صفحات الناسوليد بركسية

مجلة ثقافية سورية الآن؟

وليد بركسية

“الحياة الجديدة” مغامرة إعلامية جديدة أطلقها، قبل أشهر، شباب سوريون من قلب العاصمة دمشق. المجلة ثقافية اجتماعية شهرية، توزع في سوريا ولبنان مبدئياً، وتناقش موضوعات عامة متعلقة بالأدب والمسرح والسينما وتكنولوجيا المعلومات في العالم، مع ملفات اجتماعية وثقافية متعددة.

 يبدو غريباً إطلاق وسيلة إعلامة جديدة في هذا التوقيت الدقيق من التاريخ السوري، وربما يكون إصدار مجلة ثقافية بالتحديد مستهجناً إلى حد ما، خصوصاً أنها تنأى بنفسها تماماً عن حديث السياسة، وتكرس صفحاتها لمواضيع أقل جدلية، في محاولة لاستمالة الغالبية العظمى من الجمهور. قد لا يُرى خطأ في ذلك، على رغم الوضع  الأمني والسياسي الراهن في سوريا، وذلك على اعتبار أن السياسة مجرد جزء من حياة البشر، وأهميتها في فترة ما لا تلغي بقية الجوانب. إلا أنه يُنتظر من أي مشروع إعلامي جديد أن يفتح النقاش في كل الملفات الثقافية والإجتماعية التي كان محرّماً الحديث فيها.. فالنأي بالنفس اليوم، ليس خياراً يؤخذ على محمل الجد، خصوصاً بالمعنى الثقافي.

 يوضح صاحب المشروع إحسان العظمة (28 عاماً) لـ”المدن” أن “الهدف الأساس من المطبوعة الجديدة هو نشر ثقافة الحوار لدى الإنسان العربي، ودفعه إلى امتلاك رؤى متعددة، تقربه من وجهات نظر معمقة”، مشيراً إلى أن “الإعلام الراهن (بشقيه العربي والعالمي) يؤدي دوراً بارزاً في تكريس صورة مسطحة للواقع، بنشره القيم الاستهلاكية على نطاق واسع، وإزالته “فلاتر” المحاكمة العقلية لدى الجمهور الذي بات جزء كبير منه يفتقر إلى الوعي على مستويات عدة أبرزها انعدام ثقافة الحوار وتقبّل الآخر”.

من هنا يرى العظمة أن “المجلة تسعى إلى الاضطلاع بدور المصلح لنقاط الخلل في العقلية العربية المعاصرة، بمعالجة أسبابها الفكرية، على اعتبار أن مصادر الثقافة المتعددة المعالجة بأسلوب خاص، قادرة على رفع مستويات الوعي والتفكير والحوار لدى الإنسان من منطلق علم الاجتماع (موضوع زياد الرحباني في العدد الأول وموضوع الزواج المدني في العدد الثاني)، وذلك على كافة مستوياته الحياتية، من أجل إنسان يؤسس لحياة جديدة، وهو المنطلق للرمزية في عنوان المطبوعة”.

ويكمل العظمة أن فكرة المشروع قديمة لكنها لم تبصر النور إلا مؤخراً، لظروف روتينية إدراية متعلقة بمنح الرخص الإعلامية في سوريا وظروف سفره الشخصية إلى لبنان قبل ثلاث سنوات. وخلال فترة ظهور المجلة طفت على السطح “مشاكل لوجستية” تتعلق أساساً بظروف التواصل بينه وبين فريق العمل المقيم في دمشق، وهو السبب الرئيس في تأخر صدور الأعداد (ثلاثة أعداد فقط في ستة أشهر)، مع إصرار فريق العمل على تبني المشروع في ظروف سوريا الحالية، لإيمانهم الشخصي بأهميته كمخاطِب لجذور ما تعانيه البلاد، وكمشروع تجاري فكري طموح يسير ببطء وثبات نحو مستقبل أكثر استقراراً.

يعطي كلام العظمة أملاً كبيراً في إمكان التغيير ورفع مستوى الوعي عبر الإنتاج الثقافي والإعلامي الجديد. إلا أن التوقف عند هذا الكلام وحده لا يكفي للحلم بهذا الأمل. إذ تولّد نظرة على المجلة إحساساً عاماً بالسطحية، فتأتي المواضيع متناثرة ومتباعدة، على طريقة من كل بستان زهرة، في قوالب كتابية بسيطة من التغطيات الإخبارية والحوارات. فيما تغيب مواد الرأي بشكل عام. وفي الواقع، لا ينفي العظمة هذه الحقيقة بل يبررها برغبة المجلة في اجتذاب أكبر قدر ممكن من الجمهور والابتعاد عن نخبوية الصالونات الأدبية، لا سيما أن المجلة تعتمد على الإعلانات كمصدر تمويل أساس، إلى جانب مساهمات فريق العمل الشخصية، مع رغبة الفريق في طرح وجهات نظرهم الخاصة، بصورة غير مباشرة، تلائم فلسفتهم في نشر الديموقراطية، والمتمثلة في عرض كافة الآراء حول أي موضوع، وترك القارئ يختار ما يناسبه منها من دون فرض رؤية معينة.

لكن هل يحتاج الوصول إلى أوسع شريحة من المتلقين إلى تسطيح المواضيع؟ سؤال بديهي يُطرح على معالجة المجلة لكثير من الموضوعات الجدلية أو المعرفية. لنأخذ على سبيل المثال معالجة موضوع مثل “الجامعات الخاصة والحكومية”، الذي قُدّم بعرض بسيط يتضمن آراء سبعة أشخاص بين طلاب وأساتذة، إنما من دون جاذبية أو رأي قيم أو إحصاءات ضرورية. وتظهر السطحية عينها في مواضيع سابقة موجودة في صفحات الموقع الإلكتروني للمجلة، كاستطلاع رأي حول ماهية المثقفين، إضافة إلى التركيز على “الثقافة الشعبية” والمواضيع “الدارجة”، كبروفايل إعلامي عن الكاتبة الجزائرية أحلام متسغانمي، ما يبعد المجلة حد ما من ثقافة أرصن وأعمق.

قد لا تكفي الثقافة الدارجة وبذور المعرفة لنشر ثقافة حوار حقيقية، مثلما يطمح أصحاب المشروع. لكنهم في طريقهم، كما يبدو، إلى تجاوز الانتقادات السابقة، عبر تحويل المجلة إلى إصدار فصلي مطلع الصيف المقبل، وتكريس الموقع الإلكتروني للتغطيات الإخبارية فقط، والعمل على تعميق المعالجة إضافة إلى فرد مساحة أوسع لمواد الرأي، واجتذاب أسماء لها أهميتها لكتابة الزوايا الثابتة، وكانت باكورتها السيناريست السوري نجيب نصير في صفحة “رأي” – العدد الثاني. لكن مع إصرار المجلة على الطابع الشبابي عموماً، سواء في المواضيع التي تسلط الضوء على تجاربهم الفردية المميزة (مدوّنون، فرق موسيقية مغمورة،…)، أو في الأسماء التي تتاح لها فرصة الكتابة الصحافية الاحترافية.

يبقى المشروع واعداً وقابلاً للتطور مع رغبة القائمين عليه بتحويله إلى مدرسة صحافية جديدة، تحتاج إلى أن تحول أحلامها إلى حقيقة… وإلى شيء من الوعي العام أيضاً.

المدن

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى