سهيل حدادصفحات سورية

متى يفهم السوريون أن وطنهم يسير على طريق الضياع؟!

سهيل حداد

دخلت الثورة السورية عامها الثالث، حيث قتل خلالها مئات الآلاف وليس عشرات الآلاف، كما تذكر بعض الاحصائيات الدولية، وتهجر وشرد أكثر من 4 ملايين مواطن سوري خارج ديارهم (داخل وخارج الوطن)، دمرت البنى التحتية في أغلب المدن والقرى السورية وتدهور الاقتصاد وهربت رؤوس الأموال ـ امتلأت السجون والمعتقلات بمئات الآلاف من الشباب والفتيات والنساء والأطفال، وتعطلت حركة علمية لجيل كامل من الشباب، وانتشرت العاهات والأمراض المستديمة والإصابات الدائمة، التي ستعيق أي نمو أو تطور في المجتمع في المرحلة القادمة، طبقة الشباب الحلقة الأهم لبناء الوطن تذوب في رحاب الموت والحرب المجنونة، التي تقضم في طريقها كل شيء.. مصائب اجتماعية لا يمكن حصرها ولا يمكن تصور أبعادها حتى تضع الحرب أوزارها وتتكشف أرقام الضحايا الحقيقية ومصير المفقودين وتوابيت المرضى الذين يحتضرون، الإنسانية تتألم في ضمير كل إنسان حي في هذا الكون، إلا النظام السوري المجرم الذي مازال يعيش في قرون محاكم التفتيش، والمعارضة السورية القاصرة عن أداء دورها وواجبها، بسبب تخاذل الدول الغربية ونفاقها في دعم الثورة السورية من جهة، وضياع جهودها في الصراعات الداخلية والانقسامات الحادة في مرحلة من اصعب مراحل الصراع مع النظام السوري، حيث معركة صراع كسر الإرادات وإلغاء الآخر من جهة ثانية.

ـ النظام السوري يعيش بإرادة الآخرين، والمعارضة السورية تنتظر الفرج الأمريكي، وسياسة النفاق الأمريكي والدولي تدفع باتجاه إطالة عمر الصراع بين المعارضة والنظام، وذلك لتحقيق أهدافها السياسية والإستراتيجية في المنطقة ولا يهمها كم سينزف من دماء الشعب السوري بعد.. وكم من دمار سيلحق بحضارة وتاريخ وتراث سورية الانساني.. ولن تذرف دمعة واحدة رأفة ورحمة على المجازر الجماعية والتطهير الطائفي ومعاناة الأطفال والنساء والشيوخ واليتامى ومأساتهم اليومية بسبب ما يقترفه النظام السوري الوحشي، فهي ماضية في برنامجها ورؤيتها للتعامل مع الأزمة السورية، ولن تتوقف حتى تضمن تحقيق جميع أهدافها القريبة على الأقل والمتمثلة في:

1 ـ سياسة اضعاف النظام السوري عبر الصراع الطويل الأمد مع المعارضة، بما يحقق تدمير سورية وطناً وشعباً بشكل مخيف وفي كافة الأصعدة العسكرية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والفكرية والعلمية، الأمر الذي يمكن من خلاله التأثير العملي في تحديد دور سورية القادم وطبيعة هويتها وشخصيتها السياسية الجديدة.

2 ـ خنق الرئة الشرقية لمصر عبر سورية ومحاصرة أي امكانية إلى عودة دورها القومي والإسلامي في الشرق العربي، خاصة ‘القضية الفلسطينية’.

3 ـ ضرب البعد الجغرافي والاستراتيجي للعراق ومحاصرة امتداده في سورية لضمان بقائه خارج الصراع العربي ـ الاسرائيلي.

4 ـ محاصرة السياسة السورية القادمة والحالمة بدور عربي وقومي وإسلامي في المنطقة وإثقالها بإغلاق المنافذ الحيوية للنمو والتطور وإمكانية العودة إلى لعب دورها الحضاري والعربي والقومي.

5 ـ ضمان الهيمنة والوصاية على القرار السوري سياسياً واقتصادياً وعسكرياً، خلال المرحلة القادمة، خاصة بعد المعلومات عن الثروات الباطنية المتوفرة في بعض المناطق السورية ‘ الغاز والنفط ‘ وتأثير ذلك وانعكاسه في الصراعات الاقتصادية اقليمياً ودولياً.

6 ـ استنزاف حلفاء النظام، خاصة ايران عبر ارهاقها مالياً وعسكرياً في المستنقع السوري، بما يساهم في المنظور القريب في انهيار الاقتصاد الإيراني وتهيئة الأجواء للثورة الشعبية في ظل الحصار والعقوبات الدولية خلال الفترة القادمة.

7 ـ حسر امتداد دور ايران السياسي والشعبي اقليميا وتهدئة الأحداث ومناخ التوتر تجاه دول الخليج وإسرائيل، بسبب انشغال ايران في دعم النظام السوري الذي يشكل الحلقة الأبرز استراتيجياً في مشروعها الاقليمي الكبير.

8 ـ ضرب مشروع الهلال الشيعي في المنطقة وتفكيكه ذاتياً وانتقاله من مرحلة الامتداد والهجوم إلى الانحسار والانكفاء، نتيجة تأثير الأزمة السورية وخطر التقسيم وتهديدها على أوضاع هذه الدول واستقرارها داخلياً.

9 ـ اشغال حزب الله اللبناني في الأزمة السورية وإرهاقه عسكرياً ومالياً وبشرياً، وتجريده من جميع المكتسبات الشعبية التي حققها خلال فترة المقاومة ضد الكيان الاسرائيلي وتعريته أمام الشعب العربي بأنه أداة طائفية في مشروع ايران الاستراتيجي، بسبب التزامه العقائدي بولاية الفقيه في ايران على حساب قضايا العرب وأهدافهم، اضافة إلى تخفيف حدة التوتر على حدود فلسطين الشمالية مع الكيان الاسرائيلي وإضعاف قوة حزب الله في الساحة اللبنانية سياسياً وعسكرياً، وبالتالي بتر ذراع ايران العسكرية في المنطقة.

10ـ نشر منظومات أسلحة مختلفة ووجود عسكري نوعي غير تقليدي لحلف الناتو خلال المرحلة القادمة تحت ذريعة التوتر الحاصل في المنطقة الأهم حيوية في العالم وذلك لمحاصرة مصالح الروس والصين في منطقة الشرق الأوسط.

11 ـ إبرام صفقات الأسلحة مع دول الخليج والمنطقة بما ينعش الاقتصاد الأمريكي والغربي على حساب ضعف النمو وتطور الشعوب العربية.

12 ـ ترويض السياسة التركية بعد مواقفها المشاكسة للسياسة الأمريكية وعودتها إلى بيت الطاعة الأمريكية ‘ احتلال العراق ـ قطع العلاقات مع اسرائيل ـ تطور العلاقات السياسية والاقتصادية مع سورية والعرب وتبني قضاياهم وخاصة ‘القضية الفلسطينية’.

13 ـ ضمان تحقيق استراتيجية ما بعد مرحلة اضعاف نظام الأسد عبر خلق مناخ قابل للصراعات الداخلية الدموية بين فصائل المعارضة السورية المسلحة بحجة محاربة الإرهاب وعناصر جبهة النصرة والقاعدة في بلاد الشام، بما يحقق تفكيك البنية الاجتماعية وإضعافها بشكل أكبر، وبالتالي ضمان قوة وأمن الكيان الإسرائيلي وتفوقه.

14 ـ استغلال الظروف الحالية لتدمير المخزون العسكري السوري وضرب الفرق العسكرية غير المنخرطة في الصراع الدائر بسبب عدم ضمان ولائها الكامل للنظام بغية اضعافها أو تدميرها لإخراجها من معادلة الصراع العربي ـ الاسرائيلي في المستقبل.

ـ إن الخطر القادم الذي ينتظر سورية والمنطقة العربية كبير ومخيف، ولا بد للعرب والسوريين من نهضة وعي وإدراك حقيقيين للترتيبات الأمريكية والإسرائيلية لحاضر ومستقبل المنطقة برمتها، ضاعت فلسطين وبقيت حلماً في قلوب الجيل العربي، ضاع العراق في أحضان التقسيم وخارج الحضن العربي، انقسم السودان وما زال مخطط التقسيم الأكبر والأخطر قائماً، ضاعت الصومال وتاهت في كثبان الدمار اللامحدود، ومصر التائهة وتونس الضائعة وليبيا الحائرة والبحرين الخائفة والقنابل الموقوتة مزروعة في جميع زوايا الأقاليم العربية من دون استثناء، وها هي سورية العربية على طريق الضياع.. فهل يتحرك العرب والسوريون لإنقاذ وطن ينزف دماء أبنائه بيديه ليعود إلى الطريق الصحيح وجادة الصواب؟

‘ كاتب وباحث سوري مقيم في المانيا

القدس العربي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى