صفحات العالم

مبادرة أم فرار؟


سليمان تقي الدين

لا يوجد نظام عربي إقليمي له شرعيته لنتحدث عن مبادرة عربية. منذ ثلاثة عقود والأزمات تتوالى على كل الجبهات من دون أن تتوفر إرادة عربية مشتركة لمواجهتها. العرب استدعوا تدويل قضاياهم وشرّعوا النزاعات على التدخلات الخارجية. المحافظون توغّلوا بربط مصائرهم بالمحور الغربي، والراديكاليون احتموا بالمعسكر الشرقي في ظل الحرب الباردة. النظام الدولي الأعرج القائم لم يعد قادراً على إيجاد توازن فعلي أو مظلة لما يُعرف بسياسة «الممانعة». أياً كان حجم الفشل العسكري الأميركي وتداعيات أزمات الغرب الاقتصادية، لا توجد قوى دولية أو إقليمية قادرة على تشكيل جبهة لصد هذا الانتشار الأميركي الغربي في غياب المشروع الآخر. الاعتراض الروسي الصيني، والمقاومة الإيرانية، جزء من خارطة مصالح ونفوذ لا يرتفعان إلى مستوى المواجهة الرادعة. تستنزف هذه الدول أميركا أمنياً واقتصادياً وتضغط لحماية مصالحها في الأمن والاقتصاد، لكن التسويات والمقايضات حصلت في أكثر من موقع، في العراق والسودان وليبيا وفي جورجيا والشيشان وكوريا وغيرها.

لا يريد الروس والصينيون استباحة أميركا للشرق الأوسط، ولكنهم لا يشتركون في الرؤية ولا في الأهداف البعيدة مع الأنظمة السياسية العربية. تقف دول الخليج العربي الأكثر تماسكاً واستقراراً ومصر التي تبدأ في رحلة استعادة دورها العربي، الموقف ذاته الذي يدفع به الغرب.

المطلب الغربي هو تجديد النظام السياسي العربي وإزاحة القوى التي ما زالت تلعب على التناقضات الدولية وتستخدم قضايا المنطقة المشروعة لإدامة العنف والتوترات، ولو أن ذلك استجابة للعنف الشامل الذي مارسه الغرب على المنطقة وما يزال. بديهي أن يضغط الغرب على نقاط الضعف الرئيسية التي تظهر فشل هذه الأنظمة في التصالح مع شعوبها والقطيعة المتنامية بينها وبين طموحات وتطلعات هذه الشعوب. وليس غريباً أن يستثمر الغرب على ظاهرة الإسلام السياسي وأن يجعل منه نسخة معدّلة عن الإطار الحاكم في الخليج العربي، أو أن يشجع على استلهام النموذج التركي. فهذا الإسلام السياسي تحوّل إلى نقيض تاريخي للمشروع العربي الذي حوّلته النخب المسيطرة إلى طربوش إيديولوجي لدول تمّ إقصاء شعوبها عن المشاركة في الحياة السياسية وألغيت حرياتها وصودرت حقوقها.

تتصرّف دول «المبادرة العربية» من باب «رفع العتب» على أنها حاولت ولم تفلح في استدراك الأزمة السورية وتداعياتها الخطيرة أقله على أمن واستقرار ووحدة الشعب السوري. تخرج عن أطراف المبادرة تصريحات مستفزة ولو أنها لا تقاس بحجم دورة العنف المتمادية على الأرض وحجم الانقسام الذي طاول الشارع السوري ما ينذر بالأسوأ بين سلبيتين: وهم الحل الأمني ووهم التغيير بواسطة دعم الخارج. أما أن المبادرة العربية المتأخرة لن تلقى قبولاً فلأنها حملت من الأساس شبهة الطرف العربي المنخرط في دعم الفريق الراغب في تقويض النظام بأية وسيلة كانت حتى باستدعاء التدخل الخارجي. لكن النظام في كل حال يحجب الوجه الداخلي من الأزمة ويضع معركته في دائرة الصراع الدولي والإقليمي. قد تعطي هذه المواجهة بعض الشرعية لكنها تضع سوريا كلها بنظامها وشعبها في «محور» الخطر الشديد على كيانها ووحدتها. فهل هذا جبر أم خيار!؟

السفير

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى