صفحات سوريةعمر كوش

متى يرد النظام السوري على الهجمات الإسرائيلية؟!

عمر كوش

ما يثير التساؤل والاستهجان والاستغراب، هو طبيعة الردود الكلامية التي صدرت عن بعض مسؤولي النظام السوري حيال الهجمات الإسرائيلية الأخيرة، التي طالت مواقع حساسة في ريف دمشق، وسعيهم إلى توظيفها في خدمة الحرب الشاملة التي يخوضها نظامهم ضد غالبية السوريين، من خلال استدراج الإدانات العربية والدولية، ومحاولات تصويرهم الهجمات، وكأنها توفر دعماً إسرائيلياً للمعارضة ولقواها المسلحة، الأمر الذي يفهم منه محاولة النظام اتخاذها مبرراً لتأكيد إدعاءاته في خوض حرب، يدعي أنها “ضد المؤامرة الأميركية الصهيونية، الداعمة للإرهابيين”، وبالتالي تبرير المجازر والجرائم بحق الحاضنة الاجتماعية للثورة وللمقاتلين في مختلف المناطق الثائرة، في حين أن أبسط دواعي الكرامة والسيادة الوطنية، تقتضي الرد على الاعتداءات المتكررة بالمثل – على الأقل والعمل على منع تكرارها.

وليست الهجمات الأخيرة، هي الوحيدة التي قامت بها إسرائيل ضد مواقع عسكرية سورية، إذ سبق وأن قصفت الطائرات الإسرائيلية، قبل يومين منها، أهدافاً في مطار دمشق، وقبل ذلك قصفت مركز البحوث العلمية في منطقة “جمرايا”، وهدفاً آخر، قيل أنه قافلة صواريخ متطورة، كانت تتجه نحو الحدود اللبنانية، في طريقها إلى حزب الله اللبناني. إضافة إلى هجمات سابقة عديدة.

وبالرغم من الاعتداءات والهجمات المتكررة التي شنتها إسرائيل على مناطق عسكرية حساسة في العمق السوري، إلا أن النظام لم يرد على أي منها، ويبدو في كل مرّة – وكأنه عاجز عن القيام بأي فعل يردع إسرائيل، ويكتفي بإصدار بيانات “عنترية”/ “ثوروية”، ترد فيها على الدوام عبارات “العدوان الغاشم”، و”الصمود” و”المقاومة” و”الممانعة””، ثم تتكرر اللاحقة نفسها: “إن سوريا تحتفظ بحق الرد في الزمان والمكان المناسبين”، وبعد فترة من الزمن يأتي التبرير بعدم القيام بأي فعل مضاد من خلال الإدعاء بأن “العدو الصهيوني يريد جرّ سوريا إلى حرب، اختار توقيتها”، بما يعني أن النظام واعٍ للفخ المنصوب له، ولن يقع فيه. لكن ما يفسر عدم رد النظام السوري على كل تلك الاعتداءات، القديمة والجديدة، هو أنها لم تكن تستهدف النظام وتركيبته، وليس المقصود منها إسقاط النظام أو العمل على ذلك، لأن المهم بالنسبة لـ”القيادة السورية التاريخية” هو ليس سوريا وناسها، وليس الجيش السوري وقدراته، ولا السيادة الوطنية السورية، بل هو المحافظة على النظام إلى الأبد، الأمر الذي يفسر الحرب الشاملة، التدميرية والتطهيرية، التي بدأها النظام على الشعب السوي، منذ أكثر من أربعة وعشرين شهراً، لأنه تجرأ وطالب بإسقاط النظام، ورموز النظام يعلمون جيداً أن ثورة الشعب السوري لن تهدأ أو تستكين قبل إسقاطهم.

ويترافق عجز النظام عن الرد على الاعتداءات الإسرائيلية بحسرات وغصات لدى غالبية السوريين، إذ فضلاً عن الشعور بالإحباط من عدم القدرة على الرد، ينتاب السوري إحساس بالذل والمهانة، وبأن الأموال، التي دفعها من قوته اليومي، من أجل دعم جيشه الوطني وتسليحه، للدفاع عنه وعن الوطن، لم تذهب إلى هذا الهدف المنشود، بل إن تسليح الجيش وتدريبه وإعداده، كان الهدف منه مواجهة الشعب والتحكم به، حيث لم تتوان السلطة الحاكمة، حين شعرت بالاهتزاز، من توجيه قطعات الجيش لاقتحام ودكّ المدن والبلدات والقرى، وراحت الطائرات والصواريخ والدبابات تقصف الثوار، وتستهدف المدنيين، أطفالاً ونساء ورجالاً، لذلك من الطبيعي أن يتولد لدى بعضهم بعض شعور بالرضى عند التخلص من أي صاروخ أو طائرة مقاتلة أو دبابة، لأنها كانت ستوجه إلى صدور السوريين وأماكن عيشهم وسكناهم، خصوصاً وأن الغارات الإسرائيلية استهدفت ألوية للحرس الجمهوري والفرقة الرابعة، التي أمعنت في أذى السوريين، وأذاقتهم الموت، وألحقت الدمار والخراب بأماكن سكنهم وأرزاقهم، لكن الغصة سرعان ما تصيب صاحب هذا الشعور، لأن العدو الإسرائيلي هو من فعل ذلك.

ونظراً لأن غالبية السوريون اعتادوا على سلوك نظامهم الدموي، المحابي لسياسات وتوجهات الولايات المتحدة الأميركية ودول الغرب عموماً، خاصة فيما يتعلق بالاعتراف بشرعيته وبقائه في السلطة، وبدوره في المنطقة والإقليم، مقابل تحويل جبهة الجولان إلى جبهة حماية لأمن إسرائيل، فإنهم يرون في الهجمات الإسرائيلية الأخيرة نوعاً من التغطية على جرائم النظام ومجازره التطهيرية في البيضا وبانياس وسواها، والتي أخذت طابع التطهير الطائفي المعلن. وما يزيد من الاعتقاد بذلك، هو أن إسرائيل تحدثت عن رسالة تطمين للنظام، مفادها أن هجماتها لا تستهدف إسقاطه، أو حتى إضعافه، كونها استهدفت صورايخ إيرانية، وأرادت منعها من الوصول إلى حزب الله اللبناني.

ويبقى أن النظام السوري لم يعد يكترث، إلا للبحث عن سبل تمكنه من الوقوف في وجه إرادة غالبية شعبه، ولن يهتم كثيراً باستباحة إسرائيل للأجواء السورية ولمقدرات البلد وجيشه، بقدر ما يهتم بتوظيف ذلك في حربه الشاملة ضد الثورة السورية وناسها، خصوصاً وأنه حوّل سوريا إلى ساحة حرب مفتوحة، وإلى بؤرة للصراعات الإقليمية والدولية، وراح يتمادى في مجازره الطائفية، مستنداً إلى العجز الدولي عن ردعه حيال ما يتقترفه من جرائم ومجازر بحق غالبية السوريين.

المستقبل

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى