صفحات سورية

محنة السوريين: الخوف من مجهول قادم في مصر

 

ثائر الزعزوع()

منذ أن تبوّأ سدة الرئاسة صيف العام المنصرم، لم يفوّت الرئيس المصري محمد مرسي مناسبةً إلا ودعا فيها للوقوف إلى جانب الشعب السوري ضد الطاغية المستبد، بل إنه وفي عقر دار إيران الحليف الأشد قرباً للنظام السوري، قال مرسي ما لم يقله أحد سواه من قادة الوفود المشاركة في قمة دول عدم الانحياز في شهر آب/ أغسطس الماضي، وحتى من أولئك الذين يناصرون ثورة الشعب السوري جهاراً ونهاراً، واستطراداً فإن مرسي وفي حمّى الفوضى الخانقة التي تعيشها مصر، ظلّ متمسكاً بمطالبته بالوقوف إلى جانب السوريين المظلومين والتصدي للظالم وقلع أنيابه.

مشاعر الرئيس مرسي تلقى قبولاً في الأوساط السورية، سواء الليبرالية منها أم الإسلامية، كما أن موقف مصر من الوافدين السوريين الكُثر إلى أراضيها يجعل الموقف المصري متقدِّماً عربياً على سائر المواقف الأخرى، وإن تكن الأحداث الأخيرة قد بدأت تهزّ صورة أول رئيس منتخب لمصر، بل وتهدِّد بقلب الطاولة عليه، فإن موقف “السوريين” ملتبسٌ بشكل كبير، إذ يميل التحليل إلى اعتبار مرسي خاطئاً في تفرّده بالسلطة، والسماح لجماعته بالاستحواذ على الدولة من بابها لمحرابها، وهو السيناريو الذي يخشى الكثيرون تكرار حدوثه في سوريا بعد سقوط نظام الأسد، بينما تميل المصلحة والخوف من قادم غير محدّد الملامح إلى التزام جانب الحذر في تأييد طرف ضد طرف، وانتظار أن تهدأ الأوضاع المصرية من دون أن يبدي أي من أطياف المعارضة السورية انحيازاً، أو موقفاً قد يؤدي إلى فقدان ما يمكن اعتباره ميزات يحظى بها الوافدون، الذين عوملوا معاملة المصريين في كل ما يخصّ شؤونهم الحياتية تقريباً.

وقد يُفهم من هذا الأمر أنه انتهازيةٌ مبرّرةٌ نظراً للظروف اللاإنسانية التي يعيشها “السوريون” الآخرون في الدول التي لجأوا إليها، وقد باتوا مادةً للاستجداء من قبل بعض الدول الحاضنة.

إذ قد يكون من المستغرب أن تغلق الحكومة الليبية حدودها في وجوه السوريين، وهي حكومة جاءت في أعقاب ثورة شبيهة بالثورة السورية، بل إن الليبيين، وكما تشير الكثير من التقارير، كانوا من أوائل الداعمين مادياً وعسكرياً للثورة السورية، وكان من باب أولى أن تحتضن ليبيا العمالة السورية المزدحمة على معبر السلوم الحدودي، لا أن تشترط حصول السوريين على فيزا عبور قبل دخول أراضيها، علماً أن ليبيا في أمس الحاجة إلى تلك العمالة بعد الدمار الذي تسببت به حرب إزاحة القذافي، ولعله من المفيد التوضيح أن شرط الحصول على فيزا لم يكن مطلوباً إبان فترة حكم القذافي.

دولُ الخليجِ بدورِها أغلقتْ أبوابها في وجه السوريين، لكنّ تلك الدول تبدو معذورةً في العُرف الجغرافي، والسكانيّ أيضاً، بل والسياسي حتى، إذ إن الهدوء والاستقرار الذي حرصت جاهدة على تحقيقه قد يتعرض لاهتزازات كارثية إن فتحت أبوابها لاستقبال لاجئين مباغتين، ليس ثمة أفق واضح لانتهاء فترة لجوئهم.

تشير تقديرات غير نهائية للأمم المتحدة أن أكثر من 750 ألف لاجئ سوري غادروا بلدهم وتوزعوا على أربع دول، هي لبنان وتركيا والأردن والعراق، ويبدو هذا التوزع طبيعياً لأن هذه الدول تمثل الحدود الجغرافية لسوريا، ويمكن الانتقال إليها سيراً على الأقدام، تبعاً للمناطق التي ينزح منها المرء، فأبناء المنطقة الشرقية اتجهوا إلى العراق، وأبناء المنطقة الجنوبية وتحديداً منطقة درعا، وبعض مناطق الريف الدمشقي قصدوا الأردن، فيما لجأ أهالي ريف إدلب وحلب إلى تركيا، وقصد لبنان قرابة مئتي ألف من أهالي ريف دمشق، وبعض الموسرين من أبناء حلب، وفيما تشير تقديرات إلى أن عدد الذين قصدوا مصر خلال العام 2012 يتجاوز المئتي ألف، سجلت الأمم المتحدة نسبة عشرين بالمئة منهم فقط أما النسبة العظمى فلم يتم تسجيلهم في قوائم الأمم المتحدة، وقد بدأ الموسرون منهم بمزاولة حياتهم، فأنشأوا مصالح واستثمارات، وأصبح الحضور السوري واضحاً في مناحٍ عديدة ساعدهم على ذلك التشجيع الذي لقوه من الحكومة المصرية التي أتاحت الفرصة للمستثمرين والصناعيين السوريين لبدء أعمالهم في مصر، فيما تعتمد نسبة لا بأس بها على مساعدات تقدمها بعض الجمعيات الخيرية، السورية والمصرية أيضاً.

لكن المقلق بالنسبة لهؤلاء أن لا ضمانات يمكن أن تُقدّم لهم في حال ساءت الأوضاع السياسية في مصر، فالبلاد تمر بضائقة، والعملةُ المحلية تتراجع، كما أن ارتفاع معدلات البطالة المرتفعة أصلاً، يزيد الأمور سوءاً، و كل هذا قد يدفع الكثيرين لإعادة حساباتهم والبحث عن خيارات جديدة، وهي نادرة، ولعل الإشكالية في أن يحدث ما يخشى منه، ساعتها سيجد المجتمع الدولي نفسه أمام كارثة من نوع جديد، لعلّها لم تكن في الحسبان، ولذلك فإن الهيئات الدولية مدعوة للعب دور أكبر في توثيق أعداد النازحين والمهجرين، وعدم الركون إلى الأرقام السابقة التي تفتقر إلى الدقة، والبحثِ عن حلول نهائيةٍ طالما أن أفق حل الأزمة السورية غير واضح الملامح حتى الآن.

() كاتب سوري مقيم في مصر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى