صفحات سورية

مزاد سوتشي: المقايضة على الإنسان والوطن في سوريا/ ميسرة بكور

 

 

فتحت روسيا مزاداً جديدا تبيع فيه وهم دعم حرية الشعوب وتعزيز «الديمخراطية» وتسوية النزاعات، تحت عنوان «دعم الحوار» وأنها ستدعو لعقد اجتماع موسع يضم مختلف أنواع المعارضات السورية، المدجّنة منها والمصطنعة أو المعلبة في موسكو والفصائل الاستانية.

وأضاف المسؤولون الروس أن الحوار «المزاد» يدخل في سياق التمهيد لمباحثات أفضل في جنيف وبداية لحل سوري سوري مستدام يجمع في طياته السوريين. لكن لا بصفتهم مواطنين سوريين فحسب بل بصفتهم ممثلين عن ملوك الطوائف والعرقيات والأقليات والأحزاب والديانات وهلّم جرّا. وغاب عن ذهن لافرنتييف وسيده بوتين ووزير خارجيته لافروف أن جنيف سيعقد قبل سوتشي فكيف يمهد له.

انتظروا ولا تتسرعوا بالحكم فقد تنبهت لذلك وقررت أن تكون الجولة الثامنة من محادثات جنيف على مرحلتين، الأولى ستعقد في 28 نوفمبر/تشرين الثاني وتنتهي في 1 ديسمبر/كانون الأول، والمرحلة الثانية ستبدأ في 15 ديسمبر/كانون الأول.

وحسب ما زعم المسؤلون الروس فإن حوار سوتشي يأتي لتعزيز الشعوبية والعصبيات القبلية. آسف أقصد تعزيز اللحمة الوطنية، أهدافه بريئة براءة الذئب من دم يعقوب. فقط تقسيم الشعب السوري إلى عرقيات وطوائف وقوميات. وقد استبق بوتين المؤتمر بحملة علاقات عامة على خلفية استجلابه لبشار الأسد إلى مكان انعقاد المؤتمرلأبلاغه بتعليمات موسكو التي عليه تنفيذها.

وادّعى أن المخاوف والأطروحات التي يسوقها ناشطون أو معارضون سوريون إنما تدرج في باب إفشال الحل السياسي المستدام الذي بذلت له موسكو الكثير من القذائف الصاروخية العابرة للقارات والمتساقطة عبر الطائرات وجرب لأجله أكثر من 200 نوع من الذخائر، وتحملت من أجل إنجازالمهمة البوتينية الرهيبة الأعباء والضغوطات السياسية والاقتصادية.

شخصيا أنا من أكثر المشككين والمتخوفين من انعقاد مثل هذا الاجتماع الموسع للعرقيات والقوميات السورية كونه يخدم في الأصل بشار الأسد وحلفه من شتى الأصقاع، برغم ما زعمت موسكو حول أن موضوع الأسد قابل للنقاش، وإعلان جنرالاتها عن خفض قوتهم في سوريا، الذي يظل طرحاً لا قيمة له كون الطائرات الاستراتيجية الروسية تستطيع وقت تشاء قصف أي نقطة في سوريا من غير أن تتواجد هناك، وكذلك تفعل صواريخ بحر قزوين.

في معرض مزاد «سوتشي» بحثاً عن تعزيز «الديمقراطية» على طريقة بوتين، ودعم حق الشعب في تقرير مصيره تم إرسال رسالتين قمة في الديمقراطية وغاية في الاحترام وتعزيز حرية التعبير السياسي والممارسة الديمقراطية في تمكين الشعوب في ممارسة حقوقها السياسية كما هو مبين في العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية. رسالة قصيرة مفادها من يرفض المشاركة في هذا الاجتماع الديمقراطي له كامل الحق بذلك، «ولكن» والمصيبة كلها في «لكن»هـذه سيجد نفسه «خارج العملية السياسية» أو إذا فكر، مجرد تفكير، في وضع شروط أو طرح تساؤلات بخصوص هذا المؤتمر مشبوه الرؤية والتوجه الرامي إلى تحويل سوريا إلى مجتمع للقبائل والطوائف والعرقيات، بعودة إلى الجاهلية والعصبية القبلية. ربما يصنف على قوائم الإرهاب وهي الرسالة التي سبق وأرسلها لافرنتييف بقوله على هامش استانا ستة أن موضوع الفصل بين المنظمات الإرهابية والمعتدلة لم ينته بعد، حسب نظرية إِنّ اللّبيبَ من الإشارةِ يَفهمُ.

حققت موسكو مبتغاها من لقاءات استانا، وضربت الفصائل المسلحة بعضها ببعض وفصلهتا عن التيار السياسي وتدجينها وتجميد نشاطاتها العسكرية لصالح تنظيم الأسد.

اعتقدنا أن المهمة الوظيفية لاستانا قد انتهت عمليا وتم استهلاك كل ما يمكن استهلاكه منه، وأعلن وفاته سريريا لكن موسكو أعادت ضخ الدماء في عروقه مجددا بعد تعثر انعقاد «سوتشي» في موعده السابق للمهام نفسها.

وطالما تعرضنا إلى استانا، فلنذكركم أن أستانا-7 كان من المفترض أن يناقش وضع «المعتقلين» الذي تم تمييع ملفهم في استانا- 6 وتجاهلها استانا-7 وربما يغيب الملف بكامله في المرحلة المقبلة. وقد يُستخدم كورقة للضغط على الفصائل والتيارات السياسية. ونعتقد أن الدعوة لاستانا ثمانية في هذا التوقيت «جنيف – سوتشي» تصب في الاتجاه نفسه وورقة المعتقلين حاضرة لهذه الغاية، فلم يعد هناك مسوغ لإنعقاد استانا بعد اجتماع رؤساء أركان الدول الضامنة في انطاليا وقمة سوتشي لزعماء الدول الضامنة، التي حددت نفوذ كل دولة، ربما ورقة للضغط لتعزيز انعقاد سوتشي الذي راوغ المؤتمرون في الرياض في توضيح موقفهم منه.

سوتشي الذي سيعلن فيها بوتين انتصاره على الإرهاب ويعلن توافق الأطراف على حل مستدام طبخته موسكو وبصمت واشنطن والكومبارس جاهز للتسويق والدعاية. وفاروق الشرع قائد للمرحلة الانتقالية حسب نظرية ﻤن دﻫﻨو ﺴﻘـﱢـﻴـﻟو.

بالعودة إلى نقطة البحث «مزاد» موسكو، على خلفية لقائه بشار الأسد في دمشق يوم 26 اكتوبر/ تشرين الأول الماضي، وفي حديثه لقناة «روسيا اليوم» في استانا، قال لافرنتييف، إن الدولة السورية مصممة على الاستمرار بالحرب على الإرهاب من جهة ودعم المسار السياسي من جهة أخرى عبر رفع وتيرة المصالحات الوطنية والحوار بين الجميع وعبر مؤتمر حوار وطني في سوريا وصولا إلى تعديل الدستور وإجراء الانتخابات البرلمانية الجديدة.

وأضاف المبعوث الروسي أن الأمر في غاية الأهمية، منوها إلى عزم بشار الأسد على البحث عن سبل للمصالحة الوطنية وإطلاق حوار وطني بين مختلف أطياف المجتمع السوري.

قد يقول قائل أو متقول أين «المزاد» في كل ماذكر؟

نقول له بكل بساطة عليك أن تتوقف بعناية تامة أمام عبارات مثل « مصالحة، حوار، انتخابات، تسوية». بعبارة أدق عندما يتحدث الأسد ولافرنتييف عن المصالحة علينا أن نطرح سؤالاً ليس بريئا ما هي المصالحة التي يتحدث عنها أولئك؟ وما هي شروطها ونتائجها؟ وعلى أي أساس يتم الحديث عن مصالحة مع نظام الأسد؟ وأين موضوع المحاسبة والقصاص من مرتكبي الجرائم بحق ملايين السوررين المشردين والمعتقلين والمختفين قصرا في غياهب سجون تنظيم الأسد وميليشياته العابرة للحدود، والمقتولين والمخنوقين بغازات الأسد الكيميائية والمشويين بلهيب الححم الروسية؟ عن أي مصالحة يتحدث لافرنتييف؟

بكل تأكيد المصالحة التي يبحث عنها تنظيم الأسد وتحالف الشر الذي يدعمه، لا تعني إلا شيئا واحدا هو تبرئة تنظيم الأسد وموسكو من كل الجرائم التي ارتكبها تحالفهما بحق السوريين عبر 6 سنوات هي عمر الثورة السورية.

لا يخفى على متابع أن المصالحة المنشودة من قبل روسيا، والانتخابات التي تتحدث عنها موسكو ومحاربة الإرهاب لا تعني إلا أمرا واحدا بقاء تنظيم الأسد، وتحقيق الاستراتيجية الروسية سحق كل من يطالب برحيل تنظيم الأسد، فضلا عن محاكمته.

إن أخطر ما في جاء ت به موسكو في بدعتها الجديدة «مؤتمر الحوار السوري» في «سوتشي» ليس في موضوع إعادة انتاج تنظيم الأسد وسحق الثورة السورية وأهدافها وتجاهل دماء السورريين، بل أخطر من هذا وذاك تحويل سوريا إلى بقعة تعيش على أرضها مجموعة من الأقليات والعرقيات والقوميات والإثنيات المتنافسة طائفيا وعرقيا وليس سوريا الدولة صاحبة التاريخ العريق في المدنية وصناعة الحضارة.

وبالعودة إلى مزاد «سوتشي» والحديث عن إصلاح دستوري وهي عودة إلى ما طرحته موسكو من قبل وتحدثنا عنه «دستور كتب في موسكو» وكأن المشكلة في سوريا هي مشكلة دستورية، وليست مشكلة مع تنظيم مجرم اختصر القانون والوطن والإنسان والحضارة في شخص فسوريا لاتصلح إلا به وهي غير موجودة من دونه، لدرجة لم يعد يفرق فيها المرء بين الدولة والرئيس، فالدولة والقانون والدستور في سوريا تعني شيئا واحدا «بشار الأسد».

لست أدري إلى متى ستستمر موسكو في استخفاف عقولنا بهذه الأطروحات الهجينة التي لا تقنع طفلا صغيرا.

كاتب سوري

القدس العربي

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى