صفحات مميزةلن ننساكم -بمثابة تحية الى شهداء سورية -

محمد حاف.. شهيد من زمن الحكايات – يارا نصير

 

يارا نصير

“صدق يا حاف العين ما تنسى الجفن

وصدق يا حاف الوردة ما تنسى الغصن”

واحدة من عبارات كثير موجهة إلى “حاف” تجدها على الجدران حيثما تجولت في سراقب المحررة، “حيطان” سراقب الشهيرة ترسل سلامها وأشعارها ودموعها إلى حاف واسأل مرافقي عنه فيجيبني متعجباً “معقول ما بتعرفي محمد حاف؟”.

عندما تزور سراقب فالكثير الكثير من الحكايات بانتظارك، حكايات الحيطان والطفلة شيماء والثلاثاء الأسود فالمدينة نبع من الحكايات لا ينتهي. لكن حكاية واحدة تتردد طوال الوقت على ألسنة الجميع وعلى الجدران وفي الأغاني هي حكاية شهيد سراقب الحبيب الذي لا ينسى ” أهالي سراقب يختلفون على كل شيء ويتفقون على محمد حاف” يقول خالد أستاذ الموسيقى وهو يأخذني في جولة في شوارع المدينة. وخالد ككثيرين مسكون بأسطورة محمد حاف وتضحياته البالغة وعندما أسأله عن اسمه الغريب يجيب ضاحكاً ” كل أخوته لديهم اسماء مركبة من محمد واسم آخر إلا هو كان اسمه فقط محمد .. من طفولته كان اسمه محمد حاف .. يعني محمد وبس .. ومن طفولته كان يمكن المعرفة أنه إنسان مميز للغاية”

اجتمعنا ليلاً على سحور رمضاني مع مجموعة من شباب المدينة، نشطاء وإعلاميون ومتطوعون في الجيش الحر، وانتهزت الفرصة لأسألهم عن محمد حاف فتطوع الجميع للإجابة وتعالت الصيحات ” محمد حاف بطل سراقب .. شهيد لا ينسى .. مثل سراقب الأعلى في كل شيء” وأخذتني الدهشة حين سمعت حكاية شهيد لاتزال ذكراه مهيمنة على المدينة حتى بعد استشهاده بشهور طويلة ” سمينا الكتيبة بأسمو ..” يقول أحمد متأثراً ” محمد خسارة كبيرة .. هالشب ما كان لازم يموت .. ضيعانو”

اسمه الحقيقي محمد باريش، ويروي رفاقه وآخرون عرفوه في المدينة أن محمد كان الأول في كل شيء وعلى رأس كل عمل، بدأت الثورة فأسرع يجمع الناس ويعدهم للتظاهر، كان على رأس المظاهرات وكان “الهتيف” الأول وكانت مطالبه واضحة، حرية وعدالة وكرامة للجميع. عرف الشهيد حاف بطيبة الخلق وسماحة النفس وبالاندفاع والغيرية، كان مميزاً في المدينة حتى من قبل أن تبدأ الثورة، معروفاً بسماحته ومدافعته عن الحق ” كان من العادي جداً نشوف محمد يلاعب الأطفال في الحارة أو حامل حمل ثقيل عن امرأة كبيرة في السن .. كان قائداً متواضعاً وشديد الحساسية لحاجات الناس ومطالبهم” عرف محمد أهمية أن يكون الحراك سلمياً ودافع عن سلميته إلى أقصى حد لكنه كان أول من حمل السلاح حين دعت الحاجة للدفاع عن المدينة ” تصوري حمل كيس وصار يدور على الناس يجمع تبرعات .. قال بدنا حق رصاص وما رح نمد إيدنا لحدا” لم يكن يهمه أن يسخر منه أحد، كان مندفعاً وصادقاً وقاتل في سبيل مبادئه حتى النهاية.

اعتقل محمد في شهر رمضان من العام 2011، عذب في المعتقل ككثيرين وعندما خرج سارع في الانخراط مجدداً في صفوف الثورة، فالثورة لم تكن بالنسبة إليه خياراً وإنما كانت حلماً انتظره وعاشه حتى الثمالة ” ما كان ممكن الاعتقال أو التعذيب يخليه يوقف .. كان مطلوب عند الأمن حتى بعد إطلاق سراحه والصفحات المؤيدة فرحت واحتفلت بموت الإرهابي محمد باريش.. لو بيعرفو هالمؤيدين شو خسرت سوريا بمحمد ما كانو فرحو .. سراقب من بعده مدينة حزينة للأبد” تدمع عينا عبد وهو يتكلم ” محمد حاف هو روح سراقب.. هو سوريا الجديدة اللي عم نقاتل لأجلها .. الجيل الجديد رح يكون بسوريا المحررة جيل محمد حاف”

يريني أحد الشباب متأثراً الفيديو الأخير الذي سجل وصيته فيه، كان موقناً أنه سيموت في المعركة فترك كلمة لبقية الشباب ” بتمنى أنو اللي طلعو يكملو المسيرة من بعدنا .. الثورة إنشاء الله مستمرة .. مهما قاتلونا منتصرين”. ويروي الجميع كيف دافع ببسالة عن المدينة يوم الثلاثاء الأسود في نهاية شهر آذار من العام 2012، حين اقتحم الجيش والشبيحة المدينة ودمروا ونهبوا وقتلوا وارتكبوا مجزرة كبرى لا تزال ذكراها المؤلمة حية في أذهان الجميع ” كان دائماً في الصفوف الأمامية ولم يكن يهاب الموت .. لكن الموت نال منه في النهاية”. استشهد محمد حاف في الأول من شهر نيسان 2012 أثناء معركة تحرير المدينة.

في مساء اليوم التالي دعانا خالد أستاذ الموسيقى للسهرة في بيته، لخالد ثلاث فتيات شابات موهوبات شكلن بقيادة والدهن فرقة موسيقية يؤلفن فيها الأغاني ويعزفنها ويغنين جميعهن معاً. في تلك السهرة الرائعة سمعت أغنية محمد حاف التي أصبحت نشيد المدينة، هدية إلى روح الشهيد التي لازالت تعيش بين البيوت وفي ذاكرة الأهالي.

“محمد حاف محمدنا .. اشتقنالك يا محمد حاف

تشهدلك شوارعنا .. واللي يسمع مو متل الشاف

يا محمد في السلمية .. وشو فينا عليت الصوت

صوتك بعدو غنية .. نغنيها وما نهاب الموت

من صبو علينا النيران .. تحديت ومارضيت سكوت

غالي يا عريس الفرسان .. تعلمنا منك ما نموت

قوم انهض يا محمد حاف”

عدت لاحقاً للتجول في المدينة التي أصبح لجدرانها طعم آخر، شعرت بأني عرفت محمد حاف معرفة وثيقة وبأني أحببته كحبيب وصديق وقائد، مررت على جدار كتب عليه ” حاف سلام إليك منا ومن أطفالنا” وآخر يقول ” سلام عليك يوم ولدت ويوم تموت ويوم تبعث حيا .. شكراً حاف”. وسعدت حين أدركت أن الحب العظيم الذي غمرت به المدينة بطلها غمرني انا أيضاً بدوري وأن محمد حاف من يومها سيظل برفقتي حياً للأبد.

خاص – صفحات سورية –

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى