صفحات العالم

مدن الانتحاريين وصحارى “الجهاديين”/ زهير قصيباتي

آلاف من السودانيين قتلوا خلال عشرة أيام في الجنوب، مئات من السوريين بينهم حوالى مئة طفل سقطوا شهداء بالبراميل المتفجرة التي أُمطرت على حلب خلال عشرة أيام. ضحايا أقل من الرؤوس التي لا تمييز بينها ايضاً في صراع القبائل.

وضحايا أقل في تفجيرات لقتل مسيحيين في العراق يوم الأعياد، وأقل في تفجير المنصورة المصرية، لكنه القتل في كل مكان في المنطقة، يساوي بين الضحايا بامتياز: بين سنّة العراق وشيعته ومسيحييه، وبين أطفال سورية ونسائها وشبابها، وسنّتها وعلويّيها، بين مسلمي مصر وأقباطها… عام القتل 2013 ضحاياه آلاف العراقيين، وآلاف السوريين، مئات الليبيين وكثيرون من شباب مصر.

بالجنازات يودّعنا 2013 كما بدأ، وبنعوش ضائعة قد لا تجد مقبرة لدفن موتاها. رياح العرقنة والصوملة تضرب شرقاً وغرباً.

أرعبتنا جثث الأطفال بعد المجزرة «الكيماوية»… ما بعدها لن يدانيها، ولكن أي فارق بين الموت بالسلاح الكيماوي والموت بالبراميل التي تبيد السوريين؟ أي فارق بين الدماء في بغداد وكركوك وكربلاء والدماء في المنصورة والقاهرة والجيزة… وأيهما «أرحم»، مصادفة انتحاري مفخّخ، أم انتظار غارات البراميل المتفجرة؟

مقبرة جماعية في جنوب السودان؟!… ها هو الجنوب يعود الى حضن الوحدة، وحدة المصير في المنطقة رغم اختلاف الدم والعرق.

انتحاريون ومقابر جماعية، اقتلاع أضرحة وتفجير كنائس ومساجد، وقتل مشيّعين، وفوق كل ذلك جنون الوعيد ومبايعات «القاعدة» العابرة للحدود. هكذا يودّعنا 2013، ويعدنا بالآتي المكفهر، وبمزيد من جنون القتل الرخيص. رخيص لأن أحداً لم يعد قادراً على تخيّل الهدف أو توقعه، أو حتى تحسس رأسه.

مع الانتحاريين والتكفيريين والمضلَّلين، ومجانين سلطة، ومنافقين بالشعارات، هل يبقى أمل بفكر وحوار، بالإعلام والثقافة، بالعِلم والإنتاج، بالتعايش وتقرير المصير، بل حتى بكرامة للبشر؟ عواصف الجنون بعد «الربيع العربي»، حوّلت أهل المنطقة ضحايا للتتار… إنها المقصلة الكبرى، أين منها بطش الإسرائيلي. لا حرمة لأديان ومذاهب، لأماكن عبادة، لدم العربي. الرعبُ مستوطن متوحش، المصير ضائع بين مخيمات النزوح وقوارب الهاربين الى الموت، بين المدن النائمة على شطآن القلق وصحارى «الجهاديين» على أشلائنا.

يفخر الغرب بدفاعه عن الحريات وحقوق الإنسان، ويتفرّج على كثيرين في المنطقة، بل على شعوب باتت مخيَّرة بين استبداد «عصري» وإرهاب معولم. يمطرنا الغرب ببيانات التعاطف مع المنكوبين بالصراع على الثورات وما بعدها، وتعوّض موسكو عن بلادته بدروس في السيادة، وبكسر احتكار البيت الأبيض إدارة شؤون العالم… لكنها لا تحطم جدران يأسٍ انتحاري يطوّق العالم العربي، فكلمة السرّ أن بوتين يقاوم «فيروس» الحريات والمعايير الغربية «الملغومة» لحقوق الإنسان. في قاموسه يبقى المواطن تابعاً، من الرعية، وتحتكر السلطة مصيره.

سيد الكرملين يريد حلفاءه أشباهه، وسيد «القاعدة» يتسلل بأذرعها أينما تآكلت دولة أو أذعنت للفتنة، وبين هذا وذاك تبقى عواصم الغرب يقِظة، متأهبة لإحصاء الضحايا بدقة. أليست مفارقة أن تنتعش «القاعدة» كلما نعتها واشنطن، لتشبع رغبة الأميركيين في أي انتصار ولو كان وهمياً؟ وهل من الإنصاف اتهام إدارة الرئيس باراك أوباما بالتبلّد، وفقدان الشهية إزاء مقارعة شهوات الدب الروسي، فيما الإدارة تملأ فراغ قيادة العالم وتتعفف عن الحروب بالتجسس على الكبار والصغار في القارات الخمس؟

يودّعنا 2013 أم نودّعه، يعدنا بمزيد من الضحايا الأبرياء والشهداء، وضربات التتار. خبا وهج الثوار، تقدّمت رايات الجنون المرعب، وبين مستبدٍّ ومخادع وانتحاري، قد يصدُق الإنكليز في تبشيرنا بعشر سنين أو عشرين سنة من الاضطرابات والنكبات. معها أي تاريخ للعرب، بعد مئة سنة عبرناها ليمحوها التحالف «السري» بين الاستبداد والإرهاب؟

أي حرية مع الموت، وأي خيار بين الجوع والقهر والإذلال، والإبادة؟

هنيئاً لبوتين بانتفاضته على الغرب، هنيئاً للغرب بحرصه على إحصاء القتلى العرب، بنزاهة.

الحياة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى