صفحات العالم

مبادرتين سياسيتين لحل الأزمة في سوريا –مقالات مختارة لكتاب عرب

مقترحات مشبوهة لتسويق الأسد ومواصلة الصراع

فيما يبدو وكأنه مسعى جديد إلى إعادة تعويم نظام الرئيس السوري، بشار الأسد، والدفع باتجاه إعادة تأهيله، ظهرت، أخيراً، أفكار سياسية ترتكز عليها بعض المبادرات، وتشترك جميعها بفكرة أساسية، هي أن المعارضة المعتدلة السورية لم تعد طرفاً فاعلاً في هذه الأزمة، وأنها ما فتئت تفقد تأثيرها لصالح جماعات جهادية متطرفة تبدأ بداعش والنصرة، ولا تنتهي بجماعة خراسان التي كشف الأميركيون عن وجودها، أول مرة، عندما استهدفوا ما قالوا إنها مواقع لها، وذلك مع انطلاق الغارات الأميركية ضد تنظيم الدولة في سورية في 23 سبتمبر/ أيلول الماضي. انطلاقاً من ذلك، تحاول هذه المبادرات، بعضها تصريحاً والأخرى تلميحاً، القول إن البديل لنظام بشار الأسد لم يعد، في ظل ضعف المعارضة المسلحة المعتدلة على الأرض، وتشتتها في الخارج، إلا التنظيمات الإسلامية المتطرفة، ما يعني أن إضعاف نظام الأسد والسعي إلى إطاحته يخدم، في نهاية المطاف، هذه التنظيميات، ويمهد لها سبل الوصول إلى السلطة.

مبادرات عديدة وهدف واحد

ظهرت، أخيراً، مبادرتان أساسيتان، تُنَظِّر بهذا الاتجاه: الأولى، مبادرة المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة إلى سورية، ستيفان دي ميستورا، وتهدف إلى تجميد الصراع ابتداءً من مدينة حلب. وترتكز على ثلاث نقاط رئيسة، أهمها التركيز على محاربة الإرهاب، وكأن الإرهاب في سورية يمارس من طرف واحد، وأنه سبب الأزمة، وليس العنف الذي استخدمه النظام لقمع الحركة الاحتجاجية وردعها وإرهابها عن السعي إلى تحقيق تطلعاتها في الإصلاح ثم التغيير. وثاني النقاط تخفيض مستوى العنف، وثالثها تخفيف المعاناة الإنسانية، والدفع باتجاه مصالحات محلية، يمكن أن تشكل منطلقاً لحل سياسي للأزمة.

المبادرة الثانية التي تدفع بالاتجاه نفسه تقريباً، هي المبادرة الروسية المدعومة إيرانياً، والتي كشف عن بعض تفاصيلها المستشرق الروسي، فيتالي نعومكن، في مقال نشره موقع المونيتور، والذي يملكه ويديره جمال دانيال، رجل الأعمال الاميركي السوري الأصل، والمقرب من نظام بشار الأسد، وذلك مطلع شهر ديسمبر/كانون الأول الجاري. وهناك دلالة لاختيار نعومكن موقع المونيتور لنشر مقالته، ومن المفيد الإشارة إلى أن دانيال يمتلك، أيضاً، حصة كبيرة في صحيفة السفير اللبنانية، القريبة من النظام السوري، وله مكتب رسمي ومراسلون إسرائيليون في تل أبيب، وكان قد أدار حملة العلاقات العامة لصالح حكومة بشار الأسد في الولايات المتحدة في مايو/ أيار2005، عندما وقعت دمشق عبر سفيرها في واشنطن، حينئذ، اتفاقية مع شركة (نيوبريدج ستراتيجيز)، لتحسين صورة النظام في الولايات المتحدة. وعبر علاقاته الوثيقة بدوائر اللوبي الإسرائيلي في واشنطن، وصداقته مع عائلة بوش، خصوصاً أنه شريك شقيق الرئيس السابق، نيل بوش، في عدة أعمال تجارية، قدم دانيال خدمات كبيرة للنظام السوري في الولايات المتحدة.

وجاء في مقال نعومكن إنه مع تلاشي المعارضة المسلحة المعتدلة على الأرض في سورية، فإن طرفي الصراع الرئيسيين اليوم هما الجماعات الإسلامية المتشددة والنظام السوري، “وإن بقاء نظام الأسد من ثم قد يكون السبيل الوحيد للحفاظ على الدولة السورية ومنعها من الانهيار”، أو سيطرة المتشددين الإسلاميين عليها. ولتحقيق هذا الهدف، تسعى المبادرة الروسية، كما يقول نعومكن، إلى عقد مؤتمر سوري، يجمع أطراف الأزمة في موسكو، أولاً، ثم ينتقل الاجتماع إلى دمشق، ويشارك فيه ممثلون عن نظام بشار الأسد، وأطراف من المعارضة السورية، مثل الرئيس السابق لائتلاف قوى الثورة والمعارضة السورية، معاذ الخطيب، وعباس حبيب ممثلاً عن مجلس العشائر السورية، وقدري جميل المعارض القريب من نظام الأسد، والذي يقيم في موسكو منذ إقالته من منصبه، نائباً لرئيس مجلس الوزراء في سورية عام 2013، وأعضاء من هيئة

دي ميستورا

التنسيق التي غالباً ما يشار إليها بالمعارضة الداخلية، وقد أعرب هؤلاء جميعاً، بحسب نعومكن، عن استعدادهم للحضور من دون اشتراط تنحي الرئيس بشار الأسد، وعن دعمهم للحرب على تنظيم الدولة، وإجراء مصالحات بين أطراف الصراع من السوريين.

ولكن، ثمة أفكار أخرى، سعى أصحابها إلى ترويجها في الإعلام، وإكسابها أهمية في الغرب. وهي الأكثر مباشرة في طرحها، لضرورة الحفاظ على بقاء الأسد. وهي لا تستحق تسمية مبادرات. منها التي يقودها ديفيد هارلاند، المدير التنفيذي لمركز الحوار الإنساني، والذي يتخذ من جنيف مقراً، وشريكه في الطرح الصحافي الأميركي، نير روزن، الذي وضع تقريراً في 55 صفحة عن خطة، يطرحها المركز لإبرام هدن محلية في سورية، تشكل منطلقاً لإنهاء الصراع الدائر منذ 4 سنوات. والمعروف أن مركز الحوار الإنساني هو الذي توسط لإبرام وقف إطلاق النار في حمص بين النظام وقوات المعارضة.

هدن محلية أم إعادة تأهيل للنظام؟

كاتب التقرير نير روزن صحافي أميركي، قريب من دوائر اللوبي الصهيوني في واشنطن، وهو من أكثر الصحافيين الغربيين إثارة للجدل، وقد أثار تقرير ظهر في صحيفة تلغراف البريطانية مطلع عام 2012 عن مراسلات سرية بين روزن ومسؤولين في النظام السوري ضجة كبيرة في أوساط الاعلام الغربي، إذ تبين، في وثائق حصلت عليها “تلغراف” بعد اختراق البريد الإلكتروني الشخصي لبشار الأسد، أن روزن كان يزود النظام السوري بمعلومات عن تحركات زملائه من الصحافيين الغربيين في مدينة حمص، في أثناء تغطيتهم المعارك التي اشتعلت في أحياء حمص القديمة بين النظام والكتائب التي شكلها أهالي حمص، للدفاع عن أنفسهم، وذلك في ربيع عام 2012. وفي إحدى الرسائل الإلكترونية التي كان يحاول فيها ترتيب مقابلة مع الأسد، ذَكَّرَ روزن بتغطيته الإيجابية سياسات النظام السوري وممارساته، عبر مقالات نشرها في قناة الجزيرة الانجليزية. وفي رسالة جرى توجيهها إلى بشار الأسد، لإقناعه بإجراء مقابلة معه، يقول روزن “تَمَكنتُ من دفع قناة الجزيرة الانجليزية إلى عرض المسيرات المؤيدة للنظام، كما نجحت في دفعها إلى توضيح أن بشار الاسد وحكومته يحظيان بدعم وتأييد كبيرين في سورية، وأن هناك بالتأكيد جماعات مسلحة تطلق النار على قوات الأمن السورية التي تجد نفسها مضطرة للدفاع عن نفسها”.

وقد ظهرت أفكار هارلاند- روزن، أول مرة، في الرابع من نوفمبر/تشرين الثاني 2014، في عمود رأي كتبه ديفيد أغناتيوس في صحيفة واشنطن بوست، وبسبب الضجة التي أثارها العمود، أرسل روزن خطاباً مفصلاً عن الموضوع، نشره جيمس تراوب في مجلة فورين بوليسي، في الرابع عشر من الشهر نفسه، بعنوان” بشار الأسد ومساومات الشياطين”. وقد عادت تفاعلاتها مجدداً إلى الظهور، في تقرير أخير في “فورين بوليسي”، كتبها محرر شؤون الشرق الأوسط ديفيد كينر.

والحقيقة أن الحديث، هنا، عن فردين”تطوعا” لاختراق جبهات الثوار، وللتواصل مع أجهزة النظام، ولتقديم أفكار لم يطلبها منهما أحد، ولا أحد يعلم من تخدم، ولماذا قدمت؟ ولولا أنهما من “العرق” الأبيض المتفوق، ولولا أن موضوع الحديث هو العرب، وعن كيفية مكافحة الإسلاميين، لما أعارهما أحد اهتماما. ولنتخيل، مثلاً، لو ظهر صحفيان عربيان بدون صفة أخرى في مناطق الصراع في إيرلندا، في سبعينيات القرن الماضي، وطرحا حلولاً لمشكلة إيرلندا الشمالية، هل كان سيعيرهما أحد انتباهه؟ وهل كانت “فورين بوليسي” ستفرد لهما مقالاً؟

وعلى الرغم من أن التقرير صدر عن مركز الحوار الانساني الذي يرأسه هارلاند، فإن المركز رفض المسؤولية عنه، وطلب الإشارة إليه باعتباره من تأليف روزن. النص، إذن، لا يستحق أن

الصحفي الأميركي نير روزن

يسمى تقريراً، بل هو ورقة قدمها صحفي مغامر في أفضل الحالات، وشخص يعمل عن وعي لصالح أطراف معادية للشعب السوري في أسوئها. يحاول روزن تسويق فكرة أن المعارضة السورية سلكت طريق التطرف الذي لا عودة عنه، وأن نظام بشار الأسد يبقى، في المقابل، غير طائفي بطبيعته وتكوينه، وأن حل الصراع يمكن أن يتم بعد أن فشلت كل المساعي الدولية لإنهائه، عبر هدن محلية، يجري التوصل إليها عبر الأمم المتحدة بين المجتمعات المحلية والنظام، وبما يسمح بعزل المتطرفين وتشكيل قوة مشتركة لمواجهتهم، لكن ذلك سوف يتطلب، بالطبع، التخلي عن شرط رحيل الرئيس السوري، بشار الأسد، عن السلطة.

يقوم تقرير روزن، في جزء كبير منه، على مقابلات أجراها المؤلف مع مسؤولين سياسيين وأمنيين في نظام بشار الأسد، وقد جرى تقديم التقرير إلى مسؤولين في إدارة الرئيس الأميركي، باراك أوباما، في محاولة للحصول على دعمهم للمبادرة، ومستغلاً غياب أي سياسة واضحة لواشنطن تجاه المسألة السورية.

وفيما يحاول إعادة تسويق نظام بشار الأسد باعتباره نظاماً “علمانياً وحداثياً وغير طائفي”، بحسب زعمه، فإن روزن يحاول، في المقابل، أن يتجاوز عن كل الجرائم التي ارتكبها بحق السوريين، بما فيها المسؤولية عن قتل مئات الألوف منهم وتهجير الملايين وتدمير أكثر من نصف البلاد. أما المعارضة فيصفها بالمتطرفة والمعادية للمرأة والحداثة والعلمانية والديموقراطية، و”لكل ما هو غير سني”، وكأن هذه المواقف بافتراض صحتها تصلح مادة للمقارنة بالجرائم التي ارتكبها النظام. بغض النظر، وسواء نجح روزن (وأمثاله من “المتطوعين” الذين يظهرون فجأة في مناطق الصراع) في تسويق مبادرته في الغرب، الذي لم يقدم لثورة الشعب السوري، منذ البداية، إلا دعماً كلامياً، ساهم ربما في زيادة الوضع سوءاً، أو فشل، فالأكيد أنه لن ينجح في تسويقها بين أصحاب الشأن من السوريين الذين قطعوا مع النظام، وقرروا أن لا عودة عن الطريق الذي سلكوه.

يدرك الناس في سورية خطورة نشوء الميليشيات المسلحة المتطرفة التي لا تتبنى شعارات الثورة وبرنامجها، بل تحمل نقيضها. ولكن، ثمة حقيقة باتت بديهية لسوريين كثيرين، هي أنهم يحملون النظام المسؤولية ليس فقط عن الاستبداد، بل عن حقيقة أن هذا الاستبداد هو الذي دفع إلى نشوء الثنائية بينه وبين والإرهاب، نبوءة تحقق ذاتها، تماماً مثل ثنائية “الأسد أو نحرق البلد”. وقد يعتقد بعضهم في الغرب أن الأسد أفضل من داعش، ولكن في الشرق لا يجري أحد مثل هذه المفاضلة الوهمية، فهذه ثنائية الاستبداد ومفاضلاته التي تهدف إلى تبرير وجوده. الناس في الشرق لا يريدون هذا ولا ذاك. ويحملون الاستبداد وعقليته وسلوكه وجرائمه المسؤولية بالدرجة الأولى.

العربي الجديد

 

 

 

 

 

هل من صفقة سياسية في أفق سوريا؟/ حسن السوسي

كانت لغة الحرب أو لغة التهديد بها، هي السائدة خلال السنوات الأربع الأخيرة في منطقة الشرق الأوسط، وخصوصاً في سوريا والعراق بالنسبة للحالة الأولى، وإيران ولبنان، الى حد ما، بالنسبة للحالة الثانية. اما بخصوص إسرائيل وفلسطين، فيمكن القول: انها مستقرة في حرب دائمة منذ عقود طويلة، ولا يغيّر من واقعها شيئاً، اتفاقات تعقد هنا، أو مفاوضات تُجرّب هناك. ولا يبدو في الأفق المنظور ما يوحي بأنها ستخرج من دائرة الحرب. وآخر تجسيد لهذا الواقع الجريمة البشعة التي ذهب ضحيتها الوزير الفلسطيني زياد ابو عين والتي اقترفها جنود الاحتلال الاسرائيلي ببرودة دم منقطعة النظير.

لكن يبدو ان مختلف القوى المتصارعة تشعر بالتعب الشديد من استمرار الأوضاع على ما هي عليه، من توتر ومواجهات. وبدأت تدرك، وان بشكل متفاوت، ان اعتماد أسلوب الحرب وتبني لغتها، والتهديد بها، يمكن ان يجر من الويلات على مختلف تلك الأطراف، ما لا قبل لها به، من مضاعفات كارثية على مختلف المستويات، فباشرت تستطلع إمكانات اعتماد أساليب الحوار والمفاوضات لنزع فتيل الحروب، وتهدئة الأوضاع، وخلق شروط ملائمة لعقد صفقات سياسية، وربما استراتيجية تمكن المنطقة من التقاط الأنفاس، وعدم الانجرار الى مواجهات إقليمية ودولية مفتوحة وخارج السيطرة، فيما تواصلت مؤشرات التصعيد السياسي والميداني الى ما لا نهاية.

وفي سياق هذا الإدراك، تندرج زيارة الوفد السوري الرسمي الى روسيا واللقاء بين وليد المعلم والرئيس فلادمير بوتين ووزير الخارجية سيرغي لافروف من جهة، وزيارة وفد من المعارضة السورية الى موسكو من جهة أخرى. ومما لا شك فيه ان هاتين الزيارتين تجسدان محاولات روسيا، وأطراف الصراع في سوريا،

لقاءات استمزاج الآراء ليست هي العامل المحدد في مجال بلورة ارضية سياسية للحل المنشود

إيجاد ارضية للحوار بين المعارضة وبين النظام في موسكو، بعد ان تعذر القيام بذلك، بشكل جدي، في جنيف، نظراً لسياق تنظيمه، وارتفاع السقوف التي وضعها الداعون اليه والمشاركون فيه لمطالبهم الدنيا، ما جعل مستحيلاً تسجيل أي تقدم ملموس في معالجة الأزمة في سوريا.

ففي وقت تحرص دمشق على اعتبار ان الحوار ينبغي ان يكون بين السوريين أنفسهم من دون تدخل خارجي، فإن المعارضة التي حضرت الى جنيف لم تكن ترغب إلا في أن ترى الرئيس السوري بشار الأسد خارج المشهد السياسي، وبالتالي، فإن الاصطدام بين الموقفين المتناقضين أدى الى انتهاء اجتماعات المؤتمر من دون تسجيل أية نتائج إيجابية تذكر. وقد ساهم في صنع هذا الواقع حرص ما سمي بأصدقاء سورية على حضور «الائتلاف» الذي تشكل في الخارج برعاية تركية قطرية وغربية واستبعاد قوى المعارضة الوطنية السورية في جلسات المؤتمر. ومنذ ذلك الحين طرحت الدول المؤيدة للائتلاف المعارض فكرة العمل على تغيير موازين القوى على الأرض تساعد في الدفع الى إيجاد حل سياسي للازمة السورية على خلفية ابعاد بشار الاسد من الصورة. وهي لم تكن تسمح حتى بإثارة موضوع إشراك معارضة الداخل في المساعي الرامية الى إيجاد حل سياسي للازمة.

غير ان هذا التحوّل المنتظر في موازين القوى على الساحة السورية، عندما وقع، اتخذ منحى جديداً، تماماً، وذلك بدخول تنظيم «داعش» الإرهابي على الخط، ليس في سوريا فحسب، وانما، أيضاً، في العراق. الأمر الذي دفع مختلف أطراف الصراع، على الساحة السورية، الى اعادة تقييم مواقفها، في ضوء هذا المستجد، وهذا الخطر الداهم لكل دول المنطقة. وفي هذا السياق تم تشكيل التحالف الدولي تحت قيادة الولايات المتحدة الأميركية، وبدأ شن غارات جوية على مواقع التنظيم في العراق وسورية، قصد وقف تمددها واجتياحها لمزيد من الأراضي. وقد ترافق هذا مع حرص دول التحالف على عدم الدفع باتجاه حسم المعركة ضد «داعش» في الزمن المنظور بل أكدت مصادر التحالف ان هذه المعركة قد تستغرق وقتاً طويلاً جداً.

في ظل هذا المناخ العام تحركت روسيا الاتحادية بشكل سياسي تجاه الأزمة السورية في الشهرين الأخيرين على الخصوص من خلال استقبال وفود رسمية ومعارضة في موسكو.

وقد ترافقت زيارة الوفد الرسمي برئاسة وليد المعلم ووفد للمعارضة السورية، ضم معاذ الخطيب الى جانب آخرين، بأحاديث عن وجود مبادرة روسية لحل الأزمة، ذهب البعض في تأويلها الى إمكانية وجود تعارض جوهري بين موسكو ودمشق حول الحل السياسي، وبأن هذه المبادرة الافتراضية يمكن ان تتحول الى نقطة تصادم بين القيادتين الروسية والسورية. غير ان روسيا ما لبثت أن نفت، بشكل قاطع، وجود مثل هذه المبادرة، وان دورها وتحركها، في الوقت الراهن، لا يعدو القيام بنوع من استمزاج آراء بعض أطراف الأزمة السورية، والتعرف على الإمكانيات المتاحة لعقد اجتماع، في المستقبل، بين النظام السوري وبين أطراف معتدلة من المعارضة. واكدت لمن هو بحاجة إلى تأكيد، ان موقف موسكو المساند للشعب السوري لم يتزحزح، وليس محل أية شكوك، وأنها تقدم للقيادة السورية كل أشكال الدعم التي هي بحاجة اليه، لحماية مصالح بلادها العليا، وبما يسمح بإعادة الأمن والاستقرار الى ربوعها ضد كل محاولات القوى الإرهابية، والقوى الاقليمية والدولية التي تدعمها، تقويض مقومات الدولة السورية، وانتهاك سيادتها او النيل من وحدتها الوطنية.

وإنه لأمر له دلالاته السياسية والاستراتيجية العميقة، رفض موسكو بعض الدعوات، القديمة – الجديدة، الى ابعاد الرئيس بشار الأسد عن السلطة، والقبول بأية شخصية أخرى، يختارها النظام ذاته، لشغل منصب الرئاسة. ذلك ان موسكو تعتبر ان شرعية الرئيس الأسد ليست موضع تساؤلات أو شكوك، وبالتالي، فإنه مرشح للعب دور رئيسي في عملية البحث عن حل سياسي لأزمة البلاد التي فاقمها نشاط التنظيمات والجماعات الإرهابية المتطرفة المدعومة من قوى إقليمية ودولية وضعت في صلب تحركاتها السياسية الإطاحة بموقع سوريا وإلحاقه بأحلاف مضادة.

وبطبيعة الحال، فإن لقاءات استمزاج الآراء والإعلان المتجدد للمواقف الخاصة بهذا الطرف أو ذاك ليسا العاملين المحددين في مجال بلورة ارضية سياسية تكون أساس الحل السياسي المنشود في سورية. ذلك ان مواقف الولايات المتحدة الاميركية والروسية لم تبرح تناقضها الجوهري، خصوصاً ان واشنطن جددت رغبتها غير مرة بأنها ترغب في تسليح بل وتباشر تسليح بعض جماعات المعارضة التي تعتبرها معتدلة كما انها حريصة كل الحرص على الا تكون دمشق هي المستفيد الأساسي من عمليات التحالف ضد «داعش».

والحال ان استمرار شد الحبل بين موسكو وواشنطن، بهذا الشكل، لا يوحي بان هناك إمكانية جدية للحل السياسي في سوريا لا سيما ان أعداء دمشق لا يرغبون في ان تكون هي المستفيدة من كل الحلول المتخيلة وفق موازين القوى الحالية على الأرض، وتصاعد خطر تنظيم «داعش» الإرهابي الذي يهدد بالتمدد الى دول الجوار إن لم يكن الى أبعد منها بكثير.

* كاتب مغربي

الأخبار

 

 

 

2015:حلول لسوريا؟/ محمد إبرهيم

مع انتهاء 2014 واقتراب العام الرابع على الحرب في سوريا من نهايته تبدو المسافة بعيدة بين واقع التشرذم في كل مستويات هذه الحرب وطموحات المبادرتين المطروحتين لإنهائها.

المبادرة لجمع ممثلين للنظام وللمعارضة في روسيا، بدون شروط مسبقة، تبدو في مآلها الأخير موجهة لإحداث فرز في صفوف المعارضة بين المستعدين لتسوية مع النظام، والآخرين الذين ما زالوا يضعون شرط إزاحة رموزه كمقدمة، أو كخاتمة، لأي تفاوض.

معارضة الداخل وقسم من قوى “الائتلاف الوطني” في الخارج، يمكن أن يتوافقا على برنامج للتفاوض في القاهرة، يحملانه إلى موسكو بحثا عن صيغة تترجم مبدأ الحكومة الانتقالية ذات الصلاحيات. لكن في الطريق إلى ذلك من الواضح أن الاستقطاب سيزداد حدّة داخل صفوف المعارضة الخارجية التي تشكو أصلا من ضمور مساهمتها العسكرية.

هذه الحصيلة التي تشكل تعزيزا للموقع الروسي في الحرب، هي المرجّحة على التصور الآخر الذي يدرج المسعى الروسي في إطار تفاهم غامض مع الطرف الأميركي يمكن أن يشكل الشق السياسي المكمل للحرب التي يخوضها الائتلاف الدولي ضد “داعش”.

كذلك فإن مبادرة مبعوث الأمم المتحدة ستيفان دي ميستورا لوقف متدرج للنار ابتداء من حلب لن تنتهي، كما هو مرجّح، إلا بإثبات أن تشتت المعارضة الممسكة بالسلاح يمنع تحويل تصوّر ميستورا الأصلي سلسلة من الإنجازات تنتشر من منطقة إلى أخرى.

كيف يمكن روسيا المشتبكة مع الولايات المتحدة في أوكرانيا أن تكون الوكيل المعتمد لدى واشنطن بحثا عن مخرج للحرب السورية؟ وكيف يمكن المبعوث الدولي أن يرتفع فوق فسيفساء المواقع والقوى لينجح في وقف الحرب عمليا بعد تعذّر وقفها سياسيا؟

ما زال تصنيف الحرب السورية باعتبارها المظهر الأبرز للاشتباك السني – الشيعي الإقليمي هو الأقدر على الإشارة إلى أبواب الحل. وعلى هذا الصعيد تبدو الأمور في اتجاه المزيد من العقد لا الحلول. فإيران التي ما زالت متهمة بالتمدد من الحدود الجنوبية للسعودية، في شبه دائرة، وصولا إلى سواحل غزة، تتهم بدورها جيرانها الخليجيين بمحاولة خنقها إقتصاديا عبر أسعار النفط، وبدعم غير مباشر للجماعات الإرهابية. وحتى اللغة الديبلوماسية في العلاقات الإيرانية – التركية لا تنجح في تلطيف تنافسهما المحموم على سوريا والعراق. والمصالحة المصرية – القطرية برعاية سعودية ألا تندرج في مسعى تعزيز العمق الخليجي في المواجهة مع إيران؟ حتى “الاشتباك” الروسي – الأميركي في سوريا يبدو تابعا، أو نتيجة من نتائج إنفلات الصراع السني – الشيعي بما هو صراع بين دول قادرة، وحدها، متى شاءت على إخماد مظاهره غير الرسمية، على كثرتها.

النهار

 

 

 

 

أسوأ ما في الموضوع السوري/ خيرالله خيرالله

أدّت الأحداث التي تدور على الأرض إلى تجاوز طرح المبعوث الدولي ستيفان دو ميستورا. جاء سيطرة الثوار على معسكري وادي الضيف والحامدية قرب إدلب لتؤكّد أن كلّ كلام عن هدنة في حلب تريح القوّات التابعة للنظام السوري هو من النوع الذي لا قيمة له.

لم يكن طرح دو ميستورا بريئا بأي شكل من الأشكال أو مقياس من المقاييس، في حال أخذنا في الإعتبار ردود فعل السوريين العاديين الذين يعرفون ماذا يريدون. والهدف الذين يطمحون إليه.

يعرف السوري العادي بكلّ بساطة أنّ ثلاث سنوات وتسعة أشهر من التضحيات لا يمكن أن تنتهي ببقاء بشّار الأسد في السلطة. هذا غير مقبول من السوريين أوّلا ومن الذين يقاتلون النظام ثانيا وأخيرا. بات الذين يقاتلون النظام والذين يدعمونه على علم تام بنقاط ضعفه وبالوسائل التي يستخدمها من أجل مزيد من المراوغة.

لعلّ أكثر من يعرف ذلك الجانب الروسي الذي ينسّق حاليا مع دو ميستورا الذي يحظى بدوره بدعم اللوبي السوري في الولايات المتحدة. وهذا اللوبي ليس بعيدا عن الأوساط الإسرائيلية التي لا تمانع في استمرار الحرب التي يشنّها النظام على شعبه إلى ما لا نهاية وذلك بغية التؤكّد من أنّه لن تقوم لسوريا قيامة في يوم من الأيّام.

يعتبر سقوط المعسكرين اللذين كانا يعتبران من بين الأكثر تحصينا في سوريا حدثا في غاية الأهمّية. وادي الضيف نفسه كان يوصف بأنّه أقرب إلى إسطورة وقد فشلت محاولات عدة لإسقاطه في السنوات الثلاث الماضية، خصوصا أنّه كان في محاذاته من كان يتظاهر بأنّه يقاتل النظام، في حين أنّه كان في واقع الحال من العاملين لديه والداعمين له بكلّ الوسائل.

كان سقوط وادي الضيف والحامدية بحجم سقوط مطار الطبقة العسكري ومعسكر الفرقة قرب دير الزور. كانت الفرقة التي تضمّ عددا كبيرا من الضباط والعناصر العلوية تعتبر من أهمّ الفرق التابعة للنظام ومن أفضلها تسليحا.

بعد الآن سيجد النظام والذين يدعمونه صعوبة في إيصال امدادات إلى القوات التابعة له والتي تسعى إلى استعادة السيطرة على كلّ حلب، أو أقلّه على جزء اساسي منها.

في كلّ الأحوال، إنكشف المبعوث الجديد للأمم المتحدة باكرا. لم تعد البضاعة التي يعرضها قابلة للتسويق، خصوصا أن الوضع على الجبهة الجنوبية، أي في درعا والغوطة ومحيط القنيطرة يتطوّر لمصلحة الثوّار، مع فارق أن حضور «الجيش الحرّ» على طول هذه الجبهة أفضل بكثير من حضوره في مناطق الشمال. ففي الشمال، هناك الوجود القوي لـ»جبهة النصرة» التي تعتبر جزءا لا يتجزّأ من الحركات المتطرّفة، علما أن سلوكها على الأرض ليس بسوء سلوك «داعش».

باختصار شديد، لا تحتاج سوريا في الوقت الراهن إلى خطط من نوع تلك التي طرحها دو ميستورا لحلب. كلّ ما تحتاجه هو إلى وضوح في الرؤية من منطلق أن النظام السوري انتهى وذلك بغض النظر عن كلّ المساعدات التي تؤمّنها له كلّ من روسيا وايران ومن يلوذ بهما. إنتهى النظام السوري في اليوم الذي لم يجد فيه ما يواجه به المراهقين في درعا غير القمع. إنتهى في اليوم الذي ثارت درعا ودمشق وحمص وحماة وحلب ودير الزور وحتّى اللاذقية.

إنتهى النظام عمليا في اليوم الذي لم يعد سرّا أنّه نظام طائفي ومذهبي أوّلا وأخيرا وأنّه لولا تدخّل «حزب الله» والميليشيات الشيعية العراقية لمصلحته بطلب ايراني مباشر، ومن منطلق مذهبي بحت، لكانت العاصمة تحرّرت من سطوته منذ فترة طويلة.

هناك حرب مذهبية في سوريا، وإذا كان المطلوب تسمية الأشياء بأسمائها، لا يمكن للعلويين الإنتصار في هذه الحرب، ما دامت الأكثرية الساحقة من السنّة ترفض استمرار هيمنتهم، كما ترفض استمرار هيمنة آل الأسد واقربائهم على مقدرات البلاد. هناك بكلّ بساطة رفض شعبي سوري لبقاء البلد سجنا كبيرا ومزرعة لدى عائلة من العائلات والمحيطين بها من المنتمين إلى مذهب معيّن.

كشفت الثورة السورية حقيقة كلّ الشعارات، من نوع «الممانعة» و»المقاومة» التي استخدمها النظام من أجل تبرير وجوده طوال ما يزيد على أربعة وأربعين عاما. صار كلّ شيء ظاهرا للعيان في سوريا. لم يعد سوى سؤال واحد: من يريد إطالة عمر النظام الذي لا يمتلك ما يتحاور به مع شعبه غير البراميل المتفجّرة؟

الجواب الصريح أنّ لا قرار كبيرا، أقلّه إلى الآن، بتحرير دمشق. الدليل على ذلك ردّ فعل الرئيس باراك أوباما الذي تجاهل فجأة الخطوط الحمر التي وضعها عندما استخدم النظام السلاح الكيميائي في محيط دمشق صيف العام .

في حال كانت حاجة إلى صراحة أكثر، يمكن القول أنّه لا قرار أميركيا يسمح بتوجيه ضربة قاضية للنظام. هذا ما لا يدركه، أو ما يدركه تماما، مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة، مثلما أنّه يتظاهر بعدم إدراك أن التطورات على الأرض تجاوزت طرحه.

الأخطر من ذلك، أنه كلّما بقي النظام في دمشق، كلّما قويت «النصرة» و»داعش» وكلّ القوى المتطرفة التي يعتقد النظام أنّها تخدم مصلحته نظرا إلى أنّها تظهره في مظهر من يشارك فعلا في الحرب الدولية على الإرهاب.

يقول الواقع عكس ذلك تماما. يقول الواقع أنّ أي اطالة المأساة السورية عبر الإمتناع عن وضع خطة واضحة قابلة للتنفيذ تفضي إلى الإنتهاء من النظام ومن على رأسه، هو أفضل خدمة للتطرّف والمتطرفين الذين سيزداد عديدهم بعد نجاح «النصرة» في اسقاط معسكر وادي الضيف، في وقت تولت مجموعات أخرى على رأسها «حركة أحرار الشام» أمر معسكر الحامدية. كلّما تحققت انتصارات من هذا النوع، زاد عدد السوريين المنضمين إلى التنظيمات المتطرفة. هل جاء دو مسيتورا إلى سوريا لتنفيذ هذا المخطط الذي لا تبدو الإدارة الأميركية بعيدة عنه؟ بكلام آخر، هل جاء من أجل إطالة الحرب في سوريا، بما يكفل تفتيتها نهائيا؟ لعلّ هذا أسوأ ما في الموضوع السوري هذه الأيّام…

المستقبل

 

 

 

 

 

المواجهة الأميركية – الروسية بـ«قواعد» مختلفة/ رائد جبر

قبل الإعلان الأميركي – الكوبي «المفاجئ» عن إطلاق تطبيع العلاقات، كان الخبراء الروس يروّجون لمقولة تعكس نظرة غالبية واسعة في روسيا لملامح المواجهة بين روسيا والغرب: «حرب باردة جديدة بقواعد مختلفة». لا يخفى المقصود، فخلافاً لعهود «الحرب الباردة» تجاهل طرفا «الحرب» الجديدة القاعدة الرئيسة المتعلقة باحترام كل طرف مصالح الآخر في مناطق نفوذه.

تحت هذا العنوان وضع الخبراء التحركات العسكرية لحلف شمال الأطلسي في بعض بلدان الفضاء السوفياتي السابق والسباق المحموم لـ «انتزاع» أجزاء من منطقة آسيا الوسطى ومناطق أخرى تبدو حالياً أكثر أهمية مثل مولدافيا وأوكرانيا، من دائرة النفوذ الروسي. في المقابل بدأت موسكو نشاطاً زائداً في منطقة اميركا اللاتينية وحوض الكاريبي، تُوِّج في شباط (فبراير) الماضي بعودة الحديث عن خطط لنشر قواعد عسكرية روسية في المنطقة.

لكن «القواعد المتغيّرة» معرّضة دائماً لـ «مفاجآت» تقلب موازينها، منها الإعلان الأميركي – الكوبي الأخير الذي اعتبره بعضهم في موسكو «ضربة قوية في توقيت دقيق»، على رغم ان عنصر «المفاجأة» كان موضع تشكيك. فالتقارب الأميركي – الكوبي كان «تطوراً طبيعياً ومتوقعاً منذ تنحّي الرئيس فيدل كاسترو»، وفق خبير قريب من مؤسسة الديبلوماسية الروسية، اعتبر أن السؤال كان دائماً: متى وكيف؟

والعنصر السيء في المسألة لا يكمن في «إنجاز» كوبا، فالأهم إنه يمهّد لإضعاف خططٍ عملت لها موسكو طويلاً في المنطقة.

وخلافاً لفنزويلا مثلاً، لم يكن «الصديق الكوبي القديم – الجديد» كما يحلو للصحافة الرسمية ان تصفه، شريكاً تجارياً مهماً لروسيا، ففي عام 2013 لم يتجاوز حجم التبادل التجاري بينهما 185 مليون دولار، ولم يتجاوز في النصف الأول من السنة الجارية 30 مليون دولار، أي أقل بمرتين مقارنة بالفترة ذاتها العام الماضي. وعلى رغم ان موسكو وهافانا وقّعتا عشرات الاتفاقات، ابرزها اتفاق أولي للتنقيب في حقل بوكا دي هاروكو، تواجه روسيا بمنافسة قوية من إسبانيا والنروج وفنزويلا والصين وكندا. وكان الرئيس فلاديمير بوتين أصدر مرسوماً بشطب 90 في المئة من ديون متراكمة على كوبا منذ عقود، لكن خبراء عزوا «الكرم الروسي» ليس إلى مصالح روسيّة، بل إلى «براغماتية هادئة»، باعتبار أن هذه الديون ميتة أصلاً. ولا تملك روسيا آفاقاً ولا ترغب في ضخ استثمارات جديدة في الاقتصاد الكوبي.

ومع أن كوبا ليست شريكاً عسكرياً اساسياً لروسيا التي باعت في منطقة اميركا اللاتينية خلال عشر سنين أسلحة ومعدات بقيمة 14 بليون دولار، كان نصيب فنزويلا منها 80 في المئة، اتجهت الأنظار الى هافانا في شباط (فبراير) الماضي، عندما تردّدت أحاديث عن احتمال إنشاء قاعدة تجسس روسية متقدمة في الجزيرة الكوبية.

اللافت ان هذا الحديث ليس جديداً، فهو بدأ في العام 2008 خلال الحرب الروسية – الجورجية، وعلى رغم ان وزارة الدفاع الروسية كذّبت آنذاك تسريبات صحافية لمحادثات اجراها بوتين مع كاسترو في هذا الشأن، واضح ان الملف طرح على الطاولة منذ تلك المرحلة.

في ذلك الوقت سعى بوتين الى التقليل من اهمية المسألة، وقال في مؤتمر صحافي أن روسيا «لا ترى ضرورة لإنشاء قواعد عسكرية دائمة في كوبا وفنزويلا، ولكن يمكنها استخدام البنى التحتية في البلدين عند الضرورة». كانت تلك الإشارة الأولى «التحذيرية» لواشنطن وفق الصحافة الفنزويلية.

لكن الظروف المتغيّرة دفعت موسكو الى إحياء هذا الملف بقوة، بعد قرارها ضمّ القرم، وأعلن وزير الدفاع سيرغي شويغو في شباط أن روسيا «تخطط لتوسيع وجودها العسكري الدائم خارج حدودها، من خلال وضع قواعد عسكرية في عدد من الدول بينها كوبا وفنزويلا ونيكاراغوا وفيتنام وسنغافورة».

وأُعلِن عن محادثات لفتح مركز تنصت في كوبا، ووصلت بعد ذلك مباشرة سفينة التجسس الروسية «فيكتور ليونوف إس إس – 175» إلى هافانا، ثم ظهر عدد من السفن الحربية في فنزويلا وكوبا، وبدا ان موسكو جدية هذه المرة في توسيع وجودها العسكري والتجسسي في المنطقة.

وأبدى خبراء عسكريون اقتناعهم بأن روسيا «ليست مهتمة على الأرجح بإقامة قواعد عسكرية متطورة في فنزويلا أو نيكاراغوا أو كوبا، وإنما تنوي إنشاء محطات صغيرة لتزويد سفنها وطائراتها الحربية بالوقود» على غرار المركز الروسي في طرطوس السورية. لكن بعضهم اعتبر اخيراً أن التقارب الأميركي – الكوبي سيضع قيوداً حتى على تحرك من هذا النوع.

من جهة ثانية دعت موسكو الرئيس باراك اوباما وعدداً من قادة الدول للمشاركة في احتفالات الذكرى السبعين لانتصار الحلفاء في الحرب العالمية الثانية المقررة في ايار (مايو) المقبل.

وقال يوري اوشاكوف احد مستشاري الكرملين الاثنين ردا على سؤال حول ارسال دعوة للرئيس الاميركي «بالطبع». وقال ان «قائمة المدعوين اعدت بناء على قائمة الذكرى السابقة للنصر. نحن ندعو بالطبع كل دول الحلف المناهض لهتلر، وحلفاءنا، وأهم وأبرز شركائنا، وهذا يشمل دول مجموعة بريكس» التي تضم البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب افريقيا. وان الزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ اون قد يحضر كذلك الى موسكو بمناسبة هذه الاحتفالات التي ستجرى في 9 ايار، حيث وجهت اليه دعوة.

الحياة

 

 

 

قراءة صادمة للحرب السورية برسم الخارجية الأميركية النظام ليس الأسوأ في المنطقة والأسد قد يرحل بعد 5 سنوات/ موناليزا فريحة

يعيد باحث أميركي النظر جذرياً في مفاهيم تحقيق السلام في سوريا، في تقرير يمثل اعادة تقويم هي الاكثر جذرية لديناميات الحرب منذ بدء النزاع قبل نحو أربع سنوات.

في تقرير نير روزن، الصحافي الاميركي السابق والباحث في مركز الحوار الانساني، المنظمة التي تتولى التوسط في النزاعات ومقرها جنيف، الكثير من التحليل الشخصي المرتكز خصوصاً على اقتباسات من مسؤولين سوريين.وفيه أيضاً أن المعارضة المسلحة صارت متطرفة الى حد كبير، بينما النظام غير طائفي بطبيعته. وخلاصته أن المخرج الوحيد من النزاع هو “هدنات محلية” ترعاها الامم المتحدة بين المعارضة المسلحة والنظام ، الامر الذي يمهد الطريق لانهاء حمام الدم وظهور مؤسسات محلية، وإن يكن على حساب التخلي عن الجهود المبذولة لاجبار الرئيس السوري بشار الاسد على التخلي عن السلطة قبل مدة أقلها خمس سنوات!

المفارقة أن هذا التقرير هو نتيجة لقاءات عقدها روزن مع مسؤولين ومحللين أميركيين في واشنطن، ومحاولة للرد على أسئلة طرحت عليه خلال تلك النقاشات. وقد أرسله الى مسؤولين في وزارة الخارجية الاميركية ومجلس الامن القومي، حيث وزع على المجموعات التي تعنى بسوريا. وإذ تشير النسخة التي حصلت عليها “فورين بوليسي” الى أن التقرير يمثل آراء روزن لا الموقف الرسمي لمركز الحوار الانساني، تلفت المجلة الاميركية الى أن التقرير يتضمن مراراً جملاً تعكس ضمناً رأي الكاتب والمؤسسة التي يعمل لها، كما أنه يؤكد أن المركز اضطلع بدور في تسهيل هدنة حمص، و”ساهم في اقناع النظام السوري بأهمية مثل هذه الاتفاقات”.

وبالنسبة الى محرر شؤون الشرق الاوسط في “فورين بوليسي” ديفيد كينير، ليس هذا التقرير مجرد استشارة سياسية، وإنما يمثل جهداً لاعادة النظر جذرياً في الافتراضات الغربية في شأن طبيعة النزاع السوري وفريقي الحرب.

تلميع صورة النظام

ففي ما خص النظام مثلاً، يحاول الباحث اعادة تلميع صورته، قائلاً: “مع أن الدولة السورية لم تكن الاكثر جاذبية حتى قبل انتفاضة 2011، فانها أيضاً لم تكن النظام الاسوأ في المنطقة…هي تتمتع بأنظمة تعليم ورعاية صحية ورعاية اجتماعية. ومقارنة بأكثر الحكومات العربية كانت تقدمية وعلمانية… أنشأت بنى تحتية صلبة وجهازا مدنياً فاعلاً نسبيا”…

الى ذلك، يخالف روزن الرأي السائد أن الاسد يرأس نظاماً علوياً، موضحاً أن “أكثر أركان النظام من السنة، وغالبية مناصريه من السنة، وكثيرون من الجنود (إذا لم تكن غالبيتهم) من السنة… قد يكون النظام وحشياً ومستبداً وفاسداً… الا أنه يجب عدم النظر اليه على أنه يمثل طائفة”…

لا يختلف هذا التقويم عن التحليلات الاميركية الرسمية والمستقلة للنظام فحسب، وإنما يمثل تبنياً كاملاً للغة النظام نفسه. فهو لا يأخذ في الاعتبار الجرائم الموثقة التي ارتكبت في السجون السورية حتى قبل الثورة، ولا القمع للمعارضين ولا لحملة الاغتيالات السياسية التي يتهم بها النظام في لبنان خصوصاً.

ويذهب روزن أبعد في محاولة تلميع صورة النظام، مجادلاً بأنه “من الاصح النظر الى ما يحصل في سوريا على أنه نظام علماني يحكم شعباً مع حرس امبراطوري علوي”.

تعصب وتطرف

وفي المعسكر الاخر، لا يرى روزن “ثواراً معتدلين حالياً، لا ايديولوجياً ولا في ما يتعلق بتحركاتهم”. حتى أنه يقول إن غالبية الثوار حملت الاسلحة في بداية الانتفاضة لا للدفاع عن نفسها، وإنما انطلاقاً من تعصب ديني أو تطرف سياسي”.

ويذهب تقرير روزن الذي يتبنى وجهة نظر النظام ومناصريه الى أن الهدنات المحلية في مناطق مختلفة من سوريا قد تشكل خطة لوضع حد لتزايد التطرف وتحيي بعض الامل في تغيير سياسي. وهو يدعو الى تعميم هذه الهدنات بوساطة من الامم المتحدة ومركز الحوار الانساني لتمهيد الطريق لتخفيف العنف والحاق الهزيمة بالجماعات الجهادية مثل “الدولة الاسلامية”، اضافة الى اعتماد اللامركزية التي تنتج تغييراً سياسياً في سوريا. أما رحيل الاسد، فيحيله الى موعد لاحق، بعد خمس سنوات على الاقل.

ولا يطلب الباحث الاميركي الكثير من واشنطن لتحقيق هذه الخطة. ففيما يقر بأن مصالحة مع النظام السوري في هذه المرحلة مستحيلة سياسياً، يكتفي بأن يطلب من الاميركيين اصدار مواقف ايجابية في شأن الهدنات المحلية المحتملة لاقناع قادة متصلبين بالمضي في الخطة.وفي رأيه أن دولا مثل المانيا ونروج قد تضطلع بدور قيادي في دعم الهدنات المحلية.

في الواقع، ليس روزن الاول يقترح الهدنات المحلية مخرجاً محتملاً للنزاع. فالى الاقتراح الذي يحاول المبعوث الدولي ستيفان دوميستورا تسويقه في هذا المجال، ثمة عشرات من مراكز الابحاث التي تنكب على دراسة نجاحات واخفاقات اتفاقات في هذا الشأن اعتمدت سابقاً في حمص ومخيم اليرموك في دمشق وبرزة بضواحي العاصمة وغيرها.

ونشر معهد”انتيغريتي ريسيرتش أند كونسالتنسي” تقريراً يقوّم 26 هدنة حول البلاد، فيما وضعت منظمة “ايتانا” السورية غير الحكومية بحثاً معمقاً عن الجهود لوقف النار في حمص خلص الى أن ثمة أسباباً تدعو الى التشاؤم أكثر منها الى التفاؤل في هذه الاجراءات.

الاسد ولاريجاني

¶ في دمشق، اكد الرئيس السوري بشار الاسد تصميم الشعب السوري على استئصال “الارهاب” و”الفكر المتطرف” بالتوازي مع استمرار المصالحات الوطنية وتعزيزها في البلاد، لدى لقائه رئيس مجلس الشورى الايراني علي لاريجاني.

ونقلت الوكالة العربية السورية للأنباء “سانا” عن الاسد تأكيده “تصميم السوريين على استئصال الارهاب والافكار المتطرفة التي تهدد شعوب المنطقة والعالم وحرصهم في الوقت نفسه على الاستمرار في المصالحات الوطنية وتعزيزها على جميع الأراضي السورية”. وقال ايضاً “ان السوريين يقدرون عالياً مواقف ايران تجاه سوريا”.

أما لاريجاني، فشدد “على دعم بلاده للجهود والمساعي الهادفة الى دفع الحوار الوطني بين السوريين والذي يحفظ سيادة سوريا ووحدة ابنائها بعيداً من التدخلات الخارجية”. وقال: “ان الشعب الايراني لن يتوانى عن تقديم كل اشكال الدعم لسوريا لتعزيز مقومات الصمود ومحاربة الارهاب وداعميه”.

وفي مؤتمر صحافي مع رئيس مجلس الشعب السوري محمد جهاد اللحام، صرح المسؤول الايراني: “اليوم كل الدول العربية والغربية تعمل على تقديم حل سياسي”، معرباً عن ثقته بأن “الكثيرين مقتنعون بأن الحل السياسي هو الخيار ولكنني على ثقة أن البعض يعارض ذلك”. وحذر الدول التي تدعم الارهاب من “انها تقوم بمغامرة قد تؤدي الى اشعال نار لا يمكن اطفاؤها”. وكان لاريجاني اعرب لدى وصوله صباح أمس الى مطار دمشق الدولي “عن تمنياته بأن تؤدي التحركات التي تجري في المنطقة الى نهاية الأزمة في سوريا”.

النهار

 

 

المرّ والأقل مرارة أمام الانتفاضة السورية/ عبدالعزيز حسين الصاوي

وفق منظور بارد، ربما لبعد صاحبه عن سورية أكثر من معنى، فإن مبادرة روسية أو غير روسية تحت سقف الإسقاط الكامل للنظام السوري تبدو ضرورة مترتبة على افتراض أن الانتفاضة السورية كانت منذ اندلاعها محكومة باستحالتين: استحالة التنازل عن مطلب إسقاط النظام خاصة رئيسه والدائرة القريبة منه، واستحالة تحقيق ذاك المطلب كاملاً. الاستحالة الأولى كانت التعبير العفوي الطبيعي لقوى الانتفاضة على الأرض كرد فعل مضاد لقمع مادي ومعنوي نادر النظير، لا سيما وأن المطلب بدا ممكن التحقيق على غرار ما حدث في تونس ومصر.

الاستحالة المعاكسة كانت تعبيراً عن رجحان ميزان القوى ضد المطلب الانتفاضي بتأثير التباين الكبير بين كامل استعداد حلفاء النظام الدوليين والإقليميين لدعمه ديبلوماسياً وعسكرياً ومالياً، بينما بقي، وسيظل، العنصر الحاسم في ترجيح كفة المعارضة، وهو التدخل العسكري الغربي الأوروبي والأميركي غائباً.

خليط حسابات المصالح القومية وراء هذا الغياب يضاف إليه الارتفاع المطرد لنفوذ التطرف الديني في الانتفاضة السورية. وهذا يشكل مصدر المخاوف والحساسيات الأقوى لدى الغرب حتى من دون جهودنا التي لا تفتر لتذكيره بها وبأنها متصاعدة إلى ذرى الحضيض «الداعشي» الذي يشخصه النظر الموضوعي، وليس التوجس الغربي فقط، بكونه ناتج غربوفوبيا متمكنة عربياً- إسلامياً. وإلا كيف نفسر أن البيئة الثقافية – الاجتماعية نفسها المتهلفة إلى التدخل العسكري الغربي، إلى حد اللوم والاتهام بالتواطؤ مع إسرائيل عندما لا تسمح حسابات المصالح وغيرها بحدوثه، تنقلب إلى بيئة معادية له حاضنة لعنف الحد الأقصى ضده بمجرد سقوط الأنظمة، كما تشهد حالتا ليبيا والعراق. وفي أحد النماذج (البريئة) للغربوفوبيا نسمع رأياً شائعاً يربط «داعش» بالغرب على لسان الممثل المصري الأشهر نور الشريف («بي بي سي» العربية، صباح الخميس 11 كانون الأول/ديسمبر).

رغبة جميع المنحازين لحقوق الشعب السوري الطبيعية في تصنيف سورية والسوريين خارج دائرة تلك الجهود، يعاندها «قانون» التلازم العضوي بين الاستبداد والتطرفات الدينية وغير الدينية. فاضطرار المجتمع للتقهقر صوب الماضي الإسلامي، ولكن أيضاً غير الإسلامي، والطائفي – الإثني، ناتج طبيعي لتغول الاستبداد على مناخ الحرية اللازم لازدهار التساكن البنّاء بين المكونات المختلفة. والحال أن استبداد النظام السوري، هادم المدن من حماه حتى حلب، هو الأطول عمراً والأكثر تغولية من بين الاستبدادات العربية التقليدية وغير التقليدية، مما شل جهاز المناعة المجتمعي السوري ضد الجموح الديني وهيأ لأكثره أهمية من منظور هذا المقال، وهو الإسلامي (السني)، بيئة تفريخ واستيطان محلية مثالية بمزيج من الاحتضان الطوعي، والناتج عن رهبة التخويف الديني. المثال الصارخ على ذلك يؤرخ له بحزيران (يونيو) 2010 عندما اضطرت السلطات السورية إلى إبعاد 1200 منقبة من سلك التعليم دلالة على مدى انتشار التدين الانكفائي الذي أثبت وجوده حتى في قلب مجتمع ثورة البعث العلماني، وذلك في قانون للأحوال الشخصية يقيد حقوق النساء والأقليات كان على وشك أن يصدر في تشرين الثاني (نوفمبر) 2009. المؤشرات العديدة الظاهرة وراء هذه التطورات تعود إلى 4 كانون الثاني (يناير) 2006، حين تحدثت السلطات عن تفكيك عدد من الخلايا التكفيرية إثر تسرب معلومات صحافية عن محاكمات لعشرة أشخاص اتهموا بتلقي تدريبات في أفغانستان، لم تلبث أن تطورت إلى أنباء عن عمليات أمنية استباقية ضد مجموعات إرهابية ثم إلى صدامات إثر عمليات قامت بها بلغ عددها 8 عمليات حتى أيلول (سبتمبر) 2008، عندما وقعت عملية انتحارية قتل فيها 17 شخصاً.

وفي ظل نظام مبرمج لإخفاء الحقائق لا يغدو مبالغة تخمينية القول إن تقدير المصادر الغربية للحجم الحقيقي لهذه النوعية من المجموعات قبل عام ونيف تقريباً (5-6 آلاف) كان أقل من الحقيقة بكثير. أما بعد أن أرغمت الانتفاضة النظام على فك قبضته عن مساحات أوسع من مناطق البلاد وعن احتكاره للفضاء الإعلامي والتواصل الإلكتروني، مع الكشف عن وحشيته اللامتناهية وتحريك الاستقطابات الطائفية والتشجيع التكتيكي للقاعده وتفرعاتها، فقد توفرت دوافع وفرص مستجدة لتوسع الظاهرة كمّاً ونوعاً مجتذبة تعزيزات في شكل دعم مالي – عسكري ومجاهدين ومجاهدات من كافة أرجاء المعمورة وصولاً إلى الخلافة المترامية من الرقة حتى الموصل.

والأسوأ قادم. إذا تحقق سيناريو السقوط غير التدرجي للنظام ستتعطل كافة أجهزة الدولة وعندها ستنبسط الساحة مفتوحة للجميع خالية من كل الموانع حتى الضوابط والأجهزة الديموقراطية، فينطلق الإسلام التبسيطي المنغلق، مستثيراً ردود الفعل المضادة من الأطراف الدينية والطائفية الأخرى، في كامل طاقته، وبمحرك إضافي: مناخ الإحباط والسخط المنبثق من الفجوة الهائلة بين ثورة التوقعات الشعبية بزوال ناجز لمكابدات العيش اليومي نتيجة التعبئة بشعار وممارسات «إسقاط النظام هو الحل»، والصعوبات الهائلة لإعادة البناء بعد خراب استثنائي حتى لو توفر الدعم المالي (70 بليون دولار في بعض التقديرات). مع ملاحظة أن من مفاعيل هذا الخراب هروب رأس المال والقوى البشرية المؤهلة إلى الخارج وتحول النزوح الداخلي الكثيف (6.5 مليون) واللجوء الخارجي (4.5 مليون)، وفق الأمم المتحده التي تقدر عدد القتلى بـ 190 ألفاً حتى نيسان (ابريل) الماضي، إلى عشوائيات متكاثرة حول المدن الرئيسية وداخلها سيضطر إلى اللجؤ إليها قسم كبير من هؤلاء.

وبما أن البيئة المثالية لتنمية الأصوليات بأبعادها الإضافية هذه، مجافية لتنمية نقيضها المدني العابر للانتماءات الطائفية النشطة أيضاً، فإن تركيبة هذا الطرف في المعادلة السياسية السورية ستبقي على هشاشة ولدت فيها وتطرد في مواجهة المرحلة الجديدة متخذة طابع تعدد عقيم لأحزابها وتياراتها واختلافاتها، بينما القوى المتناقضة تكوينياً معها في عز فتوتها. والأخيرة ستجد مصدر تغذية إضافي من تدخلات المؤسسة البعثية الدولتية والحزبية العميقة، وإيران-حزب الله، وفي مناخ مشبع بالفوضى والاضطراب يناسبها ولا يناسب القوى النقيضة. وكلما طال الزمن بمحاولات إسقاط النظام، وهو ما يساعد عليه التمسك بكافة المواصفات الانتفاضية في ظل الاختلال المتفاقم للتوازن ضدها بانتقال التركيز على الحرب ضد «داعش»، ازدادت التعقيدات منزلقة بسورية نحو دوامة من الطراز العراقي، حيث الحرب الأهلية المنخفضة المستوى أو المرتفعة هي القاعدة منذ سقوط النظام البعثي عام 2003.

أما المسار الآخر فهو إعادة اختراع عجلة مستبد «عادل» من أسمائه المالكي والسيسي.

* كاتب سوداني

الحياة

 

 

 

شكرا للسنيور دي ميستورا/ سمير عطا الله

يدور كلام كثير الآن حول ما يسمى مبادرة المبعوث الدولي إلى سوريا، السنيور دي ميستورا. خلاصة الجدل، من جميع الفرقاء، هو الشك في جدواها. إذا سئلت رأيي، فأنا أيضا لا أعتقد أن المبعوث الدولي يملك شيئا من مقوّمات الوساطة، وبالتالي، النجاح. والمشكلة أننا لسنا في بداية النزاع، كما أيام وساطة كوفي أنان، ولا في وسطه، كما أيام الأخضر الإبراهيمي، ولا نحن طبعا في نهاياته.

أي أن المسألة تتطلب أكثر من وساطة على حلب وأكثر من أمنيات وتمنيات للأمين العام، وأكثر من كفاءة رجل محايد لا يملك قوة تمثيلية سياسية مثلما كان يملك الجزائري الأخضر الإبراهيمي، كممثل لدولة ذات وزن قومي، ولدول الجامعة في شكل عام.

البدء من حلب، مهزلة. ليس في سوريا كلها نقطة واحدة غير مشتعلة. دمشق مزنرة بالهجمات. الرقة مدمرة. حدود سوريا مع العراق ولبنان والأردن بلا سلطة مركزية. «داعش» تتراجع أو تتجمد ولكن بفعل القوة الأميركية والتحالف، أي خصوم دمشق، فهل سوف يجيرون أي تقدم عليها إلى النظام وروسيا وإيران؟

لا، بل سوف ننتقل إلى مرحلة أخرى من الصراع. وسوف يتشدد الحالم بالانتصار والآمل بالصمود. وتاليا سوف يمضي الجميع في دفع الثمن، خصوصا 20 مليون سوري دون استثناء، وكل على قدر حصته. مجموع لا يطاق.

الحل الوحيد في سوريا، مهما كان صعبا، هو مؤتمر دولي، لا جنيف واحد، ولا اثنان، ولا أربعون. مؤتمر دولي يتفق على طبيعة الحل ويكون قادرا على فرضه، وليس على توصل الأفرقاء، والبحث عن رجال المعارضة بين غازي عنتاب وإسطنبول وباريس ولندن.

السيد دي ميستورا مليء بالنوايا الطيبة وخال من كل الكفاءات المطلوبة في هذه الحال. رجل أرستقراطي، أديب في حرب شرسة. تذكِّرني مهمته بيوم قررت الجامعة (جامعتنا) تكليف وزير خارجية البحرين آنذاك، الشيخ محمد بن مبارك، إبلاغ صدام حسين أن عليه مغادرة العراق. من الناحية النظرية، لم يكن بالإمكان العثور على رجل أكثر أدبا لنقل مثل هذه الرسالة الخطرة. من الناحية العملية، يحجم الشيخ محمد عن تبليغ حاجب مكتبه بأنه بلغ سن التقاعد.

الوسيط الوحيد الذي كان قادرا على إبلاغ الرسائل إلى النظام والمعارضة كان الأخضر الإبراهيمي، العائد من خبرة أفغانستان ولبنان. ولذلك، اضطهده الجميع ودق له الإعلام العربي الدفوف من دون معرفة شيء عن حقيقة عمله.

وعندما مشى، قال لنا ما لم يحب أحد سماعه، أو تصديقه، وهو أننا أمام صومال آخر. وفرصتنا الأخيرة ليست دي ميستورا، بل مؤتمر دولي حقيقي تدخله موسكو من دون عظة بوتين، وأميركا من دون سياسات أوباما التجريبية.

كاتب وصحافيّ لبناني، عمل في كل من صحيفة النهار ومجلتي الاسبوع العربي والصياد اللبنانية وصحيفة الأنباء الكويتية.

الشرق الأوسط

 

 

فخّ المفاوضات السوريّة/ إيلـي فــواز

من ستيفان ديمستورا، مبعوث الأمم المتحدة إلى سوريا، وصولاً إلى الدب الروسي الجريح، تتالى المبادرات في الشأن السوري، وآخرها محاولة جمع الرئيس السوري بشار الأسد بالسيد معاذ الخطيب في موسكو لمناقشة حلّ سياسي للأزمة السورية. الأفكار التي يتم تداولها تحوم حول تجميد القتال والبحث في قيام حكومة تجمع الاطراف المتقاتلة.

لكن لا جديد في الأفق الروسي، فالهدف عند موسكو لا حلّ الأزمة، بل المحافظة على النظام السوري. فكيف ذلك؟

المشكلة تكمن أولاً في المشاركين المعارضين، الذين لا يمثّلون أياً من الفصائل المقاتلة التي تسيطر على الأرض. فالسيد معاذ الخطيب لا يستطيع فرض أوامره أو إعطاء توجيهاته لأي من المقاتلين المعارضين، في حال تم الاتفاق لأنه لا يملك أساساً تفويضاً منهم.

ثانياً لا يملك المشاركون في الحوار أيّ ورقة ضغط على الرئيس السوري، ولا يملكون ما يفاوضون بشأنه، سوى نظريات سياسية لطالما حفلت بها اجتماعات الإئتلاف الوطني السوري المعارض في تركيا، وكانت في أساس فشله.

ثالثاً يُصرّ الداعون لتلك المبادرات على تجاهل جبهة النصرة، كفريق أساسي في اي محاولة للخروج من الحرب الأهلية السورية، ويصرّون على اعتبارها فصيلاً إرهابياً، فيما تمضي الجبهة في تثبيت نفسها قوة بارزة ومهمة على أرض الواقع.

رابعاً ليس هناك أي حديث في هذه المفاوضات عن إزالة النظام، إنّما مجرد عملية تجميل، بحيث ينضمّ إلى جانب اركان النظام بعض الشخصيات السنّية التي قد تعطيه بعداً إصلاحياً – سياسياً ما، على أن يبقى العسكر بأُمرة الأسد أو من ينوب عنه.

طبعاً أمام تلك المعطيات لا يمكن لأي حوار ان ينجح أو يأتي بنتيجة تُخفّف من معاناة الشعب السوري، أو تحلّ من معضلته. هذا الحوار إن جرى، على هذه الأسس، لن يكون هدفه إيجاد حلول، بل تعزيز موقف الأسد وإطالة عمر نظامه، وبالتالي إطالة أمد الحرب. ولذلك المطلوب إيجاد مُحاوِر مُعارض، له بعض من مصداقية، ليجلس وجهاً لوجه مع الأسد، ويخرج بنوع من اتفاق ما معروف سلفا أنّه لن يكون قابلاً للتطبيق، بما أن أياً من المعارضين في الائتلاف لا يملك إمكانية تطبيقه، ولذلك سيكون الاتفاق تسليف موقف للأسد يُظهره بمظهر الضحية.

فالصحافة والمحللون والقادة السياسيون، الروس والإيرانيون، الغربيون والأميركيون، لن يروا في تلك المفاوضات الأسباب التي أدّت إلى فشلها، بل سيخرجون بنتيجة واحدة: المعارضون إرهابيون لا يريدون حل الأزمة السورية، والأسد الذي قدم تنازلات في تلك المفاوضات المفبركة هو جزء أساسي وشريك في محاربة الارهاب.

هذا ما يحضّر له الروس للمعارضة السورية.

موقع لبنان ناو

 

 

 

 

ما وراء اتهامات طلاس للأسد؟/ راجح الخوري

خـرج مناف طلاس من ســوريــا في ٥ تموز عام ٢٠١٢ بمساعدة من المخـــابــرات الفرنسيــة واستــقر في باريس، ومنذ ذلك الحيـــن لم يقــم بأي تحــرّك ضد النظام السوري، والبعض قال إنــه “حصان طروادة” الذي تعمّد صديقه بشار الأسد إنزاله وراء خطوط المعارضة كخلية نائمة في انتظار الوقت المناسب.

هذا يرسم معالم سؤال ضروري:

لماذا سكت مناف سنتين ونصف سنة عن القتل والمذابح المروعة والكيميائي وعن الدمار وهدم بلدته الرستن وهو سكوت يساوي دهراً، ليستيقظ فجأة ويعطي حديثاً لصحيفة “الوول ستريت جورنال”، يسوق فيه جملة من الإتهامات الى بشار الاسد، ومنها أنه أصر على المذابح ضد المتظاهرين وباع سوريا الى ايران، وهذا ليس خافياً على أحد؟

سكوت مناف، وهو ابن وزير الدفاع مصطفى طلاس أحد أبرز اعمدة النظام والذي غادر دمشق أيضاً، كل هذا الوقت ليس مهماً، المهم لماذا اختار مناف وقد كان أحد أبرز أصدقاء الأسد، ان يخرج الآن فجأة من الظل ويدلي بهذا الحديث بعدما رفض سابقاً التصريح والمقابلات الصحافية؟

قبل اسبوعين سرّب مناف معلومات عن انه يرفض أي حل يروّج له ستيفان دو ميستورا وراء الجدران، لكن حديثه الآن أثار شياطين الأسئلة عند المراقبين، وخصوصاً بعد ربطه بما تردد قبل عشرة أيام من ان دو ميستورا يعمل لجعل الإتفاق على تحييد حلب مدخلاً متدحرجاً، للتوصل الى تنفيذ اتفاق غير مكتوب (لا ورقة) تم التوصل اليه بين موسكو وايران ولا تعارضه واشنطن وهو ينص على ما يأتي:

إبقاء الأسد مدة سنتين بعد جمع فصائل المعارضة والنظام في خندق واحد لمحاربة الارهابيين، على ان يكون علي حبيب نائباً له، وتشكيل حكومة برئاسة رياض حجاب يكون مناف طلاس وزيراً للدفاع فيها، بينما يتولى معاذ الخطيب الذي زار موسكو اكثر من مرة رئاساة هيئة المصالحة الوطنية.

الكلام العالي ضد الاسد وايران لا يعني شيئاً في الحساب السياسي اذا صحت نظرية الحل الذي يسعى دو ميستورا وراءه، بل على العكس هذا كلام مطلوب ليكون طلاس مقبولاً عند المعارضة التي تعتبره ظلاً لبشار الاسد.

بالعودة الى اتهام مناف النظام بأنه هو الذي فجّر مبنى الأمن القومي فقتل آصف شوكت وداود راجحة وهشام بختيار وحسن تركماني، فهذا ليس جديداً، الجديد كشفه ان الاسد حاول اغتياله بست عبوات ناسفة، ولكن هذا يطرح سؤالاً آخر: اذا كان خلافه مع الأسد انفجر في ١١ أيار ٢٠١١، فكيف بقي في دمشق رغم محاولة اغتياله الى ٥ تموز من عام ٢٠١٢ ليغادر سوريا؟

أم انه يسوّق نفسه تمهيداً للصعود الى قطار دو ميستورا؟

النهار

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى