صفحات العالم

محرّك القرن 19 لم يعد يصلح لسوريا

 


بقلم حامد الحمود

لا اعتقد أن الاصلاح المؤدي الى مزيد من الحرية والتعددية يشكل خطراً على مستقبل سوريا انما نظام الحزب الواحد فقد القدرة على تلمّس اي طريق لانقاذها…

يبدو أن النظام في سوريا اختار القمع لمواجهة تظاهرات المعارضة باعتبار أن الاستجابة لأي من مطالبها بإصلاحات جذرية سيكون بداية لتقديم تنازلات أكبر قد تؤدي الى تدهور هيبة النظام، وربما إلى تغييره. ويبدو أن إسكات أصوات المعارضة لم يقتصر على تلك التي اختارت الشارع والساحات في أكثر من مدينة سورية لإسماع صوتها، وإنما امتد ذلك إلى قمع أصوات موالية داخل حزب البعث الحاكم أبدت نوعا من التفهم لمطالب المحتجين. لذا كانت إقالة السلطات السورية لرئيسة تحرير صحيفة “تشرين” الحكومية سميرة مسالمة من منصبها على خلفية لقاء أجرته مع قناة “الجزيرة” حول الأحداث الدامية التي شهدتها مدينة درعا إشارة إلى أن القمع والعزل سيمتدان إلى أكثر الأشخاص ولاء للنظام في حالة إظهارهم أي تفهم لوجهات نظر المعارضة. فقد رأى التيار المتشدد داخل النظام السوري أن تصريح سميرة مسالمة لـ”الجزيرة”  “إذا كان إطلاق النار قد بدأ من الجهات الأمنية، فعلينا فعلا أن نحاسب هذه الجهات” إدانة في غير محلها للنهج المختار لمواجهة قوى المعارضة.

فالنظام السوري لم يستوعب أن رأي الحزب الواحد القائد أصبح خارج الزمن، وأظهر ما يثبت أنه حتى الرأي الآخر داخل هذا الحزب الواحد مرفوض كذلك. هذا بالرغم من  التغيرات التي شهدها العالم خلال العقدين الأخيرين وأدت الى انهيار حكومات الحزب القائد وبالرغم من احداث قريبة زمنيا وجغرافيا شهدتها تونس ومصر وليبيا واليمن أدت إلى سقوط أنظمة الحزب الواحد. وقد  حدث هذا بالرغم من وجود طبقات من أجهزة الأمن والمخابرات التي كرست جهودها لحماية هذه الأنظمة.

كما أنه من المستغرب أن النظام في سوريا يتعامل مع الأصوات المعارضة دون الأخذ في الاعتبار المتغيرات على وسائل الاتصالات والتواصل والتي تجعل من المستحيل التغطية على وسائل القمع الشنيعة أو منع البشر من توجيه النقد والانتقاد. فلكي يتجاوز الصوت الواحد المتفق على لحنه وشدته وتردده داخل نظام الحزب الواحد، وجد الشعب في وسائل التكنولوجيا الحديثة، عبر الفضائيات وشبكات التواصل المساحة التي تقلل من إحباطه وتزيد من غضب النظام. فالرصاص والسجن والتعذيب لا يمكن أن تطال مئات الألوف التي لم تجد إلا شبكات التواصل وسيلة لإظهار حنقها على النظام. فهناك عالم من الحرية يعيشه هؤلاء الشباب عبر هذه الشبكات مواز لعالمهم الحقيقي المخيف. إنه عالم افتراضي يمارسون فيه السياسة – المحرومين من ممارستها في عالمهم الحقيقي.

لا أعتقد أن الإصلاح المؤدي إلى مزيد من الحرية والتعددية يشكل خطرا على مستقبل سوريا. إنما نظام الحزب الواحد والذي يتحكم بهذا البلد منذ حوالى خمسين سنة، فقد القدرة على تلمس أي طريق لإنقاذ سوريا لا يتشكل داخل نظام هذا الحزب. ومسألة إقناع القائمين تبدو عسيرة. فهناك تحديات ومشاكل اقتصادية كبيرة أمام سوريا لا يمكن النظام بنظرته الأحادية أن يواجهها. فالبطالة متفاقمة والإنتاجية متدهورة والسنين المقبلة قد تكون أصعب.

فمنذ أربع سنوات وسوريا تعاني من جفاف أدى إلى هجرة حوالى مليونَيْ مواطن من مدن وحقول في شمال شرق الفرات. ويبدي الدكتور رامي زريق – أستاذ الزراعة في الجامعة الأميركية في بيروت قلقه من تدهور الأوضاع في هذه المناطق ويتألم لتحوّل أول مناطق زرعت قمحاً في العالم صحارى. كما أن الاحتياطي النفطي في سوريا لن يكفي لأكثر من عشر سنوات مقبلة.  لذا، فهناك حاجة لأن تتكون إرادة مخلصة لإنقاذ سوريا من مشاكلها الاقتصادية والسياسية المقبلة والمتراكمة. ولقد أصبحت آلة الحزب الواحد آلة غير كفيّة لتشغيل سوريا. فهي آلة طورت في أواخر القرن التاسع عشر، واثبت القرن العشرون تدهور إنتاجيتها. وقد تم إزالة هذه الآلة من جميع دول العالم مع تشكيل بدائل منها تسمح بإدارة الدولة سياسيا واقتصاديا بكفاءة أعلى. ومن المحزن أن تستمر سوريا في القرن الحادي والعشرين مدارة بمحرك أو آلة صممت في القرن التاسع عشر.

 

كاتب كويتي

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى