إيّاد العبداللهصفحات سورية

مرسي يرد على خامنئي: الثورة المصرية… مصرية


إياد العبدالله()

بددت كلمة الرئيس المصري محمد مرسي في قمة حركة عدم الانحياز المنعقدة في طهران بعض آمال إيران، التي رغبت في استثمار هذه القمة لإظهار فشل الغرب في عزلها، وفي فتح بعض السبل أمام الحليف السوري عبر الضغط لإيجاد بعض المخارج له، وفي وضع مصر ما بعد مبارك في جهة غير الجهة التي يقف عليها الخصوم. قبل تنحي مبارك بأيام، خطب خامنئي قائلاً إن الثورة المصرية هي امتداد واستمرار للثورة الإيرانية، كلمة مرسي في قمة طهران كانت رداً على ذلك، لتؤكد أن مصر ما بعد مبارك لها أولويات قد لا تريح الإيرانيين. انتقد مرسي في كلمته النظام السوري، مؤكداً على أنه «فاقد للشرعية» وأن الوقوف مع الشعب السوري الثائر على هذا النظام هو «واجب أخلاقي وضرورة استراتيجية». ما هي الدلالات التي تترتب على هذا الكلام الذي قيل من طهران؟

بالنسبة لعزلة إيران، ربما نجحت هذه الأخيرة إلى حد ما في كسر هذه العزلة عبر قمة طهران، وسوف تعمل خلال ترأسها للحركة لمدة ثلاث سنوات، على تلافي نتائج الحصار الاقتصادي والسياسي المفروض عليها أممياً منذ سنوات. ولكن إيران التي ستحاول الخروج من هذه العزلة من باب حركة عدم الانحياز ربما تعود إليها من الباب السوري. لن تستطيع إيران الموازنة بين إصرارها على لعب دورها الإقليمي الذي يندرج فيه برنامجها النووي ومحاولتها اختراق الأقليات الشيعية في المنطقة وخصوصاً في دول الخليج، وكذلك وقوفها حتى الرمق الأخير مع النظام السوري؛ لن يصح كل هذا إذا ما أرادت فعلاً الخروج من هذه العزلة. ما قاله كل من الرئيس المصري حول النظام السوري، وكذلك ما قاله بان كي مون حول برنامج إيران النووي مؤشر مهم ينبغي عدم تجاهله.

تخوض إيران في سوريا معركتها الإقليمية الكبرى. إنها تسعى إلى الحفاظ على النظام السوري، الذي تجمعها به علاقة تحالف تعود إلى عقود. كان العداء بين الحليفين مع البعث العراقي هو فاتحة هذا التحالف، وهو ما يفسر الخطوة الجريئة للنظام السوري آنذاك في أنه الجهة العربية الوحيدة التي ناصرت إيران في حربها مع العراق. وبالإضافة إلى المشتركات التي تجمعهما حيال إسرائيل، والضغط الأميركي على كليهما لاحقاً، فإن النظام السوري فتح لإيران منافذ أتاحت لها أن تكون فاعلة في الملفات الساخنة في الشرق الأوسط. لقد وصلت إيران إلى حدود إسرائيل عبر حزب الله اللبناني وحركة حماس الفلسطينية، وكان الجسر إليهما هو النظام السوري. إن سقوط هذا الأخير يعني أن تفقد إيران نفوذها في المنطقة المطلة على البحر المتوسط، وقصر يدها في جميع الملفات العربية التي أتاح لها النظام السوري أن تكون فاعلة فيها. العزلة وانكفاء حضورها ودورها الاقليمي هو ما تخشاه إيران في حال ذهاب الحليف السوري، وهو ما سينعكس سلباً حتى على برنامجها النووي، وأكثر من ذلك، محدودية ردها في حال تعرضت لهجوم بسبب هذا البرنامج. كما أن بقاء نظام الأسد، ولو مع بعض التغييرات، سيعتبر في نظر إيران على أنه نصر على الخصوم الخليجيين، وتكريس تفوقها في منطقة الخليج العربي. وهو أمر تعيه دول الخليج، التي ترى أن المدخل الفعلي لعزل إيران وتحجيمها لن يكون إلا من خلال تغيير النظام السوري.

تمنت إيران لو ابتعد الرئيس المصري عن تناول الشأن السوري كما فعل كل من أحمدي نجاد والمرشد الأعلى علي خامنئي، إلا أن الرئيس المصري الذي يسعى لأن تستعيد مصر مكانتها وحضورها الإقليمي، لن يجد أفضل من الأزمة السورية مدخلاً لاستعادة هذا الدور. وربما توهمت إيران أنها قادرة على اللعب على هذه الرغبة المصرية بأن تدفع الأمور باتجاه قيام قطب سني ـ إخواني في المنطقة ينافس كلاً من تركيا والعربية السعودية، ويفتح المجال أمام النظام السوري وحلفائه للعب وكسب مزيد من الوقت. إلا أن مرسي خلط الأوراق الإيرانية وأعطى دفعاً للموقف الذي تتبناه دول عربية خليجية حول الأزمة السورية. وأكثر من ذلك، تطال الإدانة المصرية للنظام السوري الإيرانيين أنفسهم، إذ إن إيران تلعب دوراً رئيسياً في قمع السوريين وفي دعم النظام السوري. وأكثر من ذلك، ولحسابات إيرانية تروم الحفاظ على نفوذها في الشرق الأوسط، والذي بذلت لأجله في السنوات الأخيرة الكثير من الجهد والمال؛ فإنها لن تقبل إلا بمعادلة يكون الأسد فيها هو الطرف الأقوى في سورية، وإلا فلا بأس من استمرار الأزمة في سورية لسنوات طويلة. لن يكون هذا الموقف الإيراني مرحباً به من قبل مصر التي تسعى إيران إلى إعادة الجسور معها. وكلمة مرسي في طهران هي تلميح لإيران بأن الشروط المصرية لإعادة هذه العلاقة ستكون متعبة لإيران.

() كاتب سوري

المستقبل

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى