مراجعات كتب

“مجلة الصحافة”: متاعب المهنة وتواريخها المهملة/ عمّار أحمد الشقيري

 

 

حمل العدد الأول (ربيع 2016) من “مجلة الصحافة” التي يصدرها “مركز الجزيرة الإعلامي للتدريب والتطوير”، مواد تتناول الإعلام وقضاياه ودوره وأشكاله من وجهة نظر أبناء الحرفة، كما ضم العدد موضوعين لافتين ركزا على المسافة المشتركة بين الصحافة والأدب، كلغة التعبير القديمة والحديثة، والخطابيّة، والاقتصاد في اللغة، والسرد في المادة الصحافية والرواية، ومن أتى الأدب من أرض الصحافة.

في حوار المجلة مع الإعلامي عارف حجاوي، يشير إلى علاقة الأدب بمهنة الصحافة عربيّاً، أيام كانت الصحف تنشر للأدباء نصوصهم على صفحاتها الأولى، مثل قصائد أحمد شوقي في صفحة الأهرام الأولى، بالإضافة إلى استعراضه لمفاصل هذه العلاقة، وكيف جرى طرد الثقافة من الصفحات الأولى إلى آخر الصفحات ومن ثم إلى ملاحق منفصلة. يتناول الحوار مع صاحب القاموس الصحافي “اللغة العالية – العربية الصحيحة للمذيع والمراسل ولكل صحفي”، اللغة الإعلامية وجمودها، والاستعارات، وتعريب المصطلحات.

وفي مساهمتها “السرد متأرجحاً بين الصحافة والرواية”، تسلّط المحرّرة في المجلة، غدير أبو سنينة، الضوء على من جاء الأدب من أرض الصحافة، أو بعبارتها من “يشذّب طرفي قلمه لكتابة المقالات الصحفية تارة، وأخرى لكتابة الرواية”.

وتتّبع أبو سنينة الفروق بين النوعين رغم المشترك بينهما والتي “لا تجعل من أي صحفي روائياً ولا العكس، إلا إذا كانا (الصحفي والروائي) يتمتعان بالموهبة المصقولة بالخبرة”، غير أن بعض الروائيين تعاملوا مع الصحافة كعنصر يتنافر مع الكتابة الروائية أحياناً.

في أبريل 2011، يذهب مدير مكتب الجزيرة في طهران، عبد القادر فايز، إلى مدينة البريقة الليبية التي يستحوذ عليها معارضو القذافي تارة، و”كتائب القذافي” تارة أخرى، ليروي في افتتاح هذا العدد مسألة حيادية الصحافي في الصراعات، في مادة بعنوان “مقهى الشاهي وحيادية الصحفيّ”. كما نقرأ مقالاً بعنوان “استراتيجية الحرباء لإجراء المقابلات الصحفية” للكاتب والصحفي الكوبي أمير بايي، حيث خلاصة النصائح للصحافي بألّا “تغيّر جلدك بل أخضعه للبيئة”.

يتناول هذا العدد من خلال عدة مواد دور الإنترنت في عمل الصحافي، وتأثيره على صناعة الخبر، وتداوله، ومصدره، من خلال مقالات لكل من أمجد الشلتوني في “صدقية الصورة.. التحدي الجديد في عصر الإعلام الرقمي”، و”الرأي العام في قبضة الإنترنت” لإسماعيل عزام، و”عالم الأخبار في تويتر وفيسبوك”، لعبدالله الرشيد.

مادتان اقتربتا من بعضهما مع اختلاف الموضوع الرئيسي والطرح؛ الأولى “قيمة الصحافة المتأنية في عصر المعلومات السريعة” لمايكل بلاندينغ، التي تسلط الضوء على مصطلح “الصحافة المتأنية” في ظهوره أول مرة عام 2007، مدعماً مادته بأمثلة على من ترك سنوات العمل في الأخبار والتقارير السريعة إلى التأني لسرد القصص الصحفية؛ حيث كان “الجميع يسرعون أكثر فأكثر ويزدادون سطحية” على حد تعبير بول سالوبيك.

المادة الثانية كانت عن نوع قديم نسبياً في التأني والتدقيق والتمحيص “المشهِّرون في الصحافة الاستقصائية” لمدير وحدة التحقيقات في شبكة الجزيرة فيل ريس، مساهمة يقدّم فيها ستة اختلافات بارزة تميّز الصحافة الاستقصائية عن الأخبار التقليدية والوثائقيّ وهي المنهجية، والإطار الزمنيّ، والرؤية، والتوازن، والأخلاقيات، وصناعة الأخبار؛ منتقلاً بعد ذلك وبإيجاز لعرض مهارات العمل في أجواء الصحافة الاستقصائيّة.

وقريباً منها تدور مساهمة حسين علوان في عرضه فيلم “كل رجال الرئيس” الذي يروي قصة الصحافيين كارل برنستين وبوب وودوارد اللذين ساهما في كشف فضيحة ووترغيت، حيث “نجح كاتب السيناريو أن تتركز حبكة الفيلم حول ما بذله الصحفيان من جهود”.

ويفتح الصحافي السوري المقيم في البرازيل فيكتوريوس بيان شمس “ذاكرة الصحف العربية في البرازيل”، من خلال زيارة أرشيف ساوباولو الذي أسس عام 1892 وبدأ العمل في القسم العربي فيه عام 1985، وكانت فيه صحف عربية منها “الأصمعي” و”الأفكار” و”المناظر” و”الوطن” و”المنارة” و”الميزان” و”الحديقة” وغيرها.

إلا أن العاملين في هذا الأرشيف ليجيا فايتروني وخوسيه روبيرتو، يؤكدان أن “أرشيف الصحف العربية المحفوظ في ريو دي جانيرو هو الأكبر والأضخم”، حيث ترافق صدور الصحف العربية هناك مع صدور أقدم الصحف البرازيلية.

كان للتغطية الصحفية في لبنان وأخطارها نصيب من مواد هذا العدد من خلال تقرير أعده حسن الحاف. ويعالج بشار حمدان في “الفيلم الوثائقي بين القيمة الإخبارية والحس الفني” أسئلة صناعة الوثائقيات من مثل طرحه قضية السرعة في صناعة الأفلام الوثائقية، والوقوع في مطب التقرير الإذاعي المطول، متناولاً بعض الأمثلة على أفلام وثائقية خرجت عن النمطية مثل “معاناة العبور” للمخرج محمد سلامة من خلال إدخاله رسوماً متحركة على الفيلم واستخدامه مقطوعات لفرقة حاجز 303، و”غزة تعيش” لأشرف مشهراوي.

وفي “عدسة صغيرة السن”، تبرز المجلة تجربة المصور الصحافي المصري محمد الشامي الذي لم يتجاوز الثانية والعشرين، وتعرض نماذج من أعماله.

______________

الإعلام عملاً روائياً

من خلال تناول نماذج غابرييل ماركيز وأمين معلوف وتشارلز ديكنز وإرنست همنغواي وليوناردو باذورا وإحسان عبد القدوس، الذين جاؤوا من خلفيات صحافية قبل أن “يغرقوا تماماً في عوالمهم الروائيّة”، تضيء غدير أبوسنينة في مساهمتها في العدد الأول من “مجلة الصحافة” (الصورة) تقاطعات الصحافة بالرواية وكيف أن الكتابة الصحافية تنهل من تقنيات هذا الشكل الأدبي وتطبّقها على الكتابة الواقعية.

العربي الجديد

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى