صفحات العالم

مخاطر التدويل

 


ساطع نور الدين

النقاش الدائر في مجلس الأمن الدولي حول سوريا هو نوع من العبث الذي لا يمكن ان يخدم أي غرض سياسي، لكنه يدخل النظام السوري ومعارضيه في جدل عقيم حول التدخل الخارجي في ازمتهم الداخلية جدا.

هو عبث لأن احدا لا يتوقع ان يتوصل المجلس الى اجماع على قرار جدي يحسم الازمة او يحدد سبل الخروج منها. الارجح انه سيزيدها تفاقما وسيخلق لدى النظام ومعارضيه على حد سواء التباسا حول التدويل ويثير المزيد من الاوهام حول الدعم الذي يمكن يتلقاه الجانبان من الدول الـ15 الاعضاء في المجلس، الذي لا يقوى على اضافة سوريا الى جدول اعماله الحافل بمختلف انواع التدخل العسكري والامني والسياسي في ازمات كلها عالقة، وبعضها يقترب من مراحله الحرجة.

النقاش يتخذ حتى الآن طابعا فكريا – اخلاقيا. هو يعبر عن مواقف مبدئية من النظام السوري واسلوب ادارته الامنية للازمة، ويحذر من مخاطر هذا الاسلوب على امن سوريا واستقرار الدول المجاورة لها. لكن هذا النقاش يعكس قدرا كبيرا من المزايدة المتبادلة بين اعضاء المجلس، وبالتحديد الرغبة في احراج روسيا والصين (ولبنان طبعا) اكثر من احراج السلطة السورية.. التي بات يكفيها الآن الاقتناع الراسخ بأن استخدام حق النقض من قبل احد الاعضاء هو بمثابة نصر سياسي.

اما القول ان المجلس يهدف من النقاش ومن القرار، المرتقب صدوره بالغالبية البسيطة، ان يوجه رسالة الى النظام، فإن دمشق جزمت منذ بداية الازمة انها لم تعد معنية او مهتمة بتسلم مثل هذا البريد الدولي، الا عندما يخدم حجتها بان ثمة مؤامرة دولية تهدف الى التدخل في سوريا، على غرار التدخل في ليبيا… وهو امر يكاد يكون مستحيلا، حتى لو تخطت المواجهة الداخلية بين النظام ومعارضيه الحدود الدولية لسوريا… وهو امر يكاد يكون مستحيلا ايضا.

قد يكون لمجلس الامن اثر نفسي على النظام، يدفعه الى التفكير ولو قليلا بعزلته الدولية، لكن الاثر السياسي للمجلس على معارضيه قد يكون ضارا. وما دام ليس من الوارد ان يتوافق الاعضاء الـ15 على قرار غير الادانة، التي تجاوزتها بالفعل لائحة العقوبات الاميركية والاوروبية الصادرة في الشهر الماضي على اركان الحكم السوري، فان المجلس يفقد مصداقيته، كما يحد من دور الدول التي يمكن ان تساعد في انهاء الازمة السورية.. ومنها من يعتقد انه ما زالت هناك فرصة للجمع بين النظام ومعارضيه في قاعة مفاوضات واحدة، لا تحتاج الى رعاية دولية.

اما اسوأ ما يمكن ان يثيره المجلس، فهو ان يتوهم بعض المعارضة السورية ان المجتمع الدولي جاهز للتدخل السياسي ثم العسكري، لا ليكرر فقط التجربة الليبية المدمرة بل ربما يحيي التجربة العراقية البائسة. ومثل هذا الوهم لا يفقد النظام المزيد من شرعيته الدولية المهدورة، بقدر ما يحرم معارضيه من الشرعية الشعبية التي يحتاجون اليها الآن اكثر من أي وقت، للتأكيد ان الازمة داخلية، لا شأن لاحد بها.. لا سيما العواصم الغربية التي يمكن بسهولة التشكيك في نياتها.

السفير

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى