكة!/ صبحي حديدي

لا جديد في القول إنّ العنصر الأبرز في ستراتيجية الأمن القومي التركي إزاء الجارتَين، العراق وسوريا، كان ويبقى الحيلولة دون إقامة كيان كردي مستقلّ على أيّ نحو؛ خاصة إذا نشأ بمبادرة من حزب العمال الكردستاني، الـPKK، أو وقع تحت سيطرته حزبياً وعسكرياً. الجديد، في المقابل، كثير ودائم من حيث حال الشدّ والجذب التي تعتري هذا العنصر، وصعود أو هبوط معدّلات نفوذ الـPKK، أو تبدّل خياراته ميدانياً؛ سواء على صعيد الداخل التركي أولاً، أو استطالاته نحو شمال العراق، وبعض إيران، وسوريا، تالياً.

ولا سرّ، إلا عند السذّج ودافني الرؤوس في الرمال، أنّ الجناح العسكري الضارب لحزب «الاتحاد الديمقراطي الكردي»، وكذلك «وحدات الحماية الشعبية»، لا يتلقى أوامر التحرّك الكبرى من قياداته الكردية في سوريا، صالح مسلم أو سواه؛ بل من جبال قنديل، في كردستان العراق، حيث تقيم القيادة العسكرية الفعلية للـPKK. وهنا مستوى التناقض الفاضح الأول بين قيادة تزعم الانتساب إلى الماركسية ـ اللينينية، وقواعد تؤمر باستقبال مندوبي البيت الأبيض، والتنسيق مع ضباط البنتاغون والاستخبارات الأمريكية، وفتح مهبط رميلان أمام حوامات اليانكي!

ولا سرّ، أيضاً، في أنّ تركيا ما تزال عضواً في الحلف الأطلسي؛ بل هي عضو مدلل على نحو ما، لأنها الوحيدة المسلمة في عداد الدول الـ 28، أعضاء الحلف؛ وهي الأقرب إلى قوس الأزمات الشرق ـ أوسطي التاريخي، في العراق وإيران والخليج العربي، ثمّ سوريا ولبنان وإسرائيل. وإذا كانت امتيازات هذه العضوية لا تمنح أنقرة حقّ النقض على سياسات واشنطن في التنسيق مع الجناح العسكري، السوري، من الـPKK، وتلميعه، وإعادة إنتاجه كأداة «معتدلة» في محاربة «داعش»؛ فإنّ تركيا، من جانبها، تمتلك حقّ التشويش على الخطط الأمريكية، أو حتى تعطيلها مباشرة، عبر اعتبار العنصر الأبرز في ستراتيجية أمنها القومي هو، بالتعريف والتضامن الأطلسي، عنصر بارز أمريكي أيضاً.

هذه هو وجه التناقض من الجانب الآخر، الموازي للتناقض الخاصّ بالـPKK؛ الأمر الذي يفسّر بارومتر المواقف الأمريكية تجاه احتمالات التوغل العسكري البرّي التركي في العمق السوري، أو على خطوط المواجهة مع وحدات الـYPG. تارة ترسل واشنطن إشارات تنمّ عن عدم الرضا، وهو الموقف الأعمّ أغلب الظنّ؛ وطوراً يتدخل الرئيس الأمريكي باراك أوباما شخصياً، لتأكيد «تفهم» الولايات المتحدة لهواجس تركيا حول التحركات الكردية قرب الحدود التركية ـ السورية. وهكذا، بعد تصريح أردوغان بأن هذه الوحدات تستخدم أسلحة أمريكية، جرى اتصال هاتفي بين الرئيسين التركي والأمريكي استغرق 80 دقيقة (حسب وكالة أنباء رويترز)، لم يكن موضوعه جنس الملائكة بالتأكيد!

وفي تراث العلاقات السورية ـ التركية، لا تُنسى تلك الواقعة المفصلية التي شهدها صيف العام 1998، حين بادرت تركيا إلى إبلاغ حافظ الأسد هذه الرسالة الوجيزة القاطعة التالية: إمّا أن يرفع الغطاء عن عبد الله أوجلان، زعيم الـPKK، فيُطرد من سورية ومن البقاع اللبناني، وتُغلق معسكراته، ويُوقف أيّ دعم لوجستي وعسكري واستخباراتي كان النظام يقدّمه له؛ وإمّا… الحرب العسكرية المباشرة الشاملة. ولقد انحنى الأسد، بالطبع، وفي تشرين الأول (أكتوبر) من العام ذاته، غادر أوجلان الأراضي السورية واللبنانية إلى غير رجعة، أو بالأحرى إلى حيث يقيم اليوم: في المعتقل التركي!

والحال أنّ جنرالات أردوغان ليسوا أقلّ تعطشاً من أسلافهم، حينما يتصل الأمر بالحرب ضدّ الـPKK؛ ويُخشى أنّ قيادات قنديل، اليوم، ليست أقلّ استعداداً لتكرار أخطاء أسلافها في إقامة تحالفات خاطئة، مع الولايات المتحدة أو مع النظام السوري، دفع الكرد أثمانها باهظةً ودامية، مراراً وتكراراً.

القدس العربي

 

 

 

تركيا وروسيا: الحرب المستحيلة؟/ بدرالدين عرودكي

في جلسته التي عقدت بناء على طلب روسيا مساء الثلاثاء 16 شباط لبحث استهداف تركيا مواقع لحزب «الاتحاد الديمقراطي» في سوريا لم يتخذ مجلس الأمن أي قرار رسمي حول الموضوع. لكن مندوب فنزويللا، رفائيل راميريز كارينو، رئيس الدورة الحالية، أعلن أمام الصحفيين بعد انتهاء الجلسة، أن «جميع أعضاء المجلس أعربوا عن القلق إزاء القصف التركي على بعض المناطق داخل سوريا»، وأن «أعضاء المجلس طالبوا تركيا بضرورة الامتثال للقانون الدولي». في حين قال أحد دبلوماسيي إحدى الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن إن تصريحات رئيس المجلس «لا تعكس رؤية كافة أعضاء المجلس»، فيما نفى المندوب التركي اتخاذ مجلس الأمن «أي قرار يتعلق بتركيا والتطورات الجارية في شمال سوريا».

كانت، في الواقع، مجرد جلسة مغلقة أريد بها كما يبدو ـ في غياب أي قرار أو بيان رسمي صدر عنها ـ تخفيف حدّة التوتر بالكلمات! فالتصريحات التي صدرت عن المسؤولين الأتراك والسعوديين معلنة عن تدخل بري قريب تقوم به السعودية وتركيا استثارت تصريحات مقابلة تنذر بالويل والثبور إن تحقق مثل هذا التدخل: ميدفيديف، رئيس الوزراء الروسي، الذي يعلن نذر «حرب عالمية جديدة وطويلة»، والعراق الذي يحرك حشوده الشعبية نحو الحدود السعودية، ووزارة الخارجية الروسية التي تشترط لأية عملية برية «موافقة الحكومة السورية والأمم المتحدة»، وإيران التي ترفض أي احتلال عسكري لسوريا معلنة في الوقت نفسه أنها لم ترسل إليها إلا حفنة من المستشارين (حفنة لا يقل عدد أفرادها مع ذلك حسب آخر الإحصائيات عن 1500 مستشار من ضباط الحرس الثوري الإيراني!). ذلك أن نذر أخطار حرب شاملة تقع بين تركيا وروسيا تجلت واضحة إثر اتخاذ المؤتمرين في ميونيخ يوم الثاني عشر من الشهر الجاري قرار وقف إطلاق النار في سوريا. فالهجمات الشاملة التي قادتها روسيا بتغطية جوية كاملة سواء لقوات النظام الأسدي أو للميليشيات متعددة الجنسيات تحت القيادة الإيرانية والتي كانت تهدف في إطار الخطة الروسية إلى تحقيق تقدم على الأرض تستطيع معه أن تفرض في الاجتماع القادم بجنيف رؤيتها لطبيعة ومآل الحل السياسي المنتظر في سوريا بعد القضاء على قوى المعارضة المسلحة المتواجدة في حلب وفي ريفها عن طريق محاصرتها وقطع كل الطرق التي تصلها بتركيا والتي تسمح بتموينها فضلاً عن تسليحها. كان ذلك يعني في الوقت نفسه تحقيق عدة أهداف معاً لا تقل في نظر موسكو أهمية عن الهدف الأول: تبديد كل آمال تركيا في خلق منطقة عازلة على حدودها مع سوريا، ودفع عشرات الألوف من اللاجئين السوريين من ريف حلب نحو حدودها، ودعم «وحدات الحماية الشعبية» الكردية، وهي الجناح المسلح لحزب الاتحاد الديمقراطي، بتنسيق مع ميليشيا النظام الأسدي التي جُنِّدَت لاحتلال مواقع المعارضة السورية في ريف حلب، وذلك لحرمان تركيا من أي إمكانية للتدخل أو للتأثير في الشأن السوري السياسي أو العسكري.

لكن ذلك كان يعني بطبيعة الحال تهديداً مباشراً وخطيراً لما تعتبره أنقرة أمنها القومي. لذلك لم تتأخر في آن واحد عن إعلانها عن أنها ستحول بكل السبل دون وقوع مدينة أعزاز بين أيدي «وحدات الحماية الشعبية» الكردية من ناحية، وعن البدء بقصف هذه القوات في الأماكن التي احتلتها ولاسيما في تل رفعت من ناحية أخرى. نعلم جميعاً أن سوريا هي الرهان، وأنه إذا كانت روسيا تعتبرها مجالها الحيوي الأخير على شاطئ المتوسط الشرقي ومن ثم فهي لم تتوقف لحظة واحدة عن دعم النظام الأسدي سياسياً وعسكرياً بالتضامن والتكافل مع إيران منذ بداية الحراك الثوري في بداية عام 2011 ، فإن تركيا تعتبر أيضاً أنها هي المعنية الأولى بما يجري فيها سياسياً وأمنياً، لا لوجود حدود مشتركة تمتد على ما يقارب الألف كيلو متر فحسب، بل لأن أي صيغة يمكن أن ينتهي إليها الحل السياسي أو العسكري أو الاثنين معاً في سوريا تعنيها كذلك على الصعيدين، ولا سيما في ما يرتبط بوضع الأكراد فيها وبعلاقة هؤلاء مع الأكراد في تركيا.

يعني ذلك بطبيعة الحال أن الصراع بين البلدين سيبقى قائماً ما لم يحقق كلٌّ منهما مصالحه الخاصة دون مساس على الأقل بمصالح الطرف الآخر. لن يكون من الممكن بالطبع تحقيق ذلك نظراً لتضارب هذه المصالح فضلاً عن مطامح كل من البلدين على الصعيد الإقليمي من ناحية وإمكانات النجاح للوصول إلى غايته عن طريق المناورة التي يمتلكها كل منهما في هذا المجال. ففي حين تستطيع روسيا، بوصفها قوة كبرى، المناورة على الصعيد الدولي ندّاً لند مع الولايات المتحدة الأمريكية، لا يسع تركيا إلا أن تناور على مستوى إقليمي وضمن إطار ما تسمح لها به عضويتها في حلف الناتو مع اضطرارها إلى لجم اندفاعاتها حسب ما تقتضيه المصلحة العليا لهذا الحلف كما فعلت إثر إسقاطها الطائرة الروسية.

رغم كل ما ينذر بوقوعها، لا يمكن، من حيث المبدأ إذن، للمواجهة العسكرية التقليدية المُهَدّد بها أن تتحقق بين تركيا وروسيا. يكفي للتثبت من ذلك بوضوح أن نتابع تسلسل مواقف وتحركات ومناورات كلٍّ من تركيا وروسيا منذ بداية الحراك الثوري في سوريا وقمع النظام الأسدي له بالحديد وبالنار. فحين بدأ تدفق اللاجئين على الحدود التركية بعشرات الألوف ثم بمئاتها، كان أول ما تطلعت تركيا إلى تحقيقه هو إقامة منطقة عازلة على حدودها مع سوريا. لكن روسيا التي وقفت في خط الدفاع الأول عن النظام الأسدي منذ اللحظة الأولى، والتي لم تكن لتوافق على ذلك، لم تكن بحاجة إلى أن تكون بالمرصاد للحيلولة دون تركيا وإقامة هذه المنطقة العازلة لا بصورة مباشرة ولا غير مباشرة، إذ تكفَّلَ حلف الناتو ومن ورائه إدارة أوباما بالحلول محل روسيا وبالقيام بتحقيق هذه المهمة. وفي الوقت الذي كانت فيه روسيا تنسق شيئاً فشيئاً مع الولايات المتحدة الأمريكية سياستيهما إزاء النظام الأسدي والحراك الثوري السوري وصولاً إلى ضرب من التواطؤ تبين فيما بعد أنه اتفاق شبه كامل بين البلدين على طبيعة الحل السياسي الذي نادا به وباشرا في فرض كيفيته وإجراءاته، كانت تركيا وهي تراقب ذلك بالطبع، تلقى في كل خطوة تحاول القيام بها المقاومة الناعمة أو الرفض الدبلوماسي من قبل الإدارة الأمريكية ومن قبل حلفائها معاً. ذلك أن الحفاظ على التوازن العسكري بين المعارضة المسلحة بمختلف ممثليها وبين النظام الأسدي مع ترجيح كفة هذا الأخير على الدوام للحيلولة دون سقوطه هو ما أرادته هذه الإدارة وما التقت عليه واتفقت حوله مع روسيا بوتين. ولعلَّ ما فاقم من جعل المحاولة التركية إقامة المنطقة العازلة في عداد المستحيلات إسقاط الطيران التركي طائرة السوخوي الروسية وثم تأزم العلاقات بين البلدين إثر ذلك على نحو غير مسبوق جعل الحديثَ عن مواجهة أو حرب وشيكة الوقوع بين الطرفين شبه يومي.

هكذا، وانطلاقاً مما سبق، تبدو المقارنة التي حاولتها بعض الصحف بين قوى البلدين وحدهما على الصعيد العسكري ـ أي دون الحديث عن القوى الحليفة لكل منهما أو افتراض وجودها في أية مواجهة محتملة ـ غير واردة وإن كانت تحمل على التقرير دون تردد باستحالة وقوع أية مواجهة عسكرية تقليدية بين البلدين نظراً للتباين الواسع بين قدراتهما.

من هنا اتخذت وتتخذ الحرب بين تركيا وروسيا صيغاً أخرى متعددة سلاحهما الأول التصريحات النارية. لكن السلاح الآخر الفعال يمكن أيضاً أن يتجلى في التضامن الذي تقوم به تركيا مع حلفاء تلتقي معهم في الأهداف كالمملكة العربية السعودية وقطر من أجل دعم المعارضة المسلحة في الداخل السوري، ومحاولة الالتفاف على روسيا من خلال خصمها المباشر، أوكرانيا، فضلاً عن دعم خصومها الذين إذ يخوضوا حربهم يخوضون أيضاً الحرب بالنيابة عنها! تماماً كما تفعل روسيا التي تبذل كل ما بوسعها من أجل استفزاز أنقرة، ولاسيما من خلال دعمها لمن تصنفهم تركيا من الجماعات الكردية ضمن الإرهابيين في سوريا مثل قوات الحماية الشعبية الكردية، وكذلك لمن هم في تركيا نفسها مثل حزب العمال الكردستاني. أما تركيا فتفعل هي الأخرى، من ناحيتها، كل ما بوسعها لا لاستيعاب هذا الاستفزاز فحسب بل لحماية أي خطوة تقوم بها، في مجال ما تعتبره أمنها القومي، من رد فعل عنيف يؤدي حينئذ إلى مواجهة لا قبل للطرفين على كل حال بتلافيها. على هذا النحو مثلاً تم التخفيف من حدّة الإعلان عن التدخل البري السعودي التركي في سوريا حين وضع في إطار التحالف الدولي وضمن خطته، أي ضمن الشروط التي تفرضها الولايات المتحدة على أعضاء التحالف سياسة ومساراً وهدفاً. وهو ما لن يستجيب بالتأكيد للتطلعات التركية بقدر ما سيعمل على تكييفها مع الحل الأمريكي الروسي المنتظر وضعه موضع التنفيذ بإشراف روسي مباشر في مؤتمر جنيف الذي تمَّ تأجيله قبل بدء أعماله من أجل هذا التكييف بالذات والذي لا يطال تركيا هذه المرة بل يطال كذلك كما يبدو السعودية التي احتضنت مؤتمر المعارضة السورية من أجل المفاوضات حول هذا الحل على وجه الدقة.

سوى أن المناورة التي يقوم بها اللاعبون الإقليميون متضامنين قد تتفوق في تحقيق ما يصبون إليه أكثر من تلك التي يقوم بها اللاعبون الكبار من أجل فرض ما يريدونه.

لكن الطريق لا يزال طويلاً.

القدس العربي

 

 

 

فِيَلة أميركية.. شمالي حلب/ مازن عزي

حين بدأت روسيا تدخلها العسكري الجوي في سوريا، قصفت مواقع ومخازن ومعسكرات، لفصائل المعارضة المسلحة التي تدعمها الولايات المتحدة. وبدأ حينها سجال واسع، عن وجود “الجيش الحر”، ورغبة روسيا في معرفة مواقعه لـ”تحييده” عن القصف. الاستهبال الروسي، رافقه رفض أميركي لتحديد المجموعات التي تدعمها وتمولها برامج سريّة من الاستخبارات أو وزارة الدفاع “البنتاغون”. الرفض الأميركي لتسمية فصائل الجيش الحر التي تدعمها واشنطن، وسط جدل حول من يتوجب توصيفه منها بـ”الإرهاب”، لم يمنع الروس من استكمال رحلة صيدهم الشرق أوسطية.

ما كان يُعتقد بأنه عدم اكتراث من قبل الإدارة الأميركية، لمصير فصائل تدعمها، يبدو اليوم أكثر تناقضاً: فـ”وحدات حماية الشعب” الكردية المدعومة أميركياً، تشنّ هجوماً بتغطية جوية روسية، ضد فصائل المعارضة السورية المسلحة والمدعومة أميركياً. الأمر بات يتجاوز التناقض، إلى حدّ العبث.

برامج دعم المعارضة، ابتدأت بالشراكة الأميركية مع “حركة حزم” منذ تأسيسها في كانون الثاني/يناير 2014 وحتى اندماجها بـ”الجبهة الشامية” في آذار/مارس 2015 هرباً من مضايقات “جبهة النصرة”. كما شمل البرنامج دعم وتدريب وتسليح “جبهة ثوار سوريا” التي انتهى وجودها، أيضاً، في ريف إدلب على يد “جبهة النصرة”.

برامج تسليح المعارضة، الخجولة، كانت بإشراف وكالة الإستخبارات الأميركية بتكليف من الرئيس باراك أوباما، في العام 2013، في الأردن وتركيا، وفيهما، أنشأت مجموعة “أصدقاء الشعب السوري” غرفتي “الموك” و”الموم”، لدعم وتدريب وتسليح فصائل المعارضة المعتدلة، جنوبي وشمالي البلاد.

وزارة الدفاع الأميركية، كانت بدورها قد أعلنت عن برنامج “التدريب والتسليح” بهدف تجهيز 15 ألف معارض سوري غير إسلامي في تركيا، لقتال “الدولة الإسلامية” في سوريا. وبين حزيران وأيلول 2015 عبرت مجموعتان متخرجتان تواً من البرنامج، من تركيا إلى سوريا، لتنتهيا بين قتيل وأسير وهارب، على يد “جبهة النصرة”، على الرغم من التغطية الجوية الأميركية. البرنامج بتكلفته البالغة 500 مليون دولار، كان يفرض على المنضمين له، المطابقين للمواصفات الأميركية، التوقيع على وثيقة تفيد باستعدادهم لقتال “الدولة الإسلامية” لا قوات النظام. لا واقعية أهداف البرنامج، وفشله في حماية منتسبيه، سرعان ما تسببت بإيقافه.

من جانب آخر، تدعم “مجموعة أصدقاء الشعب السوري” المكونة من 12 دولة بينها الولايات المتحدة، فصائل إسلامية صانعة للقرار “powerbrokers” في حلب وريفها، مثل “الجبهة الشامية” و”جيش المجاهدين” و”الفوج الأول” و”فيلق الشام”. كما تقدم المجموعة الدعم لفصائل أخرى أقل تأثيراً وأكثر اعتدالاً مثل “الفرقة 13″ و”الفرقة 16″ و”الفرقة الشمالية” و”صقور الجبل” و”جيش العزة” و”الفرقة الوسطى” و”تجمع فاستقم كما أمرت”، في حين أوقف مؤخراً دعم “حركة نور الدين الزنكي”. الدعم عبر غرفة “الموم” في تركيا، يشمل تدريباً وتمويلاً وتسليحاً، يختلف بحسب الفصائل. ويشارك في الغرفة من الجانب الأميركي ممثلون عن الاستخبارات.

الولايات المتحدة، أيضاً، دعمت وموّلت ودرّبت “وحدات حماية الشعب” الكردية التي ترى فيها أحد أهم الفصائل المقاتلة ضد تنظيم “الدولة الإسلامية”. والوحدات هي الذراع العسكرية لحزب “الاتحاد الديموقراطي” الأخ الشقيق لحزب “العمال الكردستاني” المُصنف إرهابياً من قبل الأميركيين. معركة كوباني كانت بداية العلاقة الوطيدة بين “الوحدات” الكردية و”التحالف الدولي ضد تنظيم الدولة الإسلامية”، والتي استمرت، خاصة بعد إقامة معسكر أميركي وقاعدة جوية صغيرة في القامشلي شرقي مدينة الحسكة.

من جانب آخر، “وحدات الحماية” تتلقى تسليحاً وتدريباً وغطاء جوياً روسياً غربي نهر الفرات، شمال غربي حلب في كانتون “الإدارة الذاتية” في عفرين. ومن عفرين انطلقت الوحدات، مطلع شباط/فبراير تحت غطاء جوي روسي، للسيطرة على مناطق المعارضة المسلحة المدعومة أميركياً في ريف حلب الشمالي.

لكن “وحدات حماية الشعب” غربي الفرات، والمنضوية تحت مظلة أوسع، اسمها “قوات سوريا الديموقراطية” تتلقى دعماً أميركياً أيضاً. وتشترك الوحدات الكردية في “قوات سوريا الديموقراطية” مع “جيش الثوار” الذي تشكَّلَ في أيار/مايو 2015، من اندماج فصائل “تجمع ثوار حمص” و”كتائب شمس الشمال” و”لواء المهام الخاصة” و”جبهة الأكراد” و”لواء 99 مشاة” و”لواء السلطان سليم”. وهذه الفصائل بعمومها تعتبر مدعومة من قبل برامج أميركية، بوصفها فصائل معتدلة.

الأميركيون المولعون بالبحث عن الفيل في الغرفة، تمكنوا بطريقة “غامضة”، من وضع أكثر من فيل في ريف حلب الشمالي. والأمر قد يبدو مخططاً حذقاً، أو ربما مجرد تناقض بين الجهات الأميركية المختلفة. وقد ينسجم عدد الفيلة مع الانكفاء الأميركي عن الشرق الأوسط!

الرغبة الأميركية باللافعل تجاه الملف السوري، سرعان ما ظهّر الخلاف على السطح. فحين استقال وزير الدفاع تشاك هيغل نهاية العام 2015، وجّه نقداً لاذعاً للإدارة الأميركية، حول عدم رغبتها في اتخاذ أي فعل على الأرض، منذ استخدام السلاح الكيماوي في الغوطة الشرقية في آب/أغسطس 2013. الانتقادات للإدارة لم تتوقف من قبل وزراء وسفراء وخبراء، لكن كل ذلك، لم ينتج فهماً أفضل، لكيفية إدخال كل تلك الفيلة إلى ريف حلب الشمالي.

فروسيا تقصف جواً فصائل معارضة تدعمها أميركا، لتأمين هجوم بري من قبل فصائل موالية تدعمها أميركا. تركيا حليفة أميركا في حلف “شمال الأطلسي” تقصف فصائل تدعمها أميركا، دفاعاً عن فصائل تدعمها أميركا. قوات النظام تحارب المؤامرة الكونية الأميركية بالتنسيق مع فصائل تدعمها أميركا. النظام يصرح بدعمه لفصائل، تدعمها أميركا، التي تعمل على إزاحة النظام. أميركا تطلب من تركيا وروسيا عدم قصف المعارضة المدعومة أميركياً. أميركا تفرج عن أموال إيرانية مجمدة، لتصب في تمويل فصائل إرهابية على اللوائح الأميركية، تقاتل إلى جانب الروس ضد فصائل تدعمها أميركا.

في تلك المساحة الصغيرة، من ريف حلب الشمالي، تشتبك المحاور الإقليمية في الصراع على الأرض، فتبدو الرؤية شديدة الضبابية. الأحلاف على الأرض، شديدة الغرابة، تنطلق من التشابهات الإثنية والمذهبية للمتحاربين، إلى الخلاف بين “أخوة المنهج”، وتمر بتصادم برامج الدعم الأميركية، ولا تنتهي بحرب الإلغاء الروسية ضد السوريين، ولا الاشتباك الإقليمي العالمي في قضية المهاجرين-الهاربين من الحرب الروسية. وخلال كل ذلك العبث، تنكمش المعارضة السورية في جيوب ضيقة، وتتقطع سبلها وطرق إمدادها، وتواجه تناقضات العالم ونفاق المنظومة الدولية.

المدن

 

 

 

صالح مُسلم إذا شكا الاستبعاد!/ رستم محمود

في طريق عودته من جنيف خالي الوفاض، لا بد أن رئيس حزب الاتحاد الديموقراطي الكُردي السوري صالح مسلّم كان مستاء وشكا لجُلسائه مرارة ما جرى، حيث رُفض حضوره مؤتمر المفاوضات السورية كطرف رئيس مُعترف به. لنتخيله يقول لهؤلاء الجُلساء، وربما لنفسه، كيف يتم استبعادنا ونحن أكثر الأطراف سيطرة على حيز واسع من الجُغرافيا السورية، ونحن الذين كُنا أكثر المحاربين لتنظيم داعش، بالإضافة لكوننا نملك أكثر التنظيمات المُسلحة تنظيماً والتزاماً ووضوحاً في طرحها المشاريع السياسية «المدنية».

ولنتخيل ما هو مرجّح من أن مُسلم شكا هذا القدر من التدخل التُركي في الأحوال السورية، ومن استبعاد الكُرد عن اللعبة السورية وتحديد مصائر البلاد وهويتها.

ربما كان مُسلم ليكون مُحقاً في شكواه هذه التي نرجّحها لو أنها كانت مُجردة عما مارسه حزبه بشكل فعلي ومباشر بحق «الشُركاء» السياسيين والاجتماعيين الفعليين في المناطق التي يحكُمها حزبه. فمجموع الإجراءات الاستبعادية التي مارسها هذا التيار السياسي بحق الآخرين تكاد تفوق كثيراً جداً ما حصل بحق السيد مسلم.

في الشهور الأولى للثورة السورية، كان الاتحاد الديموقراطي يشكل تياراً سياسياً كُردياً «عادياً»، مثل عشرات التيارات السياسية الكُردية السورية الأخرى، لكنه وحده اتخذ موقفاً مُغايراً للخيار الاستراتيجي لهذه الأحزاب الكُردية بالمُشاركة في الثورة السورية، وسعى بإلحاح لإخراج الخيار والخطاب الكردي السوري عن سياقه السوري. وهذا لم يكن أبداً لصالح خيار سياسي كُردي سوري، بل فقط ليتطابق مع خيارات حزب العُمال الكردستاني الإقليمية ومسألته المركزية في الدفاع عن الحقوق القومية للكُرد في تركيا.

بعد ذلك بشهور، وحينما تحقق التوافق بين ذلك الحزب والنظام السوري، وبأدوات وسلوكيات وخيارات مُختلفة وعنيفة، أقصى هذا الحزب بقية التيارات والأحزاب الكُردية السورية. أزاحهم أولاً عن النشاط والفعل المباشر في الشارع الكُردي، واحتكر المجال العام لنفسه ولشعاراته وخياراته السياسية. وهو، منذ وقت أبعد، ومنذ إعلان الاتحاد عن الديموقراطية للإدارة الذاتية في المناطق التي يُسيطر عليها، بات يُشكل سُلطة شمولية لمناحي الحياة العامة كافة في تلك المناطق، وبالذات منها الإدارية والاقتصادية والسياسية، مُستبعدا أي طرف أو تيار سياسي كُردي أو غير كُردي، عن أي شراكة حقيقة في تلك المناطق الخارجة عن سيطرة النظام للوقوع تحت سيطرة الاتحاد الديموقراطي بشكل تام.

لم يكن نوع الهيمنة السياسية والعسكرية لحزب الاتحاد ينتمي لعوالم «الهيمنة الناعمة»، تلك التي تسيطر على الحياة العامة مع أشكال من التحاصص وفتح بعض المساحات للمُخالفين السياسيين، بل استخدم الحزب لغة تنتمي لعوالم التيارات الأيديولوجية/ العسكرية القصوى، حيث تخوين الخصوم خطاباً ولغة، والسعي لتعنيفهم والشك بجدارتهم وولائهم سلوكاً، وبالتالي شرعنة إلغائهم وتحطيمهم.

حصل ذلك من دون أن يبالي الحزب بعشرات المحاولات للمّ الصفوف وإحداث شراكة بينه وبين خصومه السياسيين، ولم ينفذ أياً من الاتفاقيات التي جرت برعاية رئيس إقليم كردستان العراق، حيث كان يلوم الآخرين لعدم إتمامها، بينما وحده كان القوة العسكرية على الأرض، ووحده كان القادر على تنفيذ تلك الاتفاقيات أو تعطيلها.

وقبل ذلك حطم المجلس الوطني الكردي السوري، ومؤسسة المرجعية السياسية للأكراد السوريين، حيث استمال بعض الأحزاب السياسية الصغيرة جداً، مُعتبراً أن علاقته معها تُمثل تعبيراً عن مشاركته الآخرين في الحياة السياسية والاقتصادية العامة، مُعتبراً نفسه الفصيل السياسي والعسكري الوحيد الذي يحتكر شرعية تمثيل الطموح الكردي في سورية، من دون أي انتباه أو مراعاة لحقيقة مستوى تمثيله الفعلي للشرائح المُجتمعية الكُردية، ومن دون أن يسمح لأي طرف قياس مدى وشكلها تمثيليته تلك وشكلها.

مما لا شك فيه أن طاولة المفاوضات السورية، وسورية المُستقبل، لن تكتمل من دون مُشاركة السيد صالح مسلم وحزبه، لأنهم باتوا بحكم الواقع طرفاً سياسياً وعسكرياً. لكن شرعية تلك المظلومية التي يطرحها حزب الاتحاد الديموقراطي لا تكون كاملة وحقيقية ومُحقة من دون أن يقر هذا الحزب بأخطاء كل نمط ممارسته بحق الآخرين. هذا في حال سعيه لأن يجلس في صف المعارضة، التي تواجه النظام الشمولي الاستبعادي، لا في صف الطرف الآخر.

* كاتب سوري

الحياة

 

 

 

 

هل تدفع أميركا سورية إلى نفوذين سعودي وروسي … والعراق إلى يد إيرانية وتركيا إلى عزلة؟/محمد سيد رصاص

يتحدث جمال حمدان عن «عبقرية المكان» في ما يخص مصر. يمكن الحديث نفسه بالنسبة إلى تركيا. ولكن يمكن تبديل التعبير ليصير «لعنة المكان»: التقاء قارات ومضائق بحرية وطريق اجباري للتجارة الدولية وحدود حضارات. جعل هذا كله من البلدين مطمعاً للطامعين، وأول ما يفكر به الغازي هو غزوهما واحتلالهما.

منذ قيام الدولة التركية الحديثة عام 1923 مع مصطفى كمال (أتاتورك) كان هناك تفكير بإدارة الظهر للجنوب خلافاً لما فعل العثمانيون منذ السلطان سليم الأول، وأن تيمّم تركيا وجهها باتجاه الغرب. خلال سبعين عاماً وضح بأن أنقرة يمكن أن تقبل كأداة عسكرية في «الناتو» ضد السوفيات، لكن الطريق مسدود أمامها للدخول في «الاتحاد الأوروبي» الذي جرى الإعلان أكثر من مرة، ومن أكثر من مسؤول فرنسي وألماني، بأنه «نادٍ مسيحي مغلق». عندما انهار الاتحاد السوفياتي عام 1991 كان واضحاً بأن أهمية تركيا الاستراتيجية عند الغرب الأميركي- الأوروبي أصبحت في حال تناقص بالقياس إلى فترة الحرب الباردة (1947- 1989) ما بين واشنطن وموسكو. اقترح الرئيس التركي توركوت أوزال «إقامة عالم تركي يمتد من بحر إيجة إلى تركستان الصينية» لتملأ تركيا الفراغ السوفياتي في الجمهوريات الإسلامية السوفياتية السابقة التي (ما عدا طاجيكستان) لها عالم ثقافي- لغوي تركي. كان هذا مناسباً للقوميين الأتراك الطورانيين الذين كانوا على عداء وتخالف مع النزعة القومية الأتاتوركية التي لا تلتفت شرقاً. أيضاً ناسب هذا واشنطن التي أرادت سد المجال الجغرافي الجنوبي أمام موسكو في القفقاس وآسيا الوسطى.

في هذا الإطار، كان ملفتاً الصعود الانتخابي للإسلاميين الأتراك في تسعينات القرن العشرين: في انتخابات 1995 التي كانت البوابة لأول رئيس وزراء تركي إسلامي في أنقرة الأتاتوركية هو نجم الدين أرباكان زعيم «حزب الرفاه»، ثم انتخابات 2002 التي أتت بحزب تلميذ أرباكان، أي رجب طيب أردوغان، وهو «حزب العدالة والتنمية» إلى سدة الحكم. عنى صعود الإسلاميين بأن هناك اقتراحات للمجال الجغرافي التركي تحظى بغالبية تصاعدية عند الأتراك، لكنها ليست موجودة لدى الأتاتوركيين والطورانيين فهي ترى المجال الحيوي في الجنوب الإسلامي العربي عند بلاد الشام والرافدين، في نوع من «العثمانية الجديدة»، مع رأي بأن الطورانية بلا أفق وبأن الأتاتوركية قد فشلت.

كان انفتاح أردوغان على دمشق منذ 2004، وانفتاح الأخيرة عليه، ناتجاً من عوامل عدة، أحدها التحالف الأميركي- الإيراني في العراق المغزو والمحتل الذي ترجم في زيارة وزير الخارجية الأميركي كولن باول لدمشق بعد ثلاثة أسابيع من سقوط بغداد في 9 نيسان (إبريل) 2003 بفتح نار أميركية على العاصمة السورية كسر التقارب الأميركي- السوري الذي بدأ في1 حزيران (يونيو) 1976 مع الدخول السوري العسكري إلى لبنان. وفعلاً ترجم ما جرى في بغداد عبر القرار 1559 في أيلول (سبتمبر) 2004 الذي كان فاتحة صدام أميركي- سوري في لبنان.

كان رئيس الوزراء التركي يملك أيضاً الكثير من عوامل القلق من التحالف الأميركي- الإيراني ومن تصاعد نفوذ طهران بالنتيجة في بغداد، ولكن، كان هدفه الأساس من التقارب مع سورية فتح طريق للجنوب العربي- المسلم كان يعرف مثل السلطان سليم بأن بوابته هي دمشق، ولو أنه كان يدرك بأنه أيضاً طريق لتطويق الامتداد الإيراني وربما لكسر الجسر الممتد من قم إلى الضاحية الجنوبية ببيروت وإلى فلسطين عند حركة «حماس».

وعندما تخلّت دمشق عن التحالف الثلاثي التركي- السعودي- السوري الذي كان وراء قائمة «العراقية» بزعامة إياد علاوي في انتخابات برلمان العراق في 7 آذار (مارس) 2010 ووقفت مع طهران في تصعيد نوري المالكي ثانية في 25 تشرين الثاني (نوفمبر) 2010 لمنصب رئيس الوزراء، ثم ترجم هذا التخلي ثانية في إسقاط رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري عبر كتلة سياسية لبنانية موالية لطهران ودمشق أثناء اجتماع الحريري مع أوباما في البيت الأبيض في 12 كانون الثاني (يناير) 2011، فإن هذا كان يعني تصدُّع ما بناه أردوغان خلال سبع سنوات مع العاصمة السورية وعبرها.

مع «الربيع العربي»، منذ تونس 14 كانون الثاني 2011 وسقوط الرئيس بن علي، التفت أردوغان إلى الإسلام السياسي «الإخواني»، وقد اقتنعت واشنطن مع سقوط الرئيس المصري مبارك في 11 شباط (فبراير) 2011 بأنه يمكن أن يكون حصانها الجديد مع كابتن فريق للإسلاميين موجود في اسطنبول هو أردوغان. أثناء زيارة رئيس الوزراء التركي تونس وطرابلس الغرب والقاهرة في خريف2011 تصرّف وكأنه السلطان سليم بعد معركة الريدانية عام 1517 التي أسقطت حكم المماليك في القاهرة والتي أتت نتيجة لسقوط دمشق عقب معركة مرج دابق في العام السابق.

عند تشكيل «المجلس الوطني السوري» في 2 تشرين أول (اكتوبر) 2011 كان واضحاً أن أردوغان سيلعب في سورية بتفويض أميركي عبر ستارة محلية ما لعبه ساركوزي في ليبيا من خلال ستارة «المجلس الانتقالي الليبي» منذ آذار 2011. على الأرجح فإن الفيتو الروسي في 4 تشرين الأول 2011 في مجلس الأمن ثم المتكرر في 4 شباط 2012، مع إرسال قطع الأسطول الروسي للبحر الأسود إلى ميناء طرطوس في الأسبوع الأخير من تشرين الثاني، تم القضاء على سيناريوات التدخُّل العسكري للناتو بقيادة تركيا، وهو ما دعا إليه علناً المراقب العام لجماعة الإخوان المسلمين السورية رياض الشقفة في مؤتمر صحافي في 18 تشرين الثاني في اسطنبول. كان فيتو موسكو في مجلس الأمن طريقاً إلى تدويل الأزمة السورية عبر خطة كوفي عنان في آذار ثم في صدور بيان «جنيف1» في 30 حزيران 2012 عبر توافق أميركي- روسي، ولكن لم يترجم سحب التفويض الأميركي لأنقرة في الملف السوري ونقله إلى موسكو إلا في 7 أيار (مايو) 2013 عبر «اتفاق موسكو» بين كيري ولافروف، عقب تغيُّر موقف واشنطن من الإسلام السياسي «الإخواني» إثر «11 سبتمبر جديدة» ولكن في 2012 وفي بنغازي بدلاً من نيويورك، حين قتل إسلاميون ليبيون ساعدهم «الناتو» في إسقاط القذافي السفير الأميركي في ليبيا. كانت أولى الترجمات الأميركية لذلك هي «اتفاق موسكو» بعد ثمانية أشهر ثم تنحي أمير قطر في 25 حزيران ثم سقوط حكم «الإخوان» في مصر في 3 تموز 2013، قبل أن يلحق بهم حكم «حركة النهضة» التونسية، ثم تأييد الغرب للفريق حفتر في الشرق الليبي ضد الإسلاميين في طرابلس الغرب، وسكوت الغرب الأميركي- الأوروبي عن تآكل حكم الرئيس اليمني منصور هادي، المدعوم من الفصيل «الإخواني» المحلي، أمام تحالف الرئيس السابق علي عبدالله صالح والحوثيين حتى سيطرة الأخيرين على صنعاء في خريف 2014. في المقابل كان واضحاً منذ (اتفاق موسكو) أن باراك أوباما لم يعد يريد تنفيذ كلامه في 18 آب (أغسطس) 2011 عندما دعا الرئيس السوري «إلى التنحي»، بل يريد تسوية سورية تقودها موسكو، ولم يعد يريد سيناريو سورياً مكرراً لذلك الليبي يقوده أردوغان.

اتفاق الكيماوي السوري في 14 أيلول 2013 ترجم عملياً التوافق الأميركي- الروسي، ثم جرت ترجمة ثانية في «جنيف2» السوري في 22 كانون الثاني 2014 قبل أن يفشل بحكم الدعم الغربي للتظاهرات التي قادت إلى اسقاط حكم الرئيس الأوكراني الموالي لموسكو. عندما جرى الاتفاق النووي الأميركي- الإيراني في 14 تموز 2015 كان واضحاً اتجاه أوباما إلى مغادرة أميركية للشرق الأوسط باتجاه التركيز على الشرق الأقصى مع تفويضات أميركية لوكلاء في الشرق الأوسط أحدهم طهران في بغداد، ولكن، كانت المفاجأة أن أحد هؤلاء الوكلاء هو موسكو، التي وضح، عبر محطتي «فيينا 1 و2» ثم القرار 2254 ثم «جنيف 3»، بأن دخولها العسكري إلى سورية منذ 30 أيلول 2015 هو بغطاء وموافقة أميركيتين من أجل أن يقود الكرملين التسوية السورية بكل ما ينتج من ذلك من مفاعيل، وأهمها إنهاء الدور التركي في الأزمة السورية. كان ذلك واضحاً الثلثاء 15 كانون الأول (ديسمبر) 2015 حين زار الوزير كيري الكرملين وتطرّق مع بوتين للموضوع الأوكراني بالتوازي مع السوري، بأن الطريق ممهد إلى يوم الجمعة التالي حين جرى تبني القرار 2254 في نيويورك، وهنا تجدر ملاحظة كم أصبح شرق أوكرانيا هادئاً في الشهرين الماضيين.

صحيح أن الوجود العسكري الروسي في سورية منذ 30 أيلول 2015 قاد إلى تحجيم الدور الإيراني في الأزمة السورية، إلا أن مفعوله الأكبر من الناحية الجغرافية – السياسية كان فتح الطريق إلى إنهاء الدور التركي برضا أميركي في سورية المنفجرة أزمتها منذ أحداث درعا في 18 آذار 2011، مع دور سعودي في سورية المقبلة بالتوازي في النفوذ مع روسيا، تمكن قراءته منذ أن قرر لقاء «فيينا 2» أن يكون مؤتمر المعارضة السورية في الرياض تمهيداً لـ «جنيف3».هذا قاد إلى عزلة تركيا بعد أن حضرت موسكو عسكرياً في جنوب الجمهورية التركية (في الأرض السورية) وجرى حبس تركيا في قفصها الجغرافي الخاص وإغلاق الستار على كل ما فكر به أردوغان جنوباً، وربما، بل على الأرجح، أن هذا ما يدفع الأتراك إلى محاولة تخريب «جنيف 3» بعد انعقاده ولو عبر أدوات في المعارضة السورية، لأنهم يرون أن التسوية السورية ستؤدي إلى اعلان إنهاء نفوذ أنقرة جنوباً، فيما من الواضح أن المجال الشرقي في القفقاس وآسيا الوسطى السوفياتية السابقة أيضاً أصبح مغلقاً أمام الأتراك بحكم الاستيقاظ الروسي المستجد مع بوتين، وبحكم الامتداد الاقتصادي الصيني هناك، وهو ما يقلق واشنطن أيضاً ويدفعها للتحالف مع موسكو ضد بكين، بينما زاد الطابع المسيحي للغرب الأوروبي بحكم «داعش» والخشية من المهاجرين الجدد ومفاعيل وجودهم الديموغرافي والثقافي في المجتمعات الأوروبية، وهو ما يزيد قوة انسداد باب «الاتحاد الأوروبي» أمام الأتراك.

الحياة

 

 

آلام جان دوندار/ هوشنك أوسي

حين بدأت، في 2008، حملات حكومة حزب «العدالة والتنمية» على الطبقة الكمالية العسكريتاريّة – العلمانيّة، أطلق الكاتب والصحافي التركي جان دوندار فيلمه الوثائقي المهم «مصطفى»، في يوم تأسيس الجمهوريّة التركيّة المصادف 29 تشرين الأول (اكتوبر). وكان ذلك تحدّياً كبيراً غير مسبوق، لأنه حاول رفع القداسة والتأليه عن شخصيّة مصطفى أتاتورك، وتناول تجربته، كما كانت، إنساناً عاديّاً، يعاقر الخمر، ويعاشر النساء، قصير القامة، هزيل الجسد… الخ، بالضد من كل البروباغندا التركيّة التي عظّمت وفخّمت صورة الزعيم، وغرست ذلك في أذهان الناس، عبر مناهج التربية والتعليم، والإعلام، على مدى عقود. وحين عُرض الفيلم، ثارت ثائرة العلمانيين الأتاتوركيين والقوميين المتطرّفين على دوندار، واعتبروا فيلمه تطاولاً على مؤسس الجمهوريّة التركيّة والعلمانيّة. وطالب رئيس حزب «الشعب الجمهوري» السابق، دنيز بايكال، بإيقاف الفيلم ومحاكمة صاحبه! حينها، كانت حكومة «العدالة والتنمية» ورئيسها أردوغان مغتبطين بهذا الفيلم. ليس هذا وحسب، بل ساعدت الحكومة دوندار في الاطلاع على مذكّرات أتاتورك، المحبوسة في هيئة الأركان العامّة منذ موته عام 1938، كي يستفيد منها في إعداد فيلمه الوثائقي، ما يعني أن الحكومة التركيّة التي تسجن دوندار الآن وتعتبره خائناً، خصّته عام 2008، بما لم تخصّ أيّاً من الكتّاب الأتراك، الإسلاميين منهم والعلمانيين! وهذا ما دفع كتّاباً أتراكاً آخرين لمطالبة الرئيس التركي السابق، عبدالله غُل، بالسماح لهم بالإطلاع على المذكرات.

جان دوندار، رئيس تحرير صحيفة «جمهوريت» ومدير مكتب الصحيفة في أنقرة، أردم غُل، مسجونان منذ 26/11/2015، بتهمة «التجسس» و «إفشاء أسرار الدولة»، لأن دوندار نشر في أيار (مايو) من العام نفسه، تسجيل فيديو يظهر شاحنات تابعة للاستخبارات التركيّة، وهي تنقل، مطالع 2014، الأسلحة للكتائب الإسلاميّة الإرهابيّة المتطرّفة في سورية.

أردوغان، وقتذاك كان يرأس الوزارة، فاتهم دوندار بـ «الخيانة» وأنه «سيدفع الثمن». وفي حال أثبت القضاء التركي هذه التهمة عليه، سيواجه عقوبة مدّتها عشر سنوات سجناً.

دوندار، بصفته من أبرز قادة الرأي، كاتب ليبرالي، علماني، انتقد بشدّة «العمال الكردستاني» لكنه دعا الى حلّ القضيّة الكرديّة سلميّاً، بعيداً من الحرب والعنف. اعتقال هذا الكاتب تفصيل بسيط عن الإرهاب السياسي والنفسي الذي تمارسه حكومة «العدالة والتنمية» في مسعى لكمّ الأفواه. ومحنة دوندار، ككاتب ومثقف تركي، تجاهلها المعارضون السوريون، «الليراليون والديموقراطيون» منهم قبل الإخوانجيين – الأردوغانيين. وحجّة هؤلاء: «هذا شأن داخلي تركي. ما شأننا نحن السوريين به»؟! هذه الحجّة نفسها، يسوقها هؤلاء حيال صمتهم على ما ترتكبه آلة الحرب الأردوغانيّة من قتل وتدمير وإرهاب بحق المدن الكرديّة والمدنيين الكرد في كردستان تركيا، بحجّة محاربة «العمال الكردستاني».

وإذا كان تجاهل المعارضة السورية و «نخبها» لآلام ودماء المدنيين الكرد، يشتمُّ منه «عبق» النزوع العنصري، عبر إحراق الكرد بجريرة علاقات «الكردستاني» بالنظام السوري، فأقل ما يُفترض بهؤلاء المعارضين، ولذرّ الرماد في الأعين، التضامن مع ضحايا أردوغان الأتراك؟! أمّا النأي بالنفس، واختلاق الاعذار والمبررات من طينة هذا «شأن داخلي تركي» فعذر أقبح من ذنب.

وهذا العُذر يؤكد أن أردوغان اشترى صمتهم وذممهم. ذلك أن هذا «المبرر الوقح»، يشرعن عدم تضامن الأميركيين والأوروبيين والأتراك والفرس…، مع محنة الشعب السوري وآلامه، باعتبار أن ما يجري في سورية من مذابح «شأن داخلي سوري»!

الاتيان بحجّة علاقة «الكردستاني» بالنظام السوري لتبرير صمت المعارضة السورية على جرائم الحكومة التركيّة بحق الكرد سقوط أخلاقي قبل أن يكون سقوطاً سياسياً. فهذه المعارضة تتناسى أن أردوغان نفسه كان عرّاب نظام الأسد دوليّاً، طيلة عقد، قبل اندلاع الثورة السوريّة. وقد أعاد أردوغان تأهيل هذا النظام، وقدّمه للغرب، بعد سحقه ربيع دمشق! وحاول عقد صلح بين «الإخوان» والنظام، وبين الأخير وإسرائيل!

ثم إن الصمت حيال محنة جان دوندار وأمثاله الكثر من سجناء الرأي، وحيال حكم تركيا في شكل استبدادي عسكريتاري، هو أيضاً سقوط أخلاقي وسياسي مريع وفاضح، يعزز موقف نظام الأسد، من حيث لا يحتسب هؤلاء «المعارضون»، ويشير إلى أن هذه المعارضة، هاجسها فقط الاستيلاء على السلطة، وليس التبرّؤ من ذهنيّة وإرث نظام البعث.

كذلك فالقوى الكرديّة السورية، ابتداءً بـ «الاتحاد الديموقراطي» و «المجلس الوطني الكردي» وما بينهما من أحزاب، مضافاً إليهم الكتّاب والمثقفون الكرد، فإن تجاهلهم لمحنة وآلام دوندار، هو أيضاً سقوط أخلاقي وسياسي مدوٍ.

وبدوره فجان دوندار ما زال يقاوم سلطة أردوغان بالكلمة والكتابة، ويكتب مقالاته من داخل سجنه!

* كاتب كردي سوري

الحياة

 

 

 

 

مصير حلب ومستقبل أوروبا مترابطان/ نتالي نوغيريد

يترتب على سقوط حلب بدء فصل جديد من الحرب السورية القميئة. ولا تقتصر آثار الانعطاف هذا على المنطقة بل تبلغ كذلك أوروبا لا محالة. فانقضاض حكومة بشار الأسد على المدينة الشمالية المحاصرة، والتسبب في نزوح عشرات الآلاف، هما لحظة حاسمة في العلاقات بين الغرب وروسيا التي يغلب سلاح جوها كفة الأسد ويؤدي دوراً بارزاً (في المعارك). وإثر هزيمة معارضي الأسد الذين امسكوا بمقاليد شطر من المدينة منذ 2012، يخلو الميدان في سورية أمام قوات نظام الأسد و«داعش». والأمل في تسوية مع المعارضة السورية سيتبدد. وإطاحة احتمال التسوية مع المعارضة هو هدف روسي قديم، ونواة قرار موسكو التدخل العسكري قبل أربعة اشهر. وليس من بنات المصادفة تزامن حملة قصف حلب مع بدء مفاوضات السلام في جنيف. والتي سرعان ما انفرط عقدها. ورمى التصعيد العسكري الروسي الى إطاحة أي دور للمعارضة السورية في مستقبل البلاد، وإحباط مساعي الغرب والأمم المتحدة كلها (الى تسوية). وارتدادات حوادث حلب ستبلغ أمكنة قصية. وأدرك الأوروبيون في 2015 أنهم ليسوا في منأى من نتائج النزاع في الشرق الاوسط، وخلصوا من دروس النزاع الأوكراني في 2014 الى ان روسيا ليست صديقة أوروبا. فهي قوة مواجهة قادرة على الاعتداء العسكري. والحوادث السورية الأخيرة تسلط الضوء على أوجه الصلة بين المأساة السورية وبين ضعف أوروبا والغرب الاستراتيجي. وتفشي آثار الأزمة الشرق الأوسطية في أوروبا لم تراقبه موسكو من كثب فحسب، بل نفخت في عدواه وغذته. فسريان عدوى الاضطراب، أو غياب الاستقرار، في الاتحاد الاوروبي يتناسب مع سعي موسكو الى الهيمنة من طريق التوسل بخلافات وتردد من ترى انهم خصومها. وترسم حوادث حلب وجه المرحلة المقبلة: فهزيمة قوات المعارضة السورية تغلب كفة «داعش» وأسطورة أنها المدافع اليتيم عن السنّة، على رغم انها تبث الرعب والإرهاب في أوصال السكان الواقعين في قبضتها. وعوّلت الاستراتيجية الغربية لمكافحة «داعش» على تعزيز نفوذ قوات المعارضة السورية لاقتلاع الجهاديين من معقلهم في الرقة. ولكن إلى من سيلجأ الغرب (في مكافحة «داعش») إذا حوصرت هذه القوات في حلب و «سحقت». وزعمت موسكو أنها تحارب «داعش»، ولكنها في حلب تطيح المجموعات السورية التي ثبت أنها ناجعة في قتال «داعش».

وبددت حوادث حلب الالتباس حول الغايات الروسية من التدخل في سورية. ففلاديمير بوتين استنسخ في سورية استراتيجيته في الشيشان: شن هجوم عسكري ساحق على مناطق سكنية فتنهار قوات المعارضة وتنسحب. وتعود الأواصر بين بنى السلطة السورية والاستخبارات الروسية الى العهد السوفياتي. وعلى نحو ما قضى نظام بوتين في الشيشان على محاوريه المحتملين في تسوية سلام، وسم الأسد المعارضة السياسية كلها بـ «الإرهاب». ولم تبرم تسوية يوماً في الشيشان، ولم تهدأ الحرب الشاملة هناك إلا بعد تعيين الكرملين زعيماً شيشانياً موالياً له في سدة السلطة. ويبدو ان غايات الاستراتيجية الروسية لا تقتصر على ترجيح كفة القوة الروسية في الشرق الأوسط، فهو يسعى الى الهيمنة على أوروبا. وكانت لحظة تراجع باراك اوباما عن قصف قواعد الأسد العسكرية إثر الهجوم الكيماوي في 2013، بمثابة منعطف (في السياسة الخارجية الروسية). فالتراجع الأميركي شجع بوتين على امتحان القوة الأوروبية في عقر دارها. ووقعت انتفاضة ميْدان الاوكراني عليه وقع المفاجأة، لكنه سرعان ما واصل مساعي هيمنة بلاده (على أوروبا) من طريق القوة واقتطاع أراضٍ. وكانت حساباته في محلها: الغرب لن يسعه الحؤول دون حرب هجينة (تجمع القوة التقليدية الى القوة غير التقليدية، والمواجهة النظامية الى حرب العصابات، والهجمات السيبرنيطيقية) في اوكرانيا. وقوّضت السياسات الروسية هناك (في اوكرانيا) أركان نظام الأمن الأوروبي في مرحلة ما بعد الحرب الباردة. ويرغب بوتين في تعديل هذا النظام وترجيح كفة بلاده فيه. وأحرج التدخل العسكري الروسي في سورية «الناتو»، فأحد اعضائه البارزين (تركيا) صار في الجبهة الأمامية، وصارت الحرب على حدود الأطلسي. وطوال أشهر، كانت علاقات تركيا بروسيا على شفير الانهيار. واليوم، حذرت موسكو أنقرة من ارسال قوات للدفاع عن حلب. وقرارات الرئيس التركي في هذه الأزمة، مهما كان مآلها، مدعاة قلق في الغرب. وتدور هذه الأحداث في وقت تسعى الحكومات الاوروبية الى استمالة أنقرة والتعاون معها في مشكلة اللاجئين. وإذا تورطت تركيا في النزاع السوري جلبت المتاعب للأطلسي على حدوده الشرق الأوسطية، وخدمت المصالح الروسية. ويصب كذلك بلوغ موجة نزوح جديد اوروبا في مصلحة موسكو. فأزمة اللاجئين فاقمت الانقسام بين دول القارة وساهمت في ازدهار احزاب اليمين الشعبوي- وكثر منها حليفة لموسكو في مواجهة الاتحاد الاوروبي. وسلطت ازمة اللاجئين الضوء على خطر انسحاب بريطانيا من الاتحاد (وهو خطوة ترحب بها روسيا)، وقوّضت نفوذ انغيلا مركل، معدِّة العقوبات الأوروبية على روسيا.

روسيا ليست وراء اندلاع الحرب الأهلية في سورية، وليست وراء كل ما آلت اليه الأمور في أوكرانيا. ولكن لا يستخف بخطواتها الانتهازية أو نهج تحريك بيادقها. وهذه الخطوات تدفع إلى دق ناقوس الخطر في الغرب والأمم المتحدة. وحمل بوتين على العدول عن الفوضى يقتضي أكثر من تمنيات صادقة.

* معلّقة، من أعضاء هيئة تحرير الصحيفة، عن «غارديان» البريطانية، 6/2/2016، إعداد منال نحاس

الحياة

 

 

 

 

حرب حلب الروسية… ودلالاتها السياسية/ محمد مشموشي

لا تريد روسيا، بحملتها الحربية الواسعة على مدينة حلب وريفها، أن تضاعف أوراقها التفاوضية في «جنيف 4» لدى استئنافه في 25 شباط (فبراير)، أو أن تحسن موقفها فيه فقط، كما قد يظن البعض، ولا أن تنطلق من التغيرات التي تحدثها على الأرض لتخاطب واشنطن، كما فعل وزير خارجيتها سيرغي لافروف، بالقول أنه باتت لدى موسكو «خطة محكمة» للحل في سورية، ولا حتى أن تدعي بعد ذلك كله أن قواتها حققت انتصاراً مبيناً ضد الإرهاب وتنظيم «داعش»، وفق المقولة التي أشاعتها عندما أرسلت مقاتلاتها وصواريخها ودباباتها الى طرطوس واللاذقية في أيلول (سبتمبر) الماضي.

لا يرغب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، كما تشير حربه هذه، في شيء من ذلك حالياً ولا ربما في المستقبل أيضاً، وإن كان يعنيه استمرار ضياع البعض في تحليلاته عن نياته الفعلية. فهذا أعطاه من قبل، ويعطيه الآن، المزيد من الوقت لمواصلة العمل على تنفيذ خطته الخاصة، ليس فقط في سورية وما بعد الحرب فيها، انما أيضاً في المنطقة كلها، فضلاً عما قد يكون لديه من «تفاهمات» عقدها في السابق أو يمكن أن يعقدها مع إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما.

ذلك أن بوتين استطاع، أقله حتى الآن، «بيع» تدخله في سورية تحت قنابل دخان ذهب بعضها الى أن هذا التدخل سيؤدي في النهاية الى حل سياسي للحرب وإنهاء مأساة الشعب السوري. لذلك، فهو يبدو مرتاحاً كلما شاع الظن بأنه لا يفعل في حلب حالياً سوى ما فعله من قبل في دمشق واللاذقية ودرعا، وأنه انما يسعى فقط لإعادة التوازن الميداني على الأرض بين النظام والمعارضة تمهيداً للحل السياسي من جهة، ومحاربة الإرهاب وتنظيم «داعش» ومنعهما من الانتقال الى داخل بلاده من جهة ثانية.

وليس خافياً أن بوتين نجح في تسويق مثل هذه الصورة الى حد ما، وقد انطلت لعبته على كثيرين، بمن في ذلك كاتب هذه السطور الذي ظن لفترة أن التدخل الروسي يستهدف إنقاذ سورية وليس إنقاذ نظام بشار الأسد. وقد لا يكون بعيداً عن ذلك بدوره، ما سمعه ملك البحرين الشيخ حمد بن عيسى آل خليفة من بوتين شخصياً قبل أيام في موسكو، وكانت نتيجته تصريحاً علنياً من وزير خارجيته الشيخ خالد أشاد فيه بالدور الذي يلعبه بوتين وقواته المسلحة في سورية.

لكن الواقع يختلف عن ذلك جذرياً، أقله كما تقول الحرب الحالية في حلب. ففيما وجهت هذه الحرب ضربة قاسية لقوات المعارضة في المنطقة، وهجرت نحو مليون مواطن الى الداخل السوري والحدود مع تركيا، رافقها عملياً حدثان بالغا الدلالة: أولاً، تحرك ما يسمى «قوات حماية الشعب الكردي» التي لا تخفي نواياها الانفصالية (أو إقامة حكم ذاتي على الأقل) لاحتلال المواقع التي أخلتها المعارضة، في وقت واحد وجنباً الى جنب مع «الحرس الثوري الإيراني» والميليشيات العراقية واللبنانية والأفغانية وما بقي من قوات الأسد. وثانياً، تسريب أنباء عن توجه قيادة القوات الكردية هذه الى فتح مكتب تمثيلي لها في العاصمة الروسية.

ولا يتعلق الأمر هنا، كما قد يبدو في الظاهر، بـ «الحرب الباردة» الناشبة بين موسكو وأنقرة منذ قيام المقاتلات التركية بإسقاط الطائرة الحربية الروسية في تشرين الأول (أكتوبر) الماضي، في ضوء العداء المعلن بين تركيا و «قوات حماية الشعب الكردي»، ولا حتى بتعظيم شأن زعيم هذه القوات، الأمين العام لـ «الاتحاد الديموقراطي الكردي» صالح مسلم، وترقيته الى عضوية وفد المعارضة في المفاوضات، بعد أن حالت تركيا وائتلاف قوى الثورة والمعارضة دون ذلك في «جنيف 3».

الأمر أبعد من ذلك، وهو يتصل مباشرة بالتطهير العرقي الذي بدأه النظام في الزبداني ومضايا، كما يواصله في الحصار الذي يفرضه على أكثر من مدينة وبلدة وقرية، تكريساً لما سماه «سورية المفيدة» التي تمتد من دمشق الى اللاذقية عبر الشريط الحدودي مع لبنان.

واذا كان الفرز السكاني هنا يرمز الى «الدويلة العلوية»، فهو في ظل ما يجرى في حلب وريفها (فضلاً عن الممثلية المقترحة في موسكو) انما يشير الى «الدويلة الكردية» وليس الى أي شيء آخر.

كذلك، اذا كان عنوان كل من «داعش» و «جبهة النصرة» معروفاً للجميع، الأول في الرقة امتداداً الى الحدود الشرقية مع العراق، والثانية في ادلب وجوارها، فماذا تعني الحرب التدميرية التي تشنها القوات الروسية في حلب فيما تردد قيادتها في موسكو أنها تحارب الإرهاب؟ بل أبعد، ألا يعني هذا أن ما يقال عن «دويلة داعش السنية» التي يمكن أن تقام شرق سورية ووسطها هو في ذهن بوتين كذلك؟

الحال أن علامات التعجب التي أثارتها «سياسات» موسكو السورية، منذ «جنيف 1» الذي افترض هيئة حكم انتقالية ذات صلاحيات كاملة ثم التراجع عنه، وبعده «موسكو 1» ثم «موسكو 2» مع ما صاحبهما من مد وجزر حول ممثلي المعارضة، وصولاً الى «فيينا 1» و «جنيف 3» وما رافق هذا الأخير من حرب مدمرة لحلب وريفها، ليست مما يجوز فصله عن اتفاقية «الاحتلال المعلن» التي وقعتها حكومة روسيا مع الأسد… وبادرت إدارة بوتين (من دون دمشق، كما تفترض الأصول) الى نشرها كاملة على الملأ.

من يومها، يمكن القول، بدأت موسكو سياسة أكثر جذرية من تلك التي دخلت سورية على أساسها: سياسة دولة تحتل دولة أخرى، من خلال اتفاقية بينهما، وترفض أن يشاركها أحد هذا الامتياز.

وقد لا يكون مبالغاً به النظر الى عملياتها العسكرية، كما الى مبادراتها للتسوية السياسية، من زاوية تقسيم الدولة المحتلة الى دويلات طائفية ومذهبية وعرقية.

الحياة

 

 

 

 

عملية أنقرة: المنفذون لم يخفوا أنفسهم/ عبد القادر عبد اللي

تعتبر عملية أنقرة الإرهابية سابقة على صعيد الأسلوب والمكان والتوقيت في آن واحد. فالأسلوب هو سيارة مفخخة يقودها انتحاري، صدم إحدى حافلات الخدمة التي تُقل عاملين في القوى الجوية في أنقرة، عند توقفها على إشارة المرور الحمراء. ولم يسبق أن نفذت عملية من هذا النوع في المدن التركية الكبرى سابقاً.

مكان التفجير هو المنطقة القريبة من مراكز القوى العسكرية الكبرى في أنقرة “الأركان العامة، وقيادات القوى البحرية والبرية والجوية” وليس على مسافة بعيدة عن البرلمان ووزارة الداخلية والمبنى الرئيس لرئاسة الحكومة، وأحد أزقة حي ديكمن الراقي الذي تسكنه نخبة مجتمع أنقرة. وهذه المنطقة مراقبة على مدار الساعة بعدد هائل من الكاميرات، ولا يمكن لجهة أن تخفي منفذها لأن الكاميرات ستلتقط له عشرات الصور… بمعنى آخر فالمخططون لهذه العملية أرادوا أن يُعرفوا، وبمعرفتهم يقدمون رسالة صريحة واضحة لا تقبل الشك أو اللبس بأنهم الفاعلون دون تبنيها لأن تبنيها يرتب عليهم خسائر كبرى.

أما التوقيت فقد جاء في خضم الجدل بين الولايات المتحدة وتركيا حول حزب “الاتحاد الديموقراطي” الذي تُفرقُ الولايات المتحدة بينه وبين حزب “العمال الكردستاني”، ولا تقبل تركيا بهذا التفريق.

تفجير أنقرة جاء بعد أسبوع واحد فقط من الهجوم المسلح بالأسلحة الرشاشة والزجاجات الحارقة على جريدتي يني شفق ويني عقد المواليتين للحكومة التركية. وقد اتهمت الحكومة حزب “العمال الكردستاني” بتينك العمليتين، ولكنها أعلنت بأن أحد المنفذين مقاتل في صفوف حزب “الاتحاد الديموقراطي”، وتلقى تدريبه في مدينة القامشلي السورية.

وكما هو متوقع، بعد مرور أقل من نصف يوم، أعلن رئيس الحكومة التركية أحمد داوود أوغلو، عن اعتقال بعض المشتبه بهم، وتحديد هوية الانتحاري الذي نفذ العملية وهو المواطن السوري صالح نجار من مواليد عامودا التابعة لمحافظة الحسكة، وأنه عضو في حزب “الاتحاد الديموقراطي” وهو مسجل بصفة لاجئ سوري في تركيا. المتوقع بأن تكون العملية من تنفيذ “العمال” أو “الإتحاد” لأن الأهداف التي تضربها “داعش” مدنية تماماً، ولم يسبق لها أن ضربت أهدافاً عسكرية.

بعد عملية أنقرة مباشرة وجهت أوساط حزب “العمال الكردستاني” الاتهام إلى الحكومة التركية بتنفيذ العملية. ولكن حزب “الشعوب الديمقراطي” الذي يُعتبر الجناح السياسي لحزب “العمال الكردستاني” أدان العملية بشكل رسمي، وفي الوقت ذاته وجه الاتهام “لداعش”، وأكد على أن “داعش” والحكومة التركية واحد، وهذا ما ينسجم مع السياسية التقليدية لهذا الحزب وحزب “العمال الكردستاني” فكل العمليات ضد المواقع العسكرية التركية يصنفها تحت اسم “استفزاز” و”تحريض” تقوم بها المخابرات التركية لتشويه صورة “العمال الكردستاني” أمام الرأي العام العالمي.

في عمليتي “يني شفق” و”يني عقد” لم يوجه الحزب الكردي الاتهام للحكومة بشكل مباشر، ولكنه توقف عند ردود فعل الحكومة التي يصفها بأنها غير عادلة، بالمقارنة بين هذين الاعتدائين واعتداء سابق على جريدة “حرييت” الذي قام به أنصار حزب “العدالة والتنمية” وكان بينهم نائب عن هذا الحزب، وألقوا الحجارة والزجاجات الفارغة على مبنى الجريدة يومئذ بسبب نشر تصريح محرّف لرئيس الجمهورية التركية رجب طيب أردوغان، ما اضطر إمبراطور الإعلام التركي آيضن ضوغان، للاعتذار عن التحريف الذي جرى على التصريح.

وتخوض الحكومة التركية حرباً ديبلوماسية من أجل إدراج حزب “الاتحاد الديموقراطي” في قوائم الإرهاب الأوروبية والأميركية. ويبدو أن الأمر سيكون صعباً عليها إن لم يكن مستحيلاً في هذه الظروف.

عملية أنقرة ضربة في القلب الأمني لتركيا وليس السياسي فقط. ولعلها أكثر العمليات الإرهابية إيلاماً لأن المستهدفين مدنيون وعسكريون يعملون في أهم المراكز الأمنية التركية وفي قلب أنقرة السياسي والأمني. وهذا يعني أن هناك خرقاً أمنياً كبيراً يهز مكانة تركيا التي تحاول رسمها للعالم.

ربط الحكومة التركية العمليات الإرهابية الأخيرة بالحزبين الكرديين “العمال الكردستاني” و”الاتحاد الديموقراطي”، والتركيز الإعلامي على هذين الحزبين يمكن أن يندرج تحت “إعداد الرأي العام التركي لصراع قادم”، فهناك مسرح عمليات يتم الإعداد له، وقوات سعودية دخلت بالفعل في عملية التمهيد إلى مسرح العمليات. ولكن إعداد مسارح العمليات لا تؤدي دائماً إلى الحرب، إذ يمكن التراجع عنها في أقرب فرصة ممكنة، فهذا ما ستحدده الظروف السياسية والمواقف العالمية. وفي المقابل فإن استخدام مواطن سوري تثار الشبهات حول انتمائه لحزب “الاتحاد الديموقراطي” في عملية خرق أمني على هذا المستوى يقدم رسالة للحكومة التركية تقول: “قليل من القصف على مواقعنا كانت هذه ردة فعلنا”، ما يجعل الحكومة تعد حتى الألف قبل أن تقدم على أية عملية من هذا النوع. الرسائل وصلت، ولكن هل تحقق الرسائل الهدف؟ هذا ما سنراه في الأيام القليلة القادمة…

المدن

 

 

 

 

نكبة حلب/ أمجد ناصر

على ارتفاع ستين متراً، يرى المرء منظراً مذهلاً لامتداد الأحياء السكنية، والمرافق العمومية، والأسواق الكبيرة التي تتكون منها المدينة، حتى إن بساتينها تبدو هزيلة، وهامشية جداً، على متن الجسد المعمور المترامي على مدّ النظر: آلاف الهكتارات من الأبنية والمساكن المشيّد معظمها بالحجر الأبيض الكابي.

هذه فقرة مقتبسة، بتصرفٍ، من كتاب “حلب” للمستعرب الفرنسي جان سوفاجيه الذي عاش في المدينة في ثلاثينيات القرن الماضية، وأحبَّها، كما يظهر ذلك في كتابه، أكثر من أيِّ مكان آخر. أما المكان إذا وقف المرء فيه، رأى هذا المنظر البانورامي المديني الذي أذهل رجلاً فرنسياً قادماً من مدن أوروبا الإمبراطورية، فهو قلعة حلب.

لم يختف هذا المنظر المثير الذي تحدث عنه سوفاجيه. إنه لا يزال يُرى من ذلك العلو الشاهق، المتنائي، مثلما كان، بل أكثر امتداداً مما كان. لكن متغيرات جديدة طرأت عليه، يمكن إجمالها بالتالي: الدخان المتصاعد من قلب المدينة وأطرافها. الطائرات التي لا تتوقف عن حرث السماء. أصوات القذائف والصواريخ التي تُسمع بقوة. ثم، ربما تمكن مشاهدة نهر الرحيل البشري البطيء، المثقل بالأجساد المنهكة، الخائفة، في اتجاه الحدود التركية.

هذه المدينة الأقدم في التاريخ، المأهولة منذ ست ألفيات، بلا انقطاع، بأنفاس البشر وأصواتهم، بعزيمتهم التي تقهر حيناً، لكنها لا تقهر طويلاً، صارت النقطة الأكثر التهاباً على وجه الأرض. قوى عظمى وإقليمية ومحلية، ذات منابت وأيديولوجيات وخرافات وألسنٍ شتى، تتصارع للسيطرة عليها، من دون إقامة أدنى اعتبار لهذا العمر الموغل في القدم، الذي ترك شواهد لا تحصى على أطواره، والأهم بلا أدنى اعتبار لأرواح الناس.

إنني أواجه عجز اللغة في التعبير عن الواقع، عندما أتحدث عما يجري في سورية. لغتي قاصرة. قدرتي على وصف الواقع، أول أشكال الأدب والكتابة، محدودة. لا شيء مما كتبت وقرأت يرقى إلى مرتبة لحظةٍ واحدةٍ من واقع السوريين في بلادهم المنكوبة، أو الشتات العظيم الذي قُذفوا إليه بلا رحمة.

من ذا الذي يمكنه التعبير عن هذا التشريد في العراء الزمهرير لعشرات آلاف العائلات التي راحت تشقُّ طريقها القاتم، كنهر خارون، إلى ملجأ آمن من الطائرات والقصف؟ أين هي اللغة والقدرة على الوصف، والعاطفة التي تستطيع أن تنقل لنا معاناة هذه الجموع التي تترك بيوتها وكرامتها الإنسانية وتواريخ عائلاتها، وتمضي إلى لجوءٍ كان بالنسبة لها، قبل بضع سنين فقط، غير متصوَّر ألبتة، بل يشبه العار؟ مع المأساة السورية نختبر، ككتاب وشعراء، عجز اللغة نفسها، قصورَها، محدوديتها، وليس فقط ضيق معجمنا، في التعبير عما يجري، كما تجعلنا مأساة السوريين نختبر شلل العالم عن التحرك، لوقف مجزرة تحدث أمامه على الهواء مباشرة، ونختبر تبلّد الضمائر، وهي تشيح بوجهها عما يجري، أو تقول: بيستاهلوا! لقد سمعت هذه الكلمة تعليقاً على غرق مواكب الفارّين من جحيم بلادهم في مقبرة المتوسط! كيف يمكن لأي موقف سياسي، أو ديني، أو مذهبي، أن يكون أعمى، بلا قلب، عندما يتعلق الأمر بضحايا الطرف الذي يناهضه؟ ما يثير رعبي الحقيقي، وخرسي التام، وشعوري بالقرف من جبلتنا البشرية، هؤلاء الذين يعوون مثل الذئاب المسعورة، في التلفزات، دفاعاً عن العروبة أو الدين والمذهب أو المقاومة، ناسين أن هذه لا أهمية لها من دون بشر. بل لا وجود لها من دون بشر. وأن في البدء كان الإنسان. عارياً كما خلقته أمه. حائراً لا يعرف أن يولّي وجهه، ولا كيف يسمي نفسه.

حلب في نكبة. قد تكون، في الحجم والاتساع والجراح أكبر من نكبة فلسطين. العالم يرى اليوم ما لم يكن متاحاً في النكبة الفلسطينية، فها هي التصفية البشرية، منقولة مباشرة إلى شاشاته المنزلية. يقول التاريخ إن تيمور لنك، زعيم التتار المخيف، تمكن من احتلال حلب، وبطش فيها، ثم رحل عنها بعد ثمانين يوماً، قضاها في نهب خيراتها وتخريب مبانيها والفتك بأهلها.

تيمور لنك الجديد لن يغادر، هذه المرة، بعد ثمانين يوماً بالتأكيد.. لكنه سيغادر. وستكتب حلب هذا في سجلاتها الألفية.

العربي الجديد

 

 

 

تركيا في عين العاصفة/ أسامة أبو ارشيد

تجد تركيا نفسها اليوم في عين عاصفةٍ عاتية في الإقليم، بقليل من الحلفاء، وكثير من الخصوم والأعداء، بل إن بعض “حلفائها” هم في الواقع عبء وقيد على حركتها ومقاربتها لمصالحها القومية، خصوصا في ما يتعلق بالملف الكردي.

صحيح أن تركيا عضو في حلف شمال الأطلسي (الناتو)، غير أنها لا تجد دعماً كبيراً من هذا الحلف، ولا حتى تطمينات كافية من طرفه في سياق تدهور علاقاتها مع روسيا، منذ أسقطت مقاتلتان حربيتان تركيتان مقاتلة روسية في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، قالت أنقرة إنها اخترقت أجواءها. أيضا، لقيت كل مطالب تركيا بإنشاء منطقة آمنة شمال سورية، يحظر فيها الطيران، لاستيعاب اللاجئين السوريين، صدّاً من الولايات المتحدة، وهو ما أنتج فراغاً عبأته روسيا لاحقا، فارضة معادلة عسكرية جديدة على الأرض السورية، لصالح نظام بشار الأسد. وها هي تركيا، ومن ورائها أوروبا، تتهيأ اليوم لمواجهة تدفق بشري سوري هائل جديد، محتمل، عبر حدودها هرباً من الغارات الجوية الروسية الوحشية، ومن جرائم النظام والمليشيات المتعاونة معه على الأرض.

ولا يقف الخذلان الأميركي “الحليف” التركي عند ذلك الحد، بل لم تتردد الولايات المتحدة في المسِّ بالعصب الأكثر حساسية لدى الأتراك، وذلك عبر دعمها قوات “الحزب الديمقراطي الكردي” في سورية، والذي ترى تركيا أنه الجناح السوري لحزب العمال الكردستاني التركي، الذي يخوض صراعا دمويا معها منذ عقود. وكانت ثالثة الأثافي لدى الأتراك، أن تجتمع الولايات المتحدة مع روسيا ونظام الأسد في دعم القوات التابعة للحزب الديمقراطي الكردي، وها هي تلك القوات تحقق انتصارات عسكرية في شمال سورية، وتحديداً في ريف حلب، على حساب المعارضة السورية، التي هي في الأصل حليف أميركي كذلك، وهو ما يهدّد بإنشاء كيان كردي على الحدود الجنوبية التركية. ومرة أخرى، تجد إدانات تركيا وتحذيراتها صدوداً، بل وامتعاضاً أميركيا، خصوصاً مع إعلان تركيا أنها لن تسمح لأكراد سورية بالسيطرة على بلدة أعزاز في ريف حلب، وقصفها تلك القوات على مشارف البلدة، وهو الأمر الذي قابلته الولايات المتحدة بمطالب لتركيا بإيقاف القصف، مترافقة مع دعواتٍ خجولةٍ للقوات الكردية بعدم التوسع أكثر في الشمال السوري. كل ما يعني الأميركيين، اليوم، هو محاربة تنظيم داعش، وحسب هذه المقاربة، فإن الأكراد السوريين هم حلفاء في ذلك، حتى وإن كانوا حلفاء كذلك للروس ونظام الأسد، ويشكلون تهديداً “للحليف” التركي.

معضلات تركيا مع “الحلفاء”، وفشل مساعيها إلى اليوم بالانضمام إلى الاتحاد الأوروبي،

“تدفع تركيا ثمناً جرّاء تبنيها مواقف متوافقة مع ضمير الأمة العربية والإسلامية” تترافق مع أزمات إقليمية أخرى. فعلاقاتها مع كثير من دول الجوار إما متوترة أو متدهورة. فالعلاقات مع نظام الأسد، “صديق” الأمس، وصلت إلى مرحلة اللاعودة. على مدى سنوات خمس، بنت تركيا حساباتها في سورية على انهيار نظام الأسد، بعد أن فشلت محاولاتها الأولية، مع انطلاق الثورة السورية عام 2011، في إعادة تأهيله، غير أن التدخل الإيراني والروسي لمصلحته ساعداه على البقاء إلى اليوم. أيضا، فإن العلاقات مع اليونان لا زالت متوترة، وكذلك مع أرمينيا، وينطبق الأمر نفسه على العلاقة مع إسرائيل التي تحاول محاصرة تركيا في البحر الأبيض المتوسط بالتعاون مع المحورين اليوناني والمصري. ولا تشذ العلاقات التركية-الإيرانية عن سياق التوترات الإقليمية لتركيا اليوم، تحديداً بسبب الصراع في سورية، وينطبق الأمر نفسه على كثير من العلاقات التركية-العربية، كما مع مصر والعراق والإمارات العربية المتحدة.. إلخ. بمعنى آخر، فإن “سياسة تصفير المشاكل” مع دول الجوار التي أطلقها قبل سنوات رئيس الوزراء التركي، أحمد داود أوغلو، عندما كان وزيراً للخارجية، انتهت إلى تَصْنيعٍ للخصوم والأعداء في الإقليم.

ولكن معضلات تركيا لا تقف عند ذلك الحد. فتركيا التي قبلت بالدخول في التحالف الغربي ضد تنظيم داعش، تجد نفسها اليوم في دائرة استهدافه، وهو مسؤول عن عدد من التفجيرات فيها، بشكل أضر بالسياحة وفرص الاستثمار فيها. وعلى الرغم من الثمن الكبير الذي دفعته تركيا للدخول في الحرب على التنظيم، إلا أنها لا زالت تجد نفسها متهمة من دول غربية كثيرة، كما من روسيا ونظام الأسد، بأنها لا تقوم بما فيه الكفاية للسيطرة على حدودها مع سورية، وهو ما يمكّن التنظيم من تهريب المقاتلين والسلاح والنفط، كما يقولون. أبعد من ذلك، فإن دخول تركيا في الحلف الذي تقوده الولايات المتحدة ضد “داعش” في سورية، لم يشفع لها لدى إدارة الرئيس، باراك أوباما، في مراعاة حساسياتها نحو الملفين، الكردي والسوري. وها هي تركيا اليوم تدفع ثمنا اقتصاديا باهظا جرّاء توتر العلاقة مع روسيا، من دون أن يكون هناك دعم أميركي-أوروبي معتبر، يمكن الركون إليه. يترافق كل ما سبق مع احتقان سياسي داخلي. فعلى الرغم من فوز حزب العدالة والتنمية الحاكم بأغلبية برلمانية مريحة في انتخابات الإعادة في نوفمبر/تشرين الثاني 2015، مكّنته من تشكيل حكومة منفرداً، من دون الاضطرار إلى الدخول في تحالفات برلمانية، غير أنه لا يزال غير قادر على إجراء تعديل دستوري، من دون تحالفات، يجعل من تركيا نظاماً رئاسياً، كما يطمح الرئيس، رجب طيب أردوغان.

باختصار، تدفع تركيا ثمناً لتوليفة غريبة من الأسباب. فهي، من ناحية، تدفع ثمناً للهوية الفكرية الإسلامية “الخلفية” لبعض زعمائها الحاكمين اليوم. ومن ناحية أخرى، فإنها تدفع ثمناً جرّاء تبنيها جملة من المواقف المتوافقة مع ضمير الأمة العربية والإسلامية، كما في سورية وفلسطين ومصر وميانمار. ومن ناحية ثالثة، فإنها تدفع ثمناً لحقيقة أنها دولة “مسلمة”، حتى وإن كانت “علمانية”، وهذا هو السبب الأساسي لتعثر ملف عضويتها أوروبيا. أما أهم مسببات أزماتها اليوم، فهو ذاتي. فتركيا تجد نفسها في الوضع نفسه الذي تجد فيه المملكة العربية السعودية نفسها، حيث أن رهنهما، عقوداً، سقف استقلالية قراراتهما الأمنية والدفاعية والاستراتيجية للعلاقة مع الولايات المتحدة، شَكَّلَ قيداً عليهما، عندما افترقت الحسابات، كما في سورية واليمن، أم حتى في العلاقة مع إيران، ولربما هذا هو دافع التقارب بين البلدين، في الآونة الأخيرة. ولكن، بخطوات بطيئة وغير كافية، كما في الحديث المتردد عن تدخل بري في سورية لمحاربة “داعش”، وتعزيز المعارضة المتقهقرة أمام نظام الأسد اليوم، بفضل الدعم الروسي. فعلى الرغم من الحديث المضطرد عن تحالف تركي-سعودي في سورية أكثر فعالية، غير أن الطرفين يدركان أنه من دون غطاء أميركي ضد السيطرة الجوية الروسية في سورية، فإن فرص تدخلهما ونطاقه سيكون محدودا. تأخرت تركيا، واستتباعاً، السعودية، كثيراً في سورية، ولذلك هما في عين العاصفة اليوم، لكن تركيا في وضع أكثر حراجة في هذه المرحلة، على الأقل آنيّاً.

العربي الجديد

 

 

 

الكيلومترات القاتلة/ امين قمورية

كيلومترات قليلة تفصل بين وحدات حماية الشعب الكردية وبلدة اعزاز التي اعتبرتها أنقرة خطاً احمر لا يجوز اختراقه، وكيلومترات قليلة تفصل بين الجيش السوري وبوابة السلامة آخر معابر المعارضين الى تركيا، وكيلومترات قليلة لا تزال تحول دون تطويق التحالف الروسي الايراني السوري مدينة حلب الاستراتيجية التي اذا ما سقطت تبدلت خريطة التوازنات السياسية والميدانية القائمة في مجمل الصراع في سوريا وعليها.

بضعة كيلومترات من الاراضي كافية لتغيير الأمزجة والحسابات والمعادلات، ليس فقط في سوريا، انما في كل العواصم المتورطة في المستنقع السوري، وما أكثرها. الغضب التركي لا يوازيه غضب. لا أحد يمكنه ان يؤرق السلطان مثل الاكراد، فكيف اذا ما تمكن هؤلاء من مد سيطرتهم المسلحة على طول حدوده الجنوبية ليلتحموا مع اكراد تركيا ويشكلوا مثالاً تحررياً لهم؟ يمكن أردوغان أن يتفهم دعم خصمه الروسي لهؤلاء، لكنه لن يستوعب قط تخلي حليفته واشنطن عنه لمصلحة من يعتبرهم ارهابيين اكثر من تنظيم “داعش”.

الغضب السعودي لا يقل عن مثيله التركي. الإطباق الثلاثي على حلب يعني تكريس بقاء الاسد على كرسيه في قصر المهاجرين شوطاً اضافياً، ويعني ان الدفع السعودي نحو هد النظام لن يجدي نفعاً. ضم المدينة الشمالية الى لائحة المدن الخاضعة للنظام يجعل الروسي ضيفاً دائماً على ضفاف المتوسط فحسب، بل يثبّت أيضاً الايراني حكماً ببطاقة حمراء في الملعب السوري بدل طرده من هناك كما يتمنى حكام الرياض.

تركيا تلوّح بالويل والثبور للاكراد ومن خلفهم النظام، والمملكة باتت تتحدث علناً عن تدخل بري، عنوانه الحرب على “داعش”، ومضمونه منع سقوط حلب والحد من سبحة الانهيارات الميدانية لاصدقائها المعارضين.

في حسابات الغضب السعودي والتركي، بين الخسارة الصافية لسوريا وإمكان نقل المعركة الى اراضيهما لاحقا، يبقى التدخل البرّي أقل ثمناً. لكن المعضلتين السعودية والتركية ليستا في تهديدات وليد المعلم، انما في الموقف الاميركي!

واشنطن مع من في الملعب السوري؟ هل هي مع الاكراد أم مع تركيا؟ هل هي مع السعودية أم مع ايران؟ هل هي مع بقاء الاسد أم مع رحيله؟ هل ثمة اتفاق بين لافروف وكيري كما توحي اجتماعات فيينا وجنيف أم ان حرباً باردة جديدة تدور بينهما كما صرح ميدفيديف؟ هل يتدخل حلف شمال الاطلسي الذي تقوده الى جانب شريكه التركي اذا ما انزلق الى مواجهة مع الروسي أم يقف على الحياد متفرجاً على تورّط قوتين كبيرتين لاضعافهما معاً؟ هل أفلتت الامور من يدها وتركت للقوى الاقليمية تدبير حصصها بنفسها؟ الكيلومترات القليلة القاتلة في شمال سوريا لن تحدد مسار الصراع في البلاد فحسب، بل ربما كانت البوصلة الى أي منقلب سينقلب الشرق الاوسط.

النهار

 

 

 

أكراد سوريا وتركيا.. مواجهة في الكيلومترات القاتلة/ فادي الداهوك

خطّان أحمران رسمتهما تركيا لحزب “الاتحاد الديموقراطي” الكردي في سوريا، وأبلغت واشنطن رسمياً عنهما: لا يشترك أكراد “الاتحاد الديموقراطي” في محادثات جنيف. لا يعبر مقاتلوه ضفة الفرات الغربية. فعلياً، تأجّلت مسألة اشتراك الحزب في الجولة الأولى من “جنيف-3″، لكن مقاتليه وصلوا إلى اعزاز، ما معناه أنهم اجتازوا الضفة الغربية لنهر الفرات بأكثر من 100 كيلومتر.

مع انطلاق معركة “قوات سوريا الديموقراطية” للسيطرة على سد تشرين وطرد تنظيم “الدولة الإسلامية” منه، وهو ما تحقق أواخر ديسمبر/كانون الأول العام الماضي، ارتفعت لهجة التحذير التركية للأكراد. الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أعلن أن بلاده ستقوم بضرب القوات الكردية إذا تقدمت نحو مناطق مثل اعزاز. وقال كلاماً كان بمثابة بلاغٍ لواشنطن، أكد فيه على ضرورة أن يتفهّم الجميع “الموقف التركي بخصوص منع تسلل تنظيم حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي إلى الضفة الغربية لنهر الفرات”.

تتهم المعارضة السورية حزب “الاتحاد الديموقراطي” بالتحالف مع نظام الرئيس السوري بشار الأسد لكونه الفرع السوري من حزب “العمال الكردستاني” في تركيا، إذ كان الحزب الذي يتزعمه عبدالله أوجلان على علاقة مع النظام السوري، حيث قدم له الأخير معسكرات تدريبية في سوريا ولبنان، إبان الهيمنة السورية على لبنان. بيد أنه في الوقت الحالي، لا وجود لدلائل دامغة تؤكد عمالة “الاتحاد الديموقراطي” لنظام الأسد.

مع ذلك، لا بد من الاعتراف بوجود تفاهمات بين الطرفين. في العام 2012، توصّل حزب “الاتحاد الديموقراطي” برئاسة صالح مسلم، إلى اتفاقية مع الحكومة السورية، تقضي بإخلاء قوات النظام مواقعها في كوباني (شمال)، وعفرين (شمال غرب)، والحسكة/أو الجزيرة (شمال شرق)، وتلك الكانتونات الثلاثة أعلن فيها الحزب لاحقاً الإدارة الذاتية، وضم إليها حديثاً مدينة تل أبيض وغالبية سكانها من العرب، لتصبح المساحة الأكبر من الحدود السورية-التركية تحت سيطرة “وحدات حماية الشعب” الذراع العسكرية للحزب. كانت تلك التفاهمات من المرات النادرة في سوريا، التي تجنب فيها طرفان، خصمان، سيناريو مواجهة عنيفة، لكن ذلك لم يمنع من حدوث صدامات بين جهاز الأمن الداخلي للحزب “الاسايش”، وجماعات تابعة للنظام.

مؤيدو الحزب الكردي برروا لـ”الاتحاد الديموقراطي” بأنه توصل الى هذه التفاهمات مع نظام الأسد لحماية مناطقه من طموحات توسعية لـ”السلفيين”- الاتهام الرسمي السوري الذي كان يوجه إلى المقاتلين المعارضين للأسد في تلك الفترة- حيث كانت الحرب على وشك الاندلاع بين فصائل تابعة للمعارضة و”وحدات حماية الشعب” في بعض المناطق الكردية في محافظة الحسكة. لم تتأخر المعركة، وكانت المواجهة الأشهر بين الأكراد والمعارضة، في ذلك الوقت، في بلدة رأس العين (سري كانيه بالكردية) في نوفمبر/تشرين الثاني 2012، وتعتبر تلك المعركة أول انهيار عنيف في العلاقة بين أكراد سوريا وعربها من جهة، وأكراد سوريا وتركيا من جهة ثانية، إذ تدخلت تركيا لمساندة قوات المعارضة من خلال قصف القوات الكردية بالمدفعية، وانتهت الأمور بهدنة أبرمت بين الطرفين.

في ما تلا تلك الفترة، برز حزب “الاتحاد الديموقراطي” كثقب كبير ابتلع الأكراد في سوريا، مستغلاً ازدياد مخاوفهم من معارضي الأسد الذين تدعمهم أنقرة، الغريم التاريخي لأقرانهم في تركيا. وما زاد من تفرّده بقرار الأكراد غياب أصوات مناهضة للنزعة الانفصالية لدى الحزب، خصوصاً مع اغتيال القيادي الكردي مشعل التمو بعملية نفذها مجهولون أواخر العام 2011 في الحسكة. والقيادي الذي أسس تيار “المستقبل الكردي” كان أحد أبرز المنظرين لاندماج الأكراد مع العرب في سوريا كمستقبل واعد، ومسالم للطرفين، بعد الاضطهاد الذي عانى منه الأكراد خلال عهد الأسد الأب.

وجود حزب “الاتحاد الديموقراطي” كسلطة أمر واقع في المناطق الكردية فتح أمامه فرصاً كبيرة لإقامة تحالفات كبرى، إحداها العلاقة مع روسيا التي ضغطت لحضوره في محادثات جنيف هذا الشهر، ما أثار اعتراضاً تركياً. ولا بد من التذكير أن مشكلة تمثيل الأكراد في محادثات السلام السورية مستمرة منذ مؤتمر “جنيف-2” الذي انعقد في العام 2014، إذ كان الأكراد منقسمين بين حزب “الاتحاد الديموقراطي، والحزب “الديموقراطي الكردستاني” برئاسة مسعود برزاني، الذي انكفأ عن هذا الملف بعد فشل مسعاه بتشكيل وفد كردي موحد خلال “جنيف-2”.

والآن، قبيل استئناف محادثات “جنيف-3″، يبدو الأكراد في مأزق ذي شقين؛ الأول سياسي يتعلق بمسألة اشتراكهم في محادثات السلام، والثاني عسكري يهدد باندلاع حرب كبيرة قد تؤدي مساعي إحباطها، ومنع انهيار “جنيف-3″، واتفاق ميونخ، إلى الضغط للتضحية بالتحالف المدعوم أميركياً “قوات سوريا الديموقراطية” الذي يشكّل الحزب الكردي فيه حجر أساس. فسلوك التحالف المريب بالنسبة إلى تركيا، تجاه تشكيل وحدة جغرافية من كانتون الجزيرة إلى عفرين، الواقعة شمال غربي سوريا في حلب، حوّل هدوء تركيا أثناء قتال “سوريا الديموقراطية” لتنظيم “الدولة الإسلامية” إلى غضب كبير، تسبب بقصف مقاتلي هذا التحالف عندما تقدموا إلى منغ ومطارها العسكري، وقريتي المالكية في اعزاز ومزرعة في عفرين.

إلى حد كبير، وجد الأكراد المنضوين ضمن صفوف “قوات سوريا الديموقراطية” أرضية ثابتة لتوسيع نفوذهم، نتيجة الغارات الروسية على مناطق المعارضة في ريف حلب الشمالي. إلا أن التقديرات الحالمة في مسألة التوسّع حوّلتهم إلى مجموعة من المشّائين في نزهة وسط غابة، يصارع الجميع فيها للبقاء على قيد الحياة. كما أنهم أصبحوا يشكّلون عاملاً ضاغطاً على العلاقة بين واشنطن وأنقرة، الحائرة في تصنيف الرئيس الأميركي باراك أوباما كصديق لها، أو مجرد إسم في قائمة المعارف.

ما يتجاهله “الاتحاد الديموقراطي” هو أن نطاق المعركة في الشمال السوري خرج عن كونها معركة بين المعارضة والنظام؛ هي اليوم أكثر من أي وقت مضى معركة بين روسيا وتركيا، ولن يكون بمقدور أنقرة تحمّل أي إزعاجات جانبية خلالها. فكيف إذا كانت تلك الإزعاجات كردية، وهدفها فرض “الاتحاد الديموقراطي” كمالك جديد للأرض في جيوب حساسة على حدودها؟

قد تكون الكيلومترات التي يسعى إليها أكراد “الاتحاد الديموقراطي” في الشمال، مساحات مأهولة صغيرة ضمن الأرض الكبيرة المشتعلة بالمعارك، لكنّها الكيلومترات القاتلة للأكراد السوريين. وفي ذلك تأسيس لعلاقة مهشّمة مع العرب، لن تزول بمجرد حدوث تغيير سياسي في البلاد، وهذا يدفع بشدّة لإعادة بث الأوكسجين داخل الكتلة الكردية المعارضة للانفصال، ودعم أساسات صعودها مجدداً في وجه حزب “الاتحاد الديموقراطي”.

المدن

 

 

أكراد وخرائط/ غسان شربل

بدأ الفصل الجديد من حياة الأكراد في الشرق الأوسط بـ «زيارة سرية» وقرار باغتنام «الفرصة التاريخية». كانت الزيارة من قماشة ما يُعرف في عالم الأجهزة الأمنية بـ «زيارة سرية». لا خبر ولا صورة ولا دليل ولا أثر. لا تأشيرة دخول ولا تأشيرة خروج. لا اسم في مقر الإقامة. ولا قدرة للإعلام على رصد ما يجري.

كان ذلك في ربيع 2002. في إطار من السرية الكاملة دعت وكالة الاستخبارات الأميركية زعيمي الأكراد في العراق جلال طالباني ومسعود بارزاني إلى زيارة حساسة لإبلاغهما «أمراً شديد الأهمية» وشددت على إحاطة الرحلة بستار كامل من الكتمان. تمنت أيضاً ألا يصطحبا غير نفر قليل من المساعدين الموثوقين.

في مطار فرانكفورت انتظرت طائرة طالباني وبارزاني وثلاثة من معاونيهما. انتهت الرحلة في «المزرعة» أي المعسكر السري لـ «سي آي أيه» في لانغلي مقر الوكالة قرب واشنطن.

لم يكن اللقاء بروتوكولياً ولم تُحدد أي مواعيد مع كبار المسؤولين لمنع الإعلام من التقاط ما يُخطط. اقتصر الحضور من الجانب الأميركي على مسؤولين فاعلين من البيت الأبيض والخارجية والدفاع والاستخبارات. كانت الرسالة الأميركية واضحة. الأمر لا يتعلق هذه المرة بمناورة أو تهديد. الحرب آتية وستقتلع نظام صدام حسين.

لم تكن القصة بسيطة على الإطلاق. طالباني تربطه علاقات قوية بإيران التي تعتبر أميركا «الشيطان الأكبر». وبارزاني دائم الشكوك بالوعود الأميركية ولم ينس «الدور القذر» الذي لعبه هنري كيسنجر في اتفاق الجزائر بين الشاه وصدام حسين والذي تحول نكبة للثورة الكردية في السبعينات.

وعلى رغم المخاوف والشكوك وما يكتنف علاقتهما من مرارات ومنافسات اعتبر الزعيمان أن على الأكراد عدم إضاعة «فرصة تاريخية». اتفقا على رهن أي تعاون مع الأطراف الأخرى في المعارضة بموافقتها على قيام عراق فيديرالي، وهكذا ولد إقليم كردستان العراق في دستور عراق ما بعد صدام. كانت الزيارة السرية الشرارة التي أيقظت رغبة الأكراد في ترجمة حلم قديم.

قبل عشرة أعوام ذهبت لإجراء حوار مع رئيس الإقليم. لفتني وجود علمين يرفرفان فوق المبنى: علم العراق وعلم الإقليم. رأيت بارزاني مرتاحاً فقد حقق ما تعذر على والده الملا مصطفى تحقيقه. شعرت أن فصلاً جديداً في قصة الأكراد قد بدأ. وأن الكردي في تركيا وسورية وإيران سيقول لماذا لا يحق لي أيضاً أن أقيم تحت علمين.

لدى اندلاع الحريق السوري شعر أكراد سورية أن الفرصة التاريخية قد جاءت. إصرار «داعش» على استهدافهم وفر لهم تعاطفاً دولياً غير مسبوق. معركة كوباني (عين العرب) أعطت شرعية لوجودهم العسكري وتطلعاتهم. التعاطف الأميركي معهم ليس سراً. وموسكو وافقت على افتتاح ممثلية لهم. كلامهم اليوم صار واضحاً وقاطعاً. «لا عودة إلى سورية القديمة. سورية الجديدة يجب أن تكون الجمهورية السورية فقط أي ديموقراطية واتحادية ولا هيمنة فيها لأي مكون».

شهدت الشهور الماضية يقظة الحلم لدى أكراد تركيا. مدن وبلدات تصر على الإدارة الذاتية وتقاوم محاولات الجيش إخضاعها. لماذا لا يحق للكردي التركي ما يحق للكردي السوري؟ ومن يدري فقد نسمع السؤال نفسه لاحقاً من أكراد إيران.

لم يسبق لرجب طيب أردوغان أن شعر بالقلق الذي يساوره اليوم. يشعر بالندم لأن حزبه رفض السماح للقوات الأميركية باستخدام الأراضي التركية لإسقاط صدام. هذا الموقف أتاح لأكراد العراق انتهاز الفرصة. لم يعد الأمر الآن يتعلق فقط بمستقبل سورية والتوازنات فيها وحولها بل صار يتناول مستقبل تركيا نفسها. كل الخيارات صعبة وخطرة. يقلبها بين يديه كمن يلعب بالقنابل. لم يحرك العالم ساكناً حيال تدخل إيران الميداني في سورية. العالم نفسه يطالب تركيا بالامتناع عن أي تدخل. لا باراك أوباما يريد. ولا حلف شمال الأطلسي يرغب. ولا قرار مجلس الأمن يتيح. وقاذفات فلاديمير بوتين تكسر ظهر المعارضة وتتحين الفرصة لإذلال تركيا. عدم التدخل قد يسهل انتقال النار إلى الدار. التدخل بلا مظلة يعني المجازفة بإقامة طويلة في الحريق الكبير.

يتابع أردوغان التطورات ويرجع متوتراً. كأن القرن الحالي يعتذر من الأكراد عما ارتكبه بحقهم القرن الماضي. قبل مئة عام رسمت الخرائط في غياب الأكراد وعلى حسابهم. توزعوا أقليات مقهورة في أربع خرائط. وتنافست حكومات أربعة بلدان في محاولات طمس هويتهم ومصادرة حقوقهم. الآن على الخرائط أن تأخذ تطلعات الأكراد في الاعتبار إذا أرادت الاستقرار وتفادي النزاعات التي لا تنتهي.

إنه المخاض الدموي الطويل. القصف التركي لمواقع كردية داخل الأراضي السورية يكشف حجم المخاوف التي تراود أنقرة. يشعر السلطان أن القيصر يحاول التلاعب بوحدة تركيا نفسها على رغم إقامتها تحت قبعة الأطلسي. إذا اختار السلطان قلب الطاولة سنشهد أهوالاً جديدة في حياة الشرق الأوسط الرهيب.

الحياة

 

 

تركيا والأكراد على مسار الصدام/ رونين اسحق

«تركيا ستكون صبورة حتى نقطة معينة، وبعدها تفعل ما يلزم»، هكذا هدد الرئيس التركي اردوغان الاسبوع الماضي، بعد أن احتلت قوات النظام السوري، بمساعدة سلاح الجو الروسي، اراض في منطقة محافظة حلب ونجحت في تطويق مدينة حلب كمرحلة اولى قبل احتلالها من ايدي الثوار.

تهدد الانعطافة في المعركة السورية تركا وتغيظ جدا اردوغان، الذي يخشى من أن يستغل الاكراد انهيار قوات المعارضة السورية لتثبيت سيطرتهم في المنطقة. وبالفعل، منذ نشوب الحرب في سوريا في ربيع 2011، نجحت الميليشيا الكردية السورية «وحدات حماية الشعب» (YPG) بالسيطرة على مناطق واسعة في شمال سوريا والاعلان من طرف واحد عن حكم ذاتي كردي على الاقليم الذي تحت سيطرتها في منطقة الحدود السورية ـ التركية. ومنذئذ، صعد النزاع بين الاكراد ومحافل المعارضة الاخرى من تعاونهم مع الاسد، الذي رأى فيهم قوة ميليشيا ناجعة للقضاء على قوات الدولة الإسلامية.

حتى لو نفى الاكراد في الماضي نيتهم لاقامة دولة كردية في شمال سوريا، فان حكمهم العملي واقامة منطقة الحكم الذاتي لهم على الحدود السورية ـ التركية يهدد تركيا. فالميليشيا الكردية تثبت بانها احدى المنظمات القوية والناجعة في سوريا، والتي لا تقف فقط في وجه منظمات المعارضة الاخرى بنجاح بل ويمكنها ايضا ان تسيطر على اراض اخرى وان توسع حكمها. ويخشى الاتراك من أن يوقظ الحكم الذاتي الكردي، الذي من شأنه أن يتسع كلما ضعفت قوات المعارضة، يوقظ الاقلية الكردية داخل تركيا، بحيث تتماثل مع الاكراد السوريين، وتمنح ريح اسناد للتنظيم السري الكردي ـ حزب العمال الكردستاني البي بي كيه، الذي يعمل داخل تركيا. وكما يذكر فان الحزب اعلن في تموز 2015 عن الغاء وقف النار مع النظام التركي وعن عودته إلى الإرهاب.

ونفذ التنظيم السري الكردي منذئذ عدة عمليات إرهابية صغيرة ضد قوات تركية في شرقي تركيا. وعليه فقد حذر اردوغان في الماضي عدة مرات من أنه لن يسمح باقامة حكم ذاتي كردي على الحدود مع سوريا.

ويأتي تصعيد الهجمات التركية على معاقل الاكراد وعلى بعض الاهداف السورية في منطقة الحدود مع تركيا، يأتي لدفع الاكراد إلى التراجع وكسر حكمهم الذاتي في المنطقة. كما سيحاول اردوغان استغلال الازمة الانسانية لاحياء فكرة اقامة منطقة فصل على الحدود التركية ـ السورية وهكذا يصفي الحكم الذاتي الكردي.

ان الرفض التركي لاستيعاب 60 الف لاجيء فروا من محافظة حلب في الايام الاخيرة، والالاف الذين من المتوقع ان يصلوا إلى الحدود التركية في الايام القادمة، يأتي لتحقيق هذا الهدف. كما أن تهديد اردوغان باغراق اوروبا باللاجئين السوريين قيل من اجل الضغط على القارة حتى توافق على اقامة منطقة فصل كهذه. اما الدول الغربية والولايات المتحدة، فهي حاليا غير معنية بقبول اقتراح اردوغان، ولكن وكما ثبت في الماضي فانها تترك سوريا للاعبين الاخرين الذين يديرونها وفقا لمصالحهم.

إسرائيل اليوم 15/2/2016

القدس العربي

 

 

 

المعركة الفاصلة في (إعزاز) السورية/ محمد الطميحي

على أعتاب عامها السادس تبدو الأزمة السورية أكثر تعقيداً عما كانت عليه طوال خمس السنوات الماضية، وهو التعقيد الذي يصعب معه التكهن بمآل الأمور في هذا البلد العربي الشقيق الذي أصبح مسرحاً للتجاذبات الإقليمية والدولية.

ويبقى الحدث الأبرز مؤخراً ظهور ما يسمى بقوات سورية الديمقراطية التي تتكون في معظمها من مليشيات تنتمي لوحدات حماية الشعب الكردي على الرغم من محاولة استقطابها لعشائر عربية من المناطق الخاضعة لنفوذها أو تلك المهددة من قبل عناصر تنظيم داعش.

تمثل تلك القوات نقطة التقاء المصالح الروسية – الأميركية في سورية حتى مع النظام نفسه في دمشق، والمتابع لسير الأحداث منذ معارك عين العرب كوباني وصولاً إلى أطراف إعزاز يدرك هذه الحقيقة.

عندما بدأت واشنطن بتصنيف المعارضة السورية نالت قوات سورية الديمقراطية وصف المعارضة المعتدلة، الأمر الذي أهلها للحصول على الدعم العسكري المتطور في المواجهة مع داعش في الجهة الشرقية من نهر الفرات، ناهيك عن مئات الغارات الجوية التي ساهمت في سيطرة الأكراد على العديد من الأراضي الخاضعة للتنظيم المتطرف بعد معاركه المشبوهة مع الجيش الحر والنظام.

إلا أن الأمور اتخذت منحى أكثر خطورة عندما تقدم الأكراد باتجاه مناطق سيطرة المعارضة في الجهة الغربية من النهر وبالتحديد في ريف حلب الشمالي في محاولة واضحة لقطع خط الإمداد الرئيسي للجيش الحر من الأراضي التركية في الشمال، وهو ما يجري الآن بغطاء واضح من الطيران الروسي وقوات النظام التي تحاصر حلب من الجهات المتبقية.

كل ذلك أثار حفيظة تركيا التي أصبحت عاجزة إلى حد كبير عن مواجهة مطامع الأكراد في إنشاء كيان مستقبل بهم على حدودها الجنوبية بعد التقليل من فعاليتها في سورية إثر حادثة إسقاط المقاتلة الروسية في نوفمبر الماضي، فأي غارة تركية ستكون عرضة للمضادات الروسية على الأراضي السورية، وأي تدخل بري سيكون غير محمود العواقب في ظل تداخل الجبهات في ساحة المعركة، والحرص الروسي الواضح على عدم تفويت أي فرصة للانتقام من أنقرة.

هناك معركة مقبلة في (إعزاز) التي اعتبرتها تركيا خطاً أحمر لن تسمح للأكراد أو حتى لقوات النظام بالاقتراب منه، ومع هذه المعركة ستتكشف متانة التحالفات التي تشكلت خلال عمر الأزمة، ومعها سيتقرر مصير الثورة والشكل الذي ستكون عليه خريطة سورية المستقبل، قبل أسابيع فقط من مرور مئة عام على توقيع اتفاقية سايكس – بيكو.

* نقلاً عن “الرياض”

 

 

 

مسؤولية تركيا أن تمنع إقامة كيان للأحزاب الإرهابية على حدودها الجنوبية/ محمد زاهد جول

بدأ الحديث عن التدخل التركي العسكري في سوريا منذ السنة الأولى للثورة السورية، بعد أن ارتكب نظام الأسد المجازر والمذابح البشرية ضد الشعب السوري الأعزل في ذلك الوقت. وقد كان الحديث عن التدخل في ذلك الوقت نوعا من الأمنيات الشعبية السورية للخلاص من الظلم والاستبداد بعد أن أبدت الحكومة التركية كامل استعدادها لمساعدة الشعب السوري. ولم تعقب الحكومة التركية في ذلك الوقت عن ردود افعال أو أقوال إزاء تلك الأمنيات الشعبية، ولكن وبعد ان أصبح الحديث عن التدخل العسكري التركي البري يأتي على ألسنة السياسيين الروس والإيرانيين والغربيين، وصف الرئيس التركي أردوغان قبل أيام تلك الشائعات بالحديث «المثير للضحك».

هذا الكلام للرئيس التركي لا ينفي إمكانية التدخل العسكري البري في سوريا فقط، وإنما يكشف عن مخططات عدوانية تعمل لتشويه دور السياسة التركية في المنطقة، وبالأخص في سوريا، وبصورة أكثر دقة في الإساءة إلى العلاقة التركية الكردية، لأن المسألة الكردية هي الحلقة الأصعب لدى تركيا، وهي التي زاد الاستخدام الخارجي لها، بداية من الاستخدام الإيراني والأمريكي والروسي للضغط على الحكومة التركية لتغيير مواقفها تجاه الأزمة السورية، وبسبب أن المسألة الكردية هي الحلقة الأخيرة التي ينبغي على الحكومة والسياسة التركية ان تعمل عل تفكيكها وحلها بنجاح، بسبب ثقلها الاجتماعي والوطني والسياسي والأمني عند الشعب التركي، وللحفاظ على النظام الجمهوري الحديث التي أنشأه الشعب التركي بكل قومياته ومكوناته الاثنية من أتراك وأكراد وعرب وشركس وأذريين وغيرهم، فكل هذه القوميات التركية ساهمت بتأسيس الجمهورية التركية الحديثة والديمقراطية لتكون وطناً لهم جميعاً. فقد تأسست تركيا دولة شعبية وليست دولة قومية ضيقة، فهي لكل مواطنيها بغض النظر عن قوميتهم وإثنيتهم.

إن ما يؤكد وجود مخططات عدوانية تعمل لتخريب الوحدة الوطنية في تركيا هو تعمد وكالات أنباء عالمية تحريف كلام الرئيس التركي أردوغان فيما يخص محاربة التنظيمات الإرهابية بكل أشكالها بما فيها الأحزاب الإرهابية ذات الأصول العرقية الكردية، وعلى رأسها حزب العمال الكردستاني في تركيا، وحزب الاتحاد الديمقراطي في سوريا، فقد صرح الرئيس التركي أردوغان :»تركيا ستقوم بالرد على أي هجوم محتمل من حزب الاتحاد الديمقراطي، الذي يمارس الظلم حتى على الأكراد السوريين، وأن العمليات الحالية قد تبقى محصورة في إطار الاشتباكات، ولكنها من الممكن أن تتحول إلى اشتباكات موسعة أكثر في المستقبل».

ولكن وكالتي «رويترز» البريطانية و»فرانس برس» الفرنسية حرفت تصريحات الرئيس التركي، فقد نقلت وكالة «رويترز» تصريح أردوغان كما يلي: «أردوغان سيستمر في قصف الأكراد السوريين»، وأما وكالة «فرانس برس» فقد نقلت قول أردوغان :» لن نسمح بإقامة قنديل آخر على الحدود الجنوبية من تركيا»، كالتالي: «أردوغان يعد بعدم إقامة معقل كردي في الشمال السوري».

التحريفان غيرا طبيعة الصراع وأسبابه، فتصريح أردوغان يتحدث اولاً عن العدوان الذي يشنه حزب الاتحاد الديمقراطي من سوريا على تركيا، وجاء مشروطاً:» أن تركيا ستقوم بالرد على أي هجوم محتمل من حزب الاتحاد الديمقراطي»، أي أن حديث أردوغان محصور بالأعمال الإرهابية التي قد يقوم بها حزب الاتحاد الديمقراطي، بينما التحريف يقول ان أردوغان سيستمر في قصف الأكراد السوريين، فلم يأت ذكر الأكراد السوريين على لسان أردوغان، لأن الصراع الذي يخوضه القصف الجوي التركي سواء في تركيا أو في سوريا ليس ضد الأكراد إطلاقاً، وإنما ضد الأحزاب الإرهابية الكردية التي جعلت من عناصرها بيادق وجنود مرتزقة لدى الحرس الثوري الإيراني اولاً، ثم لدى الجيش الأمريكي، واخيراً لدى الاحتلال الروسي في سوريا، فهذه العناصر الكردية الإرهابية والتي تشن الاعتداءات على تركيا لن تتركها الدولة التركية دون محاسبة، بل سترد عليها، وتقضي عليها مهما كانت الجهة التي تدعمها، سواء كانت أمريكا او روسيا أو إيران او بشار ، لأن الأمن القومي التركي خط أحمر لا تتهاون الحكومة التركية فيه، وسوف ترد تركيا على أي عدوان عليها حتى لو كان من الجيش الروسي نفسه.

إن الخطورة التي يحويها التحريف أنه يريد أن يجعل حزب الاتحاد الديمقراطي وكانه هو الأكراد السوريون أو الممثل السياسي لهم، وهذا غير صحيح ومرفوض من الحكومة التركية. فحزب الاتحاد الديمقراطي لا يمثل اكراد سوريا أولاً، وحزب العمال الكردستاني لا يمثل أكراد تركيا، ولا حزب الشعوب الديمقراطي يمثل أكراد تركيا، ولا أي حزب من هذه الأحزاب يستطيع أن يدعي انه ممثل للأكراد في سوريا أو في تركيا.

إن الدولة والحكومة التركية وقواتها الأمنية وجيشها لن تتهاون في مواجهة المنظمات والأحزاب الإرهابية، التي تهاجم تركيا، بغض النظر عن اصولها القومية إن كانت كردية أو تركية أو عربية أو إيرانية أو غيرها، والدولة التركية لا تواجه ولا تحارب القومية الكردية وإنما المنظمات الإرهابية فقط، بدليل أن تصريح الرئيس أردوغان جاء خلال اجتماع المحافظين المدنيين المعتاد، فأراد إعلام المحافظين المدنيين أن تركيا ستقوم بالرد على أي هجوم محتمل من حزب الاتحاد الديمقراطي أولاً، وأضاف الرئيس أردوغان أن حزب الاتحاد الديمقراطي:»يمارس الظلم حتى على الأكراد السوريين». فحزب الاتحاد الديمقراطي لا يعتدي على المعارضة السورية المعتدلة فقط، وإنما يمارس الظلم على الأكراد الذين لا يوافقونه في الارتماء في أحضان الجيش الأمريكي أو الروسي، فتركيا تعلم ان قلة من الأكراد هي حزب الاتحاد الديمقراطي وميليشياته المسلحة وحدات حماية الشعب هي التي ارتضت القيام بدور المرتزقة بأيدي القوات الأجنبية ضد وطنها ومصالحها، وليس كل الأكراد السوريين من يفعلون ذلك.

وفي اللقاء نفسه مع المحافظين المدنيين حدد الرئيس أردوغان احتمالات العمل العسكري التركي الذي يمكن ان يقع بعد الآن فقال:»إن العمليات الحالية قد تبقى محصورة في إطار الاشتباكات، ولكنها من الممكن أن تتحول إلى اشتباكات موسعة أكثر في المستقبل».

فالخطة التركية الأولى هي عمليات عسكرية محصورة في إطار الرد على أي اعتداء من حزب الاتحاد الديمقراطي على تركيا اولاً، ولكن هذه الاشتباكات من الممكن ان تتحول إلى اشتباكات موسعة أكثر في المستقبل، ومفهوم الاشتباكات لا يحمل معنى دخول قوات برية تركية إلى الأراضي السورية إطلاقاً، ولكن وحيث أن تركيا أعلنت مراراً بانها لن تسمح بسيطرة قوات الاتحاد الديمقراطي على الأراضي الواقعة غرب الفرات من جرابلس إلى إعزاز وعفرين، لأن هذه الأراضي وبالرغم من كونها أراض سورية، إلا ان سكانها من السوريين السنة العرب والتركمان، وإذا حاولت قوات حماية الشعب احتلالها فإنها سوف ترتكب مجازر بشرية وعمليات تطهير عرقي ضدهم، كما فعلت في تل أبيض وغيرها وكذلك سوف تتسبب بعمليات تهجير سكان تلك المناطق إلى تركيا، هربا من التطهير العرقي، وهذا يعني تحديات كبيرة تواجه تركيا، باستقبال اعداد جديدة من اللاجئين، تزيد عن ستمئة ألف مواطن سوري، وهذا ما لا تقبل به تركيا، ولن تقبل أن يقع أصلاً، ولذلك فإن الاشتباكات المقبلة هي لحماية الأراضي التي لا يوجد فيها أكراد أصلاً، من جرابلس إلى إعزاز وعفرين، ومحاولة قوات حماية الشعب السيطرة عليها هو عمل عدواني ضد السوريين أولاً، وضد تركيا ثانياً، لأنها تعمل ذلك لصالح سياسة التقسيم في سوريا، سواء كانت بقيادة من أمريكا أو من روسيا أو من إيران، وتركيا تجد باحتلال قوات حماية الشعب لتلك الأراضي التي عملت الحكومة التركية على جعلها منطقة آمنة للشعب السوري، عملاً عدوانيا صارخاً ضد تركيا، فمن يريد ان يحتل هذه الأراضي عليه أن يسترد ثلاثة ملايين لاجئ سوري موجودون في تركيا الآن، فتركيا لم تستقبل ملايين اللاجئين السوريين لتفسح المجال للأحزاب الإرهابية أن تقيم كنتوناتها الاستعمارية لصالح المخططات الأمريكية أو الروسية أو الإيرانية أو غيرها.

إن أراضي المنطقة الآمنة التي دعت تركيا إلى إقامتها منذ أربع سنوات هي سورية وعربية وتركمانية وسنية، ولا يحق للأحزاب الإرهابية ذات الأصول الكردية ولا غيرها احتلالها بالقوة العسكرية، فهي لأهلها السوريين العرب والتركمان، ومسؤولية تركيا أن تمنع إقامة كيان للأحزاب الإرهابية على حدودها الجنوبية، فإذا كانت أمريكا تأتي من غرب العالم لمقاتلة تنظيم إرهابي ترى أنه خطر عليها، وهو على بعد آلاف الكيلومترات، وإذا كانت روسيا تاتي من أقصى الشرق بحجة مقاتلة تنظيم إرهابي تدعي أنه خطر على بلادها، فمن باب أولى أن تقاتل تركيا تنظيما إرهابيا وعدوانيا عليها وهو على حدودها الجنوبية مباشرة، وقد ثبت ان هذا التنظيم قام بأعمال إرهابية ضد تركيا وداخل عاصمتها انقرة، كان آخرها التفجير الذي استهدف باصات تنقل عسكريين، وقتل ثمانية وعشرين تركيا وجرح العشرات منهم مساء الأربعاء 17/2/2016، فكان الإرهابي الانتحاري صالح نجار الذي نفذ عملية التفجير تابعا لقوات حماية الشعب التابعة لحزب الاتحاد الديمقراطي.

لقد أكد الرئيس أردوغان في سياق كلامه السابق ان من أسباب الاشتباكات المحتملة منع الأحزاب الإرهابية إقامة قواعد عسكرية لها على الحدود التركية، فقال:»إن العمليات العسكرية محصورة في إطار الاشتباكات، ولكنها قد تتحول في المستقبل إلى قواعد اشتباك موسعة أكثر، لن نسمح بإقامة قنديل جديد على الحدود الجنوبية من البلاد، سنأخذ كافة التدابير اللازمة ضد أي هجوم محتمل من الجانب السوري يهدد أمن تركيا»، فهذه الخطوة العسكرية واضحة الأسباب وهي منع إقامة قواعد عسكرية شمال سوريا لحزب العمال الكردستاني وتوابعه الإرهابية، يمكن ان يتخذها حزب العمال الكردستاني نقطة انطلاق في أعمال إرهابية ضد تركيا كما فعل في جبال قنديل، فقد كان الهدف من ذهاب عناصر حزب العمال الكردستاني إلى قنديل وقف عمليات القتال داخل تركيا، في عملية السلام السابقة، ولكنهم تحولوا إلى مراكز ومعسكرات تدريب إرهابية ضد تركيا، وهذا أمر لن تسمح تركيا بتكراره في ظروف عجز الدولة السورية من السيطرة على كامل أراضيها بما فيها شمال سوريا.

وهذه الاشتباكات ستكون إما بالقصف المدفعي أو الجوي ولكن لن يكون هناك دخول قوات برية تركية لسوريا إلا ضمن تحالف دولي، وضمن قوات للناتو أو التحالف الدولي المحارب للإرهاب، أو ضمن ترتيبات أمنية يمكن ان يتخذها مجلس الأمن في سياق إقرار منطقة آمنة شمال سوريا، وبالأخص أن السياسات الأوروبية بتأييدها أكثر من قبل، رغم المعارضة الأمريكية غير المبررة حتى الآن، فقد أعلنت أنجيلا ميركل رئيس الوزراء الألمانية ورئيسة الاتحاد الأوروبي الدوري أنها تؤيد إقامة منطقة حظر جوي في سوريا، وقد سبقتها فرنسا إلى ذلك وبريطانيا، والحجة الأمريكية بصعوبة تنفيذها آخذة بالتهاوي، ومحاولة روسيا فرض سياسة امر واقع شمال سوريا لن تنجح، لأن الأمن القومي التركي لن يكون رهينة رعونة أو مغامرة عسكرية روسية فاشلة في سوريا، ومصلحة روسيا ان تتفاهم مع الدولة التركية وليس مع الأحزاب الإرهابية، الذين فشلوا في تنفيذ مخططات الحرس الثوري الإيراني، وتخلت عنهم أمريكا أكثر من مرة.

القدس العربي

 

 

 

التدخل التركي في سوريا: محاربة الإرهاب في منابعه قبل التحول للدفاع عن أنقرة وإسطنبول/ إسماعيل جمال

إسطنبول – «القدس العربي»:: بعد أن كان الحديث يدور في بدايات الثورة السورية عن تدخل تركي لإسقاط نظام الرئيس السوري بشار الأسد، تحولت مخططات أنقرة إلى محاولة الحصول على غطاء دولي للبدء بعملية عسكرية لمحاربة خطر الإرهاب المباشر عليها في منابعه ـ خاصة في سوريا ـ قبل التحول إلى موقع «الدفاع» عن العمق التركي في العاصمة أنقرة ومدينة إسطنبول.

محللون سياسيون أتراك وعرب شددوا على ضرورة التدخل التركي لإنقاذ ما تبقى لنفوذ أنقرة السياسي والأمني في سوريا، لكنهم شددوا على أن الحكومة التركية لا تستطيع الدخول في مغامرة سياسية وعسكرية مع محور ـ الأسد وإيران وروسيا ـ في سوريا بدون الحصول على غطاء دولي قوي، وهو ما لم تنجح أنقرة في توفيره منذ بدء الثورة السورية حتى اليوم.

ومع تزايد التكهنات بشكل غير مسبوق عن احتمال بدء الجيش التركي عملية برية ضد تنظيم الدولة الإسلامية في سوريا، انفجرت سيارة مفخخة، الأربعاء، في حافلات نقل جنود أتراك قرب رئاسة هيئة الأركان في قلب العاصمة أنقرة، الأمر الذي أدى إلى مقتل 28 شخصاً وإصابة العشرات، في هجوم اتهم مسؤولين أتراك حزب العمال الكردستاني التركي والاتحاد الديمقراطي الكردي السوري بالمسؤولية عنه.

وعقب التفجير فُتح الباب واسعاً أمام تساؤل وتكهنات جديدة، أبرزها هل سيدفع التفجير الحكومة التركية إلى تسريع وتوسيع تدخلها في سوريا لمواجهة التحديات المتعاظمة القادمة لها من سوريا، أم سيدفعها للتراجع عن مخططاتها وإعادة حساباتها خشية تنفيذ المزيد من الهجمات في الداخل التركي؟.

الكاتب والباحث في الشأن التركي سعيد الحاج أكد على أن التدخل الروسي في سوريا في ايلول/سبتمبر الماضي ضيق هامش المناورة العسكرية – الإستراتيجية التركية فيها إلى أبعد الحدود، وإن التوافق الأمريكي – الروسي على خريطة طريق للحل قد همّش كثيرًا القوى الإقليمية الداعمة للمعارضة، لافتاً إلى أن التطورات في كل من اليمن وجنوب شرقي تركيا ألهت كلًا من السعودية وتركيا بملفات داخلية شائكة ومتفاعلة وقلصت من إمكاناتهما للمبادرة خارج الحدود.

وقال الحاج في تصريحات خاصة لـ»القدس العربي»: «أي مواجهة عسكرية مباشرة مع روسيا ستكون مغامرة خاسرة في الميزان العسكري والإستراتيجي سيما في ظل الموقف الأمريكي – شمال الأطلسي المتحفظ، فضلًا عن أنه قد يرقى فعليًا لدرجة الاستدراج والتوريط أكثر من كونه مبادرة فاعلة ومؤثرة» معتبراً أنه «بعد كل التطورات الأخيرة في سوريا غدت كل من أنقرة والرياض في موقع الدفاع لا الهجوم، لمحاولة إيقاف تدهور الأوضاع وانعكاساتها عليهما، ولتقليل الخسائر قدر الإمكان».

ولفت إلى أن «أي تدخل بري من تركيا أو السعودية لا يمكن أن يكون منفردًا دون غطاء دولي عبر قرار من مجلس الأمن، أو على الأقل تحت سقف التحالف الدولي، وهو ما لا يمكن تصور وقوعه حاليًا» مؤكداً أن أسهل الخيارات المطروحة أمام تركيا والسعودية تتمثل في «رفع مستوى التنسيق بينهما لحالة تحالف إستراتيجي، وتوحيد المعارضة السورية، السياسية والعسكرية، وخرق السقف الأمريكي بإيصال أسلحة نوعية وتحديدًا مضادات الطائرات للمعارضة السورية، ما يعينها على تحييد سلاح الطيران جزئيًا، دعمًا لصمودها وحماية لداعميها في نهاية المطاف».

وفي إشارة إلى تعاظم المخاوف التركية من التوسع المتسارع للوحدات الكردية على حدودها مع سوريا، قال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان: «لن نسمح بإقامة قنديل (جبل يضم معسكرات منظمة بي كا كا على المثلث الحدودي مع العراق وإيران) جديد جنوب حدودنا، ولن نسمح أبداً بالأمر الواقع الذي تحاول منظمة «ب. ي. د» أن تفرضه شمالي حلب». وأكد أن كل من لا يتفهم ويحترم موقف تركيا بخصوص سوريا «سيدفع الثمن» مشدداً على أن تركيا ليست بلداً ينسحب أو يستسلم أمام الأسلحة الموجهة إليه، وموضحاً أن «موقف تركيا حيال سوريا هو دفاع عن النفس، لذلك فكل خطوة اتخذتها مشروعة» – في إشارة إلى قصف القوات التركية أهدافاً لـ «ب. ي. د» في سوريا.

الصحافي والمحلل السياسي إبراهيم العلبي توقع وجود تحركات تركية فعلية للقيام بعمل ما في سوريا، لكنه اعتبر أن الموقف الأمريكي ما زال العائق الأكبر أمام أي تحرك سعودي أو تركي في سوريا.

وقال لـ»القدس العربي»: «الموقف الأمريكي لا يزال على حاله في رفض الحل العسكري ضد النظام، وتقاوم بشكل متواصل كل عروض الحلفاء والأطراف الإقليمية المعنية بالملف السوري في هذا الصدد، ولهذا السبب يبحث الأتراك والسعوديون عن عمل ما لتقوية المعارضة وتعزيز موقفها ضد النظام ولكن فقط من بوابة الحرب على داعش وهي اللغة الوحيدة التي تفهمها واشنطن هذه الأيام».

من جهته، شدد المحلل السياسي التركي باكير أتاجان على ضرورة التحرك بأسرع وقت لمواجهة الإرهاب في منبعه، قائلاً: «لا بد من التدخل، بعد وصول التفجيرات ليس لقلب تركيا فقط وإنما قلب العاصمة وبجانب رئاسة الأركان والبرلمان والوزارات والجيش يجب أن يتم التدخل البرى الآن، وإذا لم يحدث الآن متى سيحدث؟».

وأضاف لـ «القدس العربي»: «إذا لم تتدخل تركيا الآن ستكون الخاسر الأكبر.. لا بد من التحرك الفعلي في سوريا وأي بلد آخر يشكل تهديداً على تركيا».

في السياق ذاته، رأى الصحافي والمحلل السياسي التركي محمد أون ألمش أنه «بات من اللازم على تركيا أن تتحرك بأسرع وأقوى طريقة لمواجهة التهديدات قبل ان تضطر لمواجهتها على أرضها». وأضاف في تصريحات خاصة لـ «القدس العربي»: «على تركيا أن تفكر بأمنها واستقرارها في اتخاذ قرار المواجهة بدون الركون كثيراً إلى المجتمع الدولي الذي يحاول عرقلة جهود تركيا في محاربة بعض التنظيمات الإرهابية مثل وحدات حماية الشعب الكردية».

والجمعة، واصلت المدفعية التركية دكّ مواقع تنظيم الاتحاد الديمقراطي الكردي السوري، في محيط مدينة اعزاز، بمحافظة حلب شمالي سوريا، واستهدفت المدافع التركية المتمركزة على الشريط الحدودي مع سوريا، مواقع التنظيم في مطار «منّغ» العسكري جنوب غربي اعزاز، إضافة إلى استهداف نقاط تابعة لعناصر التنظيم في قرية عين دقنة الواقعة بين قرية مرعناز، وبلدة تل رفعت.

 

 

 

 

 

الحرب ضد تنظيم الدولة خيار تركيا من أجل انقاذ نفسها وحلفائها

«القدس العربي»: منهل باريش دخلت جبهة ريف حلب الشمالي نوعاً من الهدوء النسبي، بعد توقف «قوات سوريا الديمقراطية» عن التقدم شرقاً واكتفت بالوصول إلى أبواب مدينة مارع .بعد أن سيطرت على تل رفعت.

وقصف الجيش التركي نقاطا عديدة لمواقع وحدات حماية الشعب وجيش الثوار في محيط مطار منغ وكشتعار وطال القصف، كذلك، مدينة عفرين وبلدة جنديرس. ويأتي القصف التركي كرسالة لحزب الإتحاد الديمقراطي الكردي أولاً، لعدم اقتراب قوات سوريا الديمقراطية المدعومة أمريكياً من الحدود التركية قرب مدينة إعزاز.

وكان رئيس الوزراء التركي أحمد داوود أوغلو حذر من اقتراب وحدات حماية الشعب من اعزاز الواقعة على الحدود مع تركيا والتي كانت المنفذ الوحيد المفتوح من تركيا باتجاه محافظة حلب في شمال البلاد. مصدر عسكري في المعارضة السورية، توقع «عدم دخول تركيا بقوات برية لسوريا «، واعتبر المصدر في حديث مع «القدس العربي» أن القصف المدفعي هو أقصى ما ستقوم به تركيا في المرحلة المقبلة. ووصف القصف المدفعي التركي بأنه «غير مجد، أمام القصف الروسي الوحشي . فقوات سوريا الديمقراطية تلقى اسناداً جوياً فائقة القوة. بينما الثوار متروكين بلا دعم كاف».

وصرح أمين عام الإئتلاف الوطني، محمد يحيى مكتبي لـ»القدس العربي» أن «دولاً إقليمية تسعى إلى توريط تركيا في الحرب السورية عبر ادخال قواتها البرية مباشرة» وأضاف أن»دولاً كثيرة متضررة من دور تركيا الإقليمي، ستكون سعيدة في دخول تركيا للحرب بشكل مباشر». وعن دخول قوات برية تركية قال مكتبي «لم يكن العامل البشري مشكلة الجيش الحر في يومٍ من الأيام، فالجيش الحر لديه أعداد كبيرة من المقاتلين. المشكلة الرئيسية هي نوع السلاح والذخائر المقدمة له».

ويترافق التصعيد التركي مع تهديدات لوحت بها المملكة العربية السعودية بشكل مباشر على لسان وزير خارجيتها عادل الجبير، وعن طريق الرسائل العسكرية المباشرة المتمثلة بارسال السعودية أعدادا كبيرة من مقاتلاتها الجوية إلى قاعدة انجيرليك الجوية. التي يقود منها التحالف الدولي عملياته ضد «تنظيم الدولة».

من جهته، أشار رئيس الأمانة العامة لإعلان دمشق، سمير نشار في حديث مع «القدس العربي» إلى أن :»التدخل التركي إن حصل فسيغير المعادلة بشكل مباشر، وستكون قوات سوريا الديمقراطية المدعومة أمريكياً في وضع سيء وستنحسر أماكن سيطرتها وتنكفئ إلى حدود عفرين». واعتبر أي تدخل تركي «لن يكون في مصلحة روسيا أو أمريكا».

وقال نشار «أعتقد أن تركيا تقوم بدراسة الوضع بتأن ودقة، فهي لا تريد الإنجرار إلى حرب طويلة في سوريا، وفي الوقت نفسه لن تسمح بتمدد ميليشيا صالح مسلم على حدودها الجنوبية». ورأى أن تركيا تحاول «التنسيق الكامل مع التحالف الإسلامي وخصوصاً المملكة العربية السعودية. وأن لا تأخذ خياراً منفرداً».

وتدل المؤشرات أن تركيا لا تريد شن حرب برية، كما قال أحمد داوود أوغلو، خصوصاً وأنها في حالة حرب مع حزب العمال الكردستاني في شرق تركيا، ولن يحبذ الجيش التركي فتح معركة في سوريا بما أنه يخوضها مع الجهة نفسها في تركيا.

ومن المرجح أن تركيا ستستمر بالتمهيد المدفعي على مناطق سيطرة قوات سوريا الديمقراطية شمالي حلب، وربما تقوم بنقل مزيد من المقاتلين السوريين من ريف حلب الغربي ومحافظة ادلب عبر أراضيها، وتقدم دعما عسكرياً مرتفع الوتيرة إلى فصائل الجيش الحر في الأيام القريبة المقبلة. وربما ستلجأ إلى محاولة قطع الطريق على قوات حماية الشعب عبر تقديم دعم للجيش الحر وفصائل الثوار في منطقة اعزاز من أجل الهجوم شرقاً باتجاه مناطق سيطرة التنظيم من أجل توسيع مناطق سيطرة الجيش الحر على طول حدوها البالغة 100 كم من اعزاز غرباً إلى نهر الفرات شرقاً. لكن هذا الخيار، يحتاج إلى دعم عسكري كبير ومن فوائده أنه يجنب الجيش الحر الصدام المباشر بين «قوات سوريا الديمقراطية» المدعومة أمريكياً، ويجنبها كذلك، أي صدام مباشر مع روسيا التي لم تنس إسقاط قاذفتها في جبال التركمان قبل شهور.

فيكون هذا الخيار(الحرب ضد تنظيم الدولة) أخف الشرور الثلاثة بالنسبة لتركيا ولأمنها القومي.

 

الولايات المتحدة لن تسمح باجتياح بري تركي واسع النطاق في سوريا

واشنطن ـ «القدس العربي»: رائد صالحة : سؤال في غاية الأهمية والالحاح تطرحه تركيا هذه الأيام أمام إدارة الرئيس الأمريكي باراك أوباما بعد الاتهمات التي وجهتها البلاد للميليشيات الكردية السورية التي تدعمها الولايات المتحد بالمسؤولية عن تفجيرات انقرة، هل يقف إلى جانبنا حليف الناتو، ام إلى جانب الأعداء؟ فالميليشيات التي نفت أي دور في التفجيرات تعتبر أهم قوة برية موالية للإدارة الأمريكية في داخل سوريا في الحرب ضد تنظيم «الدولة الإسلامية»ولكنها، أيضا، تحولت بسرعة إلى عدو للحكومة التركية ومصدر تهديد لأمنها القومي بسبب صلاتها مع جماعة كردية أخرى تقاتل من أجل الحكم الذاتي داخل تركيا.

وعلى نطاق أوسع، تثير هجمات انقرة واتهمات تركيا للميليشيات الكردية الحليفة للولايات المتحدة على حد تعبير «نيويورك تايمز» تساؤلات وشكوكا أكبر حول سياسة الولايات المتحدة في منطقة الشرق الأوسط التي تشهد تحولا تاريخيا يتسم بالعنف وحركات التمرد المختلفة والدول الفاشلة وحروب الوكالة وبانهيار محتمل لحقبة ما بعد الحرب العالمية الثانية. فالمنطقة تسير نحو تفكك مفزع وصراع معقد في حين تركز الولايات المتحدة على جزء بسيط من المشكلة هو محاولة هزيمة جماعة «الدولة الإسلامية».

وقد أدانت الولايات المتحدة هجوم انقرة وأعلنت دعمها للحليف التركي ولكن بلغة تعكس، أيضا، بدقة الأغراض الأمريكية المحددة في الصراع السوري. حيث قال أكثر من مسؤول في إدارة أوباما ان من السابق لأوانه تحميل قوات الميليشيات الكردية السورية المسؤولية عن الهجوم ولكنهم حذروا في الوقت نفسه الميليشيات من القيام بأي عمل من شأنه تقويض علاقة تركيا مع الولايات المتحدة. ومن الأمثلة على ذلك ما قاله بنيامين رودس نائب مستشار الأمن القومي من ان واشنطن أوضحت بشكل صريح أهمية تحالفها مع تركيا وأهمية عدم انخراط هذه الميليشيات في جهود من شأنها تقويض التركيز على الأهداف المشتركة القائمة على محاربة التهديد المشترك الذي يتمثل في تنظيم الدولة.

ويدرك العديد من المسؤولين الأمريكيين أهمية التساؤلات التركية الملحة الأخيرة إذ قال فرانسيس ريتشاردوني جونيور، السفير الأمريكي السابق في تركيا، ان التركيز الاحادي التفكير ضد جماعة الدولة الإسلامية التي نفذت هجمات باريس والهمت هجمات سان برناردينو بولاية كاليفورنيا يصرف النظر عن صراع أوسع نطاقا. وقال :»كيف يمكن للغرب واولئك الذين يؤمنون بالتعاون التخفيف من العنف الناتج عن الانهيار الكارثي للنظام الاقليمي المعروف بفترة ما بعد انهيار الدولة العثمانية؟ وكيف يمكننا اعادة الاستقرار وتفعيل سيادة القانون على أساس الدول الشرعية والحكم الجيد؟».

وقال المسؤولون الأتراك، هذا الاسبوع، انهم يؤيدون التدخل البري لوضع حد لمجازر الحرب السورية التي اشعلها نظام الرئيس السوري بشار الاسد بدعم من الضربات الجوية الروسية والدعم الإيراني على الأرض ولكنهم أشاروا في الوقت نفسه إلى ان تركيا لن تقوم بهذه الخطوة بدون دعم من الولايات المتحدة وهو أمر مستبعد جدا. وفي مسار غير منفصل للأحداث، بدأت تركيا بقصف كثيف للميليشيات الكردية المعروفة باسم وحدات حماية الشعب عبر الحدود مع سوريا، وتعهدت بمواصلة هذه الهجمات طالما استمر الأكراد بمحاولات إقامة جيب مستقل على طول الحدود مع تركيا.

ومما يزيد من تشابك وتعقيد المسألة ويثيير غضب انقرة هو حصول الأكراد على دعم من روسيا وإلى حد ما نظام بشار الأسد علما ان الولايات المتحدة عارضت التدخل الروسي في سوريا وقالت ان الإطاحة بالأسد أمر ضروري من أجل السلام في سوريا ولكنها، في الواقع، لم تفعل شيئا يذكر لتحقيق هذه الأهداف. ومن الأمثلة على الغضب التركي الموازي تجاه المواقف المشتتة للولايات المتحدة ما قاله الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في خطاب متلفز ان واشنطن كانت على خطأ لانها حاولت التمييز بين مختلف الجماعات الكردية. مشيرا إلى انها مرتبطة مع بعضها البعض وانها وفقا للرؤية التركية عبارة عن منظمات إرهابية.

وترى تركيا في وحدات حماية الشعب، الجناح العسكري لحزب الاتحاد الديمقراطي في سوريا، منظمة إرهابية وفرعا لحزب العمال الكردستاني الذي يشن تمردا في تركيا منذ عقود، ولــــكن الجــــماعة الكردية نفت أي تورط في حين شكك بعض المحللين في معقولية تنفــــيذ أكراد سوريا للهجوم، لان ذلك وفقا لتحليلاتهم من شأنها تعريض الدعم الأمريكي لهم للخطر.

التطورات الأخيرة التي تتضمن، أيضا، تهديدات من السعودية وتركيا بدخول المعركة برا تأتي في وقت من المفترض هناك حالة من وقف إطلاق النار في سوريا وفقا لاتفاق هدنة «ميونيخ» الذي ينص على وقف «الأعمال العدائية» بما في ذلك الغارات الروسية والعمليات العسكرية للنظام السوري.

ولكن صخب الحرب يعلو على ما يبدو أكثر من أي وقت سابق بعد ان نفد صبر الأتراك، اما الولايات المتحدة فقد حاولت كالعادة التخفيف من حالة التوتر دون حل المشكلة بشكل جذري، إذ حث وزير الخارجية جون كيري تركيا ووحدات حماية الشعب الكردية على اتخاذ خطوات إلى الوراء وطالب صراحة الأكراد بعدم استغلال الوضع عبر الاستيلاء على أراض جديدة كما طالب تركيا بوقف إطلاق نيران المدفعية عبر الحدود كما هاتف جو بايدن، نائب الرئيس الأمريكي، رئيس الوزراء التركي احمد اوغلو لمناقشة تدهور الوضع الإنساني والأمني في شمال سوريا مع تشديد على عدم تصعيد الوضع. ووفقا للبيت الأبيض، أشار بايدن إلى الجهود الأمريكية المبذولة لمنع القوات الكردية السورية من استغلال الظروف الحالية للاستيلاء على أراض إضافية بالقرب من الحدود التركية، كما حث تركيا على ضبط النفس المتبادل عن طريق وقف الضربات المدفعية.

من المرجح ، وفقا لأقوال العديد من المحللين والدبلوماسيين ان لا تسمح الولايات المتحدة باجتياح عسكري تركي واسع النطاق في سوريا، وهنالك اعتقاد في المجتمع الدولي ان الاعدادات الهندسية التركية على مقربة من الحدود ليست سوى إجراءات غاضبة تعبر عن احباط كبير من التلكؤ الدولي والأمريكي في حل الصراع السوري وعدم اتخاذ خطوات حاسمة لصالح أنقرة ضد العمليات العسكرية الروسية والاستفزازات الكردية، وفي الواقع، لم تتوقع المصادر السياسية أو الإعلامية أكثر من محاولة لإنشاء منطقة آمنة في سوريا بالتعاون مع الحلفاء وخاصة بين السعودية وتركيا، كما نفى مسؤول كبير في مكتب رئيس الوزراء التركي ان تركيا تستعد لارسال قوات برية كبيرة إلى سوريا ولكنه أقر ان هناك مناقشات مع السعوديين والشركاء حول كيفية دعم المعارضة المعتدلة.

 

هل ستبدأ تركيا عملية برية في سوريا؟

موسكو ـ «القدس العربي»: فيكتوريا سيميوشينا: تشير التصريحات الأخيرة من قبل القادة الأتراك، وكذلك المعلومات عن نقل قوات سعودية (الطيران على الأقل)، إلى أن احتمال وقوع عملية مشتركة تركية ـسعودية ضد سوريا بات وشيكاً.

عوامل خارجية وأخرى داخلية قد تدفع تركيا للجوء إلى الحرب ـ من بينها الصعوبات الاقتصادية والمسألة الكردية وقضية اللاجئين. وعلى الرغم من أن عمليات تركيا العسكرية تقتصر حتى الآن على القصف المدفعي للمناطق الحدودية، فمن غير المستبعد أن تحتل القوات التركية، تحت ذريعة مكافحة الإرهاب، جزءا من الأراضي السورية. في روسيا يعتقدون أن تركيا من الممكن أن تقدم على هكذا عملية، ولذا فإن لهجة الخطاب الروسي الرسمي بات واضح القسوة. فقد اعتبرت الممثلة الرسمية لوزارة الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا أن قصف تركيا للأراضي السورية هو «عمل بلطجي». وأضافت «ان ما يحدث الآن على الحدود التركية السورية – هو بلطجة مطلقة.

في الوقت الذي تم فيه اعتماد وتوقيع إعلان ميونيخ من قبل المجموعة الدولية لدعم سوريا، حيث قررت جميع الأطراف وضع حد للعنف، بيد أن تركيا تقوم بقصف المناطق المأهولة عبر حدودها وتسمح عبرها بنقل الأموال والأشخاص والوسائل المادية والتقنية.

لأنه لا يمكنها، ببساطة، التعايش مع تحرير هذه المناطق من عصابات الإرهابيين والمتطرفين الذين رعتهم ودعمتهم لفترة طويلة».

من جانبها، اتهمت الحكومة التركية روسيا بالمسؤولية عن قصف مستشفى في محافظة إدلب السورية مدعوم من قبل المنظمة الدولية «أطباء بلا حدود». ولم يتمكن الأتراك من إثبات صحة هذا الاتهام. فيما أثبتت وزارة الدفاع الروسية لاحقاً براءتها من هذه العملية.

وقد صرح الرئيس التركي رجب طيب اردوغان أن انقرة لا تنوي تغيير موقفها وستواصل شن هجمات ضخمة على قوات حماية الشعب الكردية في سوريا، وذلك ردا على اطلاق النار من جانبهم – على حد زعمه. الأتراك يؤكدون أنهم سيدخلون إلى سوريا فقط برفقة الأمريكيين وبعد الحصول على قرار من مجلس الأمن – وإذا ما غيروا رأيهم فجأة وقرروا الذهاب إلى عملية عسكرية مستقلة، فإن ذلك يعني أنهم سيخالفون رغبة واشنطن.

تعتبر يكاترينا تشالكوفسكايا، المتخصصة في الشأن التركي والعاملة في معهد الشرق الأدنى، أن تركيا مهتمة بإعطاء انطباع بأنها مستعدة لبدء عملية برية في سوريا أكثر من اهتمامها بالتحضير لها فعلا.

فحسب تشالكوفسكايا «أولا، وقبل كل شيء، من دون دعم من حلفائها في الناتو، فإن تركيا لن تنجر إلى أزمة جديدة في سوريا. نحن نرى الآن أن حلف شمال الأطلسي وواشنطن على وجه الخصوص يتخذان موقفا حذرا ومترقبا. ومن الجدير بالذكر أن الولايات المتحدة في ردها على انذار تركيا «إما نحن أو الأكراد» فقد أوضحت موقفها المخالف لأنقرة، فواشنطن لا تعتبر الأكراد السوريين إرهابيين. ثانيا، ان العملية البرية التركية في سوريا غير ممكنة من دون دعم جوي. وفي ضوء حقيقة أن سلاح الجو الروسي ينفذ الآن عملية في سوريا. أعتقد أن أنقرة تبذل الآن قصارى جهدها لإيجاد حلفاء للقيام بعملية برية في سوريا. ولكن السؤال هو ـ هل ستنجح في ذلك أم لا؟ لذا أعتقد أنه على الأرجح خطاب لفظي موجه في المقام الأول نحو الجمهور للإستهلاك المحلي في تركيا والشارع العربي، حيث لا تزال صورة أردوغان كزعيم قوي وحازم مناضل من أجل حقوق المحرومين ومن أجل الديمقراطية في الشرق الأدنى».

حظي الأكراد السوريون، قبل بدء العملية الروسية، بدعم الأمريكيين ونُظر إليهم بعين العطف في موسكو – ولكن هذا لا يعني على الاطلاق ان روسيا مصممة على لعب الورقة الكردية ضد تركيا. والآن ها هو الجيش السوري يحاصر حلب وهو في طريقه إلى الوصول إلى الحدود التركية، وأما موسكو وواشنطن فقد اتفقتا وراء الكواليس في جنيف على مستقبل سوريا. لا يمكن لأردوغان الاعتراف أن كل سياسته بخصوص الأكراد السوريين قد فشلت. يمكنه الاستمرار في قصف الأكراد ـ وذلك على الرغم من أن القصف الأول قد أثار السخط ليس في موسكو فحسب، بل وفي واشنطن أيضا – ولكن ماذا يمكنه أن يفعل غير ذلك؟

يعتقد غومير ايساييف، المستشرق ومدير مركز سان بطرسبورغ لدراسات الشرق الأدنى المعاصر، أن من المحتمل أن تشرع تركيا بما يسمى بـ»الحرب الهجينة» في سوريا.

فحسب المستشرق «ربما لن نرى غزوا عسكريا كلاسيكيا واسع النطاق من تركيا. فهي يمكن أن تعمل من خلال وحدات خاصة وممن يسمى بـ «وحدات المتطوعين» التي يمكن تغطيتها باستخدام ضربات مركّزة.

كما أن هناك احتمال أن تدخل تركيا بهذا الشكل أو ذاك إلى سوريا تحت ذريعة «يجب علينا مساعدة حلب». لذا أعتقد أن تركيا سوف تتصرف مثلما تتصرف روسيا في أوكرانيا من خلال ما يسمى بـ «الحرب الهجينة».

لقد فقد أردوغان، بإسقاطه القاذفة الروسية سو – 24 ، القدرة على التحدث مع روسيا حول أي شيء ـ وأما واشنطن، وعلى الرغم من حصولها على ارتياح معنوي من الصراع الروسي- التركي، لم تقدم على أي تنازلات لأنقرة بخصوص القضية الكردية. لا يهم الآن ماذا كانت أنقرة في البداية تريد تحقيقه بحلول نهاية النزاع السوري ـ انهيار سوريا أو فقط بانتصار الإسلاميين ذوي التوجه التركي – لأن الوضع في سوريا بعد قدوم الروس قد تغيير لصالح الأسد.

أدرك أردوغان أنه لا يجب عليه الآن التفكير في انهيار سوريا، وانما عليه التفكير بالحفاظ على تركيا – بمعنى أن القضية الكردية الرئيسية بالنسبة له أصبحت هي الوحيدة.

ولا يرى غريغوري كوساتش، المستعرب وأستاذ العلوم السياسية في الجامعة الروسية للعلوم الإنسانية، أفقا لتحسين العلاقات بين البلدين (روسيا وتركيا) في المستقبل القريب. ويعتبر الخبير أن المسؤولية عن هذا تقع على كلا الطرفين.

وقال المستعرب: «لقد اتخذت تركيا خطوات للتوصل إلى تفاهم مع روسيا تهدف إلى تخفيف التوتر في العلاقات مع موسكو، بيد أن موسكو رفضت السير في الاتجاه نفسه، فإذا ما اتصل أردوغان ببوتين، فان الأخير لا يجيب، وإذ بدأ أردوغان بمحاربة الأكراد، فان روسيا قد افتتحت مكتبا تمثيليا للأكراد السوريين في موسكو. الذنب الرئيسي على بلوغ الوضع هذا المستوى من السوء يقع على الطرفين. الموقف الروسي عنيد للغاية، وكافة التصريحات لا تبدو وكأنها أفعال غير موجهة نحو اتخاذ إجراءات رامية إلى مساعدة الأسد، والوضع بالنسبة لروسيا هو إلى حد ما يقود إلى طريق مسدودة، لأن الأسد ليس بدمية مطلقة في يد موسكو، انه يسلك طريقه الخاصة معلنا انه لا ينوي إجراء مفاوضات مع المعارضة ولا يمكن أن يكون هناك وقف إطلاق نار شامل للوطن وأنه لا يمكن لوقف إطلاق النار الاّ أن يكون محليا، ان هذا يتناقض كليا مع الموقف الروسي».

ومن الواضح أن المواجهة بين روسيا وتركيا في سوريا لا يمكن أن تؤدي إلى تعقيد حــــل الأزمة التي هي معقدة أصلا أكـــــثر مما يبدو عليه الأمر، ليســـت هناك حاجة لحدوث مواجهة عسكرية بين موسكو وأنقـــرة وهي غير مفيدة لكلا الطرفين الذين يحـــاولان الضـــغط أحدهما على الآخر، ويمـــكن من خلال هذا الضغط الحكم على حالة الأزمة الســورية ككل.

ولو لم ينشط الأتراك في سوريا لكان الخطاب الروسي ليس بتلك الحدة فيما يتعلق بالنوايا التركية في سوريا، ان سوريا هي السبب الرئيسي في توتر العلاقات الروســــــية التركــــية، وكلما تم تبادل الاتهامات بلهجة أعلى كلما كانت المواجهة بين تركيا وروسيا في سوريا أقوى.

ومع ذلك، فإن عدم توفر ظروف سياسية وداخلية فعلية للتدخل التركي في سوريا لا يعني، بالطبع، أنه لا يمكن لهذا التدخل أن يحدث من حيــــــث المبدأ، هناك دائما احتمال واحد في المئة لأي عملية جنونية – ولكن، وعلى العكس من الوضع في 24 تشرين الثاني/نوفمبر فان حتى أردوغان يعي الآن كل العواقب المحتملة لمثل هذه المجازفة.

 

شمال حلب: تركيا تقصف والسيطرة لقوات سوريا الديمقراطية

غازي عنتاب ـ «القدس العربي»: جوان سوز: يواصل مقاتلو قوات سوريا الديمقراطية المدعومون من قبل الولايات المتحدة الأمريكية معاركهم في شمال حلب ضد عدد من الفصائل الإسلامية بينها تنظيم جبهة النصرة «ذراع تنظيم القاعدة في سوريا» وبعض الفصائل العسكرية الإسلامية الأخرى، في خطوة استراتيجية تهدف لإيجاد ممر آمن يربط المناطق الكردية الشرقية من سوريا بالمناطق الكردية الغربية منها. حيث تمكنوا من السيطرة على عدة بلدات كبيرة في الريف الحلبي كانت تعد معقلاً للمعارضة السورية المسلحة مثل بلدتي مارع وتل رفعت التي تبعد عن مركز مدينة حلب نحو 35 كيلومترا شمالاً، وذلك بغطاءٍ جوي روسي ساهم بتقدمهم العسكري مؤخراً في تلك المناطق والذي جاء بشكلٍ مفاجئ، الأمر الّذي يهدد بقطع طرق الإمدادات عن المعارضة السورية المدعومة تركياً في حلب ويؤدي لعزل الدور التركي عن الساحة السورية في الوقت الّذي أقرّ فيه التحالف الدولي ـ الغربي ـ العربي قصفه الجوي على تلك المناطق لمساعدة المقاتلين الأكراد.

وتضم قوات سوريا الديمقراطية مختلف المكونات السورية من الكُرد والعرب والتركمان وغيرهم، إلى جانب القوى الرئيسية فيها والتي تتمثل بوحدات حماية الشعب التابعة للإدارة الذاتية المدنية التي يشارك فيها حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي

منذ أواخر عام 2013 بمشاركة أحزاب وتيارات كردية سورية وأخرى عربية مسيحية وآشورية إلى جانب مشاركة بعض العشائر العربية في الجزيرة السورية.

وتحاول تركيا منع قوات سوريا الديمقراطية من السيطرة على مناطق محددة من الشمال السوري خشية على حدودها الجنوبية مع سوريا، بذريعة قيام كيان كردي في سوريا يهدد أمنها القومي. وتخشى في الوقت ذاته من سقوط مدينة اعزاز السورية التي تبعد مسافة 10 كيلومترات عن الحدود التركية في يد المقاتلين الأكراد الذين يحرزون تقدماً ملحوظاً في تلك المناطق منذ أيامٍ قليلة. فسقوط تلك المدينة سوف يتسبب في تقلص النفوذ التركي داخل سوريا لاسيما وإن الحكومة التركية تدعم بعض الفصائل العسكرية التي تقاتل النظام السوري وإن كانت إيديولوجية تلك الفصائل إسلامية متشدّدة، في محاولة منها لتثبيت موقفها الداعم للاحتجاجات الشعبية في سوريا. وتتخوف تركيا من عبور المقاتلين الأكراد لنهر الفرات غرب مدينة كوباني «عين العرب» أو تمركزهم شرق منطقة عفرين بعد سيطرة قوات سوريا الديمقراطية على مطار «منغ» العسكري خلال تقدمهم نحو مدينة اعزاز، وتتهم روسيا باستخدام وحدات حماية الشعب لمساعي روسية توسعية في سوريا، فيما تشن روسيا منذ نهاية أيلول/سبتمبر الماضي عملية عسكرية دعماً للنظام السوري.

وعلى الرغم من تحذيرات الولايات المتحدة الأمريكية والحكومة الفرنسية حيث طالبتا أنقرة بوقف قصف مواقع عسكرية تسيطر عليها قوات سوريا الديمقراطية شمالي حلب، لم تتوقف المدفعية التركية عن قصف مواقع عسكرية يتمركز فيها المقاتلون الأكراد. وقد سُجلت عدة ضربات عسكرية تركية على بلدة تل رفعت ومحيط مطار منغ وكفر نايا والمالكية بعد سيطرة المقاتلين الأكراد عليها، إضافة لقصف مركز صوامع الحبوب في مدينة تل أبيض «كري سبي» شمال محافظة الرقة وكذلك مركز مدينة عفرين وبلدتي جندريس وشيّيه في ريف المدينة.

ويعود أكراد سوريا بالأذهان نحو موقف تركيا الرافض لقيام إقليم كردي شمال العراق إبان سقوط النظام العراقي بعد الغزو الأمريكي في عام 2003، ويؤكدون إن «من قام بدعم نظام الرئيس صدام حسين، هو ذاته من يدعم تنظيمي الدولة وجبهة النصرة، لمنع أكراد سوريا من السيطرة على مناطقهم».

وأكدت وحدات حماية الشعب في مدينة كوباني سد عدّة هجمات من مقاتلي تنظيم الدولة على عدة جبهات في كلّ من سد تشرين وعين عيسى، بالإضافة إلى هجماتٍ مماثلة من فصائل إسلامية على حي الشيخ مقصود ذو الأغلبية الكردية في مدينة حلب كردِ فعل انتقامي من قوات سوريا الديمقراطية نتيجة تقدمها في تلك المناطق. وصعدت الحرب الإعلامية بين تركيا ووحدات حماية الشعب الكردية عقب تفجيرات أنقرة خلال الأسبوع الماضي على خلفية اتهام تركيا لوحدات حماية الشعب بالوقوف وراءها، في الوقت الذي نفت فيه الوحدات علاقتها بمنفذي هجمات أنقرة، ودعت المجتمع الدولي لتكثيف جهوده في مكافحة الإرهاب. وترفض تركيا قيام كيان كردي في سوريا وتطالب بإنشاء منطقة عازلة تمتد من بلدة الراعي غرباً على أطراف حلب وصولاً لمدينة جرابلس قرب نهر الفرات شرقاً، وهو أمر مثير للجدل يصفه المسؤولون الأكراد بالعداء التركي. فتركيا تقوم بقصف مواقع قوات سوريا الديمقراطية التي تحارب تنظيم الدولة والفصائل الإسلامية في حين أنها تمتنع عن قصف مواقع التنظيم والإسلاميين المتشدّدين.

ويرى محللون أكراد إن تركيا تحاول من خلال اتهاماتها تلك كسب التدخل العسكري في سوريا ضدهم، مبررين ذلك إن حزب العمال الكردستاني طوال فترة صراعه الطويلة مع الحكومة التركية لم يستهدف المدنيين والعسكريين داخل المدن التركية، ولم يقم بعمليات انتحارية أو تفجيرات، فقد كانت بنادق العمال الكردستاني موجهة ضد الجنود الأتراك المشاركين في معركة يصفها العمال الكردستاني بمعركة «حياة أو موت». وكان بريت ماكغورك ممثل الرئيس الأمريكي باراك أوباما ومنسق الحملة الدولية ضد تنظيم الدولة الإسلامية، قام بزيارة رسمية لمدينة كوباني منذ أسابيع وألتقى بمسؤولين أكراد فيها، وكان محور اللقاء مشروع تدريب المعارضة السورية المسلحة في منطقتي كوباني والجزيرة، وهو أول مسؤول أمريكي رفيع المستوى يزور كوباني منذ اندلاع الاحتجاجات الشعبية في سوريا منتصف آذار/مارس 2011. ويعتبر المسؤولون الأكراد هذه الزيارة بمثابة مرحلة جديدة خاصة وإن المبعوث الامريكي وصل إلى كوباني مباشرة ولم تتم زيارته عن طريق تركيا، فقد حطت مروحيته في كوباني من مدينة أربيل وفقاً لمصادر عسكرية كردية دون أن تُنشر أي صورة للمبعوث الأمريكي خارج مدينة كوباني، ما يعني بالفعل أنه وصلها دون المرور بتركيا أو مدن كردية أخرى.

تخوف من سيطرة الأكراد على المناطق الحدودية

ومن المتوقع أن تسوء العلاقات السياسية الروسية ـ التركية أكثر فيما لو سيطرت قوات سوريا الديمقراطية على مدينة اعزاز، وهذا ما لا يستبعده المحللون الأكراد. فالكاتب والصحافي الكردي السوري خورشيد دلي، المختص في الشؤون الكردية والتركية، قال لـ «القدس العربي»: «لا يمكن النظر إلى تقدم قوات سوريا الديمقراطية في ريف حلب الشرقي وتطلعها إلى السيطرة على بلدة اعزاز التي تحتل مكانة كبيرة لدى تركيا دون النظر إلى مسألتين».

وأضاف «الأولى، الدعم الأمريكي لهذه القوات، فضلاً عن الموافقة الروسية بعد أن وصلت الخلافات الروسية ـ التركية بشأن الأزمة السورية إلى مرحلة حساسة جدا، أما الثانية، فهي طبيعة هذه القوات من حيث كونها تشكل فرقا قومية، إذ انها تضم فصائل كردية وعربية وسريانية وأرمنية وتركمانية، بمعنى انها أبعدت الحساسية القومية الكردية ـ العربية التي كانت يمكن ان تشكل عاملا معيقا لهذا التقدم. وفي ضوء العاملين السابقين ينبغي النظر إلى ان هدف هذه القوات سيشمل السيطرة على كافة المناطق الحدودية مع تركيا ولا سيما اعزاز وجرابلس، وهو ما يعني اخراج الفصائل المسلحة المرتبطة بتركيا والسعودية من معادلة الصراع على الأرض في المنطقة الحدودية».

وتابع «لعل هذا ما يفسر سبب الحساسية التركية التي تتجاوز الإحساس بخطورة صعود العامل الكردي على حدودها الجنوبية واحتمال انتقال خطره إلى الداخل التركي، إلى الإحساس بخسارة استراتيجيتها في الأزمة السورية التي اعتمدت على استخدام المجموعات المسلحة لإسقاط النظام السوري. وبسبب هذه الخسارة باتت تهدد بعملية برية مشتركة مع السعودية في الأراضي السورية بحجة محاربة تنظيم الدولة لكن ينبغي النظر إلى ان ثمة عقبات ومخاطر كثيرة تعترض مثل هذا الخيار، فأولاً ليس هناك قرار دولي بهذا الخصوص، وثانيا ليست هناك موافقة أمريكية وأطلسية على القيام بمثل هذه العملية. كما ان الجيش التركي نفسه اشترط القيام بمثل هذه العملية وجود قرار دولي وهذا غير متوفر، فضلاً عن ان مخاطر القيام بعملية عسكرية كثيرة، إذ ان مثل هذه العملية قد تشرع الباب أمام صدام سعودي تركي مع روسيا وإيران، بما يعني الانفتاح على المجهول».

ويعتقد إنّ «من يتابع سلوك قوات سوريا الديمقراطية رغم القصف التركي واعتبار اعزاز خطا ً أحمر جديداً، لا بد ان يعتقد ان هذه القوات ستواصل تقدمها ليس من أجل السيطرة على اعزاز، وانما للوصول إلى ما بعد عفرين، أي إلى البحر، وهنا لا ينبغي النظر إلى التقدم الذي يحصل بوصفه منجزا كردياً، بل بوصفه منجزا لقوى سورية ربما تطرح نفسها بديلة للمعارضة الحالية بحكم موقعها على الأرض. واعتقد ان مثل هذا الخيار ليس بعيدا عن الفهم الأمريكي والروسي لكيفية حل الأزمة السورية، وربما الاشارة الاولى إلى الأمر ستأتي من طبيعة القوى التي ستشارك في مفاوضات جنيف المقررة في الخامس والعشرين من الشهر الجاري».

وتجدر الإشارة إلى أن تركيا تخشى قيام كيان كردي شمال سوريا على الرغم من أن الإدارة الذاتية المدنية التي أعلن عنها حزب الاتحاد الديمقراطي «الكردي» أواخر عام 2013، تشارك فيها مختلف المكونات السورية من الكُرد والعرب والتركمان نتيجة ارتباطات حزب الاتحاد الديمقراطي في سوريا بحزب العمال الكُردستاني في تركيا وفقاً لمسؤولين أتراك، على الرغم من أن المسؤولين الأكراد في الحزب ينفون هذا الأمر، فيما يحاول المقاتلون الأكراد توسيع مناطق سيطرتهم في الشمال السوري بالتزامن مع تقدمهم في ريف حلب الشمالي، حيث أعلنوا مؤخراً عن معركة تحرير بلدة الشدادي بريف محافظة الحسكة من تنظيم الدولة.

 

 

 

ميركل تلوح بالورقة التركية أمام معارضيها وتقول «أوروبا أمام إختبار تاريخي/ علاء جمعة

برلين ـ «القدس العربي»: إجتماع المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل مؤخرا في بروكسل مع الرئيس الفرنسي فرانسوا أولاند ورئيس الوزراء اليوناني ألكسيس تسيبراس للتباحث بشأن مشكلة تدفق اللاجئين في أوروبا، يوضح للمراقبين مدى الضغوط التي تواجهها المستشارة بشأن سياستها في استقبال اللاجئين. وأثار قرار النمسا الشهر الماضي القاضي بتقليل عدد طالبي اللجوء الذين تستقبلهم على أراضيها المخاوف من تكدس اللاجئين في باقي الدول الواقعة على امتداد طريق البلقان الذي يسلكه اللاجئون للوصول إلى شمال وغرب أوروبا.

وكانت المستشارة الألمانية قد صرحت أمام النواب في البرلمان الألماني قبل أيام أن الأتفاق مع تركيا هي الطريق الوحيد لمكافحة أسباب اللجوء وتحسين حماية الحدود الخارجية للاتحاد الأوروبي. وقالت»سأسخر كل ما لدي من قوة يومي الخميس والجمعة لإبراز المبادرة الأوروبية التركية بشأن اللاجئين على أنها هي الطريق الذي يستحق أن نسير فيه.. وإلا أصبحنا نواجه خطر إغلاق الحدود اليونانية المقدونية البلغارية بما يحمله ذلك من عواقب بالنسبة لليونان وللاتحاد الأوروبي بشكل عام بما فيه من دول اتفاقية شينغن».

كما رأت ميركل أن التحدث خلال القمة الأوروبية المرتقبة عن المزيد من توزيع حصص اللاجئين على دول الاتحاد ليس ذا أهمية حاسمة «كما أننا سنجعل من نفسنا أضحوكة بشكل ما إذا فعلنا ذلك». وأشارت إلى أن الاتفاق الذي توصل إليه الاتحاد الأوروبي سابقا بشأن توزيع 160 ألف لاجئ على دول الاتحاد لم يسفر حتى الآن ولو عن تسكين ألف لاجئ.

ورأت المستشارة الألمانية أن أزمة اللاجئين التي تواجهها أوروبا تضعها أمام اختبار تاريخي لإثبات كفاءة القارة الأوروبية. وقالت ميركل – في بيانها الحكومي الأخير بشأن القمة الأوروبية في بروكسل- إن القمة ستناقش ما إذا كانت السياسة التي ينتهجها الاتحاد الأوروبي تجاه الأزمة خاصة فيما يتعلق بمكافحة أسباب النزوح و حماية الحدود الخارجية للاتحاد الأوروبي قد حققت تقدما أم لا وما إذا كان من المجدي الاستمرار في هذه السياسة.

ورأت ميركل أن وقف الهجرة غير الشرعية إلى أوروبا بهذه الطريقة هو شرط للوصول لتوزيع حصص اللاجئين في أوروبا بشكل مشروع «أم أن علينا أن نتخلى عن ذلك وأن نغلق بدلا من ذلك الحدود اليونانية المقدونية البلغارية بما يعنيه كل ذلك من عواقب بالنسبة لليونان والاتحاد الأوروبي بشكل عام».

وتواجه ميركل معارضة قوية بشأن سياستها حتى من حلفائها، إذ وجه عضو بارز بالحزب المسيحي الاجتماعي في بافاريا انتقادات لرئيس الحزب هورست زيهوفر للانتقال من مجرد التصريحات الإعلامية المعارضة لسياسة المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل إلى اتخاذ إجراءات عملية ضد هذه السياسة. وطالب بيتر رامزاور رئيس حزبه بأن يسارع إلى تحريك دعوى دستورية ضد المستشارة لوضع حد أقصى للاجئين الذين تقبلهم ألمانيا على أراضيها سنويا وأن يفعل ذلك عقب القمة الأوروبية المزمعة الخميس في بروكسل كأقصى تقدير.

وطالب بيتر رامزاور رئيس الحزب البافاري في تصريح لصحيفة «باساور نويه بريسه» بألا يقتصر عمله على توجيه الانتقادات قائلا: «لا يمكن من جهة أن نشتكي من سيادة الخطأ وفي الوقت نفسه لا نفعل شيئا ضد هذا الخطأ”. وحذر من أن ألمانيا «مهددة بأزمة اجتماعية» وقال: «هناك عدم تفهم لما يحدث للقوانين والحقوق من انتهاكات واسعة».

وأضاف رامزاور: «سياسة المستشارة الألمانية تجاه اللاجئين لا تواجه بعدم التفهم بين صفوف الشعب فقط بل بين أعضاء حزبها المسيحي الديمقراطي أيضا». كما أكد العضو في الحزب المسيحي الاجتماعي أن هذه السياسة لم تعد تجد دعما في ولاية بافاريا تقريبا.

وكان استطلاع حديث قد أظهر أن أربعة من كل عشرة اقتصاديين ألمان يعتقدون أن العدد القياسي من المهاجرين الذين يتدفقون على البلاد عامل سلبي على الاقتصاد في حين يرى 23 في المئة فقط أنهم مفيدون.

وبلغت نسبة المترددين 37 في المئة وفقا للاستطلاع الذي شمل 220 أستاذا لعلم الاقتصاد وأجراه معهد إيفو والكتروني ميونيخ لصالح صحيفة «فرانكفورتر ألجماينه تسايتونغ» اليومية. ودخل نحو 1.1 مليون مهاجر ألمانيا العام الماضي مما فرض ضغوطا كبيرة على حكومة ائتلاف اليمين واليسار التي تقودها المستشارة أنغيلا ميركل وعلى كثير من الحكومات المحلية. وأغلبية النازحين الجدد من بلدان تمزقها الحرب مثل سوريا والعراق وأفغانستان ولا يجيدون اللغة الألمانية وتنقصهم المؤهلات اللازمة للعثور على عمل. وتظهر الأرقام الحكومية أن كل لاجئ عاطل عن العمل يكلف ألمانيا 12 ألف يورو (13 ألفا و370 دولارا) في السنة وأن حوالي ثمانية في المئة فقط يعثرون على عمل خلال عام من وصولهم. لكن دراسات نشرت أواخر 2015 أجراها دويتشه بنك والمعهد الألماني للبحوث الاقتصادية توقعت أن يفيد اللاجئون الاقتصاد في حالة دمجهم في سوق العمل. وقال حوالي 45 في المئة من الاقتصاديين الذين استطلع معهد إيفو آراءهم إن على الحكومة أن تستدين لتمويل دمج اللاجئين في حين دعا 36 في المئة إلى زيادة الضرائب.

وستنفق الحكــــومة فائض ميزانية العام الماضي البالغ 12 مليار يورو على استيعاب ودمج اللاجئين واستبعدت زيادة الضرائب لتغطية التكاليف.

وكان وزير الداخلية الألماني توماس دي ميزير قد صرح في وقت سابق أن الأجهزة الرسمية الألمانية تواجه أعدادا من اللاجئين أكبر من قدرتها على الاستيعاب، الأمر الذي خلق حالة من الفوضى داخل هذه الأجهزة وصعّب من إتخاذ القرارات بسرعة.

وقال لصحيفة «فيلت أم زونتاغ الألمانية» أن الشرطة الألمانية تواجه صعوبات في تبادل المعلومات حول بيانات اللاجئين وأعدادهم مع الأجهزة المختصة ولا سيما مع المركز الإتحادي للاجئين والهجرة في مدينة نورونبرغ ـ المركز الرئيسي المسؤول عن اللاجئين في المانيا ـ وذلك لامتلاك كل منهما نظام معلوماتي حاسوبي مختلف. وأكد الوزير أن الموظفين المختصين باتوا محملين بالأعباء مع النقص الكبير في المترجمين والموظفين المختصين.

وكان الوزير الألماني قد صرح لمجلة «دير شبيغل» أن ألمانيا غير قادرة على إستقبال جميع اللاجئين القادمين وأضاف: «لا يمكننا استقبال كل الوافدين من مناطق الأزمات وكل لاجئي الفقر الذين يرغبون في القدوم إلى أوروبا وألمانيا». وأوضح أن الطريق الصائب «سيكون بأن نلتزم بحصص ثابتة لاستقبال اللاجئين» بما يضمن أن تستقبل أوروبا الكثير من اللاجئين وفقا لطاقتها. ويعتزم دي ميزير في حال استكمال بلاده حصتها من اللاجئين إعادة بقية المضطهدين سياسيا إلى أوطانهم، وقال: «لا ينبغي أن نتخلى عن هؤلاء إذ يجب أن نضمن أن في امكانهم العيش بأمان ودون اضطهاد في المناطق التي أعيدوا إليها».

 

 

 

 

أردوغان والهم الكردي/ مصطفى زين

شكل الأكراد، منذ بداية الحرب في سورية، وقبلها، الهم الأساسي لأردوغان، فحاول احتواءهم في الداخل. فاوض عبد الله أوجلان في سجنه، وتوصل معه إلى اتفاق على وقف الأعمال الحربية في الأناضول، وانسحاب المقاتلين إلى جبال قنديل في العراق، تمهيداً للبحث في مطالبهم ووضع حد للحروب المستمرة بين الطرفين منذ ثمانينات القرن الماضي، والتي راح ضحيتها مئات الآلاف.

هذا في الداخل التركي، أما في الخارج فخطط لإقامة «منطقة آمنة» داخل الأراضي السورية بعمق ثمانين كيلومتراً، طالباً تعاون الحلف الأطلسي والأمم المتحدة. منطقة يجمع فيها النازحين العرب ليشكلوا درعاً تمنع الأكراد السوريين من السيطرة على الحدود، آخذاً في الاعتبار ما يشكله ذلك من خطر على بلاده، فضلاً عن أن النازحين، على ما كان يأمل، سيشكلون حاضنة للمسلحين الذين يقاتلون النظام السوري، فتكون المنطقة غطاء شرعياً لهم بحجة أنهم يدافعون عن مخيمات النزوح.

لكن ما حدث كان عكس ما خطط له أردوغان تماماً. في الداخل انهارت الهدنة مع «العمال الكردستاني»، وعادت الحرب إلى الأناضول، واستأنفت المقاتلات قصف معسكرات الحزب في العراق. وانقطع الاتصال بين الحكومة وأوجلان، ولم يوافق الأطلسي على «المنطقة الآمنة»، أما الأمم المتحدة فلم تتحرك في هذا الاتجاه. لم يبق أمام الرئيس سوى إرسال قواته إلى داخل سورية. لكنه لم يقدم على هذه الخطوة الجيش رفض لأن دخوله يعني اصطدامه بالأكراد، بما يعنيه ذلك من اشتعال الداخل التركي أكثر مما هو مشتعل.

بعد سنوات من الحروب في سورية، وبعد الدخول الروسي فيها مباشرة تغيرت الصورة كلياً. جغرافية المنطقة الآمنة لم تعد موجودة. النظام و»حلفاؤه» استطاعوا السيطرة على ريف اللاذقية الذي يشكل جزءاً من هذه المنطقة. والأكراد أصبحوا على الحدود، لم يعد أمامهم سوى السيطرة على بعض القرى، أي أن دخول الجيش التركي إلى سورية أصبح أكثر تعقيداً من أي وقت مضى.

والأهم من كل ذلك أن العمليات الإرهابية انتقلت إلى أنقرة وإسطنبول، فضلاً عن أن الولايات المتحدة التي دانت هذه العمليات، ما زالت تعتبر أكراد سورية أحد حلفائها. قدمت إليهم الدعم العسكري عندما طردوا «داعش» من عين العرب، وما زالت تدعمهم في عملياتهم، شمال حلب.

يشعر أردوغان أن الولايات المتحدة، بدعمها الأكراد، تخلت عنه، ويشعر بـ»الحزن لأن أوباما لم يستمع إليه» عندما قال له إن الحزب الكردي السوري إرهابي. لكن الحزن وحده لا يكفي، ومن المتوقع أن يصعّد الرئيس التركي عملياته ضدهم في الداخل، وإبقاء الجبهة السورية مشتعلة لمنعهم من الاستقرار في المنطقة «الآمنة».

في معنى آخر، وقف الحروب في سورية مستبعد. فالحلفاء غير متفقين على وضع حد لها، قبل نيل كل منهم حصته في النظام الجديد، والأعداء ما زالوا متشبثين بمواقفهم. أما القضية الكردية فمرشحة لمزيد من التعقيد.

الحياة

 

 

كوابيس أردوغان الكردية!/ راجح الخوري

يواجه رجب طيب أردوغان أياماً عصيبة ليس انطلاقاً من التفجير الاخير في أنقرة، وهو ليس الأول ولن يكون الأخير، بل إنطلاقاً من خلافاته سواء مع الروس الذين ينخرطون في الحرب الى جانب النظام السوري، وما يرتب هذا من انعكاسات خطيرة على مصالح تركيا على حدودها الجنوبية، أم مع حلفائه الأميركيين الذين يعملون وفق خطة عميقة للتقسيم ستنبثق منها بالتالي الدولة الكردية.

الحديث عن قيام الدولة الكردية سواء شكّلت امتداداً لحكم ذاتي، أم انبثقت كياناً مستقلاً إجتهاداً يبدو نظرياً وافتراضياً، باعتبار ان المحاذير التي تعترض هذا كثيرة وصعبة لأن سكاكينها ستذبح أربع خرائط اقليمية: سوريا والعراق وتركيا وحتى ايران.

واذا كان الوضع السوري يشكّل فرصة تاريخية امام الحلم الكردي، فإن الوضع العراقي يبدو متقدماً في هذا السياق، وهنا لا يغالي مسعود بارزاني عندما يذهب الى استفتاء سينتهي حتماً بإعلان الدولة الكردية في شمال العراق.

لكن الأمور بالنسبة الى تركيا صعبة وخطيرة وكذلك بالنسبة الى ايران، لأن قيام الدولة الكردية فالق زلزالي إثني، يمكن ان يصيبهما في الصميم، واذا كانت “الحمى الكردية” تضرب في عمق العلاقات الأميركية – التركية ففي الحسابات الإيرانية ملف كردي لا ينام.

بدأت الأمور تتدحرج بين واشنطن وأنقرة مع وصول الاسلحة الأميركية الى أربيل عندما إندفع الأكراد وقاتلوا “داعش” ببسالة وأوقفوا زحفه بعدما استولى على الموصل، وكانت معركة كوباني منطلقاً للدخول الأميركي الحماسي لدعم الأكراد الذين حرروا المدينة ليقول جو بايدن علناً “لقد بِتّم قبلة أنظار العالم”.

وعندما حرر البيشمركة إقليم سنجار أعلن بارزاني ضمه، بعدما كان قد أعلن من واشنطن أن قيام الدولة الكردية مسألة محسومة، ولم يكن كل هذا غريباً عن كواليس الإدارة الأميركية اذ من المعروف ان جو بايدن اقترح عام ٢٠٠٦، عندما كان عضواً في مجلس الشيوخ، تقسيم العراق ثلاث مناطق، الجنوب للشيعة والوسط للسنة والشمال للأكراد، وفي عام ٢٠٠٧ صوت الكونغرس بغالبيته لدعم اقتراح بايدن!

واذا كانت واشنطن امتعضت دائماً من السياسة التركية حيال تحرير كوباني وعدم إنخراط اردوغان فعلاً في قتال “داعش”، فإن الغضب التركي أخذ يغلي من الحلفاء الأميركيين بعدما وصل المبعوث الرئاسي الأميركي بريت ماكغورك الى كوباني في نهاية الشهر الماضي لطمأنة الأكراد الذين كانوا قد استُبعدوا عن مفاوضات جنيف.

لكن قيام ” قوات سوريا الديموقراطية” بالتحالف بين “وحدات حماية الشعب” الكردية و”جيش الثوار” بترتيب أميركي وحصولها على الموازنة التي وضعها الكونغرس سابقاً لدعم المعارضة السورية، ثم اندفاع الأكراد شمالاً في إتجاه إعزاز بدعم متصاعد من الطيران الروسي، يفجر الآن كل كوابيس الدولة الكردية في انقرة وغيرها!

النهار

 

 

 

أردوغان وضيق الخيارات/ سميح صعب

يخوض الرئيس التركي رجب طيب أردوغان حرباً على الزمن. سوريا لم تسعفه في تحقيق طموحاته، بل تحولت كابوساً يطارده ويضيق خياراته الى حدودها الدنيا. فهو الخاسر الاكبر كيفما تطورت الاحداث على الساحة السورية. لا الدخول البري الى اراضي “الكيان الكردي” سيريحه ولا “حظر الطيران” بمتيسر ولا يجد نصيراً له في هذه الدعوة سوى المستشارة الالمانية أنغيلا ميركل التي ليس في يدها القرار وإنما في البيت الابيض الذي اختار حل القضية السورية بالتوافق مع الكرملين وتجنب “حرب عالمية جديدة”. ولا حتى الائتلاف السني الذي تقوده السعودية يمكن ان يقيض لأردوغان قراره في سوريا.

وربما لم يدر في خلد أردوغان يوماً ان سوريا ستضعه في مواجهة فلاديمير بوتين مباشرة وتبعث صراعات القرون الغابرة التي كانت تنتهي بهزيمة تركيا، ولا يبدو ان الصراع الحالي مع روسيا سيكون استثنائياً حتى لو وقف حلف شمال الاطلسي نظرياً مع أنقرة بينما الغرب في حقيقة الامر يحاول عدم الوصول الى مرحلة الصدام المباشر مع موسكو.

قبل خمسة أعوام ومع وصول “الاخوان المسلمين” الى السلطة في مصر، اعتقد أردوغان ان عملية التغيير السياسي في سوريا ستكون سهلة وان النظام لن يصمد اكثر من اشهر. لكن الاحداث سارت على غير ما تشتهي أنقرة فكانت الاستعانة بالجهاديين من مختلف انحاء العالم من أجل إنجاز المهمة. دول اوروبية في مقدمها فرنسا وبريطانيا بالتنسيق مع تركيا دفعت المقاتلين الاجانب الى سوريا للاسراع في اسقاط النظام، فبرز “داعش” و”جبهة النصرة” وباقي التنظيمات الجهادية بدعم ورعاية تركيتين ولا تزال حتى الان تحظى بمساعدة أنقرة على رغم وعود اردوغان للولايات المتحدة بأن يوقف دعم “داعش” على الاقل تنفيذاً لقرار مجلس الامن 2253. لكن للحكومة التركية قائمتها الخاصة بالتنظيمات الارهابية في سوريا وتختصرها بحزب الاتحاد الديموقراطي الكردي وجناحه العسكري “وحدات حماية الشعب”. وأكثر من مرة دعا اردوغان واشنطن الى الاختيار بين تركيا أو اكراد سوريا علماً بأن هؤلاء يتمتعون بدعم عسكري أميركي واضح وتراهن الادارة الاميركية عليهم في محاربة “داعش” على الارض، وخصوصاً بعدما اتضح ان السلطات التركية ليست في وارد الدخول في مواجهة مع التنظيم المتطرف على رغم التصريحات العلنية للمسؤولين الاتراك في هذا الاتجاه بينما قوافل النفط المسروق من حقول سوريا والعراق لا تزال تتجه نحو المعابر التركية.

كل هذه التطورات تعمق أزمة أردوغان وتقلل الى الحد الادنى لائحة خياراته فيجد نفسه كمن سقط في حفرة لا ينقذه منها الاستمرار في الحفر.

النهار

 

 

 

 

تركيا تدفع ثمن التزامها بالرؤية الأمريكية في سوريا/ وائل عصام

عندما يقول أردوغان إن المسؤولين الامريكيين يخبرونه في الاجتماعات شـــــيئا ثم يطبقــــون على الارض شيئا اخر، فهذا اقرار بان الولايات المتحــــدة خدعـــت، بل وورطت تركيا بالتماهي مع السياسة الامريكية في سوريا ثم تركتها لمواجهة العواقب.

وعندما يخير أردوغان الولايات المتحدة بين الوحدات الكردية او تركيا، فهو يقول بطريقة أخرى إن الولايات المتحدة تميل لصالح خصومه الاكراد في النزاع السوري، على حساب حليفتها السابقة تركيا. ولكن لماذا انتظرت تركيا عدة سنوات لتكتشف ان التماهي مع السياسة الامريكية في سوريا لن يجلب لها الا تقوية اعدائها المباشرين الانفصاليين الاكراد؟!

يبدو انها تاخرت كثيرا، فالميليشيات الكردية المدعومة من الامريكيين والروس، كسرت معظم الخطوط الحمراء التي تحدث عنها المسؤولون الاتراك في الاشهر الماضية، تجاوزت نهر الفرات شرقا، وقطعت طريق تركيا نحو حلب، واحتلت معظم ريف حلب الشمالي، وتكاد تحاصر الخط الاحمر الاخير الذي لا نعرف ما إذا سيتحول للبرتقالي قريبا، اعزاز.

والواقع ان من دعم وشكل قوات سوريا الديمقراطية هم حلفاء تركيا نفسها، الامريكيون، الذين كانوا قد حددوا اعداءهم منذ بداية الثورة، وهم الجهاديون، واستخدموا كل الأطراف لخدمة حربهم عليهم. أما تركيا ومعها الانظمة العربية، فأعلنت مرار وتكرار ان عدوها الاول هو النظام السوري، والميليشيات الكردية هي من تشكل تهديدا امنيا وقوميا للدولة التركية وليس الجهاديين، رغم ذلك وتماشيا مع السياسة الامريكية، لم تهاجم تركيا النظام السوري ابدا، حتى عندما تعرضت قرى التركمان في اللاذقية للإبادة، وايضا ذهبت تهديدات الاتراك سدى، ولم تتحرك ابدا لحماية ابنائها هناك، ولم تهاجم ميليشيات الاكراد الذين باتوا يسيطرون على ثلثي الحدود السورية التركية، وأيضا تلبية لرغبة امريكية ومصلحة البيت الابيض التي ترى أن الاكراد هم حلفاء وحيدون في الحرب ضد تنظيم الدولة، بل ذهبت تركيا إلى ابعد من ذلك في التورط بالاجندة الامريكية في سوريا، عندما دعمت اعداءها ميليشيات الاكراد في كوباني ضد تنظيم الدولة! فسمحت بدخول قوات داعمة للاكراد قادمة من اربيل وادخلت قوات من الثوار السوريين بقيادة العقيد العقيدي لدعم اعدائها الاكراد، الذين انقلبوا الان على الجيش الحر في ريف حلب واحتلوا مدنه. وحتى المنطقة الامنة لحماية اللاجئين من قصف النظام السوري التي كان الاتراك يريدون اقامتها في شريط حدودي ضيق، تراجعوا عنها عندما وجدوا ان ذلك سيؤدي لصدام مع النظام السوري، ومعه حليفتاه القويتان روسيا وايران، لتأتي امريكا وتزج بتركيا في مشروع منطقة آمنة من قوات تنظيم الدولة وليس من قوات النظام السوري.

وهكذا أمضت تركيا اشهرا طويلة تدعم فصائل الجيش الحر الهشة في الريف الحلبي، لاقتطاع منطقة امنة في شريط ضيق يبلغ ستين كيلومترا يسيطر عليه تنظيم الدولة، وتركت مئات الكيلومترات من الشريط الحدودي محميا، وهو الذي يسيطر عليه اعداء تركيا الاساسيين، الميليشيات الانفصالية الكردية، وكما كان متوقعا فشلت فصائل الجيش الحر الهشة من الاستفادة من الدعم الجوي التركي والامريكي في تحقيق أي تقدم على تنظيم الدولة، بل على العكس تمدد التنظيم في مواقع حيوية في مدرسة المشاة.

وماذا كانت النتيجة بعد تلك الشهور من الارتهان للرؤية الامريكية في شمال سوريا؟ فككت الولايات المتحدة بعض فصائل الحر التي كانت تدعمها مع تركيا وكونت منهم فصيلا جديدا هو جيش الثوار، مهمته فقط قتال تنظيم الدولة، وهو يتشكل من مجموعات سابقة من الجيش الحر الذي دعمته تركيا وقطر والسعودية، بالذات من فصائل حزم وجمال معروف وبعض المجموعات القليلة من التوحيد ولواء الاتارب وغيره، وضمت هذا الفصيل كديكور عربي لميليشيات بهيمنة كردية بالكامل، سمتها قوات سوريا الديمقراطية، وقامت هذه الميليشيا بمهاجمة فصائل الجيش الحر في ريف حلب الذي دعمته تركيا لسنوات، واحتلت معظم مدنه الكبرى في ريف حلب الشمالي، كتل رفعت ومنغ، بل غيرت اسماء بعضها لاسماء باللغة الكردية!

اذن حتى الفصائل التي دعمتها تركيا في شمال حلب، جيرت قوتها في النهاية للخطة الامريكية، فلم تعد هي أو داعمتهم تركيا والحكومات العربية تقاتل النظام منذ شهور طويلة، بل تقاتل تنظيم الدولة فقط استجابة لأولويات الامريكيين وليس اولوياتهم هم، وعندما فشلت، انقلب عليهم حلفاؤهم الاكراد والامريكان.

يقال إن اهم عوامل نجاح السياسات هو تحديد العدو من الصديق بوضوح، منذ البداية، هذا ما فعلته ايران وحلفاؤها من النظام السوري حتى العراقي وحزب الله، الذين بفضل سياستهم الثابته والمستندة إلى تحالف وثيق، ومرجعية ذاتية غير خاضعة لاملاءات غربية، استمالوا القوى الاقليمية كروسيا وكذلك استخدموا امريكا والقوى الغربية لجانبهم، بعد ان كانوا على خصومة معها لعقود، بينما تخلت امريكا عن اصدقائها السابقين، تلك الدول التي كانت اصلا تباهي بحلفها الوثيق مع الغرب كالانظمة العربية وتركيا.. ولكنها باتت تكتشف يوما بعد يوم ان هذا التحالف لا يغني شيئا في نزاعات كهذه تحتاج إلى رؤية عميقة للصراع، وان الدول غير المهيئة للحرب اداريا وثقافيا، لا يمكن ان تواجه دولا عقائدية مهيئة للحرب تقاتل منذ عقود ضمن رؤية محددة، وهكذا تتكرر دائما تلك العبارة التي تلخص واقع سياسات الدول السنية في سوريا والعراق.. إن لم يكن لديك مشروع واضح فستتحول لأداة في مشاريع الاخرين، بل أداة في مشاريع اعدائك.

٭ كاتب فلسطيني من أسرة «القدس العربي»

القدس العربي

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى