صفحات الناس

مخيم اليرموك: 3 احتمالات

علي بدوان

بالرغم من عودة أعداد جيدة من أبناء مخيم اليرموك فإن تلك العودة المحدودة إنتكست مع توسع نطاق العمليات العسكرية، وتساقط قذائف الهاون بشكل غير مسبوق على مناطق مختلفة من المخيم وشوارعه الرئيسة. وقد أدت تلك القذائف الى سقوط أعداد متزايدة من أبناء المخيم من فلسطينيي سوريا وتم دفنهم على عجل.

كل المؤشرات والمعطيات، غير مبشّرة حتى الآن، وهي تشير الى أن مشكلة مخيم اليرموك وبقاء سكانه خارجه ربما ستطول، في ظل إرتفاع منسوب الإنفجار الداخلي، وعجز عموم الفصائل والقوى الفلسطينية عن القيام بمهمة إنقاذ المخيم.

الاحتمالات المفتوحة

الإحتمالات المفتوحة الآن بالنسبة لأزمة مخيم اليرموك تتمحور وفق ثلاثة إتجاهات استنادا الى ما نشاهده على الأرض:

أولها بقاء الوضع على ماهو عليه، من قصف وقتل وقنص وتطاحن دموي واشتباكات مستمرة خصوصاً عند المدخل الرئيسي للمخيم، وعلى الجهة الشرقية منه الملاصقة لحي التضامن من جهة بلدية اليرموك وفرع الحزب. وهو ماسيفضي في نهاية المطاف الى خروج كل الناس من المخيم وبشكل نهائي مع شح مقومات الحياة داخله خصوصاً بالنسبة للمواد الغذائية وإنقطاع التيار الكهربائي وحالة الحصار المفروضة، وإستسهال القتل والقنص وأعمال التفجير، وبالنتيجة تشريد نهائي لأبناء المخيم لأجل غير مسمى. وبذلك سنجد أنفسنا أمام هموم جديدة لها علاقة بمن خرج من المخيم، خصوصاً أولئك الذين ليس بيدهم حيلة للتغلب على المصاعب الإقتصادية ومصاعب الإقامة والمعيشة وضنك الحياة وغيرها.

وثاني الاحتمالات، قيام الجيش السوري بعملية عسكرية شاملة، وهي عملية ممكنة جداً من الناحية العسكرية واللوجستية، لكن الثمن سيكون تدمير أجزاء واسعة من المخيم، ووقوع إصابات مفتوحة بين من تبقى من أبنائه، والوصول الى نهاية دراماتيكية لهذا التجمع الفلسطيني الضخم في الشتات. لكن المعلومات المؤكدة فلسطينياً والتي تم إبلاغها لوفد اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير خلال زيارته الأخيرة لدمشق، تشير الى أنه لا نية على الإطلاق لدى الجيش السوري للدخول الى اليرموك. فهو يَتَبِع الآن تكتيك تطويق المناطق المحيطة بالمخيم والتي تتواجد فيها أعداد كبيرة من مسلحي المعارضة الذي يحملون إسم “الجيش الحر” (تحت مسميات كتائب مختلفة منها صقور الجولان ومنها أبابيل حوران اضافة الى جبهة النصرة) وإحكام “الكماشات” عليهم في الأجزاء التي يتواجدون فيها من جنوب حي التضامن ويلدا والحجر الأسود والحسينية وغيرها من المربع الجنوبي والزنار المحيط بمخيم اليرموك حتى حدوده الغربية، حي القدم والعسالي.

وثالثها، أن يتسامى الجميع، ويسعون لإعلاء صوت العقل، والعودة الى منطق تحييد المخيم وإعادته كما كان ملاذاً آمناً للجميع. فتحييد المخيم والتجمعات الفلسطينية وتحييد الفلسطينيين بشكل عام في سوريا هو الحل الأفضل وفق ماتراه كل القوى الفلسطينية من حركة حماس إلى حركة فتح ومابينهما، ووفق المزاج العام للناس من فلسطينيي سوريا.

ويبقى القول، ان عودة مواطني مخيم اليرموك من سوريين وفلسطينيين أمرٌ غير ممكن مادامت العوامل التي أدت الى خروجهم من اليرموك قائمة على ماهي عليه، وذلك في جانبها الأمني والعسكري. فأمر عودة الناس يتطلب وقف الحالة العنفية تمهيداً لعودة المخيم الى سابق عهده كواحة أمن لأكثر من 600 ألف مواطن سوري جاؤوا إليه من مناطق التوتر المحيطة به خلال الأشهر الماضية.

فمخيم اليرموك إستوعب من نازحي الأحياء المحيطة به وحتى من عموم المحافظات السورية أكثر ما أستوعب كل من تركيا والأردن معاً. وقدم لكل من دخل إليه كل المساعدات الممكنة من غذاء وكساء وتعليم بواسطة لجان الإغاثة المجتمعية الفلسطينية المستقلة (وهي لجان كثيرة العدد وفاعلة ونشيطة) بما فيها لجان الإغاثة التابعة لبعض القوى والفصائل المقتدرة مادياً كحركتي حماس والجهاد الإسلامي، وحركة فتح والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين…

إن بعض الأصوات التي لم تتعلم من تجارب الفلسطينيين المؤلمة ودروسها الثمينة التي دُفعت أكلافها بالدماء البريئة في أكثر من مكان، تدعو الآن لربط مشكلة مخيم اليرموك بعموم الأزمة السورية، مُعتقدة بأن لاخصوصية تميّز المخيم عن غيره من المناطق والبلدات والمدن السورية، إنطلاقاً من وجود كتلة سورية ضخمة من سكانه، وإنطلاقاً من مقولة “الحياد المستحيل” للفلسطينيين في الأزمة السورية.

إن الإعتقاد السابق خاطىء جداً جداً، ولايخدم أي حراك ديموقراطي حقيقي في سوريا. ولايخدم حتى شعارات المعارضة السورية. فقضية التغيير في سورية تقع على كاهل 24 مليون سوري وليس على كاهل نصف مليون فلسطيني لهم خصوصيتهم الوطنية، وهم منحازون في غالبيتهم لمطالب الناس المشروعة في سوريا. لكن هذا الإنحياز لايترجم بالتخندق وراء المتاريس ولا بالدخول في آتون اللهيب المشتعل في البلد، بل يُترجم بمد اليد لمساعدة عموم السوريين في ميادين العمل الإجتماعي والإغاثي والصحي وغيره، وهو ماكان طوال الشهور الماضية من عمر الأزمة الداخلية السورية.

كاتب فلسطيني

النهار

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى