سلامة كيلةصفحات سورية

مرض روسيا العراقي/ سلامة كيلة

 

 

عقدة ما حدث لروسيا في العراق سنة 2003، وما حدث لها كذلك في ليبيا، بعد موافقتها على التدخل الدولي، جعلتها تعيش حالةً مرَضية، لهذا في كل لحظة تكرّر: “لا نريد أن يحدث في سورية، كما حدث في العراق”. تتمثل المشكلة هنا في أن احتلال العراق تمَّ تحت أنظار روسيا، وأن التدخل الأطلسي في ليبيا تمّ بعد موافقةٍ روسية، وكلاهما حدثا وفلاديمير بوتين هو “الدكتاتور” القابع في الكرملين. وبالتالي، سنجد أن الغباء الروسي (البوتيني) الذي أدى إلى ذلك ينقلب غباءً معاكساً في سورية. ولا شك ستكون النتيجة هي نفسها، فيما يتعلق بوضع كل من العراق وليبيا وسورية: الدمار. مع فارقٍ يتمثل في أن أميركا تريد السيطرة على العراق وروسيا تريد السيطرة على سورية.

يقول وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، إنه بالنسبة لما جرى في العراق، فإن دولا غربية كثيرة كانت “متعطشة للقضاء على الدكتاتور” هناك. وأردف: “ولهذا، أخشى من أنه بعد القضاء على الدكتاتور (في سورية) سيجري القضاء على البلد أيضا، لأننا نشهد هناك تطوراتٍ شديدة التعقيد”.

ما يقوله لافروف هو أنه تحت حجة القضاء على “الدكتاتور”، جرت عملية تدمير للعراق. ولهذا يريد الحفاظ على الدكتاتور السوري، لكي لا يُدَمَّر البلد. لكن ما قامت به أميركا في العراق، حينما احتلته، أنها دمّرت البنية التحتية، ولم تَقُم بتدمير مدن ومناطق إلا بعد “اكتساب الخبرة السورية”، وتحت حجة الحرب على “داعش”، حيث أمعنت في تدمير مدن غرب العراق، من تكريت والأنبار والفلوجة إلى الموصل. بينما أصبح ثلث سورية مدمَّرا نتيجة قصف الطائرات والصواريخ التي يمتلكها النظام، ثم بأحدث الأسلحة الفتاكة التي استخدمتها روسيا. وخلال ذلك، جرى تشريد أكثر من نصف السكان (نصفهم بات خارج سورية). ولا شك في أن الدكتاتور لا يزال واقفاً على قدمين، من “تدخل خارجي” لإيران، بكل أذرعها “الشيعية”، وروسيا بكل تطورها العسكري، ووحشية سلاحها.

الدكتاتور مستمر فقط نتيجة ذلك، لكن استمراره كما تريد روسيا لكي لا تتكرّر “مأساة” العراق، حين جرى السعي إلى القضاء على الدكتاتور، يعني أن عليها أن تكمل تدمير البلد وترحيل شعبها إلى خارج الحدود، بحيث يصبح هناك “رئيس” لسورية، لكنه من دون شعب، ولا مدن ولا اقتصاد، وفقط محمول على جيوشٍ أجنبية، لديها طموح إمبريالي.

لم تصل أميركا في العراق إلى هذه الوضعية، وربما استفادت كذلك من “العبقرية” الروسية، حيث إنها كذلك تريد عراقا مدمرا، وآبار نفط تحت سيطرتها. خصوصاً أن كليهما يضع حجة “الحرب ضد داعش” أساسا لدور عسكري تدميري فظيع. مع فارقٍ يتمثل في أن أميركا قصفت ودمرت مناطق وجود “داعش”، المدن والنواحي والقرى التي تقع تحت سيطرة “داعش”، بينما يقوم الروس بقصف المدن والنواحي والقرى البعيدة عن سيطرة “داعش” وتدميرها. ربما تتسم روسيا بالحول كذلك بعد الغباء، لكنها تعرف أن الخطر على النظام حليفها يتأتى من الشعب، وليس من “داعش” الذي جرى تصنيعه، وكان للنظام دور في ذلك، كذلك كان لروسيا دور في ضخّ “المجاهدين الشيشان”. كما فعلت أميركا في العراق وسورية أيضاً، وكذلك دول عديدة أخرى.

بالتالي، فرض “المرض العراقي” على الروس عملا أسوأ مما حدث في العراق، بحجة عدم إزاحة الدكتاتور، ليبقى الدكتاتور وحيداً، بلا شعبٍ، محاطاً بجيوش روسيا وإيران وأدواتها. بينما ليس من مقارنة بين الوضعين، العراقي والسوري، بالضبط لأن هناك كان أميركا تحتل وتزيل الدولة، بينما في سورية كان الشعب يطالب بإسقاط النظام، وليس إزالة الدولة، وظهر واضحاً أنه يستطيع. لهذا جاء التدخل الإيراني لكي يمنع ذلك، وحين فشل تقدّم الروس لمنع إسقاط النظام وفرض نظام آخر. هذا الفارق هو الذي يُظهر الغباء والحَوَل الروسيين معاً.

إذن، بات “قانون” روسيا في سورية، “بعد تجربة”، يتمثل في بقاء الدكتاتور وفناء الشعب.

روسيا مريضة بالفعل، ومرضها هو شره الهيمنة والسيطرة.

العربي الجديد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى