صفحات الثقافة

محاولة فاشلة لاستساغة دراما رمضان… وفضائية دينية لإسكات المتظاهرين!


محمد منصور

بعيدا عن دعوات المقاطعة الكثيرة التي أطلقت على مواقع التواصل الاجتماعي: اليوتيوب والتويتر، وأنجزت عنها أعمال ترويجية مصورة على موقع (اليوتيوب) من أجل ما أسماه ناشطون سوريون: (مقاطعة دراما العار) نسبة إلى فنانيها الذين نكلوا بشعبهم على شاشات الفضائيات، وليس نسبة إلى مضامينها بالضرورة… حاولت وأنا أستعد لكتابة هذه الزاوية أن ألقي نظرة ما على بواكير حلقات المسلسلات السورية في رمضان، ليس من أجل تمجيدها أو تبخيسها… بل وفاء لعادة قديمة أدمنتها خلال سنوات طويلة من عملي الصحفي والنقدي في متابعة موسم الدراما الرمضاني.

حاولت أن أنظر بتجرد إلى أكثر من ثلاث وعشرين عملا تلفزيونياً أنتجتها الدراما السورية هذا العام في انخفاض ملحوظ في كم إنتاجها… حاولت أن أجوب على المحطات التي حاولت أن تدعم هذه الدراما، وعلى الأخص المحطات اللبنانية التي أرادت أن تثبت لفناني النظام: أن الصديق عند الضيق… حاولت أن أخرج من مشاعر الألم التي تنتابني عندما أرى صورة هذا الفنان أو ذاك، مرتبطة بتصريحات سابقة له أساء فيها لدم الشهداء وأرواح الضحايا وعذابات اللاجئين، وروّج لسيناريوهات المؤامرة والعصابات المسلحة… لكنني فشلت في أن أفصل مشاعري عما يحدث في شوارع بلدي، وخصوصاً في شهر رمضان الذي لم يشفع للسوريين عند نظامهم في موسم الرحمة والتكافل الاجتماعي والتسامح الديني، بل تعامل معهم عبر حملات عسكرية قاسية لا تراعي أي حرمة أو خصوصية لهذه الأيام.

وجدت نفسي فجأة عاجزاً عن تقبل صراعات مسلسل (الزعيم) في الحديث عن التنافس التقليدي بين زعامات الحارات الشامية، ضمن أجواء فلوكلورية مزينة بالحياة المترفة التي تتحول فيها بيوت الشام القديمة إلى أستوديوهات خارجة من زمن آخر، لا علاقة له بما يجري حتى في أحياء شعبية دمشقية مشتعلة بالمتظاهرات كحي الميدان العريق.

وجدت نفسي عاجزاً ـ أكثر من أي وقت مضى – عن استساغة ميوعة مسلسل (صبايا) في موسمه الثالث… فهؤلاء الصبايا اللواتي كنا ننتقد تفلتهن من واقعية الهموم الاجتماعية في الشارع السوري في الجزأين الماضيين… صرن في ظل واقع هذا الشارع الجديد نكتة سخيفة وممجوجة، لا يجد المرء أي رغبة في تفهم طبيعة اهتماماتها الهامشية المتعامية عن الواقع بأي حال من الأحوال… لم تعد تعنينا أي القنوات ستنفرد بهذا العرض الحصري أو ذاك، ولم نعد نهتم إذا كان فراس ابراهيم قد ظفر بتجسيد شخصية الشاعر الكبير محمود درويش بفلوسه أو بموهبته وجدارته… وإلى أي حد سينجح أو يفشل… وكيف سيتقبل الناس حضوره في ظل القامة المديدة لصاحب مديح الظل العالي… ولم تعد اهتماماتنا تتناسب مع انتقاد فساد وبيروقراطية دوائر حكومية في مسلسل (يوميات مدير عام -2) الذي تجاوز الشارع طروحاته كلية… وهو يرفع شعار إسقاط نظام برمته لا انتقاد رشوة يطلبها موظف بعين وقحة، أو فساد مدير عام أو حتى وزير!

حتى مسلسل (الخربة) الذي يطل فيه الفنان دريد لحام بدور كوميدي مختلف، يستعيد فيه قدرته الفذة في الاتكاء على لهجة أهل السويداء الخفيفة الظل، ويحضر فيه الفنان رشيد عساف في أداء كوميدي طالما تمنينا أن يخلص له لأنه سيقدم استمرارية مختلفة لمواهبه التمثيلية التي ظلمتها الكثير من الأعمال والأدوار التي كان رشيد أكبر منها… بدا خارج سياق البهجة التي نبحث عنها مع مخرج متمكن من أدواته ودؤوب على فنه كالليث حجو… كيف لنا أن نضحك، كيف لما أن نبتهج… كيف لنا أن نتفاعل مع دراما البيئة الشامية في مسلسلات (رجال العز) أو (طالع الفضة) التي يتآزر فيها النجوم من أجل أن ينهضوا بعمل يلفت الأنظار، ويعيد طرح تساؤلات جديدة عن دراما هذه البيئة… أو حتى عن مسلسلات اجتماعية أخرى لا تخلو من إتقان أو محاولة لطرح موضوعات تلامس الواقع الاجتماعي الحقيقي.. كيف لنا أن نستيسغ طعم هذا في ظل ما يجري… بل الصمت البشع على ما يجري؟!

أجل… كل ذلك يبدو عبثاً… كل هذا الجهد يبدو محزناً… كل هذا الإبداع يبدو باهتاً امام سطوة الدم في الشوارع، وأمام أرقام المعتقلين الذين يعدون بالآلاف، وأمام معاناة اللاجئين في مخيمات تركيا وسواها من أشكال التشرد الجديدة تماماً على مصائب السوريين.

حين توفي الرائد الركن المظلي باسل الأسد بحادث سير في تسعينيات القرن العشرين، أذكر أن عمليات تصوير المسلسلات التلفزيونية توقفت لأكثر من ثلاثة أيام، واستفز الفنانون مآقي الدمع في وجدانهم فبكوا على الشاشات دون ان يستعملوا عصارات الغليسيرين التي يستخدمونها في التمثيل، واتشح الكثير منهم بالسواد لأسابيع، فيما كان الكثير من المخرجين يوجهون ممثلات ألا يحضرن إلى مواقع التصوير بالمكياج على وجوهم… وربما كان من الأجدى أن تعلن الدراما السورية في رمضان وقفة حداد مماثلة على أرواح شهداء سورية من الشباب والأطفال والنساء الذين قضوا برصاص الأمن في صور موثقة تناقلتها معظم المحطات التلفزيونية… ربما كان عليهم أن يتذكروا صور حمزة الخطيب وثامر الشرعي وهاجر الخطيب وسواهم من الأطفال الذين عذب بعضهم بوحشية لا مثيل لها حتى الموت. ربما كان عليهم أن يلملموا أوراق مسلسلاتهم، أمام هذا المسلسل الدامي الذي يجتاح مدن سورية، والذي تتلقى فيه حماه مجازر جديدة يندى لها ضمير الإنسانية.

يبدو أن الدراما السورية في موسم رمضان الحالي تخرج من وجدان الآلاف من جمهورها المحلي… تغترب عن همومه وآلامه، تتفرج عليه من بعيد… أما هو فيشيح النظر عنها، كي ينسى قليلا أن في ثنايا هذه المسلسلات الكثير من الفرح والضحك والكوميديا التي تدمي القلوب بدل أن تفرحها وتبهجها!

(نور الشام) عطاء من لا يؤمن… لمن لم يطلب!

لو خرج عشرة متظاهرين ليرفعوا شعار (نريد فضائية دينية) لاتهموا بالسلفية والرجعية ومحاولة إعادة المجتمع إلى التيارات (الظلامية) كما يطلق على كل ما هو ديني أو إسلامي في إعلام النظام السوري وخطابه… ولكن هكذا فجأة – منّ علينا هذا النظام بافتتاح قناة دينية اسمها: (نور الشام) نجمها الأبرز الشيخ محمد سعيد رمضان البوطي، ببرامجه القديمة المستخرجة من أرشيف التلفزيون السوري، او بتصريحاته الجديدة التي لا تحتاج لأي أرشيف يستعيدها لأنها ما زالت قيد الاستخدام الآني في الفضائيات السورية الرسمية وشبه الرسمية، العامة والإخبارية!

هكذا يحق للنظام أن يستخدم الدين لدعم خطابه وتسويق مقولاته وترسيخ طاعة ولاة الأمر بدون أي قيود باعتبارها درءاً للفتنة، دون أن يخشى اتهام أحد له باستخدام الدين ستاراً للسياسة… ولعل فضائية (نور الشام) تقول لكل المحتجين: إن ما يحق للنظام لا يحق لغيره… فهو يملك شهادات حسن السلوك في كل شيء… يملك شهادات الوطنية والتخوين… وشهادات العلمانية والتدين… وشهادات الاعتدال والتطرف في التدين… وهو يملك حق إطلاق قناة دينية لم يطالبه أحد بإطلاقها، في الوقت الذي يقوم فيه بقصف المساجد وتدنيس بيوت الله، والاعتداء على المصلين بشبيحة أو رجال أمن… لا فرق، ولا غضاضة حتى لو تم ذلك باللباس الرسمي!

إذا كان شبيحة النظام وأنصاره من العلمانيين الذين يسجدون لتقبيل صورة بشار الأسد، أو الشعراء المجددين الذين يعتبرون هذا الأخير (ربهم) كما قال أحدهم بالحرف على شاشة التلفزيون السوري، لا يحتاجون لتوعية دينية تقدمها لهم محطة فضائية كل زادها التأويل الديني الذي يتنافى مع ثقافتهم التقدمية… وإذا كان المتظاهرون لن يستمعوا لمحطة شتمهم وكفّرهم أبرز شيوخها… فلمن أطلقت هذه القناة؟! ومن سيكون جمهورها؟! سؤال ليس غريبا عن الإعلام السوري برمته الذي يعتبر أن جمهوره هو الدولة التي ترضى أولا ترضى عن أدائه، وسوى ذلك: كله في حبك يهون!

الشبيحة يقضون على المسلسلات التركية المدبلجة!

على وقع السياسة أو سواها… اختفت المسلسلات التركية المدبلجة… وأعرضت الشركات السورية التي كانت قد وجدت في عمليات الدبلجة سبوبة مربحة، ومجالا لعمل الكثير من الفنانين العاطلين عن العمل!

شبيحة بعض شركات الإنتاج ردوا على تصريحات أردوغان السابقة التي تؤكد أنه لن يقبل بحماه جديدة… قبل أن يدخل في كوما الصمت والقبول على مضض بمجزرة جديدة ليس في حماه فقط بل في دير الزور ودرعا وجسر الشغور… و… و..، أقول رد شبيحة الإنتاج الفني على هذه التصريحات بإعلان أنهم قد يقاطعون المسلسلات التركية ولن يمنحوها شرف دبلجتهم لها. وسواء نفذوا تهديداتهم أم كانت للاستهلاك السياسي التشبيحي الموالي، فإن المسلسلات التركية المدبلجة توارت في الظل قليلاً بعد أن ملأت الشاشات وشغلت الناس… فتحية لها في غيابها الذي نأمل أن يطول لأسباب فنية حقيقية لا سياسية متبدلة، أو تشبيحية انتقامية!

ناقد فني من سورية

القدس العربي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى