صفحات الناسعلي العبدالله

مدينتي التي طالت مأساتها/ علي العبدالله

 

 

ماتزال مدينة ديرالزور تعاني من حصار مزدوج وقصف وحشي بكل أصناف الأسلحة وخاصة البراميل المتفجرة التي تلقيها طائرات النظام. فالمدينة مقسمة بين النظام (الذي يسيطر على حيي الجورة والقصور، وعلى جيوب صغيرة في أحياء الموظفين والجبيلة بالإضافة إلى المطار العسكري)، و”داعش” (الذي يسيطر على أحياء الموظفين، الجبيلة، الرشدية، الحويقة، العُرضي،الحميدية، المطار القديم، العمال، خسارات، والصناعة). وقد فرض “داعش” حصارا محكما على حيي الجورة والقصور، بعد فشله في اقتحامهما، وكذلك على المطار العسكري، بهدف إجبار قوات النظام على الاستسلام تحت ضغط الجوع والمرض، تبنى “داعش” تكتيك النظام مع المدن العصية، حمص، داريا، دوما … الخ، الموت جوعا أو الاستسلام، فقد منع دخول وخروج المواطنين وقطع الكهرباء والهاتف عنهما ومنع دخول الأغذية والأدوية والمحروقات فلا مازوت ولا بنزين ولا كاز ولا غاز منزلي.

وقد أدى الحصار الخانق إلى انتشار الأوبئة والأمراض التي تنشط وتنتشر في مثل هذه الحالات، وخاصة بين الأطفال، وزادت نسبة الوفيات بين المرضى وكبار السن بسبب فقدان الأدوية والجفاف لاقتصار الغذاء على الخبز وبعض الحبوب الجافة، والمعلبات للقادرين على دفع ثمنها الذي تضاعف مرات ومرات، والنقص الحاد في وسائل النظافة من الماء الساخن إلى الصابون والمنظفات.

غير أن مأساة سكان الحيين المنكوبين لم تقف عند حصار “داعش” لهما بل زادت كارثية نتيجة سياسات النظام الذي رفع في درجة ضغوطه على سكان الحيين وتوسع في الاعتقالات وملاحقة النشطاء والمتطوعين في مجالات الإغاثة، والضغط من اجل تجنيد الشباب وزجهم في مواجهة مقاتلي “داعش” بعد إخضاعهم لدورة تدريبية بسيطة وتزويدهم بأسلحة فردية، ومنع السكان من المغادرة(يغامر البعض بالتسلل إلى قرية البغيلية حيث سفن بدائية تنقلهم إلى الضفة الأخرى من النهر ليصبحوا في مناطق سيطرة “داعش” ومن هناك يتوجهون إلى الرقة أو المياذين كممر للسفر إلى أنحاء سوريا أو إلى تركيا) إلا بعد الحصول على موافقة من أجهزة المخابرات أو دفع رشوة للحواجز على أطراف الحيين من جهة، ومن جهة أخرى استغلال حاجتهم عبر نقل بعض الأغذية من العاصمة إلى المدينة بالطائرات وبيعها عن طريق تجار مرتبطين بالأجهزة بأضعاف سعرها الحقيقي، لحم البقر الهندي المجمد الذي يباع الكيلو منه في دمشق بما بين الـ 800 و 1200 ليرة سورية يباع في هذين الحيين بـ 4000 ليرة وكيلو السكر تجاوز سعره الـ 1000 ليرة.

الأحياء التي يسيطر عليها “داعش” معاناتها مختلفة  فهي أفضل حالا من الناحية المعيشية، فالتنظيم الإرهابي قد صنّف السكان وحدد خياراته إزاءهم وأقام “أجهزة” للتعامل معهم( ديوان المظالم، ديوان الحسبة، ديوان الزكاة)، وأقام مطبخا مركزيا لهذه الأحياء بحيث توزع الأطعمة على السكان المحتاجين يوميا كما يقوم بتوزيع الخبز للأسرة الصغيرة(أقل من 7 أفراد) ربطة يوميا وللكبيرة(أكثر من 7 أفراد) ربطتين، ويبيعها المحروقات التي ينتجها بطرق بدائية بأسعار معقولة( قنينة الغاز بـ 700 ليرة، ليتر البنزين بـ 125 ليرة، المازوت والكاز بـ 100 ليرة). وقد خصص مساعدات مالية وعينية، للأيتام خاصة، سلة غذائية ومبلغ صغير من ديوان الزكاة، ونظم العلاج من خلال وضع اليد على المشافي الخاصة والميدانية وتحويل طواقمها الطبية إلى موظفين لديه برواتب مجزية( المسعف غير المدرّب 10000 ليرة شهريا، المسعف حامل الشهادة 15000 ليرة سورية الطبيب المختص بين 100000 ليرة و 125000 ليرة)، ولكنها(الأحياء) أخطر من الناحية الأمنية، فالنظام يعتبر سكانها، كما في كل المدن والبلدات والقرى التي فقد السيطرة عليها، أعداء ومهدوراً دمهم، وحولها إلى هدف لطائراته التي تلقي البراميل المتفجرة بشكل شبه يومي، كما يستهدفها بالقصف المدفعي والصاروخي باستمرار، فالموت بالبراميل المتفجرة بات أمرا مألوفا، وسماع صوت الطائرات يثير المشاعر والهواجس والتحفز للموت أو لتقديم المساعدة لإنقاذ الضحايا، ناهيك عن قطعه مياه الشرب، فمصفاة الماء الرئيسة الواقعة في قرية عياش( تبعد عن المدينة 5 كلم غرب المدينة على طريق الرقة) تحت سيطرته(استفاد حيا العمال والموظفين من الأنبوب الذي ينقل الماء إلى المطار العسكري والذي لم يغلق) ما أضطر السكان إلى شراء الماء من الباعة الذين يجلبونه من نهر الفرات مباشرة دون تصفية بواقع 100 ليرة للبرميل الواحد.

هذا بالإضافة إلى شبح الموت المخيّم على الرؤوس نتيجة سياسة “داعش”، فالقتل سلاح مرفوع ضد المخالف والمعاند والناشط المدني أو الاغاثي أو المنتمي إلى تيارات سياسية تتبنى الدعوة إلى الديمقراطية والدولة المدنية أو يرتبط بالائتلاف والمعارضات الأخرى وبالجيش السوري الحر بتهمة الردة، والجلد للمدخن(استبدل حفر الخنادق بالجلد بالنسبة للمدخن) والغرامة المالية وإغلاق المحال التجارية لأيام لمن لايغلق محله ويتوجه إلى الصلاة عند سماعه الآذان.

لا أفق لانتهاء مأساة سكان ديرالزور بقسميها، فحالة القنوط مسيطرة عليهم، فقد راود سكان حيي الجورة والقصور أملا بفتح ثغرة في الحصار الخانق نتيجة تعب المحاصرين، وضعف التنظيم بتأثير ضربات التحالف الدولي، وحديث قادة قوات النظام في المدينة بقرب وصول قوات من الحرس الجمهوري وحزب الله لفك الحصار، لكنه تلاشى بعد سيطرة “داعش” على السخنة وتدمر، في حين يتوقع سكان الأحياء التي يسيطر عليها “داعش” ارتفاع نسبة قصف النظام بالبراميل المتفجرة والصواريخ الفراغية انتقاما من خسائره وتراجع قدراته على الرد على الأرض.

المدن

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى