صفحات سورية

مرة أخرى عود على بدء/ د. محمد أحمد الزعبي

 

بينما كنت أجيب على سؤال لأحد الأصدقاء حول العلاقة بين حافظ الأسد وصلاح جديد في ظل حركة 23 شباط/ فبراير 1966 بادرني صديق آخر بسؤال اشتممت منه رائحة تهمة موجهة لي، ألا وهو: ولماذا لم تتخلصوا منه ( يعني حافظ الأسد) بعد هزيمة 1967 مباشرة. فبينت له كيف أن أحمد سويداني قد قدم استقالته من رئاسة أركان الجيش، فقام حافظ الأسد محرجاً بدوره بتقديم استقالته شكليّاً من وزارة الدفاع، في أول جلسة للقيادتين القومية والقطرية ( كانا يجتمعان عادة اجتماعاً مشتركاً ) بعيد هزيمة حرب حزيران/ يونيو 1967 ، وقد كان معروفاً ( فيما لو قدر لهذه الاستقالة أن تتم فعلياً وهو أمر كان مستبعداً تماما بالنسبة لحافظ، حسب معرفتي بأبعاد وأجواء تلك المرحلة)، أن من سيحل محلهما هما ضابطان معروفان لجميع أعضاء القيادة، وكان اختـــــيارهما يدخل عملـــــياً في إطار المحاصصة الطائفية التي كانت مطبقة في بعض المواقع الحزبية والعسكرية.

لقد كنت من جهتي ضد هذه ‘اللعبة’ القائمة على المحاصصة الطائفية ( لم أتلفظ يومها بكلمة الطائفية )، وبينت أن هزيمة 1967 تقتضي إعادة نظر جذرية في بنية الجيش، وليس إجراءات رفع عتب ترقيعية. لقد ألح علي يومها العديد من أعضاء القيادتين لكي أوضح وجهة نظري ( كانوا يريدونني أن أشير إلى المسألة الطائفية بالإسم نيابة عنهم )، ولكني رفضت يومها أن أضيف على ما قلته شيئاً، ولا سيما أن رسالتي التي كنت أرغب بتوصيلها إلى المعنيين بالأمر فيما يتعلق بمسؤولية خسارة حرب حزيران وضياع الجولان قد وصلت إليهم بصورة واضحة ودونما لبس. لقد حسم حافظ الأسد بنفسه إلحاح بعض أعضاء القيادتين علي، في أن أوضح ما أعنيه بضرورة إعادة نظر جذرية في بنية الجيش، حين قال لهم ( أتركوا الرفيق محمد، فهو لا يريد أن يقول أكثر مما قاله).

لقد كان هذا الصديق السائل سامحه الله ــ يعتقد استناداً إلى معلومات غير صحيحة وغير دقيقة وصلته عن هذا الموضوع، أن القيادة القطرية كانت قادرة على تنحية حافظ الأسد من الجيش، لولا تصويت البعض ( ومنهم محمد الزعبي ) برفض قبول استقالة حافظ وسويداني في تلك الجلسة، واستبدالهما بآخرين مناظرين لهما. إن ما أريد أن أذكر ( بضم الهمزة وتشديد الكاف) به كل من لا يزال يعتقد أن القيادة القطرية كانت في تلك المرحلة ‘تحل وتربط’ وبالتالي قادرة على إلزام حافظ الأسد بالتنحي عن وزارة الدفاع، أن المؤتمر القطري الذي عقد بعيد حرب 1967 في مقر اللواء 70 ( لواء عزة جديد ) في الكسوة، وهو من ينتخب القيادة القطرية، قد قرر تنحية حافظ الأسد من وزارة الدفاع، فماذا كانت النتيجة؟ كانت النتيجة هي تنحية حافظ للقيادتين القطرية والقومية ( عام 1970 )، وزج معظم أفرادهما في سجن المزة العسكري، بدل العكس. وأذكر هذا البعض أيضاً، بان المرحوم مصلح سالم ، وهو قيادي بارز في الحزب، قال يومها، مخاطباً أعضاء مؤتمر الكسوة : قبل أن تعرضوا على المؤتمر أي قرار يتعلق بـ ( الرفيق حافظ ) على التصويت، اسألوه فيما إذا كان سيلتزم بهذا القرار أم لا ( !! )، ثم غادر( مصلح ) قاعة المؤتمر في طريقه إلى محافظته دير الزور، لمعرفته الأكيدة في أن حافظ لن يلتزم بأي قرار حزبي يتعلق بمحاسبته على أسباب هزيمة الجيش السوري أمام إسرائيل عام 1967، وعن إشكالات البلاغ 66 المتعلق بسقوط القنيطرة، لأن هذا كان سيوصله إلى سجن المزة العسكري، إن لم يكن أكثر، وهو ماحدث فعلاً ( أي أنه لم يلتزم بقرار المؤتمر).

وأذكر هذا البعض أيضاً وأيضاً أن القيادة القطرية قد اتخذت قراراً بتغيير مراكز القوى في الجيش والسلطة في أواخر ستينيات القرن الماضي، وكان الهدف العملي ( غير المعلن ) من هذا القرار هو تنحية حافظ الأسد عن وزارة الدفاع ، وقد قدم كل من يوسف زعين( رئيس الوزراء ) وصلاح جديد ( الأمين العام المساعد لشؤون القطر السوري )،

وابراهيم ماخوس ( وزير الخارجية )، ( وربما آخرون أيضاً لا أعرفهم، لأنني كنت قد غادرت سوريا في تلك المرحلة ) استقالاتهم من مناصبهم السياسية والحزبية تنفيذاً لهذا القرار،(وكان اللواء أحمد سويداني قد استقال مبكراً من رئاسة الأركان )، فماذا كانت النتيجة؟ كانت أن حافظ تجاوزهم جميعاً ورفض تنفيذ القرار، وشكل قيادات بديلة للمستقيلين وأخيراً قام بحركته التصحيحية ( انقلابه العسكري ) المعروفة وزج معظم أعضاء القيادتين في السجن مدة تجاوزت العقدين من الزمن، دون سؤال أو جواب، حيث توفي كل من الدكتور نور الدين الأتاسي واللواء صلاح جديد في السجن بصورة مباشرة، وتوفي بسبب السجن وبعد الإفراج عنهم كل من: محمد رباح الطويل، ومحمد عيد عشاوي، وأحمد سويداني، ومحمد سعيد طالب، بينما ما يزال يعاني من أثار هذا السجن كل من يوسف زعين، ومحمود الفياض، وعبد الحميد المقداد، وكامل حسين، ومصطفى رستم ( وهذا على سبيل المثال لا الحصر ) إن من يعتقد أن البلاغ 66 الذي أصدره حافظ الأسد عام 1967 عن سقوط مدينة القنيطرة عاصمة الجولان، كان بلاغاً بريئاً ، فهو بنظرنا إما إنسان بسيط ، أو أنه نفسه ليس بريئا.

إن ما ينبغي الإشارة إليه هنا وهذا من أجل الحقيقة والتاريخ هو أن المجموعة العسكرية(البعثية ) التي أتت بصلاح جديد وحافظ الأسد مرتين إلى الحكم، مرة عام 1963، ومرة عام 1966، هي نفسها التي وضعت صلاح جديد ومجموعته في السجن عام 1970، ووضعت حافظ الأسد فوق كرسي الرئاسة عام 1971 ( هذا من حيث الشك، أما من حيث المضمون فقد كان حافظ هو الرئيس الفعلي لسوريا منذ 1966 )، ومن ثم وضعت ابنه بشار على نفس الكرسي الرئاسي عام 2000. ذلك الرئيس الوريث الذي قام ويقوم منذ منتصف آذار 2011، بتدمير سوريا بشراً وحجراً وشجراً، وبتدمير بنيتيها التحتية والفوقية، دون أن يرف له جفن، أو يتحرك عنده ضمير .

إنني أبرّئ الطائفة العلوية ككل من ممارسات هذا النظام المشبوهة والمدانة، فهم جزء لا يتجزأ من نسيج سورية الوطني، وتجمع بين الجميع أخوّة المواطنة والعروبة والإسلام.

إن ما نعتقده، حول ما يقوم به نظام بشار الأسد وعائلته، كرد على ثورة الحرية والكرامة، هو قرار هذا النظام وكل مناصريه المعروفين في الداخل والخارج، بأن يجعلوا من سوريا سدّاً تتحطم عليه موجات الربيع العربي كلها، من ثورة الياسمين في تونس الخضراء التي أطاحت ببن علي، إلى ثورة شباب اليمن السعيد التي أطاحت بعلي عبد الله صالح، مروراً بثورة ميدان التحرير التي اطاحت بحسني مبارك، وبالثورة الليبية التي أطاحت بمعمر القذافي.

ولكني أقول لهؤلاء المارقين، تلك النبتات الغريبة التي زرعت عنوة في ارض العروبة والإسلام، لقد خاب فألكم، وسيرى الظالمون منكم عاجلاً أو آجلاً أي منقلب ينقلبون.

أتمنى على بشار الأسد، وعلى مناصريه ومستشاريه الأقربين والأبعدين، أن يقرأوا تاريخ حركات التحرر الوطني في العالم، لكي يعرفوا أن الشعوب لا تقهر، وأن عليهم أن يضعوا ما قاله أبو القاسم الشابي حول دور وإرادة الشعوب، حلقة في أذانهم، ألا وهو قوله :

إذا الشعب يوماً أراد الحياة فلا بد أن يستجيب القدر

كاتب وسياسي سوري

القدس العربي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى