صفحات سورية

محاضرة السيد بشار الأسد على السراب في نقد النقد


محمود عباس

حول المسألة الكردية

 لأول مرة في تاريخ السلطة السورية الحالية لم ينتظر الشعب السوري بشكل عام والكردي بشكل خاص خطاب أو محاورة الرئيس بشار الأسد، ولم يعره أي اهتمام ولم يبالي بما سيؤل عليه سيناته، ولأول مرة لم يهتم الكرد بحديثه عنهم، ولا عن نسيجه الذي يفصله حسب مقاسات افكاره البعثية، ولم تؤخذ محاوراته وفلسفته الكلامية المدموجة بحركة جسدية لا تسكن، مجالاً رحباً لدى المثقفين ولا حتى لدى الحركة الكردية السياسية، كالماضي، لم يعر لثأثآته سوى القلائل من كتاب الكرد، وكذلك لتلميحاته الملغومة حول دمجه للشعب الكردي في سوريا ضمن القالب العروبي، من منطلق كلنا مسلمون، كما هو دارج بين المتزمتون أسلامياً.

 الرئيس لا يود الخروج من أروقة الفكر القومي العنصري ومفاهيم البعث الفاشية التي تربى عليها، والنزعة الملغية للآخر أو المنسقة للآخر كما يريده هو لا كما يريده الآخر، لهذا لا يتمكن من ذكر الكرد باستقلالية فكرية حرة، لسببين: أولاً، لعدم وجود الآخر، حزبياً كان أم قومياً أم طائفياً، في مداركه الثقافية التي تربى عليها، والثاني، لئلا يخلق بذاته فجوة في التاريخ الأسود الذي خلفه والده الراحل و حزب البعث، وما فعلوه بالكرد، كطمسهم المتعمد لحقوق ثاني أكبر قومية في سوريا والتي ستؤدي بدوره إلى تبيان التمزيق الذي أحدثوه من خلاله في النسيج السوري عامة.

 ساد صمت، شبه كامل، على الشعب السوري، الكردي بشكل خاص، والكل يدرك خفايا هذا الصمت، ويعلم اسبابها، ولأول مرة سيدرك الرئيس والسلطة بكليتها بأن الصمت الكردي لها رهبتها كما لنضالهم، وكان أفضل رد فعل على مفاهيمه وخلفياته الثقافية العنصرية المغروزة فيه.

 رغم المحاولات العديدة من قبل جميع الحركات الكردية، في السابق من تاريخ هذه السلطة، لإعارة أنتباهه على ما يحمله من مفاهيم جامدة، والتي لم تلقى سوى الصمت والآذان الصماء، وها هو يتلقى الرد بصمت مماثل، كرد فعل، وتأكيد على أن المسألة التي يود السيد بشار الأسد أن يمني بها عليهم ” مسألة إعادة المواطنة للكرد الأجانب فقط ” ليست هي القضية التي يناضل الكرد من أجلها. قيل في السابق وكررت مئات المرات بأنها مسألة خلقتها السلطة الأسدية وبعثهم وهم الآن يمنون بها على الكرد كقضية بنيوية لحل مشاكل الشعب الكردي، مثلها مثل قضية المستوطنات العربية التي بنيت في المناطق الكردية، كانت الخطط بمجملها طمس للقضية الأساسية العالقة ضمن ثنايا أروقة هذا الوطن!!.

 صمت الكرد الحالي، تأكيد على أن المشكلة التي يطبل عليها الرئيس الآن فجأة وبصوت عال، أصبحت في حكم الإهمال لسببين: أولهما، حتمية رحيله ورحيل نظامه، والثاني، قناعة الكرد بأن الزمن الآتي سوف لن يبحث في مسألة ستكون في العدم بحكم إعادة المواطنة الحقيقية لجميع شرائح االمجتمع السوري الذين جردوا منها وعلى مدى عقود في ظل هذا النظام، وستكون المحاورة، ليست على هذه المسألة المفتعلة، بل على القضية الرئيسية التي تهم الشعب السوري عامة والكردي بشكل خاص كثاني أكبر قومية في سوريا الوطن الكلي.

كم من خطاب بقي؟

 ما الذي يعيق طغاة الشرق من أخذ التجارب من الآخرين؟! كم خطاباً تخوينياً وتقزيمياً آلقاه أعمام بشار الأسد، معمر وبن علي ومبارك وصالح المشوه، قبل أن يضيعوا في زنكة من زنكات العزيزية أو الأقفاص المغلقة؟! وكم وعد قدموه قبله أعمامه للشباب الثائر في الساحات، خاصة بعد ضيق الخناق؟! ونحن نسأل ثانية كم من الخطابات والوعود، والمحاورات الفلسفية والتباهي بقدراته في التلاعب بالمفاهيم وتقليب الصور اللغوية، كشاعر مبتدأ للقصيدة النثرية، كم وكم بقي من تلك الخطب؟!… له… قبل أن يشدوا الرحال، هو وأخوه الظافر في ميادين المعارك اللاوطنية ضد الشعب السوري وشبابهم الثائر، ومتى ستبدأ الحاسة اللاشعورية المرضية بجلب أنتباهه وأنتباه حاشيته على أن الزمن داهمهم منذ فترة بعيدة.

 يدرك تماماً والسلطة تعي أيضاً بأن العد التنازلي بدأ منذ دخول أول دبابة لساحات المدن السورية، ويوم كان على متنها ماهرهم كغاز لأرض الأعداء! كما وحينها صفي بشار الأسد وفرز نوعيته ليس كدكتاتور، بل كرئيس لعصابة من عصابات المافيا، ومعه أسلحة ثقيلة، وتبينت حقيقة أخيه ومعه الحاشية كأعداء غزاة لأرض الوطن سوريا ” وهنا نود أن يقارن القارئ بينه وبين الجنرال الفرنسي غورو يوم أجتياح دمشق بدباباته “.

 نعود ونقول، إن كان بشار يعتمد على تلاعبه ببعض الأفكار السياسية بإسلوب شبه فلسفي على مستوى السفسطة الكلامية التي يتدرب عليها طلبة المعاهد الفلسفية، فهي بالتأكيد لن تقدم له خدمة، لإيقاف أجتياح الثورة المؤكدة لعرشه.

 منذ أول مرة سمعته يوم كان يتدرب على ألقاء الخطب السفسطائية، وتلاعبه بالصور الكلامية وتعكيساتها ومحاولاته جعل الناقد صاحب الفكرة وصاحب الفكرة ناقداً وما إلى ذلك من تحويرات في الكلام، والتي تعمق فيها بعد أن صدق نفسه وصدق الحاشية الإنتهازية من حوله، وبعد أن جرت به دروبه هذه إلى التباهي برطانته وطروحاته لمنطقه السياسي المعروف بالسينات للواقع العملي الذي أصبح يدركها مسبقاً المواطن السوري، أنتبهت حينها بأنه ليس رجل السياسة بل يبحث عن شهرة كلامية فكرية أكثر من أي سوية سياسية، ومن ثم تأكدت، بعد خطبه العصماء الأخيرة، المرافقة للثورة، المحشوة بالمجازيات والتأويلات الفكرية، ومن خلال النسق الكلامي الخاوي من المعاني، والبعيد عن الواقع العملي، على أن هذا الإنسان حرم من قبل حاشية فاسدة إنتهازية ناهبة للوطن، من أن يكون كاتب قصة سردية يحشر في صفحات قصصه أفكاره هذه، بل ربما أبعدوه من أن يكون كاتب مقالة سياسية وبمفاهيم البعث، لكنهم وللأسف غبنوه وخلعوا عليه الوراثة الرئاسية، والتي تنفر منه كما كان ينفر هو بذاته منها في بداياتها، إلا أن ضياعه اللاحق في اللاشعور المرضي، والذي عُديَ إليه من الحاشية المخادعة التي كانت ترافق والده الراحل، جرفته لتصديق نفسه والآخرين على أنه الرئيس المحبوب من الشعب السوري بكل طوائفه، وبأنه الرئيس الذي لا بديل له من بين 23 مليون سوري، تآله فيما بعد وتجرأ ليقزم هذا الشعب إلى جراثيم في خطابه الماضي، ويخونهم بالتعامل مع قوى خارجية هذه المرة، وذلك من خلفية فكرية نفسية مرضية لم تعالج منذ أستلامه السلطة من بعد الراحل وسوف لن تعالج إلا بالصفعة القاضية من الثورة الشبابية.

 حول السرعة والتسارع

 كثيراً ما يحتاج الطغاة إلى صدمة نفسية مباشرة في الشخصية، ليستيقظوا على الواقع الحقيقي الذي يوجد عليه العالم من حوله، وإلا فإن الضياع في اللاشعور المرضي سيرافقهم إلى أن يصفعون بقبضة الثورة ومن أيادي شبابها. أستيقظ البعض منهم في الشهور الماضية، ولايزال البعض يغط في سبات اللاشعور، وإلا فكيف نفسر أعمال السيد بشار الأسد وهو لا يزال ينبش في الذهنيات والنظريات والسينات والتلاعب بين السرعة والتسارع الفيزيائي، وليس التسارع السياسي الذي يعرفها جيداً قبل أي أنسان آخر في سوريا وله تجربته الخاصة فيها يوم تتويجه.

 السرعة أو التسارع أو التباطئ، الذي لم يدخل يوماً إلى الواقع العملي في سوريا، الواقع الذي يتطلب الفعل والعمل والتنقل بين مدنها للتعرف على الأقل على جغرافية وطن ورث حكمها عنوة ” نصف قرن ولم يزوروا، لا هو ولا والده الراحل، نصف محافظات القطر بتاتاً ” بعكس ما فعله قبلهم الجنرلات الفرنسيين يوم أحتلالهم للوطن، كانوا أفضل معرفة عملية من الرئيس بشار ووالده بجغرافية سوريا، فقد جابوا طرقها ومدنها من شمالها إلى جنوبها ومن شرقها إلى غربها، حتى هذه المعرفة رفضتها النفس اللاشعورية المرضية في الأب والابن.

أين تصنف أفكار الطغاة؟

 لايزال طغاة السلطة السورية، يرفضون الإعتراف بالحتمية المتسارعة نحوهم. أمامهم وعلى مرئى من البشرية تلقى بأشباههم إلى مزابل التاريخ، ومعهم أنتاجاتهم الفكرية القميئة. اليوم كان الشباب الليبي الثائر يضع نهاية لمهزلة فكرية صرفت عليها المليارات من أموال الوطن، ولم تكن تتعدى طرفة كاتب ساخر، شباب يرمون بالألاف من كتاب معمر القذافي الأخضر إلى النار، في جو صحراوي ملتهب، لكن مع ذلك تدفئت أفئدتهم عليها، وعلى أندثار اللون الذي صبغ به طاغية ليبيا الوطن أرضاً وإنسانا بدون رحمة، وقد كنت شاهداً في بداية الثمانينات على حادثة مشابهة، يوم أزيلت بين ليلة وضحاها كتاب الزعيم السوفييتي بريجنيف وبعد موته بثلاثة أيام ” لا يحضرني الآن أسم الكتاب ” من جميع المكتبات والمدارس التي كانت تدرس بشكل رسمي في عصره، ومن جميع أزقة الثقافة، وأصبح الكتاب في خبر كان. أمثال هذه التجارب وتجارب صقوط الأصنام عديدة لا تحصى، ولايزال طغاة الشرق لايعون، ومنهم طغاة سوريا، وهنا يداهمني حالة الأستغراب، وعدم التحديد في نوعية اللاشعور المرضي الذي يعزلهم وبهذه السوية الفظيعة من العالم الخارجي والداخلي؟! وفي الطرف الآخر، حيث الأجواء النفسية المغلقة على بعضها ومعهم الحاشية، تجبرهم على العيش في واقع متحرك يستلهمون أوهام من إيديولوجية البعث ونظرياتها وقوانين خاصة بالسلطة في التعامل مع الآخرين، والعيش وكأنهم أنصاف آلهة لايمسون بسوء من البشر مهما عاثوا وأفسدوا فهم لذلك لا يودون تصديق ما يشاهدونه، أوالإقتناع بأن الثورات الجارفة ستجتاحم في القادم من الزمن.

 يتأكد لدينا طرف من أطراف الحالة المرضية لديهم، حالة العيش في اللاشعور النفسي المرضي، كحالة عدم تصديق العيون المجردة والعيش في الخيال والأوهام التي بنتها لهم حاشيتهم الفاسدة. وفي الحقيقة لولا الضياع النفسي والفكري المزمن في حالة اللاشعور لتأكدتْ لديهم، على الأقل بعد الذي جرى ويجري في شرقنا، بأن إيديولوجيتهم ومفاهيمهم ونظرياتهم في الصمود والتصدي والمقاومة الفاسدة، ستنتهي إلى مصير ليس بأفضل من مصير إيديولوجية البعث التي ألتهمتها القمامة في العراق، بعد أن كانت تقدس في محافل طاغيتها. وعليه فإن طغاة شعوب الشرق هم ضحايا مرض اللاوعي والسقوط النفسي في واقع اللاشعور المرضي، والمعالجة الوحيدة لهم هي العدمية المطلقة. أما إجحاف الشعوب لهم كان من خلال الشعور القسري باللامبالاة بما كان يجري في الوطن.

 أيام إيقاظ طغاة سوريا من لاشعورهم المرضي أصبح قريباً. وهنا أود أن أذكر الأعزاء، شباب الثورات في الشرق، بأن الدور لطاغية سوريا الآن، رجاءً، يجب إحترام الدور.

الولايات المتحدة الأمريكية

ايلاف

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى