صفحات الثقافة

مختارات من الشعر الفرنسي

 

 

ترجمة: محمد الخضيري

بول فور

(1878-1960)

نشيد الليل

 

ينبعث الظل، كما الرائحة، من الجبال، ويخيم الصمت حتى نخال أننا نموت. سنسمع، هذا المساء، شعاع نجمة، تصعد تيّار النسيم مرتعشة.

تأمل. أسفل جبينك لتكن عيناك المنبع الذي يغوي بانعكاساته الشطآن في رحلته… على الأرض المرصعة بالنجوم فاجئ السماء، واسمع النشيد الأزرق للنجوم في ندى الطحالب.

تنفس، وأعد للريح، زهرة الريح، نَفَسَكَ، وليعطر زفيرك الساخن الأزهار، تنفّس بتقوى وأنت تنظر للسماء، وليكن نفسك الرّطب نجمة مرة أخرى على العشب.

دع السماء كاملة تسبح في عينيك الداكنتين، وامزج صمتك بظل الأرض: إن لم تكن حياتُك ظلاً على ظلك، عيناك والندى مرايا للأجرام.

أحسّ بروحك تصعد على ساقها الأبدية: العاطفة الإلهية، وتصل إلى السماوات، تابع بعينيك نجمتك، أو روحك الأبدية، تفتح بتلتها وتعطر السماوات.

على تعريشة الليالي ذات الأغصان اللّامرئية، انظر لهذه الأزهار الذهبية تلمع، أملاً لحياتنا، انظر إلى الختم الذهبي لحيوات مسقبلية، يلمع فوق نجومنا – نجومنا المرئية على أشجار الليل.

اسمع نظرتك تندمج مع النجوم، وانعكاساتها تصطدم بلطف في عينيك، وتختلط بأزهار نَفَسِك، دع نجوماً جديدة تتفتح في عينيك.

تأمل، كن شيئك، دع حواسك تفكر، اعشق نفسك بنفسك المشوشة في هذه الحياة. دع السماء تُرَتَّبُ في عينيك، دون أن تفهم، واصنع من صمتك موسيقى الليالي.

 

أندري سالمون

(1881-1969)

 

المنحرف

 

أعيش في جنوني وأهلك في عقلي

وأزدري إنشاء القصائد الصافية،

كي أعذر كل الخيانات أعرف

أكاذيب جميلة تغري النساء.

والنساء المحبات دوماً للألعاب القاسية

داعبنني كثيراً بقبلة أخوية

جذلات لرؤيتي أتهكم مما أحب

وخلفنني أتعس، للأسف، من قصائدي.

في السكينة الرمادية للعتمة

أصقل أبيات حداد على الورق الوردي

أو أنحت على واجهات المآثر الكئيبة

قصائد تمجد قصص العشق الفاحشة.

أحياناً، حين تقتطع شمس بطولية

مملكة ساطعة في الأزرق المستسلم

ينفخ الدم قلبي العجوز المتقرح

وأطير كطفل تسكره قصص المعارك

مع هذا خلف الأفق الملكي

أرى شعوب السحاب والأحاسيس المنهمكة

من الصدمات والاختلاجات تزحف نحوي

فيبقى لي أمل واحد، وأطلب العاصفة!

العاصفة التي ترج القارات المنحطة!

العاصفة التي تخسف بحاملي العقائد!

العاصفة على المعبد والمدينة حيث المجاعة!

العاصفة في قلبي! العاصفة في أبياتي!

أنا الفارس سادن سوء الطالع

أنا صياد الظلال وكلابي الهلعة

الملفوفة بأشعة القمر الشاحبة،

لها نباح يثير نواح المواليد الجدد.

أنا المهرج الراقص على الحبل

فرحاً بدواره وأسماله

وأحياناً أكون البريء في مهده

الذي يغيظه حلمه ويغمره الخوف

أنا الراهب الوهن، الذي يعترف له في المخادع

الذي يداعب الموت أسفل ردائه الأسود

الذي أمام الحب الحيّ لبوهيميين

سيبكي إن لم يراقبه هو

وأنا من الذي يوجدون في ليلة شتاء

حينما تغرق الريح الأمل الخفيف للأشرعة

شاحبين وحول عنقهم حبل،

جاحظين وسكارى بالضياء السحري للنجوم.

 

تريستان تزارا

(1896-1963)

 

عطلة في الريف

 

الطيور في السماء جامدة

كآثار الذباب

خدم يثرثرون أمام باب الإسطبل

تزدهر آثار الدواب، وروثها في الممشى

الرجل المرتدي الأسود وصَبِيَّتهُ يمران في الشارع

هما سعادة الشحاذين عند حلول المساء

لكنني لا أملك في البيت دمية ذات أجراس

لأصرف الحزن عني حين تخونينني

روحي بنّاءٌ يعود من العمل

ذكرى برائحة الصيدلية النظيفة

أخبريني أيتها الخادم العجوز عما كان من قبل ولن يكون

أبداً

وأنت يا ابنة العم أثيري انتباهي حين سيغرد طائر الوقواق

 

لننحدر إلى الوادي

الذي هو الله حين يتثاءب

لتنعكس صورتنا على البحيرة

الملآى بالبيض الأخضر للضفادع

لنكن فقراء عند عودتنا

ولنطرق باب الغرباء

كمنقار العصافير في لحاء الربيع

لم لا، نذهب إلى أي مكان

حداد أبيض عند ابنة الجيران

 

 

ينتهي النهار

 

يعود الصيادون بنجمات البحر

يعطون الأكل للفقراء، ويدخلون الخيط في خرز سبحات العميان،

يخرج الملوك إلى الحدائق في هذه الساعة التي تشبه

النقوش العتيقة

ويحمم الخدم كلاب الصيد

يضع النور قفازات

افتحي أيتها النافذة

واخرج أيها الليل من الغرفة كما النوى من الخوخ

كما القس من الكنيسة،

الله: يلين الصوف للعاشقين الخانعين

يرسم الطيور بالحبر، يجدد الصورة على القمر

_ هيا لنصطاد الخنافس

لنحبسها في علبة

_ هيا إلى الجدول

لصنع جرار من الطين

_ هيا إلى النافورة لأقبلك

_ هيا إلى حديقة البلدية

كي تنصدم المدينة

_ أو إلى عليّة الأسطبل كي ننام

يخزنا التبن ونسمع اجترار الأبقار

وبعدها تفكر في عجولها

لنرحل، لنرحل.

 

المترجم: محمد الخضيري

ضفة ثالثة

 

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى