بيسان الشيخصفحات المستقبل

“ما يفوق الاحتمال في الثورة السورية”/ بيسان الشيخ *

أسئلة كثيرة تتبادر الى الأذهان لدى مشاهدة صورة مجلة «باري ماتش» الفرنسية التي تظهر جمهرة من المتفرجين بعضهم يحمل كاميرات ويتوسطهم سياف يهم بقطع رأس جندي من الجيش السوري، راكع أمامه معصوب العينين: لكن الملح من تلك الاسئلة هو ذاك المطروح على الثورة السورية وعلينا بمعنى ما، لمعرفة إلى اي مدى تشبهنا تلك الصورة حين ننظر في المرآة، وهل سعت الثورة، ونحن من ورائها، ما في الوسع لكي يغير الغرب فكرته عنا؟

المجلة حذرت قراءها من أن الصور التي تنشرها ضمن الملف السوري «قاسية وصادمة» لكنها دليل إضافي على أن «الفظاعات تحدث من الجانبين وسط حرب دعائية واعلامية محتدمة بين النظام والمعارضة». ولفتت المجلة، على ما توضح لمتصفحيها، إلى أنها امتنعت عن نشر «ما يفوق الاحتمال» من تلك الصور «لكنها ستبقى محفورة في أذهان المحررين».

وإذ تركز النقاش حول صحة الصور وتوقيت نشرها والنوايا المضمرة من ورائها، يبقى أنها تعكس شيئاً من واقع نرفض الإقرار به ونفضل عليه الإنكار، عدا قلة قليلة من الكتاب أو المثقفين الذين لا يمثلون السواد الاعظم من المعارضين السوريين.

وصحيح أن الصور جاءت في وقت تناقش فيه الحكومات الغربية احتمال الضربة العسكرية، ويسعى الرئيس الاميركي باراك أوباما الى حشد التأييد لها، فيما يترنح الرأي العام بين مساندة النظام او المعارضة أو الوقوف على الحياد التام… وسط ذعر الأقليات من استئثار المتطرفين بالحكم وغير ذلك مما يجعل نشرها غير بريء. لكن الصحيح أيضاً أنها تطرح على المتلقي الغربي تحدياً فعلياً، وسؤالاً مشروعاً يوجهه لنا كأن يقول: «هل هذه هي المعارضة التي تريدون منا دعمها؟»

وإذ تعيدنا الصورة الى شبيهات لها وصلتنا قبل نحو عقد من أفغانستان بلا مقدمات ولا اعتذارات وتظهر عناصر «طالبان» يعدمون رجالاً نساء، لا يسعنا الا التفكير قليلاً في ابتذالنا اليومي للموت وقدرتنا الهائلة على التأقلم مع أساليبه المختلفة من ذبح أو تفجير أو تعذيب أو اختناق. لكن ما العمل وهذا خبزنا اليومي؟ وإذا كان ذلك القارئ الغربي المرهف يملك ترف إشاحة نظره عنا، يبقى أننا نواجه هذه الفظائع في شكل يومي وبصفتها وقائع، لا مجرد صور. هنا تحديداً يكمن الفارق الجوهري بيننا وبين هذا القارئ الغربي. فهو صاحب قرار فيما نحن متفرجون، أو في أفضل الحالات، «فايسبوكيون غاضبون». هو يصوت على قرارات تتعلق بحربنا وسلمنا، وهو من يدفع حكوماته وبرلماناته باتجاه مؤازرة قضيتنا أو الاحجام عنها، كما أنه هو من يخصص مالاً من ضرائبه لإرسالها لنا سلاحاً أو صناديق إغاثة. هذا ونحن لا نعيره انتباهاً، نتجاهله ونلتفت إلى من يوافقنا دون كثير أسئلة. نغرق في ذواتنا وتفاصيلنا ونرفع ومصالحنا المستجدة مع الثورة، من دون أن نبذل أدنى جهد تجاه هذا «الغربي المرهف». هكذا، نبعد عنا شبهة الصحافي الايطالي الذي افرج عنه أخيراً وطالب الثورة السورية بمحاكمة خاطفيه من أبنائها لئلا يقتنع فعلاً بأنها «مجرد طفيليين يقيمون في الفنادق الفخمة على حسابنا» على ما قال.

لا ضير ببعض البوح والمحاسبة الذاتية. نحن ببساطة بحاجة الى اقناع صحافة تصنع رأياً عاماً في بلدانها، والى مد جسور مع ذلك الرجل العادي الذي يستقل المترو الى عمله كل صباح فيما سورية بعيدة منه، وصورها تحتاج اعتذاراً مسبقاً إن أراد المحررون تعكير مزاجه بنشرها. ما لم يتحمل ممثلو الثورة السورية ومتحدثوها مسؤولياتهم ويقوموا بخطوات جدية في هذا الاتجاه، سيضيق الغرب ذرعاً بهم كما سبق له أن ضاق ذرعاً بالفلسطينيين. فيتوارث هؤلاء مفاتيحهم، ويردد أولئك «ما لنا غيرك يا الله».

* صحافية من أسرة «الحياة»

الحياة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى