صفحات سوريةفايز ساره

مدريد: جوانب جوهرية

فايز سارة

 ربما كان من الملفت للنظر، ان يعقد مؤتمر للمعارضة السورية في مدريد العاصمة الاسبانية، والتي غلب على سياستها موقف يقارب السياسة اللبنانية ازاء الوضع السوري وهي سياسة النأي بالنفس، او بالتعبير الشامي “ما دخلنا”. لكن ومثل عاصمة لبنان وغيرها من عواصم كثيرة، فان مدريد وجدت لها طريقاً للتدخل في الموضوع السوري عبر مشاركة حزب التنمية السوري في الدعوة الى اللقاء التشاروي الوطني السوري الذي كان هدفه غير المعلن التوقف عند فكرة موقف المعارضة السورية من العملية السياسية غداة انعقاد مؤتمر جنيف2، واستجاب للدعوة نحو ثمانين شخصاً بينهم ضباط منشقون وشخصيات مستقلة وممثلون عن احزاب وجماعات سياسية، وهي مشاركة تقارب ما حصل، ويحصل في مؤتمرات ولقاءات المعارضة السورية.

 ومثل كل لقاءات المعارضة، اختار المنظمون والمشاركون الشكل الاخراجي لنشاطهم، وبعد الافتتاح وجلسة عامة حضرها الجميع، طرحت فيها موضوعات عامة، توزع المشاركون الى اربع ورشات، ناقشت كل منها موضوع المعارضة والعملية السياسية، ووضعت في محصلة النقاش تصورها عن العملية، وقام المشاركون بعرض التصورات الاربعة قبل ان يكلفوا مجموعة مختلطة من الورشات الاربع مهمة صياغة الخلاصات العامة، ثم استعراضها ونقاشها في جلسة عامة، رسمت ملامح رؤية ذلك الفريق من المعارضين السوريين، وتمت صياغتها تحت عنوان “اعلان مدريد 2013”.

 ورسم “اعلان مدريد 2013” افاق العملية السياسية الممكنة من جانب المشاركين ملاحظاً ان هدف العملية، ينبغي ان يكون “إسقاط النظام بكل رموزه، والتأكيد على نزع شرعيته كاملة، وإقامة نظام ديمقراطي بديل، يوفر الحرية والعدالة والمساواة وسيادة القانون والحريات لكل السوريين”، وهو هدف يكاد يجمع السوريين عليه، ويجد له تأييداً واسعاً في المجتمع الدولي.

 واشار الاعلان الى مدخل العملية السياسية بانها تبدأ من “سحب الجيش إلى ثكناته، وإطلاق سراح كل المعتقلين وفتح الأبواب أمام دخول المساعدات إلى كل المناطق دون استثناء والسماح بالتظاهر السلمي، والبدء في عودة المهجرين واللاجئين إلى أماكنهم”، وهي مطالب جرى طرحها في كل مراحل الازمة باعتبارها تشكل مدخلاً للمعالجة، وتضمنت اغلب بنودها المبادرات التي طرحت، ولاسيما خطة عنان المبعوث العربي والدولي.

 وحصر الاعلان الدور الاقليمي والدولي في “تأكيد التزاماته وضمانته الكاملة من أجل قيامه بلعب دور في رعاية أي عملية سياسية تتعلق بسوريا، وضمان نتائجها”، الامر الذي يعكس رغبة في تركيز هذا الدور والحد من التدخلات في الشأن السوري الذي تمارسه قوى اقليمية ودولية في سوريا، وهذا ما اشير اليه في الاعلان، عندما تحدث عن قرار سوري مستقل في مقدمته، باعتباره الموجه الرئيس في فهم المعارضة لمشاركتها في العملية السياسية وفي الابعد من ذلك.

 وأضاف الاعلان تفصيلاً مهماً في فكرة العملية السياسية عبر اعلان مرجعية للحكومة الانتقالية، التي يشار اليها في العملية السياسية، والتي يفترض ان تكون مشتركة وصاحبة صلاحيات كاملة، فرأى انها ينبغي ان تتشكل من قبل مجلس حكماء “تتمثل فيه مكونات الشعب السوري برعاية الأمم المتحدة”، وان المجلس يسمي “الحكومة الانتقالية من أصحاب الكفاءات”، ويتولى “الاشراف والمراقبة على أعمال الحكومة”، ويقوم بـ”التمهيد لإعلان دستوري لإطلاق جمعية تأسيسية في خلال عام من تأسيس مجلس الحكماء”، ووسط هذه الفرضيات ” تتولى الحكومة الانتقالية شؤون الحكم بسلطة كاملة، وتقوم بإدارة البلاد إلى أن يتم تحديد أسس النظام السياسي الجديد والقائم على الديمقراطية والتعددية والعدالة والمساواة وسيادة القانون”، كما تقوم الحكومة الانتقالية بدورها الطبيعي في اخضاع “الاجهزة العسكرية والأمنية” لسلطتها” بالتوازي مع التزامها “بإعادة هيكلة هذه الأجهزة ومحاسبة المسؤولين عن الجرائم المرتكبة”، وسط ممارسة الحكومة لـ”مسؤوليتها الكاملة في الحفاظ على مؤسسات الدولة والعمل على إعادة هيكلتها وإصلاحها بهدف توفير المصلحة العامة وتحقيق الديمقراطية واستقلال القضاء”.

 ورسم الاعلان ملامح مشاركة المعارضة في العملية السياسية، بالقول “أن وفد قوى الثورة والمعارضة في أي عملية سياسية هو من الائتلاف الوطني وباقي أطراف المعارضة” باعتباره “الممثل الشرعي للشعب السوري في ما يتعلق بالمفاوضات” وهذا يمثل تطوراً مهماً في موضوع وحدة المعارضة ودورها المستقبلي، وهو احد جوانب الرؤية العميقة، التي رسمها “اعلان مدريد 2013” في سعي معارضين الى رسم ملامح طريق لعملية سياسية تعالج الازمة في سوريا، وتتحمل مسؤولياتها بالسير بثورة السوريين نحو تحقيق اهدافها باقل الخسائر، ووضع للقوى الاقليمية والدولية امام مسؤولياتها ازاء وضع سوري يشكل امتحاناً سياسياً وانسانياً واخلاقياً لعالم قصر وما يزال تجاه ما يصيب السوريين وبلدهم من قتل ودمار على يد نظام  فات اوانه، وبات عليه ان يرحل.

المدن

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى