صفحات العالم

مسألة إسرائيل/فلسطين اليوم

 

حازم صاغية

لم يعد ممكناً الحديث عن “الصراع مع إسرائيل” بالمعاني المتعارف عليها، حتّى لو كان معظم تلك المعاني لفظيّاً صرفاً.

 ففي خلال العامين الماضيين تأكّد، بما لا يقبل الشكّ، أنّ الأنظمة العربيّة المتشدّقة بالصراع مع “العدوّ الصهيونيّ” إنّما ابتذلت هذا الصراع تماماً، ساعدتها في ذلك جملة من الحروب الأهليّة ومن الأفكار الخطابيّة التي استكملت دورتها الجامعة بين الدمويّة والعبث. هكذا اتّضح، مع “الربيع العربيّ”، أنّ المسألة الفلسطينيّة – الإسرائيليّة لم تعد تتصدّر أجندات الشعوب العربيّة التي تسعى إلى الحرّيّة والخبز أساساً. وفي المعنى هذا لم يعد يجدي القول الراديكاليّ القديم من أنّ الأنظمة وحدها هي “المتخاذلة” فيما الشعوب مصرّة على سلوك طريق النضال لدحر الدولة العبريّة.

أمّا على الصعيد الأشدّ واقعيّةً ومباشرةً، فالواضح أنّ أيّاً من البلدان المحيطة بإسرائيل غير راغب في سلوك تلك الطريق أو غير قادر عليه. فمصر ملتزمة باتّفاق كامب ديفيد للسلام، حيث تبيّن أنّ طرفاً ممانعاً تقليديّاً كجماعة الإخوان المسلمين لا يقلّ عن سواه تمسّكاً به. وهذا فضلاً عن أنّ الاوضاع المصريّة الداخليّة، بالسياسيّ منها والاقتصاديّ، سوف تستغرق سنوات قبل استعادة حدّ معقول من التوازن يتيح التفكير في طبيعة العلاقة بالدولة العبريّة. وإذا كان الأردن، وهو أصلاً صغير ومحدود الإمكانات، يلتزم السلام الذي أملته معاهدة وادي عربة، فإنّ سوريّا المثخنة بجراحها سيلزمها أكثر كثيراً ممّا يلزم مصر قبل أن تستقرّ على حال. وربّما كان المأساويّ – الملهاويّ على هذا الصعيد ما يفترضه حزب الله من تحويل لبنان، الصغير والضعيف والمنقسم على نفسه، قاعدةً وحيدة لما تبقّى من صراع عربيّ – إسرائيليّ.

لكنْ إذا شكّلت تلك اللوحة خلفيّة ما يجري، فإنّ المشهد يضجّ بتطوّرات أخرى ترفع درجة الصعوبة فتجعلها استحالة. فقد جاءت الزيارة الأخيرة التي قام بها الرئيس الأميركيّ باراك أوباما لتلّ أبيب لتؤكّد بما لا يدع مجالاً للشكّ أنّ إسرائيل وحدها، من بين سائر قضايا الشرق الأوسط، قضيّة أميركيّة مباشرة. والحال أنّ باقي العرب الذين يطمحون في الحصول على دعم أميركيّ سياسيّ أو اقتصاديّ، أو يريدون الولايات المتّحدة ظهيراً في مواجهة إيران، أو يراهنون عليها لدعم ثوراتهم، أو يعوّلون عليها للحفاظ على أنظمتهم…، لا يستطيعون أن يذهبوا بعيداً في الحرد واللوم.

وإلى ذلك تحقّقت قفزة اقتصاديّة هائلة لمصلحة إسرائيل مع بدء ضخّ الغاز الطبيعيّ من بئر تامار. فالدولة العبريّة التي أنجزت، بفعل هذا الضخّ، استقلالها في الطاقة، لم تعد مضطرّة لاستيراد الغاز من مصر مع ما يتهدّد ذلك من تفجير متكرّر للأنابيب. فوق هذا، بات متاحاً لإسرائيل أن تصدّر غازها إلى بلدان مجاورة كالأردن والضفّة الغربيّة وصولاً إلى قبرص واليونان. وقد تبيّن، إلى هذا، أنّ إحدى وظائف المصالحة الإسرائيليّة – التركيّة الأخيرة تعبيد الطريق أمام الأتراك كي يكونوا جسر انتقال الغاز الطبيعيّ إلى أوروبا الغربيّة. وغنيّ عن القول إنّ قفزة اقتصاديّة كهذه ستتيح، في ما تتيحه، عدم خفض موازنة الجيش، على ما اقتُرح في وقت سابق.

في المقابل، ليست أحوال الفلسطينيّين على ما يرام. صحيح أنّ قمّة الدوحة الأخيرة اعتبرت القضيّة الفلسطينيّة “قضيّة العرب الأولى” وخصّصت مليار دولار للقدس. لكنّ الصحيح أيضاً أنّ الموضوع السوريّ، وامتداده في ما خصّ إيران، سرقا الضوء كلّيّاً من الموضوع الفلسطينيّ وأشارا إلى مكمن التركيز الفعليّ في العالم العربيّ.

كذلك لم يحصل حتّى الآن ما يدلّ على أنّ المصالحة الفلسطينيّة – الفلسطينيّة سوف تُستكمل فعلاً. ذاك أنّ التقارب النسبيّ بين الرئيس محمود عبّاس وخالد مشعل يبقى، على إيجابيّته، أقلّ من المطلوب لردم الهوّة بين سلطتي، وربّما بين كياني، الضفّة الغربيّة وقطاع غزّة. فأمر الانتخابات، مثلاً، لا يزال يشوبه الغموض، فيما أمر الحكومة الانتقاليّة يشوبه غموض أكبر. وفي هذا السياق جاءت دعوة حركة حماس إلى قمّة الدوحة أن تعيد النظر في التمثيل الفلسطينيّ في الجامعة العربيّة لتجدّد الشكوك في ما خصّ مستقبل العلاقة بين السلطتين.

في المقابل، أكّد التجديد لمشعل في قيادة حماس، بعد تعهّده السابق بعدم الترشّح، الدور الوازن للخارج في تقرير الخريطة الداخليّة للعمل الفلسطينيّ. وهذا، كما تقول تجارب كثيرة، ليس مدعاة لتفاؤل كبير في ما خصّ استقلاليّة القرار الوطنيّ الفلسطينيّ. ومع اللبس الذي لا يزال يلفّ اتّفاقيّة الرئيس عبّاس والملك الأردنيّ عبد الله الثاني على حماية المقدّسات الإسلاميّة في القدس، يبقى الباب مفتوحاً لتكهّنات، نفاها الفلسطينيّون، تتعلّق بأفكار الفيدراليّة والكونفيدراليّة عشيّة الزيارة المنتظرة لوزير الخارجيّة الأميركيّ جون كيري والتوقّعات المثارة بصدد تحريكها عمليّة السلام.

كائناً ما كان الأمر، تمضي إسرائيل في استيطانها وفي قضمها الأرض، ويبتعد أكثر فأكثر أفق الدولتين الذي بشّرت به أوسلو. فكيف يُردّ على هذه الوجهة من ضمن واقع متغيّر وشروط شديدة الاختلاف؟

موقع 24

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى